بعد فترة هدوء في إطلاق أحكام الإعدام وتنفيذها
في
مصر بالعام الماضي، عاد الملف الحقوقي الأشد قسوة طيلة نحو 11 عاما بحق
المعارضين للواجهة مجددا، وذلك بعد تثبيت "محكمة النقض" المصرية، حكما
بالإعدام شنقا بحق 7 من المعتقلين المصريين منذ عام 2015.
المحكمة الأعلى بمصر، والوحيدة على مستوى
البلاد، بدار القضاء العالي بالعاصمة القاهرة، رفضت الطعون المقدمة من المعتقلين
السبعة، وأيدت أحكام الإعدام الصادرة بحقهم، لتصبح نهائية وقابلة للتنفيذ، ولا
يمكن التراجع عنها إلا بعفو من رئيس الجمهورية.
ويأتي الحكم ببلد يصنف الثالث عالميا بتطبيق
عقوبة الإعدام، بعد الصين وإيران، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية 2021، العام
الذي شهد تنفيذ سلطات رئيس
النظام عبد الفتاح
السيسي، أكثر عدد لأحكام الإعدام بحق
المصريين بـ(83 حكما).
وفي 23 كانون الثاني/ يناير الجاري، ثبتت محكمة
النقض، أحكام الإعدام الصادرة في حزيران/ يونيو 2022، من القاضي محمد شيرين
فهمي، ضد المعتقلين: مجدي محمد إبراهيم، ومحمود عطية أحمد عبد الغني، وعبد الوهاب
مصطفى محمد، ومصعب عبد الحميد خليفة، وعبد الله نادر الشرقاوي، وعبد الرحمن عيسى
عبد الخالق، ومحمود السيد أمين.
اظهار أخبار متعلقة
ويعد هذا القرار الأول من المحكمة (أنشئت 2
أيار/ مايو 1931)، بحق معتقلين مصريين بعد فوز السيسي، بولاية رئاسية ثالثة حتى
2030، في انتخابات خلت من المنافسين.
أرقام مفزعة
وبهذا الحكم يرتفع عدد المعتقلين الذين صدرت
بحقهم أحكام إعدام نهائية باتة واجبة النفاذ 211 مصريا، منهم 105 تم تنفيذ حكم
الإعدام في حقهم بالفعل، فيما يواجه 106 معتقلين آخرين تنفيذ الإعدام في أي لحظة،
وفقا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.
وفي تعليقها، قالت المنظمة الحقوقية إن "النظام
يمهد لتنفيذ جريمة قتل عمدي جديدة بحق 7 من معتقلي الرأي عبر استخدام القضاء
المسيس"، مشيرة إلى إحالتهم في شباط/ فبراير 2015، للمحاكمة الجنائية بتهم
هزلية وغير منطقية، واستنادا لتقارير أمنية ملفقة، تتهمهم بـ"وضع مخطط إرهابي
من داخل محبسهم بهدف إسقاط نظام الحكم".
وعقب تنفيذ السلطات حكم إعدام بحق 7 معتقلين،
مارس/ آذار 2022، قالت منظمة "كوميتي فور جستس"، إن الصمت الدولي عن
الانتهاكات الحقوقية في مصر؛ جعل السلطات تتمادى بتنفيذ أحكام إعدام جماعية صادرة
عن محاكمات استثنائية افتقرت لأدنى مقومات المحاكمة العادلة.
ورصدت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"
صدور 538 حكما بالإعدام خلال العام 2022، من محاكم الجنايات المدنية، مقابل 403
أحكام في 2021، و295 في 2020.
اظهار أخبار متعلقة
ووفق رصد "كوميتي فور جستس"، من (2015
إلى 2021)، جرى تنفيذ 105 أحكام بالإعدام، بـ23 قضية، 7 منها عام 2015، وحكم واحد
في 2016، ليتصاعد تنفيذ الأحكام ليصل 15 حكما في 2017، ثم 14 في 2018، و18 في
2019، ليشهد 2020 تنفيذ 25 حكما بالإعدام، ثم 18 حكما في 2021، ليظل العام 2022 هو
الأكثر في تنفيذ الأحكام بـ83 حكما.
وحكمت المحاكم المصرية على ما لا يقل عن 356
شخصا بالإعدام في عام 2021، وهو أعلى عدد من أحكام الإعدام تمكنت "منظمة
العفو الدولية" من تسجيله في جميع أنحاء العالم في عام 2021، باستثناء الصين.
