كتاب عربي 21

الشارع المصري غير مهتم بالتغيير الوزاري

ممدوح الولي
"تسببت زيادات الأسعار في ارتفاع معدلات الفقر، بغض النظر عن البيانات الحكومية للفقر والتي يتم تحسينها"- جيتي
"تسببت زيادات الأسعار في ارتفاع معدلات الفقر، بغض النظر عن البيانات الحكومية للفقر والتي يتم تحسينها"- جيتي
قبل أيام قليلة تطلب الأمر الذهاب إلى إدارة التأمينات بمدينة نصر إحدى ضواحى القاهرة، لحل مشكلة تتعلق بمعاشي الذي أتقاضاه منذ سبع سنوات، بعد بلوغى سن الستين حينذاك، ونظرا لموجة الحر الشديد التي تمر بها البلاد حاليا فقد بكّرت في الذهاب إلى التأمينات، حيث يبدأ العمل في الثامنة صباحا، وطلب مني أحد الحضور الجلوس على مقاعد خارج صالة الموظفين مع غيري، وبمرور الوقت استمر توافد الموظفين إلى صالة العمل لما بعد التاسعة، كما لوحظ دخول العاملات وهن يحملن الساندوتشات بعد التاسعة، وهو ما يعني أنه ما زال هناك بعض الوقت حتى ينتهي العاملون من تناول الإفطار، ليبدأ السماح للجمهور بدخول صالة الموظفين في التاسعة والنصف.

وهكذا ضاع من وقت العمل اليومي ومن وقت المترددين على المكان ساعة ونصف، مما كان كفيلا بنسف كل ما نسمعه بوسائل الإعلام عن انضباط العمل في الجهات الحكومية وتطويره، ليحل محله تساؤل كبير مفاده أنه إذا كان هذا هو الحال في مكتب حكومي في العاصمة، حيث تتواجد الوزارة والهيئة المشرفة على مكاتب التأمينات، فما هو الحال بمكاتب التأمينات بعواصم المحافظات البعيدة عن أعين المسؤولين؟

وهكذا كانت تلك التجربة العملية وغيرها الكثير مما نواجهه من بيروقراطية ووقت، في إدارات المرور والجهات الحكومية المشرفة على الكهرباء ومياه الشرب والغاز الطبيعي وغيرها، أكبر شاهد على فشل الحكومة الحالية وما سبقها في تحقيق ما تعلن عنه من تطوير الخدمات الحكومية. ومن هنا فلا عجب أن يتجاهل الشارع المصري أخبار التغيير الوزاري المرتقب، بعد قبول استقالة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء وإعادة تكليفه بتشكيل الوزارة،
لا عجب أن يتجاهل الشارع المصري أخبار التغيير الوزاري المرتقب، بعد قبول استقالة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء وإعادة تكليفه بتشكيل الوزارة، حيث شهدت وزارته المستمرة منذ منتصف عام 2018 ستة تعديلات وزارية قبل ذلك، لم تسفر عن تحسن في حياة المواطنين بل زادت أحوالهم سوءا، وخاصة في الملف الأهم لدى الأسر المصرية وهو حالة الغلاء غير المسبوقة لأسعار السلع والخدمات
حيث شهدت وزارته المستمرة منذ منتصف عام 2018 ستة تعديلات وزارية قبل ذلك، لم تسفر عن تحسن في حياة المواطنين بل زادت أحوالهم سوءا، وخاصة في الملف الأهم لدى الأسر المصرية وهو حالة الغلاء غير المسبوقة لأسعار السلع والخدمات، وتنويه رئيس الوزراء نفسه إلى زيادات متوقعة قريبة في أسعار المشتقات البترولية وأسعار الكهرباء، والدواء الذي بدأ رفع أسعاره بالفعل، إلى غير ذلك من أسعار الخدمات الحكومية، مثلما حدث مؤخرا مع أسعار خدمات المستشفيات الحكومية والاتصالات ووسائل النقل والمواصلات وغيرها.

