تساءل الكاتب البريطاني جوناثان ستيل عن مدى وصول خصم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المقيم في أمريكا فتح الله
غولن لمرحلة الذروة في الأزمة بينهما بعد تشكيل الأخير للكيان الموازي والتورط في التسريبات الأخيرة للاجتماعات الأمنية.
وكان
أردوغان تعهد بملاحقة حركة خدمة التي أسسها فتح الله غولن بعد أن بات على قناعة بأن أفراد الحركة هم من قاموا بعمليات التنصت على الهواتف وعمليات تسريب الأشرطة والتي هددت بإسقاطه وحكومته حيث قال أردوغان "سيدفعون الثمن غاليا، سيحاسبون، كيف تجرأوا على تهديد الأمن القومي؟".
وكانت التسجيلات أشارت إلى اتهامات بالفساد ورد أردوغان بجعل 4 وزراء يستقيلون وأوقف ونقل آلاف رجال الشرطة ورجال النيابة والقضاة الذين شك في علاقتهم مع حركة خدمة ويعد الآن بمحاكمة آخرين بارتكاب جرائم.
ولفت الكاتب إلى أن غولن الذي غادر
تركيا للولايات المتحدة عام 1999 للعلاج يقول إن حركته تهتم بالأمور الاجتماعية فقط ولا علاقة لها بالسياسة ولكن حلفاء رئيس الوزراء يتهمونه بالتقاء فكره مع فكر المحافظين الجدد الأمرييكيين بخصوص روسيا وايران واسرائيل وهم مقتنعون بأن جماعة غولن تسعى لتغيير السياسة الخارجية التركية بطرق سرية لتلتقي مع السياسة الأمريكية.
وفي مقابلة خاصة مع (ميديل إيسترن آي) قال مقرب سابق من غولن: "أنا أتفق مع رئيس الوزراء أن ما يقوم به فتح الله غولن خطأ وأتفق أنها دولة موازية. في البداية كان هدفنا تعليم الناس الدين والأخلاق ولكن الحركة تحولت إلى سياسية عندما كبرت وغولن تغير وتحول إلى السياسة وسعى لأن يكون قائدا يحكم تركيا".
وأشار في هذه التصريحات إلى لطيف أردوغان (ليس قريبا لرئيس الوزراء) وهو عالم إسلامي ساعد في تأسيس حركة خدمة مع غولن قبل ثلاثين عام وهو يعتقد أن غولن تنكر لمثل الحركة الأصلية، وظهر في مقابلات على التلفزيون المحلي ولكنه لم يتحدث إلى صحفيين أجانب من قبل.
وقال لطيف: "بدأنا طريقنا برسالة روحية ولكنها الآن أصبحت علمانية وعليه أن يعود "هذه كانت دعوته للرجل الذي عمل معه في تركيا وكان يزوره دائما في مزرعته في بنسلفانيا، وكان كثير من أتباع غولن يرون في لطيف خليفة لغولن الذي أوهنه المرض ووصل عمره إلى ما يقارب 73 عاما".
ويتفق لطيف مع قناعة رئيس الوزراء من أن اتباع غولن نسقوا عملية التجسس على هواتف مئات الشخصيات المهمة بما في ذلك سياسيين و تجارا ومسؤولين و صحفيين إضافة إلى تسريب بعض التسجيلات والتي كان أسوأها تسجيلات سربت في شهر كانون أول/ ديسمبر حيث أشارت إلى تورط 4 وزراء في فساد وشريط آخر يقول رئيس الوزراء أنه ممنتج يظهر فيه بأنه يطلب من ابنه تخبئة المبالغ الكبيرة من النقود الأجنبية لديه.
وأوضح أن تهم الفساد حظيت بتغطية كبيرة خلال حملة الانتخابات في الصحف وقنوات التلفزيون التي تدعم أفكار غولن إلا أن المصوتين لم يتجاوبوا، وفي الواقع فإن تسريب التسجيلات كان لها مفعولا عكسيا مما تسبب بخروج أعداد أكبر لتأييد رئيس الوزراء الذي حول الانتخاب إلى استفتاء شعبي على شخصه بعد تهم الفساد، وجاب البلاد طولا وعرضا في حملة انتخابية للمرشحين المحليين من حزبه "حزب العدالة والتنميه" والذي ارتفع نصيبه من الأصوات من 38.8% في الانتخابات المحلية عام 2009 إلى 45.5 % في 30 آذار/ مارس والذي كان بالتأكيد تصويتا ضد حركة غولن.
