في تطور مثير للدهشة، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية،
التي طالما كانت رمزا للرأسمالية الحرة، خطوة تبدو متناقضة مع قيمها الجوهرية بحظرها
لتطبيق
تيك توك. هذه الخطوة، التي قُدمت تحت مبرر حماية الأمن القومي، تكشف في الحقيقة
عن مسألة أعمق: تعثر أمريكا في الحفاظ على سيطرتها في عالم الرقميات، وهو القطاع الذي
كانت قد أسسته وهيمنت عليه بلا منافس سابقا.
التنافس بين الولايات المتحدة والصين لا يقتصر على التكنولوجيا
والفضاء الإلكتروني فحسب، بل يمتد إلى مجالات أخرى كالقوة البحرية. في إحدى الفعاليات
بنادي الصحافة الوطني التي حضرتها في واشنطن العاصمة في شباط/ فبراير 2023، أشار وزير
البحرية الأمريكي، كارلوس ديل تورو، إلى حقيقة صادمة؛ قدرات
الصين الصناعية في مجال
بناء السفن تفوقت بمراحل عن تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة، مما يشير إلى تحدٍ
في القدرة على المنافسة الأوسع على الصعد المختلفة.
هذه المقارنة بين القوة البحرية والنفوذ الرقمي قد تبدو
غريبة في الوهلة الأولى، ومع ذلك، فهي تلقي الضوء على نقطة جوهرية: أن التنافس بين الولايات
المتحدة والصين يتعدى مجرد التطبيقات ليشمل المجالات العسكرية، التكنولوجية، والثقافية.
استجابة أمريكا لهذا التحدي، وخاصة في مجال الابتكار الرقمي، تمثلت في اتخاذ قرارات
بالحظر بدلا من تشجيع المنافسة أو الابتكار.
علاوة على ذلك، التركيز على تيك توك كأداة للمعلومات المضللة
فقط يغفل الصورة الأكبر، فالمعلومات المضللة مشكلة دائمة في الولايات المتحدة وعبر
جميع المنصات، حتى الأمريكية منها، وليست فريدة من نوعها لتطبيق تيك توك وحده.
إذا، يصبح حظر تيك توك مثالا صغيرا على معضلة أكبر تواجه
الولايات المتحدة اليوم: كيفية التعامل مع عالم تتحدى فيه هيمنتها بشكل متزايد. ومن
خلال اختيار الحظر بدلا من المنافسة، أو الابتكار، أو التثقيف، تخاطر أمريكا بخيانة
مبادئ الحرية والأسواق المفتوحة التي تتبناها وتدّعي صونها.
يبدو أن نهج أمريكا في مواجهة هذه التحديات، نهج رد فعل
بدلا من كونه مبنيا على مبادئ. فعلى سبيل المثال، تقرر استخدام الفيتو ضد قرارات الأمم
المتحدة عندما لا يعجبها الإجماع الدولي، وتحظر من يتفوق عليها في المنافسة. هذه الاستراتيجية
المتناقضة تكشف عن فجوة كبيرة بين المُثل التي تقف أمريكا من أجلها والإجراءات التي
تتخذها. باختصار، رد فعل أمريكا تجاه تيك توك ليس فقط فشلا في السياسة؛ بل هو خيانة
لما تدعي أمريكا أنها تقف من أجله.