تحدث
الحاكم بأمره عن وفاة الملايين من الجوع في دولة لم يُسمِّها، لكنه ذكر التفاصيل
التي تُبدي الاسم! وقد أراد بحديثه لفت نظر
المصريين إلى تحمّل الجوع بدلا من هدم
الدولة، معتبرا نفسه الدولة، ومعتبرا مسار التغيير السياسي خطرا على استقرارها،
قافزا على حقيقة لا تقبل التشكيك والطعن، بأن الدولة شخص اعتباري لا يمكن تجسُّدها
في شخص مادي، وأن الديمقراطية الكاملة تجلب الاستقرار السياسي والاجتماعي
والاقتصادي، بينما حكم الفرد ينقض أسس استقرارهم جميعا.
جاء
حديث رأس النظام السياسي متزامنا مع البدء المبكر لمسار الاستحقاق الانتخابي،
ويعاني السيد أحمد طنطاوي، أكثر المرشحين جدية أمامه، من إعاقة أنصاره الراغبين في
عمل توكيلات له، رغم أن أعضاء حملته الرسمية يتجاوز 23 ألف شخص، بحسب المرشح. كما
يُثار حديث آخر عن تقدم رئيس الأركان الأسبق للجيش الفريق محمود حجازي بطلب ترشحه
مرتين للمجلس العسكري، ليتمكن من المنافسة على المنصب، لكن لم يوافق المجلس على
الطلبين، فضلا عن مناخ شديد القسوة اقتصاديا، وشديد القمع تجاه أي معارضة سياسية.
عانى المصريون من وعود زائفة بالاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي واستعادة الريادة الخارجية، وازدهار قدرة المصريين على شراء الاحتياجات اليومية، لكنهم وجدوا عنفا داخليا وانعدام الرؤية السياسية وتبعية خارجية لقوى إقليمية، وفقرا غير مسبوق، ومهانة من أجل جلب قوت اليوم، وهدما للبيوت وللمقابر أيضا، واحتقارا لمكانتهم الاجتماعية وتطلعاتهم السياسية، وفوق كل ذلك وجدوا تكرارا للوعود الزائفة دون تنفيذ
على
مدار سنوات حكمه العشر عانى المصريون من وعود زائفة بالاستقرار الاقتصادي والأمني
والسياسي واستعادة الريادة الخارجية، وازدهار قدرة المصريين على شراء الاحتياجات
اليومية، لكنهم وجدوا عنفا داخليا وانعدام الرؤية السياسية وتبعية خارجية لقوى
إقليمية، وفقرا غير مسبوق، ومهانة من أجل جلب قوت اليوم، وهدما للبيوت وللمقابر
أيضا، واحتقارا لمكانتهم الاجتماعية وتطلعاتهم السياسية، وفوق كل ذلك وجدوا تكرارا
للوعود الزائفة دون تنفيذ، وكذبا صُراحاً بأنه لم يعِدهم بشيء قبل استيلائه على
السلطة، لكنهم لا يزالون يذكرون حركة يده المشيرة إلى المال وهو يقول عام 2014 قبل
رئاسته: "لازم أغني الناس"، ووجدوه أفقرَهم بمشاريع وطموحات شخصية لا
وطنية.
أصبح
التضخم يدور في حدود نسبة 40 في المئة، وهذا هو الرقم الرسمي الذي تحيطه الشكوك،
وأصبحت البطالة أكثر تفشيا مع دخول إحدى مؤسسات الدولة في الاقتصاد بقوة، فخرجت
شركات عديدة من السوق، وتعطَّل العديد من العاملين في المهن غير النظامية مثل
الفلاحين، وأصبحت قوارب الهجرة غير النظامية إحدى بوابات الخروج من الواقع
الاقتصادي المزري، تحت حكم الفيلسوف الملهم، ومرشح الضرورة.
