بدأت أمس الخميس في مدينة جينيف السويسرية
فعاليات أول محكمة ضمير عالمية بشأن الحرب الدائرة على قطاع غزة منذ السابع من
تشرين أول / أكتوبر الماضي، بمشاركة قانونيين ومحامين ونشطاء عرب ودوليين.
وجاءت فكرة إنشاء هذه المحكمة الدولية، بمبادرة من خمس منظمات حقوقية غير حكومية مقرها جنيف هي: المعهد الإسكندنافي لحقوق
الإنسان، الاتحاد الدولي للحقوقيين ـ جينيف، مركز جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان،
العدالة الواحدة، المعهد الدولي للسلام والعدالة وحقوق الإنسان، بدعم وإسناد من
التحالف القانوني العالمي من أجل فلسطين، وعشرات المنظمات الحقوقية الدولية.
وأعلن القائمون على هذه المحكمة، أن الهدف
من عقدها ليس فقط توثيق جرائم الاحتلال وعرضها أمام العالم، والجهات المختصة منه
تحديدا بهذا النوع من الجرائم ومتابعة مرتكبيها، وإنما أيضا في أن تكون مساهمة في
العمل من أجل منع تكرار مثل هذه الجرائم، عبر قضاء دولي نزيه يحتكم إلى المبادئ
الحقوقية الكونية، ومعايير العدالة والنزاهة الدولية.
"عربي21" في إطار متابعتها
لفعاليات هذه المبادرة، تحاور اليوم المحامي الكويتي مبارك المطوع نائب رئيس اتحاد
الحقوقيين الدوليين ورئيس مكتب اتحاد الحقوقيين الدوليين في جينيف ورئيس اللجنة
الإسلامية لحقوق الإنسان.
س ـ لنبدأ من تقييمك للحرب في غزة.. كيف
تقرأ مسار الحرب إلى حد الآن؟
ـ
لا بد في قراءتنا للحرب في غزة، أن نعود إلى التاريخ ونربطه بالحاضر. هذه الحرب
لها شكل حديث أخذ شكل الوحشية والدمار والإبادة الجماعية، لكنها في الحقيقة حرب
مستعرة ومستمرة منذ عشرات السنين، ما يفوق المائة عام والحرب قائمة؛ بين قوى الشر
وقوى الخير، وبين الأمة وأعدائها.
هذه المرة تأخذ هذه الحرب شكلا جديدا، بعد
سبات وردح من الزمن عانت فيه الأمة كثيرا من الهزائم. ونحن الآن في شهر حزيران،
في هذا التاريخ من العام 1967، عانت الأمة من حرب على مستوى الدول، وخرجت بهزيمة
نكراء سموها النكسة وقبلها النكبة، وهذه جزء من حياة الأمة لا ينكر أحد ذلك.
ومنذ ذلك التاريخ"، كان هناك احتلال غاشم معروف
وليس له أي أساس، وبطلان في كل القرارات التي قام عليها منذ العام 1917؛ فنحن
نتحدث عن أكثر من مائة عام، وهذا الاحتلال بين مد وجزر وحرب تستعر وتقف.
هذه المرة أخذت الحرب شكلا مختلفا، فقد
اتخذت طابعا هجوميا ومختلفا؛ لأن الشر استفحل، والعدو دنّس كل شيء بما في ذلك
المسجد الأقصى، والأمة لا تتحرك.. فما هو الحل؟
فكان لا بد أن يحصل شيء من هذا القبيل، وقد
حصل. الآن أكثر من ثمانية أشهر أثبت فيها المقاوم الفلسطيني أنه صاحب حق، وأنه لا
يقاوم معتديا، بل يقاوم ردا لاعتداء، وردا لاحتلال لم يبدأ مع 7 أكتوبر 2023 ولا
بعده، وإنما منذ ما قبل نشأة إسرائيل عام 1948، فقد كان هناك احتلال إنجليزي دخل
من العقبة والتاريخ معروف، هذا الآن كله يُحصر بأن هناك احتلالا واعتداء وهناك
مقاومة.
لماذا هذه المقاومة تكون مشروعة لغير
الفلسطينيين ولغير المسلمين، ولدينا أمثلة كثيرة عن ذلك، لما احتل الألمان فرنسا
والآن في أوكرانيا، ولما يأتي الاحتلال في فلسطين يكون هذا الضعيف الذي لا يملك
سلاحا ولا طائرات ولا قذائف، هو الملام وهو المعتدي؟ لذلك بدأ العالم يفكر في هذاالأمر. فبعد طول مدة الحرب، بدأ العالم ينتبه إلى هذا الحدث وإلى هذه المصيبة. عقول الناس
غُيّبت لفترة طويلة. أمم كاملة تم تغييبها. والآن نحن أمام واقع صعب ومعقد وقتال
شرس ومستمر، وأمامنا ضحايا ضعاف؛ لأنهم لم يجدوا فرصة ليقاتلوا المقاتل الحقيقي، فقتلوا الضعفاء من الأطفال والنساء والعجائز، وهذا في شرعنا محرم.
