شددت الباحثة داليا داسا في مقال نشرته مجلة "
فورين أفيرز" على أن دولة
الاحتلال الإسرائيلي لا تسعى إلى مخرج دبلوماسي في ظل عدوانها على
لبنان وقطاع غزة والهجوم
الإيراني الذي استهدفها مؤخرا، موضحة أن الإدارة الإسرائيلية تبحث الآن عن "النصر الكامل".
وقالت الباحثة في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن "اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصر الله الأسبوع الماضي كان بمثابة لحظة تحولية للشرق الأوسط. تحت قيادة نصر الله، أصبح حزب الله أقرب حليف لإيران وقوة ردع حاسمة، والركيزة الأساسية لمحور المقاومة في طهران".
وأضافت أن "موته كان ضربة شديدة ومروعة ليس فقط لحزب الله ولكن أيضا لمحور القوات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة"، مشيرة إلى أنه "بالنسبة لإسرائيل، كان القتل خطوة منطقية، وإن كانت جريئة، على سلم التصعيد".
وأوضحت أن الاحتلال بعدها، "اتخذ الخطوة التالية: غزو بري للبنان أطلق العنان لهجوم واسع النطاق على حزب الله. كل ذلك في حين واجه انتقاما مباشرا جديدا من إيران، مع إطلاق ما يقرب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل هذا الأسبوع".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر المقال، أنه "على مدى العام الماضي، استهدفت إسرائيل قادة في حزب الله والحرس الثوري الإيراني، فقتلت بشكل منهجي مئات من كبار أعضائهما. كما عملت على إضعاف حزب الله وإيران بشكل مطرد، معتبرة أنه على الرغم من أن كليهما سيحافظ على صراع منخفض المستوى، إلا أن أيا منهما لا يريد حربا شاملة مع إسرائيل. كما شجعت الديناميات المحلية عمليات إسرائيل".
وأشار إلى أن "العديد من الإسرائيليين يشعرون بأن العودة إلى وضع ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أمر غير مقبول. وكان أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الهجمات هو أن إسرائيل لا يمكنها أن تكتفي بإدارة واحتواء التهديدات على حدودها، بل إنها بحاجة إلى انتصارات عسكرية حاسمة - بغض النظر عن التكاليف".
وبالتالي، وفقا للمقال، فقد "أصبح القادة الإسرائيليون متحمسين للغاية لاستعادة الردع المحطم للبلاد والهالة التي لا تقهر التي تمزقت بسبب هجوم حماس. وفي ظل عجزها عن هزيمة حماس بشكل نهائي في غزة، فقد ترى إسرائيل المزيد من الفرص في القتال ضد حزب الله وإيران. فقد أمضى جيشها سنوات في الاستعداد للقتال على الجبهة الشمالية، وكما أظهرت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في إيران ولبنان، فقد اخترقت أجهزة استخباراتها على نطاق واسع كلا من الشبكات الإيرانية وحزب الله".
وقالت الباحثة، إنه "في البيئة التصعيدية الحالية، من غير المرجح أن تنجح الجهود الأمريكية والدولية لتشجيع التوصل إلى تسوية دبلوماسية للحرب في لبنان أو غزة، حتى مع تزايد إلحاح الدعوات إلى وقف إطلاق النار في وجه المواجهة المباشرة الجديدة بين إسرائيل وإيران. ولكن إسرائيل في الوقت الحالي لا تسعى إلى إيجاد مخرج دبلوماسي؛ بل إنها تبحث عن النصر الكامل".
و"تضاف إلى الحسابات الاستراتيجية الاعتبارات السياسية التي تربط بين بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو السياسي واستمرار الحروب التي يبدو أنها لا تؤدي إلا إلى تعزيز شعبيته واستقرار ائتلافه الحاكم"، وفقا للكاتبة.
