الضربة التي وجهّتها عملية طوفان الأقصى لإسرائيل
سيكون لها ما بعدها، على الصعيد
الإسرائيلي والفلسطيني والإقليمي، لكن المتضرر
الأكبر منها بلا شك ستكون الأنظمة العربية والخليجية التي هرولت نحو
التطبيع مع إسرائيل
هرولة المستجير من الرمضاء بالنار، وتلك التي ما زالت تتفاوض.
من يراجع بيانات هذه الأنظمة بمناسبة عملية طوفان
الأقصى لا يكاد يلمس فيها أي دعم للفلسطينيين ولا تعاطفا حقيقيا مع قضيتهم العادلة، إلا
الكويت، أيقونة الحرية العربية ومتنفس التعبير الشعبي في المنطقة، ورئة الجسد الذي
يعبر عن ما بداخله دون خوف من نظام يقمعه أو حاكم يُسكته أو مخابرات تسجُنه.
تجد هذه الأنظمة نفسها اليوم عارية من تحقيق نصر واحد
لشعوبها، فاليمن تم تدميره دون تحقيق نصر على إيران أو الحوثيين الذين كانوا سببا
للحرب، وبدلا من أن تجر إيران ذيول الهزيمة، جلست بموقف المنتصر تفاوض لما فيه
خدمة مصالحها.. والسودان أصبح أكبر دولة فاشلة في العالم ويستعد لمزيد من التقسيم
والخراب، وحدث ولا حرج عن جبهات خاسرة أخرى تمتد بامتداد الإقليم من سوريا إلى
ليبيا إلى العراق إلى مالي وتونس والمغرب، ناهيك عن الأوضاع البائسة المزرية التي
يعيشها شعب مصر وتنذر بتفجر الموقف.
بعد كل هذه المغامرات الفاشلة، وبعد سنوات من العداء مع إيران واللغة الحنجورية ضدها، اكتشفت هذه الأنظمة أنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها في مواجهة طهران، وعندما أدار الحليف الأمريكي ظهره لها، رافضا خوض معاركها نيابة عنها؛ وجدت هذه الأنظمة نفسها تطلب التطبيع مع إيران بعد الفشل في هزيمتها، ثم ترجو الآن التطبيع مع إسرائيل
بعد كل هذه المغامرات الفاشلة، وبعد سنوات من العداء
مع إيران واللغة الحنجورية ضدها، اكتشفت هذه الأنظمة أنها عاجزة عن الدفاع عن
نفسها في مواجهة طهران، وعندما أدار الحليف الأمريكي ظهره لها، رافضا خوض معاركها
نيابة عنها؛ وجدت هذه الأنظمة نفسها تطلب التطبيع مع إيران بعد الفشل في هزيمتها،
ثم ترجو الآن التطبيع مع إسرائيل دون أن تخشى محاسبة من أحد، ودون أن تكلف نفسها
عناء الشرح والتبرير لشعوبها.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على أول عملية تطبيع
عربية إسرائيلية، ومرور ثلاث سنوات على التطبيع الإماراتي والمغربي والبحريني
والسوداني، لم يلمس
العالم العربي أي فائدة من عمليات التطبيع، فلم تزدها إسرائيل
قوة ولم توفر لها مزيدا من الحماية اللهم إلا في مواجهة شعوبها الضعيفة؛ بتقنيات
تجسس ورقابة عالية على المعارضين والنشطاء والصحفيين والمناضلين السلميين من أجل حياة
كريمة.
الحقيقة، أتى التطبيع بمنفعة واحدة، وهي تمكين الأنظمة
من تثبيت قواعد حكمها، خصوصا مع الهزات العنيفة والشواهد المؤلمة لهم والمحفورة
بالذاكرة من فترة ما يسمى الربيع العربي في ٢٠١١. وهذه الأنظمة تتفاوض من أجل
مصالحها المالية والاقتصادية وغيرها مقابل موجة جديدة من التطبيع، تتفاوض لنفسها
ولمكاسبها الاقتصادية الضيقة بزعم أنها تتفاوض للفلسطينيين لذر الرماد في العيون.
اليوم تجد إسرائيل نفسها تجرجر ثياب الهزيمة وعار
الفشل من كل الجبهات، سقط مجددا بعد ٥٠ عاما وهْم ادعاء الجيش الذي لا يُقهر، فكيف
تقدر إسرائيل على حماية الدول المُطبّعة وأنظمتها التي باتت هشة، بعد أن تنكرت
لشعوبها وتحالفت مع أعدائها؟
الفلسطينيون اليوم أخذوا قضيّتهم بأيديهم ولا ينتظرون
من هذه الأنظمة سوى أن ترفع الغطاء عن شعوبها المقهورة وتطلق العنان لجماهير الأمة
لكي تعبر عن رأيها بحرية في دعم أولى القبلتين وثالث الحرمين.
أين جماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدني المناصرة
للقضية الفلسطينية والمعادية للتطبيع في دول الخليج؟! لقد اختفت بمجرد تطبيع أنظمتها
المشؤوم، ما يثبت أن هذه الجمعيات والمنظمات إما أنها كانت تعمل لصالح هذه الأنظمة
دون أدنى إخلاص للقضية، أو على الأقل تم منعها وقمعها وإسكاتها من قبل أنظمة تدعي
مساندتها للحق الفلسطيني، ورغبتها في التطبيع مع إسرائيل من أجله.
لا زال في العمر وفي الإمكانات وفي الفرص متسع لأن
تستقوي أنظمة المنطقة بالعقلاء والواعين من شعوبها وهم الغالبية. لا زال فيكم خير،
لا زال فيكم.. هذا ما نأمله ونرجوه.
فخير الخطائين التوابون..
والله الحافظ والمستعان.