ومنتصف 2021، جرى تأييد الحكم الصادر بإعدام 12
من قيادات جماعة
الإخوان، هم: "عبد الرحمن البر"، و"محمد
البلتاجي"، و"صفوت حجازي"، و"أسامة ياسين"، و"أحمد
عارف"، و"إيهاب وجدي"، و"محمد عبد الحي"، و"مصطفى عبد الحي"، و"أحمد فاروق كامل"، و"هيثم السيد العربي"،
و"محمد محمود زناتي"، و"عبد العظيم إبراهيم".
وأدانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم
المتحدة ميشيل باشليت قرار المحكمة في حينه قائلة إنه "نتاج محاكمة غير عادلة".
ووفق رصد "الجبهة المصرية لحقوق
الإنسان" فقد تراجع إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها بالنصف الأول من 2023، في
قضايا جنائية وعلى خلفية سياسية بالمقارنة بالسنوات الماضية، حيث صدر 193 حكما من
الجنايات، أيدت محكمة النقض 12 منها، فيما تم تنفيذ 3 منها.
وهو ما يدعو للتساؤل حول دلالات عودة أحكام
الإعدام للواجهة بعد فترة هدوء في الأحكام والتنفيذ خلال 2023، وحول علاقة هذا
التصعيد بحصول السيسي على الولاية الثالثة 6 سنوات حتى 2030، وما إذا كان النظام
يعيد استخدام ملف الإعدامات للضغط على جماعة الإخوان المسلمين.
ينتظرون الإعدام
وفي تعليقه، قال الحقوقي والمحامي المصري محمود
جابر فرغلي، إن "أحكام الإعدام لم تغب عن مصر؛ ما زالت السلطة المصرية مستمرة
في إصدار الأحكام بالمخالفة لضمانات المحاكمة العادلة، وأبرز الضمانات المفقودة
ضمانة المحاكمة أمام القاضي الطبيعي".
مدير "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"،
أضاف لـ"
عربي21"، أن "تلك الضمانة التي نص عليها الدستور المصري،
حينما قال: لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي -ومنذ 3 تموز/ يوليو 2013، لا
يحاكم السياسيون أمام القضاء الطبيعي".
وأوضح أنه تجري محاكمتهم "أمام القضاء
الاستثنائي، المتمثل في القضاء العسكري، وقضاء محاكم أمن الدولة طوارئ، ودوائر
الإرهاب التي تشكلت بالمخالفة للدستور المصري، وكذلك خالفت قانون السلطة القضائية".
وأكد أنه "إذا قلنا إننا أمام هدوء فيما
يخص أحكام الإعدام، فلا هدوء في ذلك وإنما الهدوء النسبي هو في تنفيذ الأحكام
-أعتقد أن الظروف الاقتصادية والسياسية المتدهورة في مصر كانت سببا في التأجيل
وإرجاء تنفيذ الأحكام".
اظهار أخبار متعلقة
وأعرب عن أمنيته في عدم تنفيذها قائلا: "نرجو
من الله أن لا يتم تنفيذها، وأن يعود هذا النظام إلى عقله وإلى إنسانيته وإلى
ضميره وإلى القانون وقواعد العدالة مرة أخرى، لمراجعة تلك الأحكام الجائرة التي
صدرت في غيبة من العدالة والقانون".
فرغلي، لفت إلى أن "لديه إحصائيات تقول إن
أكثر من 100 مواطن ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام، كلهم متهمون في قضايا ذات طابع
سياسي، وكل الأحكام التي صدرت لهم بالإعدام على أساس باطل".
وأكد أن "السلطة المصرية أساءت استعمال
عقوبة الإعدام، وهي كما نقول استخدمتها لأجل تصفية الخصومات السياسية، ولجأت إلى
أحكام الإعدام لأجل أن تقتل المعارضين وتتخلص منهم من خلال أحكام قضائية شكلا،
ولكنها ليست عادلة بالمرة".
استباق للفوضى
ويعتقد البرلماني والسياسي المصري جمال حشمت، أن "ما يحدث في مصر استباق لأي فوضى قد تحدث في البلاد،
لترهيب الجميع، كما أن ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبلها".
الدكتور حشمت، أكد
لـ"
عربي21"، أن "هناك توجها دوليا لمحاصرة الحاضنة الشعبية لحركة
المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين".
وأضاف: أنه "رغم كل ما فعله لمواجهة
الإخوان، والذي بدأ بالقتل في الشوارع والسجون، وينتهي بالإعدامات في السجون،
وبينهما حصار واضطهاد واستيلاء على الأموال، والحرمان من حقوق المواطنة بقوائم
الإرهاب؛ إلا أن النظام ما زال يضع الإخوان على رأس قائمة أعدائه".
