أثارت زيارة غير
اعتيادية لرئيس أركان الجيش
المصري إلى الحدود المصرية مع قطاع غزة، الجدل والتساؤلات حول دلالات توقيتها المتزامن مع توتر دبلوماسي مصري مع
الاحتلال، بشأن محور "فيلادلفيا".
وقام الفريق أحمد
خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الخميس، بزيارة مفاجئة لتفقد الأوضاع الأمنية
وإجراءات تأمين الحدود، على معبر رفح البري والمرور على القوات المكلفة بتأمينه،
والحديث مع الجنود وتناول الطعام بينهم، وذلك قبل استعراض مصور لعدد وحجم ونوعية
القوات والمدرعات المصرية بالمنطقة الحدودية.
اظهار أخبار متعلقة
الزيارة التي وصفها
محللون إسرائيليون، بـ"المفاجئة"، و"غير العادية لحدود غزة
والقاهرة الغاضبة"، جرت بحضور قائد قوات حرس الحدود، ونائب رئيس هيئة عمليات
القوات المسلحة، وقائد قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، والقائم بأعمال رئيس هيئة
الاستخبارات العسكرية، وقائد الجيش الثاني الميداني، وقادة القوات الخاصة، وعدد من
قادة القوات المسلحة.
رئيس أركان حرب القوات
المسلحة المصرية الذي يزور المحور الحدودي الاستراتيجي لأول مرة منذ توليه المنصب
في 3 تموز/ يوليو الماضي، خلفا للفريق أسامة عسكر، أكد لجنوده أن "المهمة
الرئيسية للقوات هي الحفاظ على حدود الدولة على كافة الاتجاهات
الاستراتيجية".
خليفة، خلال تفقده
منظومة التأمين لخط الحدود الشمالية الشرقية الموازي لمحور "فيلادليفيا"
الذي توغل فيه الاحتلال، في قطاع غزة منذ أيار/ مايو الماضي، أضاف أن "رجال
القوات المسلحة المصرية قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلا بعد جيل".
"الرسالة
غير العادية"
ردود فعل الإعلام
العبري على زيارة خليفة وتصريحاته من أمام معبر رفح البري، وظهور عدد كبير من المدرعات
والقوات من أسلحة الصاعقة والمظلات وحرس الحدود والحرب الإلكترونية وغيرها، جاءت
سريعة وتحمل في طياتها بعض المخاوف.
"معاريف"
العبرية، خرجت بعنوان يعود بالإسرائيليين إلى أجواء الحرب المصرية الإسرائيلية
أعوام (1948، و1956، و1967 و1973)، حيث كتبت قائلة: "الدبابات على الأسوار
مرة أخرى: الرسالة غير العادية لرئيس الأركان المصري على حدود غزة".
واعتبرت الصحيفة زيارة
خليفة "بمثابة استعراض للقوة ومحاولة للتأكيد على سيطرة مصر على المنطقة، في
الوقت نفسه"، مشيرة لتزامن استعراض القوة المصرية في المنطقة، مع ما وصفته
بـ"التصريحات القاسية ضد إسرائيل ونتنياهو في الأيام الأخيرة".
اظهار أخبار متعلقة
ولفتت
"معاريف" لاحتجاج مصر الرسمي على استخدام نتنياهو لخريطة تظهر محور
فيلادلفيا كمنطقة عسكرية، في مؤتمر صحفي عقده، الأسبوع الماضي، مؤكدة أن "هذه
القضية محل توتر دبلوماسي بين البلدين".
وبنفس الطريقة، وصف
موقع " ynet" العبري، زيارة خليفة لمعبر رفح، بأنها
"نوع من استعراض آخر لسيطرة مصر على الأرض، إلى جانب التصريحات القاسية ضد
إسرائيل ونتنياهو في الأيام الأخيرة".
ولفت إلى حجم غضب
القاهرة من تصريحات نتنياهو، مشيرا إلى قول صحيفة "الأخبار" اللبنانية
التابعة لحزب الله، الخميس، إن "التصريحات المصرية ضد نتنياهو التي نشرت
الأربعاء، هي الأخطر حتى الآن، وتأتي مع تصعيد دبلوماسي تدريجي، بتنسيق من
المخابرات المصرية والقوات المسلحة، ووزارة الخارجية المصرية".
وقال الموقع
الإسرائيلي إن "مصر تعارض بشدة التواجد الإسرائيلي على
محور فيلادلفيا أو
معبر رفح، بدعوى أن ذلك يشكل انتهاكا لاتفاق السلام 1979".
وأكدت "هيئة
البث" الإسرائيلية أن زيارة رئيس الأركان المصري لحدود قطاع غزة، تمثل
استمرارا للرسائل القاسية القادمة من القاهرة.
"أجواء
الزيارة"
وخلال الأيام الماضية،
تفجر خلاف علني بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين حكومة
القاهرة، على خلفية إصرار نتنياهو على عدم مغادرة جيش الاحتلال لمحور
"فيلادلفيا" (صلاح الدين)، والادعاء بأنه يتم تهريب الأسلحة من مصر إلى
المقاومة الفلسطينية عبر الممر الذي يبلغ طوله 9 أميال (14 كيلومترا) وبعرض 100
متر.
