لا يزال صدى تشكيل الحكومة
المصرية الجديدة إلى جانب اعتماد حركة المحافظين الجديدة بعد نحو شهر كامل من المداولات، يُهيمن على حديث واهتمامات الشارع المصري، بعد معاناة كبيرة من تردي الأوضاع في جميع المجالات.
تشكيل الحكومة الجديدة، تحت قيادة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي، يشير إلى اتجاه متزايد نحو عسكرة الحكومة والمحافظات، هذه العملية تتجلّى من خلال تعيين ضباط عسكريين في مناصب حكومية رئيسية، بما في ذلك الوزارات والمحافظات.
بالتزامن مع حلف الوزراء الجدد اليمين الدستورية، اعتمد السيسي حركة المحافظين الجدد، وقد ضمت21 محافظا جديدًا، فيما استحوذ لواءات الجيش والشرطة على النصيب الأكبر من تشكيل المحافظين الـ27، بواقع فريق و15 لواء مقابل 11 مدنيًا فقط، مع استمرار ستة محافظين في أماكنهم.
تحت ضغوط انتقادات عسكرة حركة المحافظين من قبل بعض النشطاء، قام المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بحذف لقب لواء من منشور التعريف بالمحافظين ويستبدل به "السيد"، ولكنها لم تخلو من السخرية والتهكم والدعابة ومقاطع الأفلام الشهيرة.
وكان مجلس الوزراء المصري أعلن، الأربعاء، عن التشكيل الوزاري الجديد الذي شهد تغيير وزراء: الدفاع، والخارجية، والمالية، والبترول، والكهرباء، والتموين.
وشمل التغيير الوزاري دمج وزارات واستحداث أخرى، كان لوزير النقل الفريق كامل الوزير نصيب الأسد بوزارتين هما النقل والصناعة، إلى جانب منصب نائب رئيس مجلس الوزراء.
دلالات العسكرة
يرى عدد واسع من المحللين والمراقبين أن عسكرة المناصب الحكومية في مصر، خلال حكم السيسي، هي سمة أساسية وملازمة لتلك الفترة الممتدة منذ 2014 وحتى اليوم، حتى الوزارات التي يتولاها مدنيون فإن المتحكم الفعلي فيها هم لواءات داخل تلك الوزارات.
بالتالي، فإن تعزيز السيطرة السياسية من خلال تعيين ضباط عسكريين في مناصب حكومية بما فيها المحافظات يهدف إلى تعزيز السيطرة السياسية وتأمين دعم المؤسسات الأمنية للنظام الحاكم. وتؤكد ثقة السيسي في المؤسسة العسكرية كونه يأتي من خلفية عسكرية، قد يفضل الاعتماد على زملائه العسكريين الذين يثق بهم لتنفيذ سياساته وضمان الولاء الكامل للنظام.
اظهار أخبار متعلقة
ورغم ردود الفعل الشعبية الرافضة لاستمرار عسكرة الحكومة ومؤسساتها والذين يفضّلون رؤية المزيد من المدنيين في مواقع السلطة، لضمان التنوع والشمولية في صنع القرار، لكن بشكل عام، استمرار هذا النهج يعكس توجها استراتيجياً للنظام الحالي، ويعبر عن رؤيته في كيفية إدارة شؤون الدولة في هذه المرحلة من تاريخ مصر.
مصر غرزت ولا تغيير فيما فات
في سياق تعليقه على التغييرات الجديدة على مستوى الحكومة والمحافظين، يرى الناشر والمعارض المصري، هشام قاسم، أن "العسكرة في مصر قائمة منذ 70 عاما، المسألة كانت الاستعانة بالمدنيين كواجهة جرى التعارف عليه لكن النفوذ الحقيقي هو لأجهزة الأمن، وهؤلاء لا يصنعون سياسات ولا يقدمون حلولا".
وكانت السلطات المصرية أفرجت في شباط/ فبراير عن قاسم بعد انتهاء فترة عقوبته التي استمرت ستة أشهر، حيث كان قد أدين العام الماضي، بتهمة "سب وقذف" وزير سابق و"إهانة موظف عام"، وخاض خلال حبسه إضرابا عن الطعام احتجاجا على وضعه في السجن.
وأضاف قاسم في تصريحات لـ"عربي21": "التوسع في استخدام العسكريين لسببين، أولهما هو نوع من المكافأة لهم على القياد بأدوار معينة، ثانيهما، عدم وجود مدنيين صالحين للتقديم كواجهة وأبرز مثال على ذلك وزير التعليم الجديد الذي كل مؤهلاته أنه ذهب للدراسة في أمريكا وباع جرائد هناك ثم عاد ليستكمل تعليمه في مصر..".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "كل خبراته أنه كان مدير مدارس والدته! ما علاقة هذه باختياره وزيرا للتعليم في واحدة من أهم وأخطر الوزارات والتي تعاني من تردي الخدمات وقلة المخصصات".
ولخّص قاسم رؤيته للتغيرات الجديدة بأن "السيسي (غرّز)، عندما قال (أنا عملتها خلاص) لقد أدخل البلد في مسار لا رجعة منه وعلى الجميع أن يتحمل عواقب هذا الأمر، ولذلك عانى مدبولي من وجود شخصيات على كفاءة لتولي المسؤولية في هذا الوضع النزولي".
وأعرب عن توقّعه "عدم وجود أي سياسات جديدة تتعلق بملف الاقتصادي أو السياسي أو الحريات، وهذا التغيير يتواءم مع خط الرئاسة وليس بما يخدم مصالح المواطنين".
لعبة الموازنات لخدمة الدولة العميقة
وفق تصوره، يرى المحلل السياسي، ممدوح المنير، أن "
الحكومة المصرية الجديدة لم تخرج عن الإطار العام للحكومات السابقة التي شكّلها السيسي، فإن عسكرة المحافظين كانت حاضرة وبقوة في كل الحكومات المتعاقبة، مشيخة الأزهر بها ما يزيد على 15 لواء و ضابطا برتب مختلفة، فما بالك بباقي القطاعات؟!!".
اظهار أخبار متعلقة
مضيفا لـ"عربي21": "السيسي يحاول إجراء لعبة الموازنات داخل مؤسسات الدولة العميقة وفق ميزان الولاء المطلق له، و رغم أن تغيير وزير الدفاع هو التغيير الأهم، والمثير في ذات الوقت لتوقيته المريب قبل حلف اليمين مباشرة للحكومة، وهو ما قد يعكس خلافا بين السيسي، والمجلس العسكري، ولكن سيظل خلافا محدودا يتم تعويضه بامتيازات وترضيات، كما فعل سابقا عدة مرات".
واختتم المنير حديثه بالقول: "قادة المجلس العسكري يعلمون جيدا أن السيسي ذاته لا يملك من أمره شيئا، وأنّه يدار من قبل تل أبيب وواشنطن ثم أبوظبي، وبالتالي المواجهة معه تستدعي شخصيات عسكرية وطنية تتحرك وفق معطيات الأمن القومي المصري، وهذا غائب حاليا عن تشكيلة المجلس، الذي هو أقرب لمجلس إدارة شركة قابضة تستثمر فيها الولايات المتحدة سنويا نحو مليار ونصف المليار دولار!".