بدافع فرض الأمن في مدينة بنغازي "الجريحة" وتطهيرها من الإرهاب والإرهابيين أعلن خليفة
حفتر عن عملية "الكرامة". الإرهابيون في نظر حفتر وأنصاره وقطاع من الرأي العام الذي مال لصالحه وأيده، هم كتيبة 17 فبراير، وكتيبة راف الله السحاتي، وكتيبة أنصار الشريعة، وكتيبة مالك، وجميعها كتائب محسوبة على التيار الإسلامي بدرجاته المختلفة من الاعتدال إلى التشدد، وساهمت بقوة في الحرب ضد القذافي منذ محاولة دخول رتله في 19 مارس 2011 وحتى مقتله في 20 أكتوبر من العام نفسه. وبعضها مثل كتيبة مالك اكتسبت صيتا حسنا في أوساط الرأي العام لدورها في حفظ الأمن وعودة الاستقرار في مناطق شهدت اضطرابات حادة في الجنوب الليبي.
وإن كان من نجاح يمكن نسبته لخليفة حفتر في عمليته فهو انتقاؤه لشعار "مجابهة الإرهاب" و"سحق المتشددين"، إذ يلقى الشعار قبولا وساهم في تغيير مواقف البعض من معارضة الجنرال، إلى الدفاع عن حملته لأن التهم الموجهة إليه، برأيهم، لا تذكر أمام خطر التشدد والمتشددين. أيضا يعتمد حفتر في كسب التأييد على كونه ضابطا كبيرا وقواته تتكون من ضباط وضباط صف وجنود، في مواجهة "مليشيات" تعارض بناء الجيش والشرطة.
إذاً شرعية حفتر ومشروعية حملته لا غبار عليها وهي مستمدة من الشعب كما صرح، ولا تهزها تصريحات وبيانات السلطة المنتخبة من مؤتمر وحكومة واللذان اعتبراه خارجا عن القانون وقائدا لانقلاب على ثورة فبراير ومكتسباتها، لأن الأخيرة، بحسب خطاب حفتر، "منتهية الصلاحية" و "فاقدة الشرعية" بقرار من الشعب الذي قال كلمته في هذه الكيانات في مظاهرات "لا للتمديد" في فبراير الماضي.
ينجح حفتر نسبيا في خطابه ودعايته، ويساعده في ذلك ضعف المؤتمر والحكومة، وحالة القلق والإحباط التي تسود في الشارع الليبي، لكنه لم يستطع كسب تأييد كاسح بسبب ماضيه كونه من ضباط الفاتح من سبتمبر، والقائد العسكري لمغامرة القذافي في تشاد والتي راح ضحيتها آلاف من الليبيين فضلا عن عدد يناهزهم من ضحايا مدنين تشاديين.
كما أنه لم ينجح عسكريا حيث كانت نتائج هجومه الأول صادمة باعتبار أن معظم الخسائر في الأرواح والاصابات البشرية وفي العتاد كانت في قواته. والخسائر تتعدى البعد المادي إلى الآخر المعنوي، فما وقع من إخفاق في اليوم الأول هي خسائر "جيش" يقوده "لواء" يعتمد كثيرا على خبرته وقدراته القيادية العسكرية في تشكيل صورته لدى الرأي العام. وقد وقعت هذه الخسائر في مواجهة شباب لا خبرة لهم في المعارك إلا تجربة المواجهات مع القذافي. بهذه الخسائر ربما لم يفقد حفتر زمام المبادرة وأثر الصدمة الأولى وجزء ليس بالقليل من قدراته القتالية، بل ربما فقد بعض الهالة التي تحيط بشخصه والرصيد الذي يعتمد عليه في إنجاح خطته.
وكمحاولة لاستعادة رباطة الجأش والمحافظة على الهيبة أمام الرأي العام أصدر حفترا نداء بإخلاء أحياء من المدينة، وقد كانت ردود الفعل سلبية حيال النداء، باعتبار أنه جاء بعد الفشل في الهجوم الأول، وتكبد خسائر في الأوراح والعتاد، مما يعني الوقوع تحت ضغط ردة الفعل غير المنضبطة التي قد تدفع لاستخدام أسلحة ثقيلة في مناطق بعضها آهل بالسكان كحي القوارشة.
من ناحية أخرى، أحجمت قوات الصاعقة، و"جيش برقة"، والمسلحون التابعون لإبراهيم جضران، التي توقع كثيرون أنها يمكن أن تناصر حفتر، عن الدخول في القتال الدائر، ولم تؤيد عمليته بشكل صريح وحاشد حتى الآن، وهو ما يشير إلى خلاف يتعلق بمشروع حفتر وشخصيته الانفرادية التي قد تلغي وجود هذه الكيانات.
الورقة الأهم بالنسبة لحفتر هي تحرك كتائب القعقاع والصواعق قوية التسليح والمحسوبة على مدينة الزنتان في العاصمة، وتحديد غاية خروجها بإسقاط المؤتمر الوطني والحكومة المنبثقة عنه، الأمر الذي جابهه رئيس المؤتمر الوطني بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بتكليف دروع المنطقة الوسطى والغربية لتأمين العاصمة. وقد سبق لهذه الدروع أن أبطلت مخططات لكتائب القعقاع والصواعق باعتقال أعضاء المؤتمر الوطني، وهي قادرة على إعادة التوزان الأمني للعاصمة، وفي حال تفجر الوضع فالمواجهات ستكون واسعة ونتائجها خطيرة.
يمكن الخلوص إلى أن أهداف تحرك حفتر تدخل في إطار الصراع السياسي والتنافس على السلطة، ومن هنا تكمن خطورته، لأنه سيؤدي إلى استشراء القتل والدمار وقد برر هو عمليته لوقفهما، وسيضاعف من تأزيم المشهد ويقطع الطريق على المسار الديمقراطي الذي يتجه إلى الحركة بعد مرحلة توقف وذلك من خلال انطلاق أعمال الهيئة التأسيسية وانتخابات المجالس البلدية والانتخابات البرلمانية.