وكان فوز الحكومة مضاعفا حيث تبين أن أردوغان تجاوز السمعة السيئة التي اكتسبها بسبب قمع مظاهرات حديقة غازي الربيع الماضي، حين تحول مركز اسطنبول إلى ساحة للمعارك بين الشرطة والمتظاهرين.
ويقول سردار بيليس الذي شارك في الاحتجاجات إنه يختلف مع حزب العدالة والتنمية ومع حركة غولن وإنه يخشى من أن يستغل أردوغان هذا الانتصار لإنشاء مول تسوق في مكان الحديقة، أما تحليله لمسألة عدم تأثير فضائح الفساد فيبدو قاسيا حيث يقول: "الشعب التركي ليس شعبا ديمقراطيا جدا، فهو يستريح للتعامل مع سلطان مثلا، أما مؤيدو أردوغان فيقولون إن التسجيلات مفبركة أو يجادلون بأن كل السياسيين فاسدين وما يهم هو مدى فعاليتهم".
وكانت حركة غولن تعمل مع حزب العدالة والتنمية عندما سعى الطرفان للتقليل من دور الجيش التركي في السياسة في الثمانينات والتسعينات ولإنهاء التمييز ضد الإسلاميين في الحياة العامة. وكان غولن يمثل "الإسلام الإجتماعي" بينما مثل حزب العدالة والتنمية "الإسلام السياسي، ونجح الطرفان على مدى الإثنى عشرة سنة الماضية حيث فاز حزب العدالة والتنمية على الأحزاب العلمانية ويستطيع الإدعاء بأنه الحزب الوطني التركي الوحيد.
وأشار الكاتب إلى أنه ممثل جيد على مستوى البلديات في طول وعرض البلاد بينما ينحصر تمثيل الأحزاب الأخرى في البلديات على مناطق بذاتها. وفي الوقت ذاته أشتغل الكثير من أتباع غولن في وظائف حكومية بالذات في الشرطة والجاندرمة بالإضافة إلى النيابة والقضاء وهم مصممون على تأدية واجباتهم بالأمانة التي تفرضها عليهم عقيدتهم.
ولفت إلى أن حزب العدالة والتنمية قدم للبلاد عقدا من التقدم الإقتصادي بحيث احتمل اقتصاد تركيا الإنهيار الإقتصادي العالمي أكثر من أي بلد في أوروبا ونمو الإقتصاد هذا العام يتوقع أن يصل إلى 4% مع أنه أبطأ منه على مدى العقد الماضي. وجزء كبير من الإقتصاد كان عبارة عن استثمار في البنية التحتية والقطارات السريعة والجامعات في كل بلد بحجم متوسط بالإضافة لشبكة مطارات محلية.
ويقول منتقدو الحزب أن الإنشاءات صاحبها فساد كبير ويتهمون الحزب بإعطاء عقود الحكومة لمؤيدي الحزب وتستغل الصفقات الكبيرة لجذب أصحاب القنوات التلفزيونية والذين لهم مصالح في قطاع البناء لدعم الحكومة. ويشتكي قائد مظاهرات حديقة غازي قائلا: "هذه حكومة تجار عقارات ولا يهمها أن تدمر البيئة"، ولكن بالنسبة لملايين الأتراك فإن الإزدهار جلب تقدما في مستوى الحياة وفرصا تتغلب على نقد الحزب.
وفاجأ الخلاف بين حزب العدالة والتنمية وجماعة غولن الأتراك حيث بدأت الخلافات أولا على الموقف من إسرائيل فانتقد غولن منظمي حملة أسطول الحرية والذي قادته سفينة المافي مرمرة في محاولة لكسر الحصار على غزة عام 2010 حيث اقتحمت القوات الإسرائيلية السفينة في المياه الدولية وقتلت تسعة من الركاب.
كما تم تسريب أشرطة في أيلول، سبتمبر 2011 لاجتماع بين رئيس المخابرات حقان فيدان وممثلين عن حزب العمال الكردي في أوسلو، ومع أنه ليس هناك دليل يشير إلى أن جماعة غولن هي المسؤولة عن التسريب ومع أن غولن نفسه تحدث كعادته بضبابية حو الموضوع قائلا إنه يفضل حلا سلميا للقضية الكردية إلا أن الصحفيين الموالين له تحدثوا عن تنازلات كبيرة قدمتها الحكومة لحزب العمال الكردي وخاصة ما يتعلق بالإصلاحات الدستورية.