وذكرت الباحثة، أن "نصر الله كان عدوا مميتا، وفرح الإسرائيليون ــ وكثيرون غيرهم في المنطقة ــ بوفاته. ويؤيد العديد من الإسرائيليين مواجهة حزب الله الضعيف في لبنان، وحتى زعماء المعارضة يفضلون العمليات البرية الإسرائيلية الجارية حاليا".
واستدركت بالقول: "ولكن بمجرد أن يتلاشى هذا الحماس ــ وهو ما قد يحدث بسرعة أكبر مما كان متوقعا، حيث أجبرت الهجمات الإيرانية وحزب الله ردا على وفاة نصر الله الإسرائيليين في مختلف أنحاء البلاد على اللجوء إلى الملاجئ ــ فقد يبدأون في سؤال قادتهم عن المعنى الحقيقي للنصر. فبعد عام من الحرب، هناك احتمال حقيقي لعدم وجود "يوم بعد" أفضل في غزة أو بقية المنطقة.".
وأوضحت أن الحديث في واشنطن عن الاستفادة من وفاة نصر الله وضعف إيران "لإعادة تشكيل" الشرق الأوسط يعود إلى المعتقدات المضللة التي دفعت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 إلى نتائج كارثية.
وأشارت إلى أن المخاطر التي قد تنجم عن حرب غزة من إشعال صراع إقليمي أوسع نطاقا، بما في ذلك المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، كانت واضحة منذ البداية. وسرعان ما دخل حزب الله المعركة، ولو ربما ليس بالقدر الذي كانت حماس ترغب فيه.
وتابعت بالقول: "وردت إسرائيل بهجمات مضادة متزايدة التوسع. وأدى تصاعد العنف إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين واللبنانيين على جانبي الحدود. وتشبث كثيرون بالوهم القائل بأن الصراع على الجبهة الشمالية يمكن احتواؤه لأن أي طرف لم يرغب في حرب شاملة".
ولفتت إلى أن حزب الله "قصر هجماته إلى حد كبير على الأهداف القريبة من الحدود، والتي كانت ضمن قواعد الاشتباك المقبولة التي شكلتها المجموعة مع إسرائيل بعد حربها الأخيرة في عام 2006. ولكن مع استمرار القتال في غزة، تجاوزت كل من إسرائيل وحزب الله الخطوط الحمراء بهجمات وصلت إلى عمق الأراضي الإسرائيلية واللبنانية وعرضت المدنيين للخطر. ولكن في الواقع، كان عدد الضحايا يرتفع، ولكن بمستوى يشير إلى أن الصراع لا يزال قابلا للاحتواء".
ومع ذلك، حسب المقال، فقد "كان هناك دائما خطر اندلاع حرب شاملة بإحدى طريقتين. أولا، كان هناك احتمال سوء التقدير ــ أن يؤدي هجوم من جانب أحد الطرفين إلى خسائر غير متوقعة ويجبر الجانب الآخر على حرب غير مرغوب فيها. وكان هذا الخطر واضحا مع الهجوم الذي شنته إسرائيل في أوائل نيسان/ أبريل على منشأة دبلوماسية إيرانية. فردّت إيران بأول هجوم صاروخي مباشر لها على الإطلاق على إسرائيل".
وكان المسار المحتمل الآخر نحو الحرب الشاملة هو تغيير الحسابات الاستراتيجية ــ حيث ترى إحدى القوى المعنية قيمة أكبر في شن حرب من تجنبها.
وأوضحت أن "هذه العقلية هي التي دفعت إسرائيل إلى تصعيد هجومها على حزب الله في لبنان. ورغم أن إيران وحزب الله بدا وكأنهما يعتقدان أن الصراع المنخفض الدرجة مع إسرائيل يمكن إدارته طالما أن إسرائيل منشغلة بغزة، فإن حسابات إسرائيل قد تحولت بالفعل مع تحول انتباهها بشكل متزايد إلى الشمال خلال الصيف".
