قد يجد الرئيس محمد مرسي متسعا من الوقت داخل السجن ليراجع أخطاءه التي وقع فيها خلال فترة حكمه القصيرة لمصر، والتي لم تدم إلا عاما واحدا فقط، وربما يتذكر الرئيس عدم تطهيره الجذري لمؤسسات مبارك، أو عدم تكوينه لتحالف عريض يواجهة الدولة العميقة، لكنه بالتأكيد سيتوقف طويلا عند اختياره للمشير عبد الفتاح
السيسي وزيرا للدفاع باعتباره "أكبر أخطاء الرئيس".
ويتضح خطأ مرسي أكثر وأكثر عندما نرى السيسي يقترب بشدة من خوض انتخابات الرئاسة والجلوس على عرش مصر بعد أقل من سبعة أشهر من قيادته للانقلاب على الرئيس مرسي، وإطلاقه لحملة قمع غير مسبوقة، أودت بحياة الآلاف من معارضيه، وتحوله إلى ديكتاتور يقتل ويعتقل من يعارضه.
ومع حملة الترويج الهائلة التي تديرها ماكينة الإعلام المصري للسيسي، وتصويره كبطل أسطوري بالرغم من أنه لم يخض معركة عسكرية واحدة، ولم يتولَّ قيادة الجيش المصري سوى شهور قليلة، يريد كثيرون معرفة المزيد عن هذا الرجل متساءلين "من هو السيسي؟"
ولد عبد الفتاح السيسي في المنوفية يوم 19 نوفمبر 1954، ونشأ في حي الجمالية بالقاهرة، وتخرج في الكلية الحربية عام 1977،حصل على ماجستير من كلية القادة والأركان عام 1987، ثم ماجستير آخر من كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992، ثم زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية عام 2003، وبعدها بثلاث سنوات حصل على زمالة كلية الحرب العليا الأمريكية، وعمل قائدا لسلاح المشاة، ثم قائدا للمنطقة الشمالية العسكرية، ثم مديرا المخابرات الحربية فى عهد مبارك.
له بنت و ثلاثة أبناء انضموا الى صفوف الجيش، وأكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي.
بطل "كشف العذرية"
وكان السيسي الأصغر سنا من بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر عقب تنحي مبارك إبان
ثورة يناير، وكان صاحب وضع السيسي "خطة استراتيجية" للجيش لمواجهة "توريث الحكم" لجمال مبارك.
اعترف بإجراء الجيش "كشوف العذرية" على الناشطات اللاتي تم اعتقالهن بعد أقل من شهرين من قيام ثورة يناير، وبرر ذلك بالرغبة في حماية الجنود من الاتهام لاحقا باغتصابهن.
وبعد قيام ثورة يناير كان السيسي مسؤولا عن الحوار مع القوى السياسية، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة.
ولم يكن العالم يعرف شيئا عن السيسي قبل أن يثق فيه الرئيس محمد مرسي ويختاره وزيرا للدفاع، خلفا للمشير محمد حسين طنطاوي والذى تمت إقالته عقب حادث رفح الذى أودى بحياة 17 جنديا مصريا في أغسطس 2012، حيث تمت ترقيته "استثنائيا" إلى رتبة فريق أول، وهو أول قائد للجيش المصري لم يخض أية معارك عسكرية.
وربما يكون مرسي قد أراد قائدا أصغر سنا؛ للحد من نفوذ العسكريين الكبار الذين عملوا مع مبارك قبل الثورة واستمروا بعده، ويحتمل أن ما يعرف عن السيسي من تدين لاقى استحسان مرسي.
ظل السيسي بعيدا عن التدخل في الأمور السياسية لعدة أشهر، وصب اهتمامه على إعادة الانضباط داخل صفوف القوات المسلحة، والانشغال بتدريب الجيش.
تعرض السيسي بعد تعيينه وزيرا للدفاع لانتقادات واسعة من القوى المعارضة لحكم مرسي، والتي زعمت أنه يعمل على ''أخونة'' الجيش، ولم تتبدد تلك الشكوك إلا بعد قيادته للإنقلاب على مرسي.
