في الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون تجرّع مرارة الفشل الاستخباراتي الصارخ
في قضية الطيار المفقود "رون أراد" منذ أربعين عاما، فإن الأوساط داخل
الاحتلال الإسرائيلي
تطالب صناع القرار الحاليين بحسم قرارهم في قضية الأسرى لدى
حماس، على اعتبار أن
الدروس المستفادة مما يسمونه "لغز" أراد هي إشارة تحذير ونداء صادم على
المستوى السياسي، خاصة بعد الإنذار الذي وجهته كتائب القسام قبل يومين في هذا
الخصوص، لا سيما وأن القناعة السائدة بأن الفشل في استنفاد الفرصة الدبلوماسية
لإعادتهم يزيد بشكل كبير من الخطر على حياتهم.
وقال الرئيس السابق لشعبة الأسرى والمفقودين في جيش الاحتلال، والباحث
بمعهد سياسة مكافحة الإرهاب (ICT) في جامعة
رايخمان، آفي كالو إن "اللدغة الناجمة عن قضية أراد يجب أن يواجهها صناع
القرار في هذا الوقت في قضية المختطفين لدى حماس، فالدروس المستفادة من لغز اختفاء
أراد إنذار نداء صادم للمستوى السياسي مفاده الفشل في استنفاد نافذة الدبلوماسية،
لأن الفرصة، مهما كانت صعبة ومعقدة، لإعادة الأسرى تزيد بشكل كبير من الخطر على
حياتهم، وتعتبر فشلا ذريعا قد تبكي أجيالا، في ظل الخوف الحقيقي من أن يواجه الأسرى
الذين ما زالوا على قيد الحياة صعوبة في البقاء أحياء لفترة طويلة، وبالتالي فإن
عدم إعادتهم اليوم سيترتب عليه ثمن باهظ في المستقبل، ليس فقط على مستوى سلة أثمان
عودتهم عبر المفاوضات، بل أيضاً من ناحية الموارد لدى مجتمع الاستخبارات".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن "أكثر من ستة أشهر مضت منذ أن استيقظنا على الواقع الذي لا
يطاق، وأن أسرانا لدى حماس، ويبدو أن التاريخ، في جانبه المظلم، -على حدّ وصفه - يصرّ
على تكرار نفسه، في سياق مماثل ومخيف، خاصة بالعودة إلى عام 1987 الذي شكّل الفرصة
الأولى والأخيرة لعودة طيار سلاح الجو المفقود المقدم رون أراد من الأسر في لبنان
حتى نهاية ذلك العام المعقّد".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه
"كان لدى إسرائيل عنوان حقيقي للحديث عنه حول قضية رون، وهو جميل سعيد، رجل
أعمال لبناني عاش في لندن، وكان زميلاً لنبيه بري رئيس منظمة أمل، وما زال شخصية
عامة مؤثرة على الساحة اللبنانية، ولكن إلى حدّ كبير، ساد هناك شعور زائف بالأمن داخل
الكيان على الصعيد السياسي، لأنه أمكن في ذلك الوقت إجراء الاتصالات مع الوسيط
سعيد بسهولة، خاصة في ضوء حقيقة تلقي عدة رسائل من رون، والتي كانت في وقت لاحق
آخر علامة على الحياة منه".
وأشار كالو إلى أن الديناميات الداخلية في حركة أمل، لم تشعل الأضواء
الحمراء في مقر وزارة الحرب آنذاك، واقتراب رئيس الجهاز الأمني في المنظمة مصطفى
ديراني من طهران، كان يعني أنه في نهاية عام 1987، انفتحت النافذة، ولكن ضاعت
الفرصة مع تأسيس منظمة "المقاومة المؤمنة" القريبة من الحرس الثوري
الإيراني.
وقال إن الديراني، الذي تقاعد من
حركة أمل، وترأس تلك المنظمة، أخذ رون تحت جناحه، وهي الخطوة التي أدت إلى انهيار
قناة الوساطة المتراخية، وبعد اختفائه من قرية النبي شيت صيف عام 1988 في ظروف
مجهولة، بذلت خلالها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية جهوداً كبيرة لتحديد مكانه في
جميع أنحاء الشرق الأوسط، دون جدوى.
وأكد الرئيس السابق لشعبة الأسرى والمفقودين أنه طوال العقود الثلاثة
والنصف التي مرت منذ اختفائه، تم تنفيذ سلسلة من العمليات الجريئة، بجانب جهود
استخباراتية وبحثية واسعة النطاق، كلها فشلت في حلّ هذا اللغز، على سبيل المثال،
خلال فترة حكومة التغيير، وبحسب إعلان رئيس الوزراء آنذاك نفتالي بينيت من على
منصة الكنيست، جرت عملية كثيفة الموارد تنطوي على مخاطر كبيرة، ورغم إنجازاتها
العملياتية، لكنها فشلت بتبديد الغمة فيما يتعلق بمصير وظروف اختفاء أراد، وهكذا
ضاعت فرصة إعادته.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح كالو أن عملية الأسر عام 1987 لها عوامل متعددة، بما في ذلك صدمة
صفقة أحمد جبريل عام 1985 التي أثارت غضب الرأي العام داخل الأراضي المحتلة، مما
أثار الكثير من الانتقادات والتردد على المستوى السياسي، وعلى طول الطريق جرّ
المؤسسة الأمنية إلى استثمار مدخلات ضخمة، بأسعار معقدة أحيانا، لتحديد مكان أراد،
ولكن ظلت حالة من عدم الوضوح فيما يتعلق بماضي أراد منذ ذلك الحين، وخلق
اختفاؤه في وادي لبنان أواخر الثمانينات ارتباكاً وقدراً كبيراً من الأطروحات
والتقديرات الاستخباراتية، التي أثقلت بشكل كبير القدرة على إنتاج أجندة سياسية،
وتنسيق جهد دقيق للتوصل إلى حل للفشل الاستخباراتي المؤلم.
وأكد أن "الفشل في استعادة المختطفين لدى حماس اليوم سيتطلب من
المؤسسة الأمنية توسيع الممارسة في مجال الاستخبارات من أجل تحديد مكانهم، بطريقة
تقطع مدخلات واسعة، وهي في قلب الأجندة الأمنية، وهذا اعتبار هام، ويستحق أن يقف
أمام أعين صناع القرار الإسرائيلي، لأننا نواجه عدواً مريراً، وقاسياً، وهو من
أقسى أعداء إسرائيل المعروفين، وإنجازات الجيش تتآكل، ومناوراته البرية في قطاع
غزة، كما ألمح مسؤولون عسكريون كبار، قد تصاب بشلل استراتيجي مستمر تعاني منه
الحكومة الإسرائيلية".