وهذا ما جعل العالم ينتبه إلى حجم الجريمة،
وهو ما دفع بالولولايات المتحدة أن تلجأ إلى الصلح؛ لأنها تخسر يوميا التأييد على
المستوى العالمي، والمعلومة الكاذبة التي كانت سائدة الآن تنكشف، ولذلك نحن كلٌّ من
موقعه يجب أن يتحرك، وفي البداية أن نحرك أمتنا وقادتنا بمثل هذه المبادرات التي
نحن بصددها الآن في مدينة جينيف في
سويسرا، وهي إنشاء
محكمة عالمية من أجل فلسطين.
س ـ حدثنا عن هذه المبادرة التي أنتم كاتحاد
حقوقيين دوليين جزء منها؟
ـ
هذه المبادرة لم تأت بين يوم وليلة، فقد سبق عقد ثلاثة اجتماعات في جينيف وخارجها،
وتجمع للحقوقيين، وكنا نلتقي ونتدارس، وكان أول لقاء بعد اندلاع هذه الحرب بعشرة
أيام، وحصل أكثر من نقاش، ولم نجد بدا إلا أن نجمع كلمة الحقوقيين إلى هذه
المحاكمة؛ لأن المحاكمات الرسمية لم تجد نفعا حتى الآن، ولم تنفع في شيء حتى
الآن، وكلها كانت تختلط بالمفاهيم السياسية أو بالتصريحات السياسية، وهذه لا تفيد
في شيء، كذلك الدول لم تصل إلى شيء، لكن القانوني يحرك هذه الأوضاع وفق القانون
الدولي والإنساني والقوانين المحلية. وهناك اختصاص لدى بعض الدول، بحيث إنها تنتقل
من نطاق الدولة نفسها إلى مواطني دول أخرى، حال ارتكابهم الجريمة وحال اختراق
القوانين الدولية، وهذه قاعدة يجهلها كثير من الناس.
القواعد والقوانين والمعاهدات الدولية إذا
أُقرت لدى الدولة وصادق عليها البرلمان، أصبحت كالقانون العادي قانونا يسري داخل
الدولة يجب أن يحترم، وإن كانت الأحكام من الخارج، ومن ثم فهي ملزمة، تلزم
القاضي والدولة وتلزم الناس. هذه جزئية مهمة نناقشها ونعمل لتفعيلها، ومن يستطيع
أن يفعلها، ليس الرجل العادي، وإنما رجل الاختصاص، والمحامون مطالبون بهذا الدور.
هذه الاجتماعات ربما تؤثر على الجانب
القانوني، وكذلك على الجانب المدني والإنساني لدى الشعوب.
س ـ هذا يعني أن هذه المحكمة هي عبارة عن
منبر لنقل مظالم الشعب الفلسطيني إلى مراكز القرار القضائي والسياسي في العالم؟
ـ
حتى مراكز القرار تتأثر بأي حراك، وهناك اجتماع لرؤساء دول مهم خلال أسبوع، بعد أن
وصل أمر المعاناة والكارثة إلى مدى كبير.
س ـ قبل أن نستمر في الحديث عن الحرب ضد غزة
والموقف منها، ماذا عن اتحاد الحقوقيين الدوليين الذي يشارك في هذه المبادرة.. من
أين أتى؟ ومن يمثل؟
ـ
هذه مؤسسة تم إنشاؤها في إسطنبول، وجاءت الفكرة منذ تسعينيات القرن الماضي، في
العام 1996 تحديدا، ثم جاءت ظروف ربما سياسية لم تستقر البلاد فيها وتم وقف
النشاط، حتى عدنا إلى التأسيس مرة أخرى منذ العام 2012 ونحن نقدم الطلب، مجموعة من
المحامين العرب والأتراك والعالم الإسلامي، حتى أخذنا الموافقة على ذلك، وباشرنا
العمل منذ العام 2014. وللاتحاد نظامه الأساسي وداعموه ومؤسساته، وهو يعقد جلسة
رسمية كل عام وجلسات أخرى لمتابعة الأحداث المستجدة كما هو حال الحرب ضد غزة الآن،
وجلسات إدارية أخرى، وأتولى فيه نيابة الرئاسة منذ تأسيسه.