قائد الانقلاب الدموي
وقبل عزل مرسي بأكثر من أسبوع وتحديداً في السادس والعشرين من يوليو 2012، استيقظ الرئيس وقادة الإخوان ليكتشفوا أن الجيش انتشر منذ الفجر في كل الأماكن الحيوية بالبلاد وفرض سيطرته على الارض.
وقالت شخصية عسكرية مقربة من السيسي، إن السبب وراء تحرك الجيش من دون علم الرئيس هو أنه كانت لدى القوات المسلحة "معلومات عن نية الإخوان اعتقال لشخصيات سياسية وإعلامية، فكان لابد من استباق تحركهم".
وأمهل الرئيس مرسي أسبوعا لتقديم تنازلات للمعارضة، وبعد أن اندلعت احتجاجات واسعة في 30 يونيو عام 2013 للمطالبة برحيل مرسي بعد عام من حكمه للبلاد، أصدر السيسي بيانا عن القوات المسلحة يحذر من أن الجيش لا يمكن أن يتجاهل مطالب الشعب، وأمهل الرئيس مهلة 48 ساعة لتلبية تلك المطالب.
وفي الثالث من يوليو، ألقى السيسي بيانا بحضور عدد من قادة المعارضة وشيخ الأزهر وبابا الأقباط، أعلن فيه ما أسماه بـ"خارطة الطريق" والتى تم بموجبها عزل أول رئيس منتخب في تاريخ مصر وتعطيل العمل بالدستور وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للبلاد.
وفي 26 يوليو، طلب من المصريين النزول الى الشوارع لإعطائه "تفويضاً وأمراً لمواجهة الارهاب المحتمل"، وبعدها ارتكب مجازر في صفوف معارضي
الانقلاب كان أكبرها فض اعتصامي رابعة والنهضة التي راح ضحيتها آلاف المتظاهرين.
الجنرال الكاذب
وبعد الانقلاب شغل السيسي منصب النائب الأول لرئيس الوزراء بجانب وزارة الدفاع، وبالرغم من قسمه أكثر من مرة أنه غير طامع في أي منصب إلا أن تسجيلات مسربة له أكدت شهوته للسلطة، وأنه كان يحلم بحكم مصر منذ ثلاثين عاما.
وفي ندوة للقوات المسلحة منذ شهر تقريبا قال إنه مستعد للترشح للرئاسة، لكن يجب أن يكون ذلك "بطلب من الشعب وبتفويض من جيشي".
وفي الذكرى الثالثة للثورة يوم الخامس والعشرين من يناير خرج الآلاف في ميدان التحرير من مؤيدي الانقلاب يطالبونه بالترشح، فيما كانت قوات الجيش والشرطة تقتل المعارضين على بعد أمتار قليلة من الميدان وتمنعهم من الاحتجاج، وخرجت وسائل الإعلام المصرية لتزعم أن جموع الشعب تريد السيسي رئيسا لمصر، وأنه لابديل له لإنقاذ البلاد من الانهيار.
ثم اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومنحه موافقته على الترشح في الانتخابات استجابة "لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر".
وبعدها بيوم أدخل الرئيس المؤقت تعديلا على خارطة الطريق، قدم بموجبه إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، في خطوة قال مراقبون إنها تهدف إلى تولي السيسي الرئاسة سريعا لإحكام قبضته على السلطة بشكل كامل.
وفي اليوم التالي تمت ترقية السيسي إلى رتبة مشير ليصبح تاسع ضابط مصري يحظي بهذه الرتبة الأعلى في القوات المسلحة، وهي الترقية الثانية التي يحصل عليها خلال أقل من 18 شهراً.
واعتبر خبراء عسكريون قرار ترقيته بداية لترشحه للرئاسة، فيما اعتبره مسؤولون حكوميون "تكريماً له قبل استقالته".
ويتوقع فوز السيسي في سباق الرئاسة "بسهولة"، وسط دعم مؤسسات الدولة له، وترهيب الأمن لمعارضيه، ويؤكد منتقدوه من إسلاميين وليبراليين، أن انتخابه سيعيد عهود القمع إلى مصر.