والثلاثاء الماضي، قال
نتنياهو: "سندفع ثمنا باهظا إذا خرجنا من محور فيلادلفيا، والمجتمع الدولي لن
يسمح لنا بالعودة لمحور فيلادلفيا إذا خرجنا منه"، زاعما وجود عشرات الأنفاق
تحت المحور، ومدعيا أن الخط الحدودي بين مصر وفلسطين يستخدم لتهريب الأسلحة إلى
حماس، رغم نفي القاهرة لذلك.
وأغضبت التصريحات القاهرة،
التي اعتبرت تلك التصريحات محاولة لـ"الإضرار بسمعة مصر"، التي طالما
صرحت بأنها "عملت جاهدة على تدمير الأنفاق على الحدود مع قطاع غزة".
وجاء الرد المصري عبر
مصدر رفيع المستوى، مساء الأربعاء، قائلا لفضائية "القاهرة الإخبارية"،
إن نتنياهو يروج الأكاذيب للتغطية على فشله في غزة، مؤكدا أن الحكومة الإسرائيلية
فقدت مصداقيتها داخليا وخارجيا، ولا تزال مستمرة في ترويج أكاذيبها للتغطية على
فشلها.
وأوضح المصدر أن
نتنياهو يمهد من خلال ادعاءاته بتهريب السلاح من مصر لإعلان فشله الأمني والسياسي
خلال السنوات الأخيرة، وعدم العثور على الرهائن وعدم تحقيق أي انتصار عسكري بغزة
أو بالضفة.
اظهار أخبار متعلقة
تصريحات نتنياهو، بشأن
تمسكه بمحور فيلادلفيا واتهاماته لمصر التي زادت من حدة التوتر بين نظامين عرف
عنهما التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي والتجاري طوال فترة حكم رئيس النظام
المصري عبدالفتاح السيسي، (2014- 2030)، دفعت دولا مثل تركيا وقطر والسعودية
والإمارات لإعلان تضامنها مع القاهرة ورفضها ادعاءات نتنياهو.
وبرغم نفي مصر وجود أي
نقل غير مشروع للأسلحة عبر حدودها مع غزة، يواصل مسؤولوها الترويج لهذا السيناريو،
إذ اتهم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في حوار مع
"بلومبيرغ"، القاهرة بالفشل في منع تهريب الأسلحة عبر الحدود إلى مقاتلي
حماس في غزة بعد خروج الاحتلال من الأراضي الفلسطينية في عام 2005.
وقبل انسحاب قوات
الاحتلال الإسرائيلي من غزة في 12 أيلول/ سبتمبر 2005، وقعت تل أبيب مع القاهرة في
28 آب/ أغسطس 2005، اتفاقية تقضي بنشر 750 جنديا مصريا من حرس الحدود مزودين
بأسلحة ثقيلة ومعدات عسكرية بالجانب المصري من الحدود مع غزة، لتحتل إسرائيل بعد
19 عاما الجانب الشرقي من الحدود بالمخالفة للاتفاقية.
ورغم الاعتراض المصري
والتضامن العربي مع القاهرة، إلا أن الاحتلال يواصل تدعيم وجوده في المحور
الاستراتيجي الممتد على طول الحدود بين مصر وغزة، حيث أقر المجلس الوزاري المصغر
للشؤون الأمنية والسياسية، بقاء جيش الاحتلال في المحور.
بل إن الجيش
الإسرائيلي قام برصف طريق جديد بالأسفلت على طول محور فيلادلفيا خلال الأسبوعين
الماضيين، وفق تحليل لصور الأقمار الصناعية قام به فريق "بي بي سي"
لتقصي الحقائق.
وبالتوازي، يواصل رئيس
الوزراء الإسرائيلي وضع العراقيل أمام صفقة وقف إطلاق النار في غزة التي ترعاها
مصر وقطر، ووقف حرب الإبادة الدموية التي يرتكبها منذ 11 شهرا بحق 2.3 مليون
فلسطيني في القطاع المحاصر.
"إسرائيل
والسيسي وتركيا"
ويأتي التوتر السياسي
المصري الإسرائيلي، في الوقت الذي زار فيه السيسي، لأول مرة العاصمة التركية أنقرة
والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان، الأربعاء الماضي، منهيا سنوات من الخلاف مع أنقرة،
وفي زيارة أقلقت كثيرا الجانب الإسرائيلي.
وهو ما عبر عنه المحلل
الإسرائيلي المتخصص في الشؤون المصرية، تسفي بارئيل، بقوله إن "خوف مصر من
احتلال غزة يقربها من تركيا"، مؤكدا أن هذا لا يصب في صالح إسرائيل، مشيرا
إلى أن "القاهرة سئمت من اتهامات إسرائيل لها بأنها لم تمنع دخول الأسلحة
والذخائر والمتفجرات عبر معبر رفح ومحور فيلادلفيا".