وزراء ليسوا أصحاب قرار

كما أن المصريين يدركون أن رئيس الوزراء والوزراء ليسوا أصحاب قرار، وإنما هم بمثابة سكرتارية تنفيذية لدى الجنرال الذي يمسك بكل الخيوط، حتى أنه أدخل في الدستور نصا بالمادة 146 منه يجعله هو الذي يختار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، كما لا يحتاج الأمر إلى تدليل إلى تدخله في اختيار غالبية الوزراء، وكذلك من خلال الإبقاء على وزراء معينين بغض النظر عن تراجع شعبيتهم وإخفاقهم في أداء مهامهم، لمجرد رضائه عنهم.

ولقد جرب المصريون خلال السنوات الست الماضية عجز رئيس الوزراء مدبولي عن الالتزام بالكثير مما وعد به، ومن ذلك ما جاء في بيان الحكومة بالبرلمان في تموز/ يوليو 2018 حين وعد بحل مشكلة مجتمعية، تتمثل في توقف قيد المواليد الجدد للأسر المصرية ببطاقات التموين منذ عام 2005، وحدد ثلاثة أشهر لتلقي طلبات القيد من الأسر على أن يبدأ صرف المقررات التموينية لهم مع بداية تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، ووصل عدد الطلبات لحوالي 8 ملايين فرد.

ثم تم تأجيل التنفيذ أكثر من مرة، ليقتصر التنفيذ على الأسر التي تتلقى مساعدات الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة، وأسر شهداء الجيش والشرطة بإجمالي حوالي نصف مليون فرد. وهكذا توجد ملايين الأسر المصرية الفقيرة لديها أبناء ولدوا خلال السنوات التسع عشرة الأخيرة لا تصرف مقررات تموينية لهم.

تراجع عدد المستشفيات الحكومية

وكان رئيس الوزراء قد وعد ببيان الحكومة عام 2019 بتحسين مستوى التعليم والصحة، وحدد عدد الفصول الدراسية الجديدة المستهدف بناؤها سنويا بخمسين ألف فصل، لاستيعاب الداخلين الجدد للمدارس مع زيادة السكان وتقليل كثافات الفصول العالية، لكن البيانات الإحصائية الصادرة عن وزارة التعليم خلال السنوات المالية الأخيرة تشير إلى بناء 39 ألفا و730 فصلا دراسيا في التعليم الحكومي خلال السنوات الست، أي بمتوسط سنوي 6622 فصلا، وبنسبة تنفيذ 13 في المائة مما كان مستهدفا، كما أشارت البيانات الحكومية إلى ارتفاع متوسط كثافة الفصول في التعليم الحكومي من 45.5 تلميذ عام 2017/2018، إلى 48.3 تلميذ عام 2023/2024.

وتكرر نفس الأمر مع الجانب الصحي، حيث كان عدد المستشفيات الحكومية وقت توليه الوزارة 691 مستشفى، وانخفض العدد إلى 662 مستشفى عام 2022 كآخر بيانات معلنة من قبل جهاز الإحصاء الرسمى، كما انخفض عدد الأسرّة في تلك المستشفيات من حوالي 96 ألف سرير إلى حوالي 88 ألف سرير، بنقص 7256 سريرا رغم زيادة السكان خلال تلك السنوات!

كما وعد مدبولي في بيان الحكومة في كانون الثاني/ يناير 2021 بتطوير جميع القرى المصرية خلال ثلاث سنوات، وهو ما لم يحدث.

أما الأمر الذي كان فوق قدرة رئيس الوزراء فهو وعده في بيان الحكومة عام 2018 بتنشيط الحياة السياسية وتعزيز حقوق الإنسان، ومواجهة الفقر حين قال: "لن نترك شخصا فقيرا يتكفف الناس". وبالطبع تسببت زيادات الأسعار في ارتفاع معدلات الفقر، بغض النظر عن البيانات الحكومية للفقر والتي يتم تحسينها، وهي نفس حالة ضعف المصداقية لبيانات التضخم التي أشارت حسب جهاز الإحصاء؛ إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلكين في أنحاء الجمهورية من 90.5 في أيار/ مايو 2018 (قبل تولي مدبولي الوزارة) إلى 223.6 في نيسان/ أبريل الماضي، أي بارتفاع 147 في المائة، بينما يرى كثير من الخبراء أن نسبة التضخم الحقيقية أعلى من ذلك.