نباشر التصدي لمثل هذه القضايا على أساس
القانون والحق والعدالة، وهو مؤسسة مستقلة تماما، وتعتمد بعد الله سبحانه وتعالى
على نفسها وأفرادها وإمكانياتها، ولا نخضع لأي جهة كانت. ونحن تشكيلة دولية وليس
في تركيا فقط، بدليل أن لنا مكتبا في جينيف، ولي الشرف أن أقول إنني أنا من بدأت بالفكرة
وأخذت موافقة عن ذلك، والحمد لله أصبح لهذا المكتب وجود، ومن بين نشاطاته هذه
المبادرة، وقد أسسنا تحالفا دوليا لنصرة هذه القضية وتحفيز المحامين والقضاة
لنصرتها وحكم القانون.
س ـ بعد تسعة أشهر من بداية الحرب، إلى جانب
الأوضاع القانونية التي شرحتها، ما الذي يجري من الناحية الحضارية؟
ـ
وإن كان هذا السؤال له علاقة بالجانب السياسي، ونحن بطبيعتنا نتجنب ذلك، ونحاول ألا نمس هذا الجانب باعتبار أننا نبحث عن حكم القانون. وحكم القانون بعد الأشهر
الثمانية التي مرت واضح؛ من مارس الإبادة الجماعية؟ ومن قتل الأبرياء والأطفال؟ ومن استخدم القوة الغاشمة ويحرق المخيمات على أصحابها؟ ومن قتل ما يقارب الأربعين
ألف فلسطيني؟
العالم بدأ يعرف ذلك، ونحن نبني على ذلك،
ونحن كقانونيين ليس لنا أي تدخل في الشأن السياسي، لكن من الواضح أن الأطراف الآن
بدأت تتجه إلى نهاية الحرب، والولايات المتحدة التي شاركت في الحرب الآن تقدم
مشروعا لإنهائها، ولا بد في يوم من الأيام أن تنتهي، وبعد نهايتها يأتي دور القانونيين والحقوقيين مرة أخرى، هذا دورنا الآن:
أليس هناك ما اسمه التعويضات وإعادة الإعمار وحقوق الإنسان؟ هذه حقوق لا تسقط
بالتقادم، وهذا دور المحامين والقضاة لتعويض المصابين والشهداء.
ودعني أكون صريحا وواضحا، وأقولها بوضوح
أيضا: الموت في هذه الأمة لمن آمن بالله لا يغير من الأمر شيئا، والموت عند هذه
الأمة كالحياة، الحياة لا قيمة لها في أجواء كهذه يديرها مجرمون على مستوى العالم،
يبطشون بالإنسان.
صبر الإنسان ناشئ من هذا المعنى، ولذلك لا
حاجة للاستمرار في هذه الحرب؛ لأنها لم تحقق شيئا، ولن تستطيع أن تحقق شيئا مهما
استمرت، والخسائر سيجنيها الظالمون.
س ـ محكمة العدل الدولية أخذت قرارا باتهام
الكيان بالإبادة الجماعية، والجنائية الدولية تتجه لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة
الاحتلال، وهي كلها قرارات لم يكن لها ترجمة واقعية.. فهل عملكم أنتم سيكون مآله
كهذه القرارات؟
ـ
الغرب يكابر فعلا في التعامل مع هذه الحرب ومع مخرجات المحاكم الدولية، هم يمارسون
الكذب الصريح. العالم له عقل الآن، وإذا بقيت القرارات في وسائل الإعلام من دون
ترجمة واقعية، فستبقى في شكل قرارات ورقية، ولذلك لا بد أن تكون وراء القرارات قوة
داعمة تنفذها.
العدو يعرف أنه قوي وليست هناك قوة تردعه،
لكن على الأمم أن تتحرك. هذه حركات قانونية تتم اليوم، وغدا حركة عمال وطلاب
وشعبية. هذه تعطي شيئا من الزخم وتشكل قوة للحق. لماذا لا تلجأ الأمم المتحدة
للجمعية العامة؟ لماذا مجلس الأمن فقط وهو رهين لحق الفيتو؟ لماذا لا يتم طرد كل
من يخترق قوانين الأمم المتحدة؟
نحيي في هذا السياق جنوب أفريقيا على كل ما
فعلت، ونحيي الجزائر التي أثبتت صدقها وقدمت قرارا لمجلس الأمن بشأن الحرب.
س ـ من يسند ظهر هذه المنظمات الحقوقية؟
ـ أخاطب
في القادة العرب والمسلمين ما بقي فيهم من روح بشرية، أن يقفوا مع المظلوم والضعيف، وليس
مع الظالم. فبالرغم من كل ما حصل، مازال هناك من يتحدث عن التطبيع. إذا لم يعد كل
إنسان منا إلى عقله ورشده، فإنه لا يستطيع إلا أن يقف مع المظلوم. ونحن ليس لنا
إلا أن نقوم بدورنا وفق القانون، ونطالب بالعدالة كما يمنحنا القانون ذلك، وإذا لم
تسعفنا القوانين الدولية، فعلى الأقل أن تسعفنا أنفسنا، ونعلن أن هذا هو طريق
الحق.