سياسة عربية

هل أصبح الهتاف لفلسطين ورفع علمها عملا مجرّما في مصر؟

غضب متصاعد في مصر بسبب موقف نظام السيسي من العدوان على غزة- الأناضول
غضب متصاعد في مصر بسبب موقف نظام السيسي من العدوان على غزة- الأناضول
ما زالت تتوالى أصداء رفع مصري علم فلسطين من فوق إحدى اللوحات الإعلانية من ميدان سيدي جابر في مدينة الإسكندرية (شمال غرب)، الجمعة الماضي، وما تبعه من اعتقال السلطات الأمنية له، خاصة بعد هتافه ضد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

ولليوم الخامس على التوالي يظل مصير أمين الشرطة عبدالجواد محمد السهلمي، مجهولا، بعد إنزال قوات الأمن له وتوقيفه وسط مخاوف تتصاعد من أسرته ومن نشطاء وحقوقيين على حياته، وفق منظمات حقوقية.

وصعد عبدالجواد، الجمعة الماضي على لوحة إعلانات عملاقة بمدينة الإسكندرية، وخلع ملابسه الميري، وألقى بها، ثم رفع علم فلسطين، ملوحا به وهتف وسط تجمعات من المصريين وهتف قائلا: "السيسي خائن وعميل، مش خايف منك يا سيسي، فليسقط السيسي، ليسقط كل خائن وعميل"، ثم رفع علم فلسطين مرددا: "الله أكبر".





اظهار أخبار متعلقة


ورصدت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، استمرار عملية الإخفاء القسري لأمين الشرطة الذي يعمل بقسم شرطة "كرموز" بالإسكندرية، والبالغ من العمر 45 عاما، والأب لبنتين وولد، والمقيم بقرية بيبان، مركز كوم حمادة، محافظة البحيرة (غرب الدلتا)، مؤكدة أنه "لم يعرض على جهات التحقيق وسط انقطاع سبل التواصل".

ونقلت المنظمة الحقوقية المصرية شهادة أحد أقاربه، عن حزنه وبكائه لما يجري في فلسطين وقطاع غزة من جرائم إبادة دموية لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وسط صمت رسمي مصري يصل إلى حد التواطؤ، بحسب مراقبين.

ووفق الشهادة التي نشرتها صفحة الشبكة عبر  "فيسبوك"، فإن أمين الشرطة عبدالجواد، كان يعلن رفضه لغلق مصر معبر رفح ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمهجرين الفلسطينيين على الحدود المصرية، ويقول: "حرام المفروض الحدود تفتح علشان دول إخواتنا وده ظلم والناس بتموت".

كما أن الرسالة أكدت على أن أمين الشرطة المتضامن مع فلسطين، كان نظيف اليد لا يقبل بالفساد والرشوة، مطالبة بدعمه والوقوف معه والمطالبة بإخلاء سبيله.



"صحوة واستفاقة"
ومنذ السابع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل أطول حرب على نحو 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة وترتكب أبشع جرائم الإبادة الجماعية طوال 5 أشهر ما تسبب في ارتقاء 30534 شهيدا وإصابة 71920 حتى الأحد الماضي، ما تبعه تهجير أكثر من 1.5 مليون فلسطيني على الحدود المصرية وسط أوضاع إنسانية صعبة، واتهامات لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، بالتواطؤ بغلق معبر رفح ومنع دخول المساعدات.

وأحدث هتاف أمين الشرطة عبدالجواد، لفلسطين، دويا هائلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وردود فعل متفائلة، والتأكيد أن المصريين لم ينسوا إخوانهم في فلسطين خلال محنتهم، رغم الضغوط الأمنية للنظام العسكري الحاكم.

وعبر منصة "إكس"، كتب الفنان عمرو واكد: "هو يعلم جيدا أنه سيتم القبض عليه، ولذلك اختار موقعا يصعب على أمن العصابة الوصول إليه إلا بعد إرسال رسالته بكل وضوح، هذا الشاب الأصيل ليس فقط مثالا للشجاعة والقوة والذكاء، هو مثال لمن هم قادمون، ليس فقط في مصر ولكن في كل أنحاء العالم العربي"، متمنيا أن يكون سببا "في صحوة واستفاقة الشعوب العربية".




‌وتساءل الإعلامي المصري أيمن عزام: "ما الذي يدفع أمين شرطة للتصحية بوظيفته الميري، وتعريض نفسه لأذى وشرور سلطة لا ضمير لها؟ وهل تكرار مثل هذه الحالات الفردية يؤشر إلى شيء ما؟ وهل بإمكانه إحداث تأثير يؤدي إلى تغيير؟ وإلا كل جهد فردي سيذهب صاحبه للمواجهة مع الطغيان منفردا لينكلوا به ويذبحوا مستقبله".



والمثير أنه تبع وقفة أمين الشرطة عبدالجواد المتضامن مع غزة، وقفة تضامنية من أمام نقابة الصحفيين بقلب القاهرة، السبت، للمطالبة بفتح معبر رفح، وإرسال المساعدات إلى غزة، وسط هتافات: "يافلسطين يافلسطين.. احنا كمان محتلين"، و"عيش حرية.. الأرض فلسطينية".