تكلفة الدين 62 في المائة بإنفاق الموازنة
عامل آخر رئيس يقلل من توقعات إمكانية تحسين الحكومة الجديدة للمستويات المعيشية للمواطنين، حيث تسبب توسعها بالاقتراض الداخلي والخارجي خلال السنوات الست الأخيرة، بارتفاع تكلفة الدين في الموازنة المصرية على حساب الإنفاق على باقي أبواب الموازنة، حتى بلغ النصيب النسبي لتكلفة الدين الحكومي الداخلي والخارجي، من فوائد وأقساط في موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ مطلع الشهر المقبل، 62.1 في المائة من إجمالي الإنفاق في الموازنة، لتتبقى نسبة 37.9 في المائة توزع على باقي أبواب الإنفاق

عامل آخر رئيس يقلل من توقعات إمكانية تحسين الحكومة الجديدة للمستويات المعيشية للمواطنين، حيث تسبب توسعها بالاقتراض الداخلي والخارجي خلال السنوات الست الأخيرة، بارتفاع تكلفة الدين في الموازنة المصرية على حساب الإنفاق على باقي أبواب الموازنة، حتى بلغ النصيب النسبي لتكلفة الدين الحكومي الداخلي والخارجي، من فوائد وأقساط في موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ مطلع الشهر المقبل، 62.1 في المائة من إجمالي الإنفاق في الموازنة، لتتبقى نسبة 37.9 في المائة توزع على باقي أبواب الإنفاق الستة؛ من أجور ودعم واستثمارات وشراء مستلزمات إدارة دولاب العمل الحكومي اليومي والمساهمات في الهيئات الاقتصادية والشركات العامة والمصروفات الأخرى.

ولهذا لا نتوقع تحسنا في مؤشرات الفقر قريبا، حيث أن قيمة مساعدات ومعاشات الفقراء بعد الزيادات الأخيرة لها، قد ارتفعت من 535 جنيها إلى 745 جنيها شهريا لمعاشات الضمان الاجتماعي حسب عدد أفراد الأسرة، و736 جنيها للمعاش الشهري لنظام تكافل، و708 جنيهات لمعاش نظام كرامة الشهري، بينما كان خط الفقر الرسمي قبل آذار/ مارس 2020، أي قبل ظهور فيروس كورونا، 857 جنيها شهريا، أي أعلى من كل معاشات الفقراء بعد الزيادات فيها، فما بالنا به حاليا بعد ما لحق بأسعار السلع والخدمات من زيادات؟ ولهذا يؤجل جهاز الإحصاء إعلان بيانات خط الفقر منذ عام 2020 وحتى الآن.

ولقد شهدت السنوات المالية منذ العام المالي 2013/2014 (عند تولي الجيش السلطة) وحتى العام المالي الأخير، عدم تحقق أرقام الاستثمارات الحكومية التي يتم الإعلان عنها وقت إعداد الموازنة، بسبب كبر مخصصات تكلفة الدين، وهو ما حدث بشكل كبير في الحسابات الختامية للعام المالي الأخير (2022/2023)، ويتوقع حدوثه في العام المالي الحالي وفي العام المالي المقبل وما يليه، بحجة تقليل الاستثمارات الحكومية، حيث يجد صانع القرار المالي نفسه مضطرا لتقليص مخصصات الاستثمارات التي تتجه للتعليم والصحة والمرافق، لحساب باقي أوجه الإنفاق الأخرى التي يمكن أن يتسبب نقصها في اضطرابات اجتماعية.

x.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)