وبين أنه "لا يترك فرصة لحوار أو مراجعة،
حيث أن ظروف مصر الاقتصادية والسياسية تضعها على فوهة بركان، ولن يستطيع أحد
بالعنف والقهر أن يضمن الهدوء والاستقرار في وطن ضاعت آماله، وتعذب حاله، وأهدرت
كرامته، وساءت سمعته في العالمين".
اظهار أخبار متعلقة
وخلص حشمت، للقول: "وما زلنا نبحث عن عقلاء
يدركون حجم الخطر الذي يواجه مصر بهذه الفترة الحرجة، بعد أن استنفد النظام كل
تجاربه التي أهدرت ثروات البلد، وضيعت مقدراته التاريخية، وأفسدت الحياة، ومرغت
كرامة الشرفاء، على أيدي من لا يخافون من الله ولا يستحون".
الموت الحقيقي
وفي رؤيته، قال القيادي في جماعة الإخوان
المسلمين والحقوقي المصري الدكتور أشرف عبد الغفار، إن "السيسي، ونظامه لن
يتغيروا، فمنهجم منهاج قسوة وكراهية للشعب".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، أضاف أن "السيسي
لم يجد نفسه يوما محبا للشعب أو يرغب بالتعاطف معه، وبكل مناحي الحياة لا يعامل
الشعب بتعاطف أو محبة، فلا طعام ولا احتياجات أساسية وانهيار اقتصادي تام، وهدم
لكل مقدرات الدولة".
وعن أحكام الإعدام، يرى عبد الغفار، أن
"بقاءه بالحكم مرتبط بالقسوة والشدة والترويع والخوف، ولقد تحولت مصر منذ
انقلاب 2013، لجمهورية وأرض الخوف، فلا أحد يأمن على نفسه، والقضاء مطية بقدم
الحاكم، والشرطة والجيش يعيشون العداء مع الشعب والاستعلاء عليه".
ولفت إلى أن مصر السيسي، التي تنفذ أحكام
الإعدام بحق أبنائها "أصبحت لا قيمة لها ولا وزن بين الدول، واعتادت تجويع
شعبها ولم تجد غضاضة بتجويع الفلسطينيين"، مبينا أنها أفعال تأتي في ظل
"غياب محاولات المعارضة الكرتونية لفعل أي شيء حقوقيا أو سياسيا، فقد صارت
جزءا من حالة البؤس التي تعيشها مصر".
وكحقوقي مصري، قال: "منذ بداية الانقلاب
نطالبها بالتوجه للمحاكم والمحافل الدولية لعل وعسى، ولكنها معارضة وجدت ليستمر
الانقلاب، ولا دليل على غير ذلك".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد: "من أمن العقوبة أساء الأدب والخلق
والفعل"، متسائلا: "هل اعترض أحد على من أعدموا قبلا؟"، مجيبا:
"للأسف لا"، مضيفا: "فما الذي يمنعه من إعدام الآخرين، أو حتى
إعدام الشعب نفسه".
وختم بالقول: "هو فعلا يعدمهم بالبطيء،
فيموتون جوعا وفقرا وقهرا، ومع غياب أي مستقبل لهم، وإغلاق منافذ الأمل وهدم
القيم، إنه الموت الحقيقي، ولعل الله يبعث فيهم وفينا الحياة والنخوة والغضب من
جديد".
رهائن للمساومة
وفي تعليقه، قال السياسي المصري الدكتور عز الدين
الكومي: "النظام يستخدم المعتقلين كرهائن لديه، ليس من جماعة الإخوان
المسلمين فقط، بل حتى من الاتجاهات الأخرى، من أمثال محمد عادل، وعلاء عبد الفتاح،
ليساوم بهم كلما سنحت فرصة للمساومة".
عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا
أضاف لـ"
عربي21": "وبالفعل إصدار أحكام الإعدام النهائية بهذه
الصورة ليس لها إلا تفسير واحد، وهو أن النظام يستدعي التنفيذ إذا لزم الأمر، أو
يُبقي التهديد بالتنفيذ عصا مسلطة على رقاب من يفكر في المعارضة، ليضمن استمرار
حالة الصمت سيدة الموقف، اليوم".
وأكد أنه "من المعلوم، أن هذه القضايا ما
هي إلا نوع من الانتقام السياسي ضد من يفكر في المعارضة، لأنها تفتقد لأبسط
مقتضيات العدالة، ويتم نزع الاعترافات من المعتقلين تحت التعذيب الممنهج".