يتلخص الدفاع الشائع عن "عدوانية
إسرائيل"، سواء داخل الأراضي
الفلسطينية أو في المنطقة الأوسع نطاقا، في الادعاء بأنها لا بد وأن تتصرف على هذا النحو لأنها محاطة بدول "تحاول إبادتها".
وقالت صحيفة "
الغارديان" في تقرير لها إنه "مثلها كمثل العديد من الحجج التي تحاول تبرير رد فعل إسرائيل غير المتناسب على أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فإن هذا الدفاع ليس خاطئا فحسب، بل إنه يشكل أيضا قلبا للواقع".
وأوضحت أن "الأحداث التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية والهجوم على
لبنان على مدى الأيام القليلة الماضية تؤكد أن إسرائيل هي التي تشكل تهديدا لجيرانها، وفي يوم الاثنين الماضي وحده، أسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية عن مقتل 558 شخصا في لبنان ـ نصف عدد القتلى في شهر كامل من الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006".
وبينت: "كان من بين القتلى خمسون طفلا، فضلا عن العاملين في المجال الإنساني، ومسعفين، وموظفين حكوميين، ويقول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن مليون شخص قد ينزحون قريبا".
اظهار أخبار متعلقة
وذكرت: "أدت الضربة التي أدت إلى استشهاد زعيم
حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة إلى تدمير ستة مبان سكنية في بيروت، بينما "
غزة المصغرة" تتكشف بسرعة وآلاف الهاربين يبحثون عن الأمان، وأطفال مصابون بصدمات نفسية، وخسائر بشرية فادحة، وتصعيد لا حدود له على أرواح المدنيين الذين يمكن التضحية بهم من أجل تحقيق أهداف إسرائيل".
وأكدت الصحيفة أنه "منذ بداية الصراع في غزة، انخرطت إسرائيل وحزب الله في حرب لإظهار القدرة العسكرية والعزيمة، وتبادل الصواريخ والخطابات القوية ولكن لم يبدأ قط حربا مفتوحة وغير مقيدة. وقد تغير هذا مع الهجمات بأجهزة النداء والراديو، التي يعتقد على نطاق واسع أنها من قِبَل إسرائيل، والتي أعقبتها الغارات الجوية التي تصاعدت الأسبوع الماضي".
وقالت إن إسرائيل "لا تبحث فقط عن استعراض للقوة العسكرية الحاسمة وإخضاع حزب الله، بل وأيضا عن النصر العسكري الذي لا يزال بعيد المنال في مستنقع غزة. ولكن هناك خطر يتمثل في أن حزب الله وإيران، اللذين امتنعا حتى الآن عن إعلان الحرب بشكل واضح، سوف يندفعان إلى صراع يحفظ ماء الوجه، وهو صراع لا يستطيع أي منهما أو إسرائيل الفوز به بشكل مباشر".
وأوضحت: "هنا نجد أنفسنا مرة أخرى: في موقف حيث يجد المدنيون أنفسهم محاصرين في الوسط، وتبرر إسرائيل مقتلهم بدفاع يستند ـ كما هي العادة ـ إلى مخاوف من "تهديد وجودي"، ولكن فيما يتصل بالتهديدات الحقيقية والخطيرة للاستقرار الإقليمي، فإن إسرائيل هي القوة المحاربة الخارجة عن السيطرة، والتي شرعت في حملتها الأخيرة في لبنان واغتيال نصر الله ضد رغبات الولايات المتحدة الصريحة".
وأشارت إلى أن الجيران والمنطقة الأوسع نطاقا مترددون في الانجرار إلى أي نوع من الحرب مع "إسرائيل"، ناهيك عن حرب تدمرها، حيث قلب رد إسرائيل على أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الوضع الراهن ـ ولو كان الخيار متاحا لجيرانها فإنهم سوف يعيدون عقارب الساعة إلى الوراء بكل تأكيد.
وأكدت: "لقد استمرت حرب غزة لفترة طويلة واتسع نطاقها إلى الحد الذي لم نعد معه نرى الصور الأصغر ـ بل أصبحنا نرى فقط الكليشيه المتمثل في "التوترات المتصاعدة" في الشرق الأوسط، ولم نعد نرى الآخرين الذين يُقتَلون على أطرافها، في الضفة الغربية ولبنان وسوريا، ولكننا لا نستطيع أن نرى ملامح الدول الفردية ــ تحدياتها وتاريخها الطويل في التعامل مع إسرائيل وفلسطين، وصراعاتها الخاصة".
