هل كانوا يخافون على الدولة المصرية فعلا؟

كان الواحد منهم يتأوَّه كالمرأة الحامل في شهرِها التّاسع وهو يبدي قلقَه على "الدولة المِصرية"!

فالدولة المِصرية في خطر، والحكم المدنيّ المنتخب سيفتّت الدولة المصرية، ومن هنا كانت دعاية جبهة "الضِّرار"؛ الإنقاذ، أنهم احتشدوا خوفا من سقوط الدولة المصرية، بفعل "الأخونة"، ومن خلال مليشيات موازية للجيش المصري يشكّلها الإخوان، حتى أوشكت الدولة المصرية أن تكون صنما، ولم يبقَ إلا أن يطوف المصريون حوله محلقين ومقصرين، لكن ها هي الأيام تثبت أنه كان صنما من عجوة قاموا بعبادته وعندما جاعوا أكلوه!

كانت جبهة "الإنقاذ"، التي دعت للنفير العام في يوم 30 حزيران/ يونيو تسابق الزمن دفاعا عن الدولة المصرية وقبل سقوطها، وتسلَّم الجنرال منهم الراية، فصار يقوم ويقعد، وهو يتحدث عن الدولة، التي ظلّ على مدى نصف قرن يدرس ما هي حتى صار مفهوم الدولة طلسما لا يمكن لغيره فكّه، فإذا بنا نستيقظ على محاولات هدم لهذه الدولة، وضربٍ لمؤسساتها، في ما عرف بتشكيل ينتحل صفة القبائل العربية في مصر، ليكون جيشا بديلا، وشرطة بديلة!

نستيقظ على محاولات هدم لهذه الدولة، وضربٍ لمؤسساتها، فيما عرف بتشكيل ينتحل صفة القبائل العربية في مصر، ليكون جيشا بديلا، وشرطة بديلة!

لديَّ كلام كثير في موضوع القبائل هذا، لكنها المرة الأولى التي أجد نفسي زاهدا في الكلام في موضوع ما، مع تداعياته الخطيرة، ومردّ هذا العزوف إلى أننا لن نكون بديلا لمؤسسات الدولة المصرية في معاركها، وقد أهدرت هيبتها على مدى الأيام القليلة الماضية، دون أن نسمع لها همسا. ولا شكّ أن هذا الهوان في جانب منه يحرّض على الشماتة، ولا يمكن لكاتب أن يكون بديلا لمعارك السلاح، أو عندما يكون من اللازم استخدام سيف القانون، وليس القانون فقط الذي انتُهك عرضُه في الطريق العام، فالدستور نفسه أُهين بشكل غير مسبوق!

ولا شكّ أن هذا التشكيل الجديد، إنما ينازع مؤسسات القوة الاختصاصَ، فإن تقاعست عن الانتصار لنفسها، فلن أكون أداة للتنفيس عن الغضب المكتوم!

كذابو الزفة:

وإذ قرّرتُ لهذا، ولغيره، أن أنظر للأمر من مقاعد المتفرجين، فقد وجدت من اللائق ألا يمتد الأمر لجانب آخر فيه، هو خاصّ بكذّابي الزفة، الذين تشكلت منهم جبهة "الإنقاذ"، التي جعلت من "الدولة المصرية" موضوعا لها، وبالغت في تقدير الخطر الإخواني عليها، بجانب الغلمان الذين كانوا يناظروننا تلفزيونيا عن الخطر الساحق الماحق على الدولة المصرية لولا تدخّل الجيش!

الآن، حالا، ضبطت نفسي مبتسما، وأنا أتذكر ما كتبه أحدهم من أنهم عندما خرجوا في ثورة يناير، كانوا شبابا تغيب عنهم فكرة الدولة المصرية بأبعادها، وبعد أكثر من عشر سنوات، أقرّ بهذا الخطأ ومن ثم ألزم نفسه بالوقوف خلف الدولة المِصرية وخلف من يمثلها ومن يعرف هذه الأبعاد. فهل يشعر الآن أنه كان في المكان الصحيح؟!

لم يكن صاحبنا ضد المسار أصلا، لكن هناك من يبالغون في جلد ذواتهم تقربا لأهل الحكم بالنوافل، ولو أدى الأمر لتصوير أنفسهم على أنهم كانوا بُلْها، والدليل أن الوقائع أثبتت أن الخطر الحقيقي على الدولة المصرية، تمثّل في الانقلاب العسكري، وهذه الطبعة الرديئة منه، التي قامت بأعمال من شأنها تقويض هذه الدولة، التي هي أقدم دولة في التاريخ!