يمكن
لأي متجول في الأسواق أن يرى كيف أصبح الشعب مكتئبا خلال تجوله داخلها، فأسعار
الخضروات الأساسية للطعام مثل الطماطم والبصل تجاوزت حدود المعقول، وأصبحت الأسعار
الطبيعية لمعظم الفواكه تصل إلى 30 جنيها (دولار تقريبا) للكيلوغرام الواحد، وهذا
رقم مزعج لأي أسرة مصرية، إذ جرت عادة المصريين على "التحلية بالفاكهة"
بعد وجبة الغداء، حتى بالنسبة للشاي، المشروب المفضل، فقد بلغ سعر كيلوغرام السكر
40 جنيها، وأصبح التنازل عن هذه العادات أو تقليلها قرارا قهريا، وقد سبقهما
التنازل عن كثير من الضروريات والحاجيات في الوجبات الغذائية الأخرى.
هذا
الحديث لا يمثِّل إلا قطرة في بحر معاناة يومية لأجل لقمة العيش، وكلمة معاناة
يومية ليست تعبيرا صحفيا، بل هي معاناة محسوبة بالدقائق والساعات أمام احتياجات كل
شخص من جهة، واحتياجات من يعولهم من جهة أخرى، ما ساهم في رفع مستوى التوتر
وبالتالي الخلافات الأسرية والطلاق، وحتى الجرائم والمشاجرات الزوجية، فتمر
الأوقات عصيبة على كل مستدين ومحتاج، وقد أصبحوا في حالتهم بسبب السياسات غير
الرشيدة والإنفاق غير المجدي اقتصاديا، فضلا عن الإنفاق الخارجي من أجل تلميع صورة
شخص رأس النظام وسياسته في الحكم، بينما قطاعات واسعة من الشعب غارقة في الفقر
والحاجة.
هذا
الفقر يستغله النظام لتثبيت أوضاعه، وقد تكرَّمَ
السيسي بحديثه عن إمكانيته هدم
الدولة بمليار جنيه، وكشَفَ ما كانوا يقومون به لاستغلال المحتاجين ومدمني
المخدرات، بل استخدام 100 ألف شخص لمدة 10 أسابيع بهذا المبلغ الزهيد، والمفارقة
أنه كان يستخدمهم بـ20 جنيها فيما يبدو، ثم اعترف بأن الغلاء زاد ويحتاج إلى 1000 جنيه
لكل شخص، فشهد على نفسه بمقدار ضعف العملة والغلاء اللذين تسبب بهما، واندفع
بجرأته غير المحمودة ذاكرا هذا المسار أمام القضاة، وهم أحد أهم مصادر العدالة
والأمان للمجتمع، ثم أعلن ذلك على الملأ.
الفقر يستغله النظام لتثبيت أوضاعه، وقد تكرَّمَ السيسي بحديثه عن إمكانيته هدم الدولة بمليار جنيه، وكشَفَ ما كانوا يقومون به لاستغلال المحتاجين ومدمني المخدرات
قبيل
الانتخابات الهزلية الثالثة في عهد أسوأ مستبد في تاريخ مصر، يحتاج هذا الشخص إلى
إدراك أن المصريين ضَحُّوا بما يكفي خلال فترة حكمه، بل بما يزيد عن قدرتهم
واستطاعتهم، بينما يرفل هو في نعيم أموال
الرئاسة ومخصصاتها وحفلاتها، ويخاطب
المصريين في كل وقت موجها لهم نصائح عبثية في الزواج والطلاق والعزائم والدين
والسياسة والاجتماع، بينما كان مشهورا عنه في تخصصه الأساسي في عمله في أشرف
المؤسسات المصرية، أنه ضابط محدود القدرات، وتأكدت هذه الصورة لمن لم يزامله عند
كل خطاب له فتبدو وحشيته، ويبدو ضعف إدراكه في آن واحد.
ويحتاج
المصريون في المقابل إلى السعي لإجراء التغيير بأهدأ صورة ممكنة طالما كان ذلك في
المستطاع، وإذا سُمح لأحد المرشحين المستقلين بالانتقال إلى مرحلة ثانية في صراع
الرئاسة، فإن المحتم أن ينتفض المصريون لإجراء التغيير السياسي حتى وإن كان المرشح
لا يمثل أفضل اختيار للناخبين، لكن يكفي أنه مستقل الإرادة وجاد في نيته إحداث
التغيير.