اظهار أخبار متعلقة


ويعاني نحو 106 ملايين مصري منذ الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي، منتصف 2013، من منع الحريات وغلق المجال العام والتضييق على حرية الرأي والصحافة، واعتقال أكثر من 60 ألف شخص أغلبهم من تيار الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين.

وطوال تلك السنوات دأبت السلطات على التعامل الأمني الغليظ مع المتظاهرين والتي شهدت قمتها في أعوام 2013 و2014 و2015، ثم مع دعوات التظاهر في أيلول/ سبتمبر 2019 و2020، ما تسبب في تكدس رهيب للمعتقلين في السجون وأماكن الاحتجاز، ما دفع السيسي إلى بناء نحو 50 سجنا جديدا خلال 10 سنوات.

"أصبح جريمة"
وعن وضع أمين الشرطة عبدالجواد، وأسباب اعتقاله وهل هي رفع علم فلسطين أم الهتاف ضد السيسي، تحدث المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار، قائلا إن "اعتقاله، جاء لسببين من وجهة نظر السلطات المصرية، التطرق إليهما جريمة".

وأوضح الحقوقي المصري، في حديثه لـ"عربي21"، أن الجريمة الأولى من وجهة نظرهم، هي المساس بـ"الذات العليا للسيسي، الذي أصبح الحديث عنه وانتقاده جريمة يعاقب عليها القانون الوضعي المصري، وهو ما يتوافق تماما مع سياسة تكميم الأفواه التي تنتهجها السلطات المصرية منذ 10 سنوات".

أما ثاني الجرائم التي اعتقل على إثرها عبدالجواد، بحسب العطار، فهي "رفع علم فلسطين، الذي أصبح بالسنوات الأخيرة جريمة يعاقب عليها قانون السلطات المصرية الحالية، بعدما كان دعم القضية الفلسطينية واجب، بل فرض على كل عربي، ومن لديه ذرة من إنسانية".

ولفت إلى مواقف مماثلة من التعامل الأمني السابقة من النظام بحق مصريين هتفوا في الشوارع لفلسطين أو ضد النظام، مذكرا بأن "هناك 65 مصريا رهن الحبس الاحتياطي منذ 5 أشهر لتظاهرهم دعما لغزة والقضية الفلسطينية".

وبين 20 و24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتقلت قوات الأمن 72 شخصا على الأقل، بينهم 4 أطفال، شاركوا في احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين في القاهرة والإسكندرية، بينما منع الأمن تظاهرة داعمة لفلسطين في الجامع الأزهر  في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واعتدى بالضرب واعتقل متظاهرين.

وفي تشرين الأول/ نوفمبر 2019، اعتقل أفراد أمن بزي مدني الشاب عز منير خضر، بعد رفعه علم فلسطين في استاد القاهرة أثناء مباراة منتخب مصر وجنوب أفريقيا، ليتم الإفراج عنه بعد 9 أشهر، في آب/ أغسطس 2020.

وخلص العطار، إلى التأكيد على أن الهتاف لفلسطين ورفع علمها أصبح بهذه الطريقة عملا مجرما في مصر، مبينا أن "التطرق للدفاع عن أهلنا في غزة جريمة، وانتقاد الكيان المحتل علانية جريمة".

وختم بالتأكيد على تضامن "الشبكة المصرية مع أمين الشرطة وتحميل وزارة الداخلية المصرية المسؤولية الكاملة عن حياته وأمنه وسلامته والمطالبة بإخلاء سبيله لعدم ارتكابه جرما، والتضامن مع كل أحرار العالم، وبينهم المصريون المعتقلون في دعم القضية الفلسطينية وأهل غزة".

"لم يرتكب جرما"
وفي تعليقه، قال الحقوقي المصري محمد زارع: "شعور المواطن المصري الذي ينتمي للشرطة برفعه علم فلسطين شعور مصري بشكل عام تضامنا مع غزة، فالكل وبالإجماع يرى أن ما تفعله إسرائيل على مدار 5 شهور جرائم حرب وعمليات إبادة ضد الإنسانية".

وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، لـ"عربي21"، أن "كل الناس لديهم موقف من أن الدولة المصرية لم تقم بدورها كدولة عربية كونها الجار لقطاع غزة، وعلى الأقل بإدخال المساعدات عبر معبر رفح، وأنه ليس مبررا ما يقال عن رفض إسرائيل".

ويعتقد زارع، أن "ما قام به هذا المواطن المصري الذي ينتمي لجهاز الشرطة باعتباره جهة مدنية نظامية أظن أنه دليل على أن الناس كادت أن تنفجر من الصمت المصري الذي يصل حد التواطؤ مع الكيان المحتل ضد الفلسطينيين العزل، وغلق منفذ رفح بشكل دائم وفرض الأمر الواقع".

