تقارير

فتحي غبن.. تشكيلي فلسطيني ولد ومات في خيمة وجسد اللجوء في لوحاته

فتحي غبن حصل على وسام هيروشيما ووسام اتحاد الجمعيات العالمي بطوكيو، وحاز لقب "فنان فلسطين" عام 1993..
فتحي غبن حصل على وسام هيروشيما ووسام اتحاد الجمعيات العالمي بطوكيو، وحاز لقب "فنان فلسطين" عام 1993..
بعد انتظار 77 عاما في اللجوء بمخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، وخمسة أشهر نازحا في مدينة دير البلح وسط القطاع؛ فارق شيخ الفنانين التشكيليين فتحي غبن الحياة دون رؤية مسقط رأسه قرية هربيا التي تبعد عن قطاع غزة عدة كيلومترات.

جسد غبن خلال حياته وبمئات اللوحات التي رسمها حياة اللجوء والنزوح وعاشه واقعا وهو يتطلع للعودة إلى هربيا حتى في أحلك الظروف التي عاشها وهو مريض نازحا بعد خمسة أشهر من العدوان على غزة.



ربوع غبن كريمة الفنان فتحي تحكي لـ "عربي21" قصة لجوء والدها في العام 1948م، حينما كان رضيعا مع عائلته من قرية هربيا شمال شرقي قطاع غزة، حيث استقر الحال بهم في مخيم جباليا للاجىين الفلسطينيين شمال قطاع غزة على أمل العودة إلى مسقط رأسه.

وأكدت أن والدها عاش حياته وهو يحلم بالعودة إلى قرية هربيا مجسدا ذلك في مئات اللوحات فيما عاش آخر خمسة أشهر من حياته نازحا إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بعد حرب الإبادة التي تعرض لها قطاع غزة وفي قلبه مخيم جباليا مسكنه المؤقت لحين العودة إلى هربيا.

وشددت على أن والدها جسد في لوحاته الحياة في قرية هربيا سواء موسم الحصاد أو البرتقال أو الحياة في هذه القرية، مشيرة إلى أن لوحاته جسدت حلم العودة وظل على أمل أن يعود إلى مسقط رأسه.

وأكدت أن والدها توفي الأحد الماضي في النزوح بدير البلح وذلك بعد صراع طويل مع المرض، مشيرة إلى أنه كان يعاني من ضيق التنفس، وكان يردد دائما "بدي أتنفس".



وأوضحت أن سلطات الاحتلال رفضت السماح لوالدها بمغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج في المستشفيات في الخارج بعد انهيار المنظومة الصحية في غزة.

وقالت ربوع: "كان والدي يعاني من مشاكل حادة في الصدر والرئتين، وبحاجة إلى السفر للخارج لاستكمال علاجه بسبب نقص الأدوية، والأوكسجين في غزة، إلا أن سلطات الاحتلال لم تسمح له بمغادرة القطاع".

وأضافت: "كان والدي في الأيام الأخيرة يتلقى العلاج في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في انتظار أن يتمكن من الخروج لمصر لتلقي العلاج هناك رغم استكمال كل الإجراءات والتقارير المطلوبة التي تتم في هذه الحالة".

ومن جهته اعتبر الدكتور عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني، أن رحيل غبن يشكل خسارة للفن الفلسطيني الذي شهد على يده نقلة هامة تجاه تجسيد الحياة الفلسطينية واللجوء الفلسطيني والمخيم وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنه.


                                      عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني

وقال أبو سيف لـ "عربي21" إن "غبن الذي يعتبر من الرواد في الفن التشكيلي الفلسطيني بعد النكبة، حيث عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها ورسمها بدقة متناهية وخلّد حياة القرية الفلسطينية التي أرادت النكبة أن تمحوها".

وأضاف أن "غبن كان دائما يستذكر قريته (هِربيا) التي ولد فيها، فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد ورسم البيوت والوجوه والطرقات".

وشدد أبو سيف على أن فلسطين كانت دائما حاضرة بكل تفاصيلها في أعمال غبن الذي حمل معه حياة القرية الفلسطينية والمخيم واللجوء إلى العالم عبر ريشته البارعة.

وأضاف: "عاش فتحي غبن حياته في خيمة ومات في خيمة، إن الخيمة ليست قدر الفلسطيني لكنها تعني أن الاحتلال أيضا سيزول مثلما ستزول الخيمة".

ومن جهته وصف أحمد السحار رئيس رابطة الفنانين التشكيليين في غزة، غبن بأنه "شيخ الفنانين التشكيليين"؛ مؤكدا أنه من الصعب تعويضه نظرا للحياة التي عاشها من اللجوء والمخيم والنزوح.


                                      أحمد السحار.. رئيس رابطة الفنانين التشكيليين في غزة 

وقال السحار لـ "عربي21": "ولد فتحي غبن في قرية هربيا داخل أراضي الـ1948 في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1946، وهي ملاصقة تماما لبيت لاهيا، حيث بالإمكان رؤية أراضيها من هناك، وقد أثر هذا على الفنان غبن طوال فترة حياته، رؤيته لقريته وعدم القدرة على الاقتراب منها".

وأضاف: "كان من الفنانين الذين طغت موهبتهم على التقنيات، فشارك في عشرات المعارض سواء في فلسطين أو العالم العربي والعالم، بما فيها المعارض الشخصية والجماعية، كما أنه احترف النحت بالطين، واستخدم في رسوماته مختلف الأدوات والألوان، كما أنه قام بتدريب عدد كبير من الهواة على أساسيات الرسم".

وأوضح السحار أن غبن تعلم الفن بالممارسة، وعاش في مخيم جباليا، وقد احترف الفن منذ عام 1965، وعمل مدرسا في مدرسة النصر النموذجية الإسلامية في غزة، قبل أن يصبح مستشارا في وزارة الثقافة الفلسطيني.

وقال: "تميزت لوحاته بإبراز جمال الطبيعة الفلسطينية والتراث الفلسطيني، بمضامين هادفة تعبر عن حياته اليومية ومعاناة شعبه تحت الاحتلال".

وأضاف: "حصل على وسام الثقافة والعلوم من الرئيس محمود عباس عام 2015، كما أنه حصل على وسام هيروشيما، ووسام اتحاد الجمعيات العالمي بطوكيو، وحاز على لقب "فنان فلسطين" عام 1993، وحاز على وسام "سيف كنعان" من إدارة التوجيه الوطني والسياسي الفلسطيني، وتم تكريمه من ممثل الاتحاد الأوروبي بعد حصوله على جائزة بيت الصحافة التقديرية الفلسطينية لعام 2023".

وأشار إلى أن غبن كان أحد مؤسسي جمعية التشكيليين، في قطاع غزة، ورابطة التشكيليين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

وأكد أن غبن كان قد اعتقل أكثر من مرة في سجون الاحتلال بسبب رسوماته، خصوصا لوحة "الهوية" التي رسمها عام 1984، وتنبأ فيها باندلاع الانتفاضة، عبر مشهد يصور المقلاع ورمي الحجارة، وتم منعه من السفر والاستيلاء على أعماله، وملاحقة مقتنييها.

وكشف السحار أن طائرات الاحتلال  قصفت خلال هذه الحرب بيت الفنان غبن في حي النصر غرب مدينة غزة، والذي كان يحوي معظم لوحاته التي احترقت إثر القصف؛ وقد حزن عليها حزنا كبيرا أثر على صحته التي تدهورت بشكل كبير بعد فقدان هذه اللوحات.





التعليقات (0)