كان تجمّع "الإنقاذ" يجعل من الدولة المصرية عنوانا لمعركته ضد الإخوان، بجانب عنوان فرعي وهو "الدولة المدنية"، وهم يخشون على هذه الدولة من "الأخونة"، ومن أن يحولها الحكم الإخواني إلى دولة دينية!

بيدَ أن مرسي لم يقدم نفسه على أنه يحكم باسم الإسلام، لكن خطاب الدولة الدينية نستمع له على مدى عشر سنوات، فالله يكلّمه، ويسأله ويجيب، وقد منحه البركة، وهو وحده من يحاسبه، بما يمثل هدما لقواعد الدولة المصرية، ثم ها هي المليشيات تتأسس من غير الإخوان، على النحو الذي يذكّرنا بتجربة الدعم السريع في السودان، أحد خطايا الحكم العسكري هناك!

تقدّرون فتضحك الأقدار، فكل ما قالوه عن الرئيس محمد مرسي فعلوه، فقد رمتني بدائها وانسلّت، ومن المليشيات الموازية للجيش والمخالفة في تشكيلها للقانون، إلى الاستدانة، إلى العجز عن توفير الخدمات، إلى ارتفاع الأسعار، إلى بيع مقدرات البلد، إلى التفريط في نهر النيل، فكل هذا كان خطرا محتملا فصار واقعا مريرا.

هل كانوا بالفعل يخافون على الدولة المصرية؟ أم كان هذا هو شعارهم في معركة سياسية قذرة، مارسوا فيها الانحطاط السياسي، ودمروا مسارا ديمقراطيا، وسلموا البلد "بيضة مقشرة" لصاحب القسمة والنصيب؟ ذلك بأنهم غلبت عليهم شقوتهم، وكان كل منهم يتحرك بدوافع ذاتية، وزعيمهم كان كدجاجة عليها البيضة، لا يطيق صبرا ويحلم بكرسيّ الحكم الآن

أين هم؟

وعلى مدى أيام منذ الإعلان عن تأسيس الكيان إياه، لم تقل أي مؤسسة في الدولة المصرية، ولو: أفٍّ، وليس هذا موضوعنا، فالذين وقفوا بالباع والذراع ضد الرئيس محمد مرسي، الآن في حكم الموتى، لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا.

أين البرادعي، وأين حمدين صباحي، وأين عبد الجليل مصطفى، وأين جابر نصار، وأين السيد البدوي شحاته، وأين مكفول نجيب ساويرس ورئيس حزبه، وأين أسامة الغزالي حرب.. وأين كل الذين تشكلت منهم جبهة الضِّرار دفاعا عن الدولة المصرية؟!

بإمكانك أن تشمت فيهم وهم ينكشفون؛ فالجرأة على الرئيس المدني المنتخب لم تكن شجاعة منهم، وإنما لأنهم لم يواجَهوا بالحزم اللازم، فاستأسدوا هناك، وأصبحوا نَعامات دفنت رؤوسها في الرمال، عندما وجدت حكما لا يوقّر كبيرا ولا يعطف على صغير!

وليس هناك أكثر بلاء من أن يتذكرهم الرأي العام، أيام مرسي والآن، ويتذكر أنهم في السابق كانوا يخافون على الدولة من خطر متوهَّم، ومع الخطر الداهم أصيبوا بالخرس تماما، مع ما يمثله هذا الخطر من استفزاز!

هل كانوا بالفعل يخافون على الدولة المصرية؟ أم كان هذا هو شعارهم في معركة سياسية قذرة، مارسوا فيها الانحطاط السياسي، ودمروا مسارا ديمقراطيا، وسلموا البلد "بيضة مقشرة" لصاحب القسمة والنصيب؟ ذلك بأنهم غلبت عليهم شقوتهم، وكان كل منهم يتحرك بدوافع ذاتية، وزعيمهم كان كدجاجة عليها البيضة، لا يطيق صبرا ويحلم بكرسيّ الحكم الآن، وحالا.

إنهم يتعرّضون الآن لما يستعاذ بالله منه، وهو قهر الرجال، وإذ كانوا قد أصبحوا ماضيا أليما، فإن من المهم التذكير بهم، وما فعلوه، للتاريخ، ولكي تستلهم الأجيال الدرس، فلا تكرّر جرائمهم!

إنه اختفاء مريب، وكأن الحامل في التاسع، جاءها الطلق وماتت!

twitter.com/selimazouz1