وعندما يتعلق الأمر بالشمال، وفقا للكاتبة، فإن "الإجماع في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية وعلى مستوى الطيف السياسي أكبر كثيرا من الإجماع في المناقشة حول كيفية التعامل مع غزة والرهائن المتبقين. وبعد هجمات حماس، لم يعد الاعتماد على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية لحماية البلاد من ترسانة حزب الله الضخمة كافيا، ولن يكون كافيا للسماح للإسرائيليين النازحين بالعودة إلى ديارهم".
وذكرت أنه "قبل الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، أشارت إسرائيل إلى أنها تخطط فقط لتنفيذ عملية عسكرية محدودة في لبنان وليس احتلال جنوب لبنان مرة أخرى. ولكن لا توجد ضمانات بأن الحرب سوف تظل محدودة أو قصيرة، استنادا إلى تاريخ الحروب بين البلدين ونظرا للمقاومة المحتملة التي قد تواجهها إسرائيل من قِبَل حزب الله، حتى في حالته المتضائلة، الآن بعد أن غزا الأراضي اللبنانية. وفي ظل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة كخلفية، فإن جبهة الحرب اللبنانية قد تشتد أكثر".
اظهار أخبار متعلقة
ولفتت إلى أنه "ربما لم تكن إسرائيل تقصد أن يكون انفجار أجهزة النداء واللاسلكي التي وزعها حزب الله في منتصف أيلول/ سبتمبر بمثابة الدفعة الأولى من حرب ثانية. ولكن إسرائيل كانت عازمة على تغيير المعادلة مع حزب الله بطريقة أو بأخرى".
وشددت على أن "السؤال الآن هو إلى أي مدى تخطط إسرائيل للذهاب. وإذا كان ما حدث في غزة مؤشرا على أي شيء، فإن لبنان وشعبه قد يواجهان أسابيع عصيبة في المستقبل؛ فقد نزح مليون لبناني بالفعل في بلد يزيد عدد سكانه قليلا عن خمسة ملايين نسمة".
ووفقا للمقال، فقد واجهت إيران "معضلة في كيفية الرد على مقتل نصر الله والضربات الإسرائيلية لحزب الله. وكان قرارها بالتخلي عن الرد الفوري على مقتل الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران في أواخر تموز/ يوليو يوحي بدرجة من الحذر والاهتمام المستمر بتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقا".
وذكرت الكاتبة، أن "إيران وإسرائيل، كانتا منخرطتين لأكثر من عقد من الزمان في ما يسمى بالحرب الخفية التي اتسمت بالاغتيالات والتخريب والهجمات الإسرائيلية المتعددة على البنية الأساسية النووية والعسكرية الإيرانية. ولكن الهجمات الإسرائيلية البارزة على مدى الشهرين الماضيين، من مقتل هنية إلى هجمات أجهزة النداء واغتيال نصر الله، زادت من الضغوط داخل إيران للرد بقوة أكبر لإصلاح صورتها بين شركائها في المحور وإنهاء سلسلة الانتصارات الإسرائيلية على مدى الأسابيع القليلة الماضية، والتي شملت الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن".
وخاصة بعد تصريح نتنياهو: "ليس هناك مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه". ونتيجة لهذا، وعلى الرغم من المخاطر، ولا شك بعد نقاش داخلي كبير، تصرفت طهران وفقا لتعهدها بالرد، فأطلقت الصواريخ على إسرائيل للمرة الثانية في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر. وقد أعطت إشعارا أقل تقدما مما كانت عليه في أبريل/نيسان، وشملت أهدافها منشآت عسكرية في مناطق مكتظة بالسكان في إسرائيل، وفقا للمقال.
ولكن في الوقت نفسه، فإن إسرائيل لن تستسلم. فكما حدث من قبل، نجح نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي ــ بمساعدة عسكرية أمريكية ــ في صد الهجوم، والحد من الأضرار وضمان عدم وقوع إصابات بين الإسرائيليين. وهدد نتنياهو إيران بدفع ثمن الهجوم، وتوعد المسؤولون الأمريكيون بعواقب وخيمة على إيران، حسب الكاتبة.