ويرى أن "ما قام به للتعبير عن رأيه جاء بطريقة سلمية فلم يحطم شيئا، فقط عبر عن رأيه، وفي المقابل، رأينا أشخاصا غير عرب لديهم ضمير مثل الطيار رون بوشنل، الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن".

وأكد أنه "لم نجد أحدا يخوًنه أو يتهمه بالجنون أو ذكره بسوء، بل أظن أنه حتى أمريكا الرسمية حزنت عليه، ووزير دفاعها يحقق بالواقعة ورصد أسباب انتحار ضابط طيار مهندس بهذه الكفاءة ورفضه للصمت الأمريكي ضد مذابح ومجازر إسرائيل في غزة".

وفي 27 شباط/ فبراير الماضي توفي الطيار بالجيش الأمريكي رون بوشنل (25 عاما)، بعد أن أضرم النيران في جسده أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، بعد أن أعلن أنه "لن يكون متواطئا في الإبادة الجماعية"، التي تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.

وهنا أعرب زارع، عن أمنيته، في أن "يكون المسؤولون المصريون أكثر تفهما مثل الأمريكيين مع المواطن المصري الذي حزن على قتل أكثر من 30 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، قُتلوا بدم بارد، وسط ما يقرب من 70 ألف إصابة خطيرة، و1.5 مليون فلسطيني نازح ينامون في العراء، بلا غذاء أو دواء أو أماكن حماية من العدوان، ما يحزن كل ذي قلب".

وأكد أن "هناك مسؤولية على رئيس الجمهورية والدولة المصرية ووزارة الدفاع ومجلس الشعب، وهناك مطالب من الشعب بحق فلسطين يجب أن تُحترم، وأقل شيء أن يُحترم هذا المواطن ويجب الإعلان عن مكانه والتعامل معه وفقا للقانون فهو لم يرتكب جريمة وعبر عن رأيه سلميا".

وختم الحقوقي المصري بالقول إنه "يجب استيعاب الغضبة التي شعر بها، لأن كل المصريين شعروا بها".

اظهار أخبار متعلقة


"قطاع جديد"
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي المصري قطب العربي، أن "حالة أمين الشرطة محمد عبدالجواد؛ هي تعبير عن مشاعر الشعب المصري، والجديد أنها تعبر عن مشاعر قطاع لم يكن ينشغل بهذه القضايا على الأقل ظاهريا نظرا لطبيعة عمله الذي يجعله في مواجهة أصحاب هذا السلوك".

وأوضح الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في مصر سابقا، في حديثه لـ"عربي21"، أن "الشعب المصري حُرم بالقوة من التعبير عن رأيه تجاه العدوان على غزة، بل إنه تم القبض على أعداد من المتظاهرين الذين خرجوا يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدعوة من النظام نفسه، لكنهم أرادوا التظاهر فقط من أجل غزة وليس من أجل منح تفويض جديد للسيسي".

وأكد الكاتب والمحلل السياسي، أن "ما فعله أمين الشرطة محاولة لكسر الحصار على حرية التعبير، ومحاولة لإظهار الغضب الشعبي، والذي اتسع ليشمل فئات جديدة".

وشدد في نهاية حديثه على أن "القبض عليه والتحقيق معه مخالفة للدستور الذي يحمي حق التعبير عن الرأي بسلميّة، وما ظهر للجميع أن الرجل كان سلميا في تعبيره عن رأيه ولم يستخدم العنف".

"غضب متنام"
وهناك حالة من الغضب تتنامى بين أفراد وضباط الشرطة المصرية، فبجانب حالة الغضب التي عبر عنها أمين الشرطة عبدالجواد، فإن ضابط شرطة مصريا كشف في حديث خاص بـ"عربي21"، عن حالة غضب متنام في وزارة الداخلية ضد نظام السيسي وتغول الجيش.

وتحدث ضابط الشرطة وهو برتبة رائد عن "حالة من الغضب والإحباط والمشاعر السلبية تسود بين ضباط الشرطة وعناصر وزارة الداخلية"، مشيرا إلى أن "أغلب الضباط غير راضين عن أوضاعهم المالية"، مؤكدا أن معاناتهم "تتزايد يوما بعد يوم مع ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الجنيه، واستئثار الجيش بكل السلطات المتاحة لهم وبكل العوائد الاقتصادية في البلاد".

وأوضح أن "ضباطا يشكون لوزير الداخلية أمرين: أولهما تغول الجيش على صلاحياتهم في الأسواق وتراجع دور شرطة التموين، وثانيا ضعف دخلهم الذي يخصم منه نحو 40 بالمئة ضرائب وتأمينات".

وبين أن رد الوزير كان صادما للجميع بأن "الداخلية هيئة مدنية تنفذ أوامر رئيس الدولة، ولا علاقة لها بالاقتصاد ولا يمكنها التدخل في ما يحصل عليه ضباط الجيش من صلاحيات".

وأكد على غيرها من الأمور التي تشير إلى حالة غضب مكتوم بين ضباط الشرطة من نظام السيسي وقراراته، وبينها الوضع في غزة.
التعليقات (0)