تعد مدينة
غزة الآن هي المكان الأكثر دموية في العالم للعاملين في مجال الإغاثة، الذين يقدمون الرعاية العاجلة لـ 1.9 مليون
فلسطيني نازح داخليا، بينما فقد الكثيرون أحباءهم ولكنهم يواصلون دعم الآخرين على الرغم من المخاطر.
وقالت مديرة جمعية وفاق للمرأة والطفل، بثينة صبح، في مقال نشرته عبر صحيفة "
الغارديان": "لن أخفي عنكم أنني أعاني من القلق. مثل معظم العاملين في المجال الإنساني، لا أستطيع النوم. لا أستطيع الحصول على نوم عميق ومتواصل نتيجة للخوف. يطاردنا الخوف في كل خطوة. أنا واحدة من مؤسسي جمعية وفاق. منذ عام 2010، أهم عمل نقوم به هو توفير الحماية والدعم الاقتصادي والقانوني والنفسي للنساء ضحايا العنف وللأطفال المعرضين للخطر".
وتقول بثينة صبح إنها "واصلت العمل مع بدء الحرب في غزة، بسبب إيمانها بحقوق المرأة كحقوق إنسانية. هذا ما ألهمها في المقام الأول وهو سبب استمرارها. مع أن العاملين في هذا الحقل يواجهون تحديات كبيرة، خاصة بالنسبة للنساء منهن، عند الخروج لتقديم المساعدات الإنسانية. فيعيشن حالة من التوتر. عندما يخرجن من المنزل، يستودعن الله بيوتهن وأولادهن: فالله وحده يعلم هل سيعُدن إليهم أم لا".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت: "عملنا يعرضنا للعديد من الانتهاكات والشعور بعدم التصديق. تخيل أنك ذاهب لمساعدة الناس ولكنك تعتقد أنك لن تعود لرؤية أطفالك وأحبائك. هذا شعور مرعب يجعلك تعيش في صراع: بين حماية نفسك وعائلتك، وواجبك الإنساني الذي يتطلب منك الخروج والمساعدة".
وذكرت أنها على المستوى الشخصي، فهي من سكان رفح، وفي منزلها كانت عائلتها تستضيف 30 إلى 35 شخصا فقدوا منازلهم، وكل شخص كان في حالة نفسية مختلفة. وكان منزلها أيضا مركزا للجمعية لأنهم لا يستطيعون الذهاب إلى المكتب، فكان العمل الإداري يتم من منزلها، وهذا أدى إلى مشاعر مختلطة حول الواجب والمسؤولية - وأيضا الذعر، خاصة وأن الاحتلال يستهدف مقدمي الخدمات الإنسانية.
وذكرت أنها كانت في كل لحظة تتوقع أن يقصفوا المنزل. وبعد الشهر السادس، غلب عليها وعلى أطفالها الخوف بسبب ما يرونه في الخارج وعلى شاشات التلفاز. وهذا ما أجبرها على الرحيل، والذهاب إلى مصر مع ابنتها وتأمين مكان لبقية العائلة. ولكن اجتياح رفح حدث قبل أن ينضم إليها أبناؤها الصغار من غزة إلى مصر. وهذا هو الشهر الخامس لها بدونهم وتشعر بعدم التوازن لأن نصفها في مصر والنصف الآخر في غزة، وخاصة بعد اجتياح رفح.
وبينت في مقالها أن أطفالها وزوجها أُجبروا على الذهاب إلى منطقة المواصي في خانيونس للعيش في الخيام. وقبل شهر دمر منزلها بالكامل. وتصف كيف كان هذا المنزل حلم حياتهم وقد ذهب، ولديهم أقساط مستحقة من ثمن المنزل، وستستمر في سدادها للسنوات الخمس القادمة. "من الصعب أن تشعر أنك فقدت كل شيء. هذا هو شعور كل شخص في غزة فقد منزله وحلمه وأحباءه".
وأشارت إلى أنه في بعض الأحيان، عندما كانت في الميدان، كانت المنازل والسيارات تُقصف على بعد 300 متر منها. وأن متطوعي الوفاق أخبروها عن الاعتداءات الجنسية والتحرشات التي تعرضت لها النساء النازحات من الشمال إلى رفح. وتقول: "عندما رأينا الشباب يُدفنون أحياء في مقابر خانيونس. خشينا أن يتعرض أطفالنا لنفس الشيء".
اظهار أخبار متعلقة
وقالت: "لقد عانينا ما عانيناه خلال 11 شهرا. إن القول بأن نساء غزة صامدات وإرسال صورة للعالم بأننا أسطورة وأننا أكثر قدرة على الصمود لن يكون صحيحا. نحن صامدون فقط أمام عائلاتنا وأطفالنا حتى لا ينهاروا، لكننا نتعرض للتدمير الداخلي. إن نساء غزة منهكات جسديا ومحطمات نفسيا".
وأوضحت أن المرأة تشعر بأنها مسؤولة عن أطفالها وإخوتها، وبالتالي تتحمل العبء الأكبر من المشاعر والضغوط النفسية. تحاول أن تجعل الآخرين يشعرون بالأمان. وأن نساء غزة بقدر صمودهن، مرتبكات ومتعبات. لقد ازدادت الحاجة إلى الدعم النفسي لدى النساء في الشهرين الماضيين لأن النساء لم يعدن يتحملن الضغوط.
وأكدت أن النساء فقدن خصوصيتهن وكرامتهن وإنسانيتهن في هذه الحرب. وتعرض بعضهن للاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي، وبعضهن تعرضن لاعتداءات بذيئة، وبعضهن فقدن أزواجهن وأبناءهن وإخوانهن. وبعضهن فقدن كل شيء. فقدن أسرهن بالكامل ومصادر رزقهن وأصبحن معتمدات كليا على الآخرين.
وقالت: "في غزة نسمع عن المفاوضات ولكننا لا نملك إلا الأمل في حدوث هدنة. نحن بين فكي حماس والاحتلال. كل منهما يريد خدمة مصالحه، والشعب هو آخر ما يفكرون فيه. ليس لدينا حلول إلا معجزة من الله. أما الحلول الدولية والإقليمية لوقف الحرب فهي عديمة الفائدة. لو كانت هناك نوايا صادقة لإنهاء الحرب لتوقفت بعد الشهر الأول، ولكن يبدو الأمر وكأنه مؤامرة ضدنا في غزة وضد شعبنا الفلسطيني".
وأضافت: "نريد أن نعيش حياة طبيعية بين أطفالنا بأمان ونخطط للمستقبل. كنساء غزة، نحن مدمرات نفسيا بشكل كامل. ليس لدينا أحلام ولا آمال. كل ما نتمناه هو البقاء على قيد الحياة: نحن وأطفالنا".
وختمت مقالها برسالة إلى النساء في كل أنحاء العالم حيث طلبت أن يشكلن تحالفات ويرفعن أصواتهن عاليا من أجل وقف الحرب واحترام الكرامة الإنسانية.