وقالت إن "لبنان، البلد الذي لا يزال يعاني من ندوب الحرب الأهلية، يتعرض الآن لصدمة جديدة؛ وفي أماكن أخرى، قلبت تصرفات إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر السياسات المحلية والتوازنات السياسية الإقليمية في العالم العربي والشرق الأوسط على نطاق أوسع".
وتابعت أنه "في الآونة الأخيرة، لم تكن دول عديدة في المنطقة تتمنى تدمير إسرائيل، بل اعتبرت أن قضية إسرائيل وفلسطين قد حُسمت أو على الأقل تم تهميشها، إلى حد كبير بشروط إسرائيل، فقد وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل قبل أكثر من أربعين عاما، وخرجت من صراع كانت تعلم أنها لا تستطيع الانتصار فيه".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت: "أما الأردن، التي لا تزال الضفة الغربية تحتلها إسرائيل، فقد عقدت السلام في عام 1994، وفي اتفاقيات أبراهام، وافقت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بوضعها كدولة ذات سيادة أو البدء في هذه العملية. وكان تطبيع العلاقات والاعتراف من جانب السعودية، وهو انتصار كبير لإسرائيل، في طريقه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. والإجماع بين المحللين والمطلعين الذين تحدثت إليهم هو أن السعودية لا ترى في حرب غزة عاملا يغير قواعد اللعبة في علاقتها بإسرائيل، وأنه إذا انتهت، فإن الدولة الخليجية ستظل حريصة على التطبيع".
كما تشكل حرب غزة، والقضية الإسرائيلية الفلسطينية الأوسع نطاقا، اختبارا للدول العربية التي تتعامل مع تحدياتها الخاصة وتدير خلافاتها الداخلية. إن هذا يشكل تشتيتا للانتباه ويعطل علاقاتهم مع حلفائهم الغربيين. فمصر تعاني من أزمة اقتصادية وتتعرض لضغوط شديدة لاتخاذ قرار بشأن السماح للاجئين الفلسطينيين بالدخول، الأمر الذي قد يسمح بالتطهير العرقي في غزة في هذه العملية.
وبينت أن "الإمارات متورطة بالفعل في حرب في السودان، والتي تثير بسببها موجة غضب شديدة وبعض التغطية الإعلامية الدولية الضارة، وترغب السعودية كثيرا في ترك كل السياسة الخارجية وراءها، بعد أن أفرطت في تناولها خلال الوقت الذي كانت فيه تفرض قوتها باستخدام النفوذ الديني والثروة، والبدء في بناء المدن الكبرى اللامعة وشراء الامتيازات الرياضية وتجميل صورتها".
وتعد قطر "حليفا قويا للولايات المتحدة وتستضيف أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. أما الأردن، وهي دولة فقيرة الموارد واقتصادها هش، فقد استقبلت أكثر من مليون لاجئ من سوريا في السنوات الأخيرة، وتعتمد بشكل شبه كامل على كميات مذهلة من المساعدات الأمريكية للبقاء على قيد الحياة. وظلت سوريا هادئة على الرغم من الضربات التي شنتها إسرائيل على أراضيها. إن لبنان موطن لما يشبه في الواقع دولة حزب الله داخل الدولة، وهي دولة بلا رئيس وتعاني من أزمة اقتصادية وسياسية دائمة".
أما بالنسبة لحجة التهديد الذي تواجهه إسرائيل، فلماذا تستمر تل أبيب في تصوير نفسها وكأنها محاصرة في منطقة تم تدجينها منذ فترة طويلة أو تعاني من مشاكل كثيرة تجعلها غير آبهة [بما يحصل]؟ وإذا كان من الممكن تبرير سبب عدوانية إسرائيل وتصويره على أنه استجابة ضرورية من دولة محاطة بالتهديدات بسبب مجرد وجودها، فإن ذلك يخفي دور إسرائيل ذاته ويظهرها وكأنها بريئة.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت إن "مصدر التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل، وقلب التوترات المتصاعدة في المنطقة، هو حصار إسرائيل لغزة، وما يُدان على نطاق واسع باعتباره نظام فصل عنصري في الضفة الغربية، واحتلالها المستمر للأراضي التي أمرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإخلائها، وتوسعها غير القانوني في المستوطنات".
وختمت أنه "ما دامت هذه الظروف مستمرة، فإن الانتفاضات التي تندلع باستخدام وسائل مبررة أو غير مشروعة، من الانتفاضة إلى السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، سوف تستمر. إن مثل هذه الأحداث من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع دورة من ردود الفعل بين دول مثل إيران وجهات فاعلة غير حكومية مثل حزب الله والحوثيين. والواقع أن التهديد العميق قائم، ولكنه يهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع، وهو ما تدفعه إسرائيل على نحو متزايد إلى حافة الهاوية".