خصّت صحيفة "
الغارديان" أوضاع باليمن بتقرير تحدثت فيه عما وصل إليه حاله. ورأت الصحيفة أن
القوى التقليدية هي التي لا زالت مسيطرة في
اليمن، وهي التي ستمنع أي تحول نحو مجتمع مدني كي تحافظ على مصالحها الضيقة.
وأعد التقرير مراسلها المتجول غيث عبد الأحد الذي التقى مجموعة من المحامين والصحفيين والنقاد العاطلين عن العمل وشاعر اجتمعوا ذات مساءٍ في مكتب محام مشهور، حيث يتحول المكتب إلى صالون أدبي كل أسبوع.
ويصور الكاتب المجموعة الجالسة في "المقيل"، أي جلسة تعاطي القات التي يصفها "بقطع الدومينو المائلة، متكئين على الوسائد والغرفة مليئة بالدخان، وأمام كل منهم باقة من القات وقنينة ماء، وهم يتجاذبون أطراف الحديث حول ما آلت إليه البلاد".
ويواصل "إنهم ديمقراطيون ودعاة حقوق إنسان وكانوا معارضين لحكم علي عبدالله صالح، ووثقوا جرائم نظامه قبل أن تبدأ ثورات الربيع العربي بزمن طويل".
ويضيف "كانت المجموعة متباينة ويختلفون مع بعضهم البعض، وكانت آراؤهم أحيانا ساذجة، إلا أنهم يجتمعون على الحلم في أن تصبح اليمن يوما دولة مدنية".
المجموعة تعارض النظام الحالي، ولكنهم يشعرون بالهزيمة والخذلان ويختصرون هذا الشعور بكلمة واحدة؛ "موفنبيك". و"موفنبيك فندق فاخر في صنعاء يشرف من الهضبة التي أقيم عليها على صنعاء التي تبدو منه وكأنها مكان بعيد مليء بالغبار ويقطنها الفقراء والتعساء. وكان هذا الفندق على مدى الأحد عشر شهرا الماضية مقرا للحوار الوطني اليمني الذي جمع زعماء القبائل مع السياسيين مع الإسلاميين وممثلي المجتمع المدني وشباب الثورة، وقد تم بوساطة من الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، نفس الوساطة التي جاءت بحكومة عبد ربه منصور هادي الذي انتخب بعدها كرئيس مؤقت، حيث كان هو المرشح الوحيد. وبحسب شروط المرحلة الانتقالية يتم تقاسم الوزارات بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والجيش".
ولكن بدلا من ذلك، انتهى الحوار الذي كانت تسيطر القوى التقليدية عليه من البداية بعد أربعة أشهر من موعد انتهائه وصدر عنه تقرير يحتوي على 1400 توصية، ومدد الفترة الانتقالية وأعطى مهلة سنة أخرى لكتابة مسودة الدستور والتصويت عليها.
وبالنسبة للمواطنين العاديين بعيدا عن أروقة الفندق الفاخر، لم يخط اليمن خطوة كدولة تؤدي وظيفتها. فقد شهدت صنعاء موجة اغتيالات للساسة مهددة الحكومة المركزية التي لا تتواجد أصلا خارج المدن الرئيسية.
وظهر ضعف الحكومة عندما هاجمت مجموعة من مقاتلي القاعدة مستشفى داخل مجمع وزارة الدفاع وقتلوا العشرات، حيث أظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة المسلحين يقتلون موظفي المستشفى والمرضى.
وفي يوم الإثنين اختطف أوروبي يعمل في قطاع النفط بعد ليلة من التفجيرات هزت العاصمة، وهذه ثاني حالة اختطاف لغربي في أربعة أيام، وفي الوقت نفسه تجول الطائرات الأمريكية من غير طيار في السماء اليمنية وتقتل المسلحين والمدنيين دون خوف من المساءلة.
وثيقة بن عمر
وفي مكتب المحامي حيث اجتمع الناشطون وتعليقا على وثيقة مؤتمر الحوار التي يسمونها "وثيقة بن عمر"، قال المضيف بصوته الجهوري "كيف يمكن أن تتحدث عن فدرالية بينما لا يوجد عندك دولة أصلا؟ هناك استيلاء على الممتلكات وفوضى سياسية، وبينما يقتل الناس بعضهم بعضا في الشارع يجلسون في صنعاء للحوار".
فالشخصيات السياسية والقبلية القوية التي حضرت المؤتمر هي نفسها التي كانت في سباق محموم للاستيلاء على الممتلكات، وفرض واقع على الأرض يتجاذبون اليمن في اتجاهات متعددة كمجموعة من اللصوص يتجاذبون معطفا باليا سرقوه حتى يمزقوه.
وقال الصحافي سامي غالب، والذي يعتبر مرجعا في تاريخ اليمن: "إنهم يخلقون وضعا جديدا في اليمن يقوم على المناطقية، ومع كل سلبيات الأحزاب السياسية اليمنية وصراعاتها، فهي أحسن مما سيحدث في المستقبل، حيث ستكون الصراعات القادمة بين أهل المنطقة الواحدة، بالإضافة إلى الصراعات بين المناطق المختلفة".
في الصالة صورة للرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي تذكر المجتمعين بأحلامهم، ففي سبعينيات القرن الماضي حاول بناء دولة عصرية وحاول الحد من سيطرة القبائل، ولكنه اغتيل بعد عدة سنوات من حكمه.
وتحدث المجمتمعون عن اليمن الشمالي حيث تدور المعارك بين الحوثيين (شيعة زيدية) والسلفيين، وتطور الصراع ليشمل قبائل أخرى تحارب بجانب السلفيين، ومن هذه القبائل من هو زيدي فأصبحت الحرب دينية وقبلية في آن. هذا ناهيك عن مشاكل الجنوب.
ويحلل غالب الوضع كالتالي: "القوى التقليدية قادرة على التلون بحيث تستطيع ركوب موجة الانقلاب، وتمنع التحول من الداخل. وهذا ما يحصل الآن، فنفس القبائل والأشخاص وأبنائهم دعموا الثورة وأصبحوا ثوارا للحفاظ على مصالحهم".