وخلال مقال له في
صحيفة "هآرتس"، كتب برائيل، أن "القاهرة لا تتقبل الاتهامات التي
توجهها لها إسرائيل، وتعمل على تطوير قنوات سياسية جديدة لتمركزها في المنطقة، على
رأسها التقارب مع تركيا لمواجهة السياسات الإسرائيلية الأخيرة".
"تحرك
غير كاف"
وفي تقديره لأهمية
ودلالات الزيارة في هذا التوقيت للمحور محل السجال المصري الإسرائيلي مؤخرا، قال
الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، إن "زيارة الفريق أحمد فتحي
خليفة خلال الظرف الراهن لتفقد الإجراءات الأمنية وتأمين الحدود في سيناء لمعبر
رفح ربما تأتي كرد مصري على تعنت الاحتلال".
جمال، أضاف في حديثه
لـ"عربي21"، "وتحديدا على رئيس وزراء الاحتلال وتمسكه بالبقاء في
محور صلاح الدين (فيلادليفيا) وكذلك السيطرة على معبر رفح".
وأكد أن "الجانب
المصري يبدو أنه يرفض استمرار قوات الاحتلال بالبقاء في محور صلاح الدين، ويرفض
سيطرة الاحتلال على معبر رفح في الوقت الحالي، ولكن هذا الرفض الذي يعلنه (المصدر
الرسمي الرفيع المستوى) لن يوقف خطط الاحتلال فقط زيارة لرئيس الأركان لسيناء ومعبر
رفح؛ ولكن يجب أن يكون هناك خطوات جادة لكي يتوقف الاحتلال عن مخططاته في
المنطقة".
وأشار إلى أن
"محور صلاح الدين (فيلادلفيا) يمتد على الحدود بين مصر وغزة بطول (14 كم)، من
البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، وبموجب معاهدة (كامب ديفيد)
1978، وتأكد في (اتفاقية المعابر) 2005 واتفاق فيلادلفيا، يعتبر منطقة عازلة، ويقع
بالكامل ضمن المنطقة (د)، وهي مناطق يُحظر على العدو أي تحرك عسكري فيها إلا
بموافقة الجانب المصري".
وفي تعليقه على رد فعل
الإعلام العبري وخاصة وصف "معاريف" التحرك المصري بأنه "رسالة غير عادية"،
وقولها: "الدبابات على الأسوار مرة أخرى"، تساءل جمال: "أجواء
الحرب من أعادها للمنطقة؟"، مجيبا بقوله: "هم الصهاينة".
وأشار إلى "حربهم
على قطاع غزة، والتجاوز وعدم الالتزام بما نصت عليه اتفاقية (كامب ديفيد) 1978،
والبروتوكولات الأمنية التي انبثقت عنها".
وأضاف: "منذ بدء
الاحتلال من أشهر بتنفيذ عملياته في رفح، وسيطرته على المعبر، وسيطرته على محور
صلاح الدين (فيلادليفيا)، أنهى (كامب ديفيد) وما ترتب عليها".
ويرى الباحث العسكري،
أنه "كان على الجانب المصري الرد الحاسم من وقتها"، مؤكدا أن "تأخر
الرد المصري الرادع والحاسم لكي يتوقف الصهاينة عن تجاوزهم غير مبرر، ولذلك فهم
البعض أن عدم الرد المصري جاء نتيجة تفاهمات تمت بين مصر والاحتلال".
"جدية
ضبط الحدود"
وفي قراءته لدلالات
زيارة رئيس أركان
الجيش المصري لمعبر رفح في توقيت يتصاعد فيه التوتر في علاقات
القاهرة وتل أبيب، يرى الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، أن
"الزيارة تسعى لإثبات جدية النظام المصري في ضبط الحدود مع غزة ومنع تهريب أي
عتاد".
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21"، أن ذلك السعي، يأتي "في ظل اتهامات نتنياهو لمصر
بالتغاضي عن تهريب أسلحة لحماس".
وفي تقديره لمدى تأثير
زيارة رئيس أركان الجيش المصري لمعبر رفح على ملف الحرب في غزة، يعتقد مولانا، أن
"الزيارة لا تعكس أي ضغوط مصرية على إسرائيل".
وعلى الجانب الآخر،
قال المجلس الثوري المصري: "ظن الأبرياء من شعب مصر أن زيارة رئيس الأركان
لمعبر رفح كانت لإثبات قدرة جيش مصر على الدفاع عن الحدود واستعراض للقوة، بينما
هو استعراض لدقة وكثافة وتوسع إجراءات تأمين وحماية إسرائيل من أي تهديد، يثبتون
أنهم يقومون بدورهم الوظيفي على أكمل وجه حتى لا تقطع ماما أمريكا عنهم
المعونة".
وبدا الكاتب الصحفي
ياسر أبوالمكارم، ساخرا من موقف السيسي، إزاء تصريحات نتنياهو، بالبقاء في محور
فيلادلفيا باعتباره ممرا استراتيجيا، ووصف موقف رئيس النظام بـ"المتأزم الذي
وضعه فيه الحليف الإسرائيلي"، معربا عن مخاوفه من ضياع محور فيلادلفيا.