ولكن المؤيدين والمعارضين يتحدثون الآن عن فروقات أساسية وعلى مدى طويل بين حزب العدالة وجماعة غولن. فمع أنه ينظر لإسلاميي تركيا على أنهم تقليديين بشكل عام ومحافظين اجتماعيا إلا أن صحفيا مؤيدا لغولن يرى أن هناك فرقا طبقيا فيقول: "أتباع غولن متعلمون جيدا ومتعولمون وواسعو الأفق ومتقبلون للآخر إذا ما قورنوا بالجماهير التي تدعم حزب العدالة والتنمية".
ويقول طه أوزان رئيس مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة وهو مؤيد لأردوغان: "لم تتزوج جماعة جولن حزب العدالة والتنمية أبدا. ففي وقت الإنقلاب العسكري في 1980 عندما قتل 5000 وكان التعذيب أمر عادي مجدت حركت غولن الجيش. دائما ما أيدت جماعة غولن الحكومة وحتى في الأوقات الذي كانت فيها المسألة الكردية أكثر دموية، وذلك كيف استطاعوا الدخول إلى الشرطة والقضاء، تصرفوا كقوميين متشددين وهذا ما أعطاهم شرعية أمام أجهزة الحكومة العلمانية".
أما أيكان إردمير، أحد أعضاء البرلمان الأصغر سنا عن حزب الشعب الجمهوري (الكمالي) فقال للميديل إيست آي إن الفرق بين جماعة غولن وحزب أردوغان فرق شاسع، "فغولن ليس استبدادي إسلامي يدعم الإخوان المسلمين، ولكن اصف أتباعه بأنهم ورثة الإسلام الصوفي التركي الأناضولي؛ اتقياء ومتحررين اقتصاديا، وغولن نفسه مؤيد للإنضمام للإتحاد الأوروبي ويحب الأطلسي والسوق الحرة وبراغميتي فيما يتعلق بإسرائيل.. بينما أردوغان فهو رجعي شعبوي وراسمالي على مستوى الحكومة أو المقربين ومع أنه يؤيد الاتحاد الأوروبي والأطلسي إلا أن ذلك مجرد براغماتية فهو في الواقع ضدهما".
وكان أوضح تحليل من لطيف أردوغان، الإسلامي الذي انشق عن غولن والذي بدأت علاقته بغولن في إزمير كطالب، وكانوا مجموعة من الطلاب المتبعين لتعاليم سعيد النورسي وهو مصلح إسلامي من شرق تركيا كتب مجموعة من الرسائل الإسلامية أسماها رسائل النور وأوجد حركة أسماها حركة النور.
وكان النورسي يعارض الإلحاد والمادية والتي تقود في النهاية إلى الفساد. وتحت حكم العلمانية المتطرفة لكمال أتاتورك الذي أوجد الجمهورية التركية الحديثة اضطهد النورسي وأبعد إلى مقاطعة نائية.
وكان لطيف أردوغان مع غولن عندما تركوا حركة النور – بعد 15 سنة من وفاة النورسي وقال: "بدأنا حركتنا بهدف بناء المدارس والجامعات ابتداء من تركيا ثم خارجها". ولدى خدمة الآن مدارس في 140 بلدا وهناك عدة مئات من المدارس في تركيا نفسها، هذا بالإضافة لشركات تجارية ومنظمات ضغط سياسي وصحف ومؤسسات لحوار الأديان. ويعمل خريجو مدارس خدمة متطوعين برواتب رمزية لتعليم الأطفال الصغار فيشكلون وحدة من الناس المتعاونين وتبقى العلاقات قائمة فيعين كل منهم الآخر في الحصول على وظيفة أو عقد عمل.
وكان أردوغان رئيس مؤسسة الصحفيين والكتاب وهي تابعة لحركة غولن، وعندما غادر غولن إلى الولايات المتحدة قبل 15 عاما للعلاج لم يكن هناك شك لدى لطيف أردوغان أن جماعة غولن ينوون القيام بتسريب تسجيلات ويقول: "كان غولن يحب التصنت .. وقبل أن يذهب إلى الولايات المتحدة قال لي إنه كان يتصنت علي لمدة 15 عاما، فحولتها إلى مزحة وقلت له الآن أشعر أكثر أمنا، شكرا لك".