وأشارت الباحثة، إلى أنه "نظرا للطبيعة المباشرة للضربة الإيرانية وقائمة الأهداف الإسرائيلية المتوسعة، فإن الرد الإسرائيلي شبه مؤكد. ولكن ما هو أقل يقينا هو ما إذا كانت هذه الجولة الجديدة من المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة ستنتهي بنفس السرعة التي انتهت بها معركة نيسان/ أبريل. ومع تدهور محور إيران بالوكالة، قد تقرر إسرائيل اغتنام الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية أو زيادة استهداف قادة الحرس الثوري الإسلامي، أو حتى الزعماء السياسيين الإيرانيين".
وقالت إن "هناك أيضا أسبابا منطقية قد تجعل إسرائيل تقتصر استجابتها على ضربة أخرى محسوبة ومستهدفة على إيران، كما فعلت في نيسان/ أبريل، مما سمح لكلا الجانبين بإعلان النصر والتراجع عن حافة الهاوية. ومن المرجح أيضا أن تكون مقاومة الولايات المتحدة لتوسيع الحرب كبيرة. كما هددت قوات الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق باستهداف أفراد أمريكيين إذا تدخلت الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن إدارة بايدن لا تسعى إلى حرب مباشرة مع إيران".
وأضافت أن "بعض المحللين، يتكهنون بأن إيران يمكن أن تستجيب لتدهور شبكة تحالفها وتعوض عن ضعفها العسكري التقليدي من خلال التحرك نحو تسليح برنامجها النووي. لكن مثل هذه الخطوة الجذرية من المرجح أن يتم اكتشافها ولن تؤدي إلا إلى زيادة خطر الهجمات الإسرائيلية الأكثر شدة وشمولا على البلاد. ولقد كان صناع السياسات والمحللون يخططون لما بعد الحرب منذ بدأت. وكانوا يأملون أن تنبثق الفرصة من المأساة. وربما تساعد الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الإسرائيليين والفلسطينيين في التوصل أخيرا إلى اتفاق وإعادة بناء الضفة الغربية وغزة بعد سنوات من الإهمال".
اظهار أخبار متعلقة
وقد يكون حجم المعاناة والخسائر بمثابة تذكير قاسٍ ولكنه فعال بأن هذا الصراع لا يمكن تجاهله، وأنه سوف يخلف دمارا ليس فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين بل وأيضا في مختلف أنحاء المنطقة، بطرق قد تمس كل ركن من أركان العالم. وكانوا يأملون أن يثبت هذا الصراع أن النتيجة الوحيدة المقبولة سوف تتمثل في إيجاد حل سياسي قابل للتطبيق قادر على كسر جولات العنف التي لا تنتهي، وفقا للمقال.
واستدركت الكاتبة بالقول "ولكن من المؤسف أن رؤية يوم سلمي مزدهر بعد غزة تبتعد أكثر فأكثر، وإن لم يكن من المتوقع. فالصورة بدلا من ذلك هي صورة استمرار القتال، وارتفاع أعداد القتلى، والدمار المادي الكارثي، والنزوح الجماعي، والظروف الإنسانية المزرية".
واختتمت المقال، بالإشارة إلى أنه "إذا استمرت هذه العمليات، فقد تنتهي إسرائيل، عن قصد أو عن غير قصد، إلى إعادة احتلال أجزاء أو كل غزة والضفة الغربية، بل وحتى جنوب لبنان. وغني عن القول إن اليوم التالي أكثر قتامة مما تصوره كثيرون. ولكن هذا احتمال حقيقي ينطوي على عواقب وخيمة. ذلك أن إعادة الاحتلال من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل في الأمد البعيد، وأن تقضي على التطلعات
الفلسطينية إلى الاستقلال والكرامة، وأن تزعزع استقرار المنطقة بأسرها".