طبعاً تتوقعون مني أن أكتب عن غياب النائبة حنان الفتلاوي، وعن رحلات الشتاء التي يقوم بها صالح المطلك الى واشنطن، وابتسامة حيدر الملا، قد تتوقعون مني أن أسخر من تصريحات نواب الفتنة الطائفية، وربما تريدون أن اقدم مشاهد ساخرة لما يجري حولنا.
فالناس اليوم لا تفرق بين السياسة والكوميديا.. فبعد سيل من التصريحات الفكاهية عن ازمة اختيار الوان العلم العراقي، اكتشفنا مبكرين أنّ ساستنا يتعمدون أن يقدموا لنا كل يوم عملا يضحك العراقيين ليشغلهم عن مأساة حياتهم. خذوا مثلا النكتة التي أطلقها الناطق باسم وزاردة الداخلية عندما خرج علينا امس ليقول: "لدينا عناصر مزروعة داخل المجاميع الارهابية"، وكأن الناس نسيت ان الناطق نفسه، كان قد صرح اكثر من مرة من ان الجهد الاستخباري ضعيف جداً.
بالأمس وأنا أستمع لتغريدات نوابنا الأشاوس، أثارني خبر بثته وكالة سكاي نيوز يقول "كشف راشد
الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس عن تحريك قضية فساد ضد صهره وزير الخارجية السابق، وقال الغنوشي تصريحات صحفية إنه لم يضغط لتعيين زوج ابنته في منصب وزير الخارجية في حكومة حمادي الجبالي "
وأنا أقرأ الخبر تذكرت عشرات، بل مئات من اقارب المسؤولين ممن يتولون مناصب في الدولة العراقية، فهناك الابن والصهر والعم وابن الخال، والغريب والعجيب ان كل هؤلاء محصنون بوصايا وتعليمات تمنع الاقتراب منهم، فقد شاهدنا كيف عاد حسين كامل وعبد حمود بنسخ جديدة، وكيف ان احزاب الاقارب والاحباب انتشرت بسرعة على امل الحصول على حصة من كعكة انتخابات 2014،
واعود الى تونس وهذا الخبر ايضا، فقد اتفق حزب النهضة الإسلامي الحاكم واحزاب المعارضة على تسمية وزير الصناعة مهدي جمعة كرئيس جديد للوزراء في حكومة كفاءات انتقالية مستقلة وغير حزبية لتقود البلاد، الغنوشي الاسلامي اعترف إن الوزراء الإسلاميين الذين تولوا الوزارات السيادية سيتم تغييرهم في سياق مبادرة بتشكيل حكومة محايدة مكونة من كفاءات لاتنتمي الى احزاب"
هذا رجل على رأس حزب ديني، يعلن للعالم فشل حزبه في إدارة البلاد ويطالب بأن تدار البلاد من خلال اناس اكفاء، ولاؤهم الاول للوطن وليس للحزب، ترى ماذا سيقول سياسيونا عن الغنوشي، هل سيتهمونه بانه ينتمي الى حزب علماني كافر وانه ينفذ أجندة أجنبية تريد نشر الفسوق والكفر؟ ماذا سيقول العراقيون وهم يعيشون في ظل رئيس حزب ديني يتولى وزارة العلوم والتكنولوجيا، وآخر يتولى التعليم، وثالث التربية.. فيما امور الدفاع والداخلية سلمت الى مقربين واحباب، وكذا الامر في معظم الوزارات.
يكشف لنا حديث الغنوشي ولو متأخرا أن أحزابنا لا تجيد سوى نشر الإحباط وقتل الأمل في النفوس، وتحويل العراق الذي انتظر السعادة الى بلد يرضى أهله بما مقسوم لهم في ظل ساسة ومسؤولين مهمتهم الاولى تعبيد طرق الأخرة أمام الناس وطرق السعادة والرفاهية أمام عوائلهم واحبابهم ومنتفعيهم.
وانا انتهي من قراءة حديث الغنوشي تذكرت مقال كتبه الزميل عبد اللطيف الحرز امس في جريدة العالم، عن شخصية لم اسمع بها من قبل وهو علي المالكي، اقتطف هذه الفقرة التي يقول فيها الكاتب "قبل يومين، زف علي المالكي خبره الجديد، بعد أن تنقل من العمل في أمن البصرة ثم في خدمة القصور، الآن يعمل على تكوين حزب لنفسه، لا يمكن هنا أن نسأل: كيف لشخص ينتقل من بائع خضراوات، إلى مسؤول أمن البصرة، ثم أمن القصور، ثم زعيم حزب بدون وجود لخطة عمل و برنامج وأهداف؟ السؤال الغائب في كل مجريات السياسة العراقية هو أننا أمام اختلاف شعارات وأسماء بين الكتل السياسية، وليس اختلاف برامج. لا أحد يسأل عن برامج هذا الحزب أو ذاك".
والآن بعد ان قرأتم عبارة الزميل عبد اللطيف الحرز، هل تصدقون أن ساستنا بوضعهم الحالي يفتحون أبوابهم للكفاءات والخبرات وأنهم مشغولون أصلا ببناء دولة المؤسسات؟
أرجو ألا يكون المقال ثقيلاً عليكم، وسأحتمي من غضبكم وسخريتكم، ببيت شعر لعمنا المتنبي الذي ظل يذكرنا فيه ان هذه البلاد مليئة بالمضحكات.. ولكنه ضحك كالبُكا.
(المدى)