وبحسب لطيف أردوغان فإن غولن لم يحب حزب العدالة والتنمية ولكنه كان يرحب بكون الحزب يمثل مسلمي البلاد "ولأن الحزب كان يكسب تأييد المحافظين والمتدينين لم يستطع غولن أن يقدم شيئا أفضل بإيجاد حزب خاص به ولذلك استخدم الحزب".
وأشار الكاتب إلى أن لطيف أردوغان كان لديه شكوك عندما انضم اتباع غولن للشرطة والجيش، وأجاب بأنهم لم يكونوا مهتمين بسياسة الناس ولكن اعترف باحتمال وجود ذرائع وقال: "إن كنت عضوا في الحركة وانضممت للشرطة، الناس لا يعرفون أنك عضوفي حركة غولن وكان لنا علاقات بأناس انضموا للشرطة والقضاء ولم يكن الهدف استخدام موقعهم الوظيفي في الحكومة. أظن أنه من الخطأ أن يفعل الناس ذلك. لم يخبرني غولن أبدا أنه سيستخدم هؤلاء الناس. ولم أكن على علم بأنهم يقومون بتسجيلات".
وقال الكاتب "ذهبت الغشاوة عن عيني لطيف أردوغان عندما تم تسريب شريط اجتماع حقان فيدان بحزب العمال الكردي على الإنترنت، وقال: "كان غولن يريد واحدا من جماعته رئيسا للإستخبارات الوطنية، ولذلك سربوا تسجيلات أوسلو فهو كان يريد التخلص من حقان وكان لا يتفق مع حزب العمال الكردي. وإسرائيل أيضا كانت لا تريد حقان فيدان ولذلك استنتجنا أن سياسة غولن قريبة من سياسة إسرائيل".
ويضيف لطيف أردوغان أنه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة تريد تركيا قوية تكون قائدة في العالم الإسلامي "ولأنهم لايستطيعون عمل شيء من الخارج قرروا استخدام وسائل من الداخل، فهم لا يريدون حلا للمسألة الكردية وهي التي كانت جرحا داخليا نازفا كلفت الآلاف من القتلى والملايين من الليرات. وقد توقف القتال الآن لمدة 18 شهرا وهذا يزعج اسرائيل و الولايات المتحدة .. وكان غولن يحب أن تكون تركيا قوية قبل أن يذهب إلى الولايات المتحدة، ولكن سياسته الآن قائمة على اسرائيل والولايات المتحدة فهو يقول إن لم تعمل تركيا مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة فلن تكون قوية".
وتوقع أن الحرب بين غولن وحزب العدالة والتنمية ستزداد شراسة بعد الإنتخابات المحلية ولكنه لم يكن يشك في أن الحزب سيخرج رابحا ويضيف: "لا يوجد تاييد فكري لحركة غولن في تركيا الآن والشعب لا يحبهم، وحركة خدمة ستواجه أياما صعبة".
المتحدث بإسم غولن ينكر هذا ويقول إن محامي الحركة سيتوجهون للمحكمة الدستورية لإلغاء قانون الحكومة بشأن المدارس الخاصة التي تسبب الاكتظاظ في امتحانات دخول الجامعة، ربعها تديره حركة غولن وتعتبر مصد التجنيد الأساسي للحركة.
وقال مصطفي يسيل، الرئيس الحالي لمؤسسة الصحفيين والكتاب، مؤسسة تابعة لحركة غولن، للميديل إيست آي "حركة خدمة ليست سياسية وفي كل السنوات التي عملت فيها قام متطوعو خدمة بتأييد أحزاب مختلفة فالحركة تقف على نفس المسافة بين جميع الأحزاب .. ولكن حزب العدالة والتنمية قام بحملة تشويه لحركة خدمة لأنها تصر على الإستقلال".
وأضاف "يتواجد متطوعي خدمة في كل مناحي الحياة، في الخدمة المدنية والحركة تريدهم أن يؤدوا عملهم في إطار القانون، ولأنه ليس هناك طقوس للإنضمام أو الإنفصال عن الحركة ولا سجل للأعضاء فيمكن أن يظهر بعض الناس تعاطفا مع خدمة أو تأييدا لها ولكنهم لا يقومون بعملهم تعاطفا معها."
فبعد سنوات من التعاون الضمني بينهما دخل حزب العدالة والتنمية وحركة غولن في صراع مفتوح وبعد أن كسب أردوغان انتخابات الشهر الماضي ومع الانتخابات الرئاسية تلوح في الأفق في شهر آب أغسطس فبتوقع احتدام الصراع.