السجناء الثلاثة يشكون احتجاز كل منهم فى زنزانة انفرادية، والسماح لهم بالتريض لمدة ساعتين فقط فى اليوم. فضلا عن حرمانهم من التواصل خارج السجن، حيث تمنع عنهم المراسلات والبرقيات المرسلة إليهم، بالإضافة إلى منع وسائل الترفيه كالراديو والتليفزيون المسموح بها لغيرهم من النزلاء فى نفس السجن.
كما انهم يشكون من منع زيارة المحامين، وبالتالى عدم القدرة على الاستشارة القانونية قبل استئناف الحكم عليهم. وإلى الآن لم يتمكنوا من الاجتماع بالمحامين بالرغم من تحديد جلسة الاستئناف على الحكم الصادر ضدهم فى 8 يناير الحالى. وكان النشطاء الثلاثة قد بدأوا إضرابا عن الطعام فى 25 ديسمبر الماضى، قبل أن يعلقوه بعد وعد إدارة السجن بالسماح بزيارة محاميهم، التى كانت مقدرة فى الثلاثين من نفس الشهر، إلا أن ذلك لم يتحقق فقرروا استئناف الإضراب مرة أخرى.
النص أعلاه ليس لى، ولكنى نقلته حرفيا مما نشرته جريدة «الشروق» أمس (4/1) منسوبا إلى المتحدث باسم حركة 6 أبريل الذى ذكر أن الناشط السياسى أحمد دومة وعضو الحركة أحمد ماهر ومحمد عادل استأنفوا إضرابهم عن الطعام فى محبسهم، الذى يقضون فيه عقوبة السجن ثلاث سنوات بتهمة خرق قانون التظاهر، اعتراضا على ما وصفوه بتعنت إدارة السجن فى توفير مستلزماتهم وحقوقهم.
هذا الكلام ليس خبرا فقط ولكنه بلاغ أيضا إلى كل من يهمه الأمر خصوصا المنظمات الحقوقية التى تكتسب شرعيتها من الدفاع عن حقوق الخلق بصرف النظر عن انتماءاتهم أيا كانت. وهو موجه أيضا إلى المثقفين الذين انخرطوا فى الاستقطاب حتى أصبح اصطفاف بعضهم إلى جانب الأجهزة الأمنية ظاهرة مثيرة للانتباه والدهشة. فضلا عن هذا وذاك فإن المعلومات المنشورة تسلط الضوء على جانب بسيط ومحدود للغاية من الصورة. ذلك انها تتحدث عن ثلاثة أشخاص اتهموا بمخالفة قانون التظاهر وحكم على كل واحد منهم بالسجن ثلاث سنوات. وهو ما لا يسوغ إساءة معاملتهم وانتهاك حقوقهم بطبيعة الحال، كما لا يقلل من شأن معاناتهم التى ينبغى أن يتضامن الجميع معهم فى ضرورة وضع حد لها، بما يحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم وهم داخل السجن.
حين ذكرت أن التقرير المنشور يسلط الضوء على جانب بسيط ومحدود من الصورة، كان فى ذهنى عدد الأشخاص ومحدوديته بالمقارنة بالإخوان وغيرهم، كما كانت فى ذهنى الأحكام التى قضت بحبس المتظاهرين من كليات جامعة الأزهر بسبعة عشر سنة سجنا لكل منهم. هؤلاء وهؤلاء لا يذكرهم أحد، ولا يتحدث أحد عن معاناتهم الأمر الذى فتح الباب لانتشار شائعات وروايات كثيرة عن اهانتهم وتعذيبهم، حتى سمعت ان منهم من تم حبسه فى دورات المياه لأكثر من ثلاثين يوما. أما رعاية مرضاهم ومعاناتهم من الصقيع الذى ضرب البلاد وأذل العباد فى الآونة الأخيرة فحدث فيها ولا حرج. دع عنك أعداد قتلاهم والذين احترقت أجسادهم، الذين باتوا يعاملون بازدراء شديد من جانب أجهزة الدولة وشرائح المثقفين والإعلاميين الذين تحولوا إلى أبواق مناصرة للعسف ومروجة للكراهية.
هؤلاء المعذبون فى السجون والمعتقلات سقطوا من حساب الجميع، وفى المقدمة منهم أغلب المنظمات الحقوقية. وباتت الإشارة إلى التحقيق فى مظلوميتهم أو الدفاع عن إنسانيتهم تهمة تستصحب إثارة الشبهات وتقديم البلاغات الكيدية والتحريضية. فى نظر البعض، حتى من بين زملائنا المحترمين ذلك أن الدعوة إلى التحقيق قبل الإدانة أصبحت تعد جريمة وانحيازا إلى الفكر وليس إلى الحق والقانون. كما أن المطالبة بوقف التعذيب واستباحة الكرامات والأعراض باتت نوعا من الاصطفاف وإخلالا بالحياد والموضوعية. وهو أمر مستغرب حقا، لانه حين يتعلق الأمر بالمقابلة بين الظلم والعدل أو بين الدفاع عن كرامة الإنسان وامتهانها، فإن الحياد لا يجوز بأى معيار. وإنما هو فى هذه الحالة يعد تخاذلا وتقاعسا مذموما.
إن إحدى مآسى الزمن الذى نعيشه أن الهوى السياسى والصراع الايديولوجى تغلبا على ما هو إنسانى وحقوقى بل وأخلاقى أيضا. وتتضاعف المأساة حين يتبنى هذا الموقف مثقفون ومهنيون محترمون، ممن باتوا يستكثرون أى دفاع عن القانون أو عن مظلومية الآخر أو كرامته.
إن بصمات عام
الكراهية لم تشوه الحياة السياسية
المصرية فحسب، ولكنها لوثت العقول وشوهت الضمائر أيضا. ورغم أن الصراع تجاوز ما هو سياسى وأيديولوجى، بحيث ما عدنا نتحدث عن أفكار هذا الطرف أو ذاك، فإن دفاعنا عن الكرامة الإنسانية والحق فى الحياة بات يستفز البعض ويثير استياءهم. إن الفاشية الجديدة تطرق أبواب العام الجديد فى مصر بجرأة غير معهودة.