شهدت القارة الأفريقية خلال السنوات العشر الأخيرة موجة من
الانقلابات العسكرية التي أطاحت برؤساء منتخبين وآخرين قضوا عقودا في سدة الحكم، كما مرت بعض البلدان بانقلابات متتالية خلال أشهر قليلة.
والأربعاء، أعلنت مجموعة عسكرية في
الغابون، الاستيلاء على السلطة في البلاد، وذلك بعد فوز الرئيس علي بونغو بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وكشف الانقلابيون في بيان، عبر شاشة التلفزيون الرسمي، وضع بونغو "قيد الإقامة الجبرية" محاطا بعائلته وأطبائه، فيما أوقف أحد أبنائه بتهمة "الخيانة العظمى".
وجه الرئيس المحتجز في مقر إقامته خلال تصريح مرئي، بعد ساعات من إعلان الانقلاب عليه وإنهاء نظامه، رسالة مناشدة إلى جميع "العالم والأصدقاء للتحرك ضد من قاموا باعتقاله"، مشيرا إلى أنه لا "يدري ما يجري من حوله" ولا يعرف مكان زوجته.
ويعد استيلاء العسكر على السلطة في الغابون، الانقلاب العسكري الـ11 الذي تشهده القارة السمراء منذ عام 2013، وفي ما يلي تستعرض لكم "عربي21" أبرز محطات تلك الانقلابات التي اجتاحت "القارة السمراء":
النيجر
في 26 تموز/يوليو 2023، أعلنت مجموعة من العسكريين تطلق على نفسها اسم "المجلس الوطني لحماية الوطن"، الاستيلاء على السلطة في
النيجر تحت قيادة الجنرال عبد الرحمن تياني قائد الحرس الرئاسي، والتي أطاحت بحكم الرئيس محمد بازوم ووضعته تحت الإقامة الجبرية.
وفي اليوم التالي، أعلن جيش النيجر دعمه الانقلاب "تجنبا لزعزعة استقرار البلاد".
وأثار الانقلاب ردود فعل غاضبة، لا سيما من فرنسا التي تعاني من انحسار نفوذها خلال السنوات الأخيرة في دول أفريقية عديدة.
وأعلنت الجماعة الاقتصادية لدول غرب
أفريقيا "إيكواس" في 10 آب /أغسطس تفعيل قوة تدخل إقليمية "لاستعادة النظام الدستوري"، مع تأكيدها على تفضيل المسار الدبلوماسي لحل أزمة النيجر، فيما يرفض العضوان في الجماعة الأفريقية، مالي وبوركينا فاسو، توجيه أي تحرك عسكري ضد العسكريين في نيامي حيث اعتبرتا أية محاولة للتدخل العسكري بمثابة "إعلان حرب" يشملهما، وهددتا بالانسحاب من "إيكواس".
واقترح الانقلابيون فترة انتقالية لا تزيد عن "ثلاث سنوات" وتنتهي بتسليم السلطة إلى مدنيين، لكن إيكواس رفضتها.
بوركينا فاسو: انقلابان في 8 أشهر، وثلاثة خلال العقد الأخير
في 24 كانون الثاني/يناير 2022، أطاح الجيش بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري من السلطة وحل الحكومة والجمعية الوطنية وأغلق الحدود.
وقامت المجموعة العسكرية آنذاك بتنصيب اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيسا للبلاد.
وكان كابوري يواجه موجة من السخط جراء فشله في مكافحة الجماعات المتطرفة، بعدما قتل 53 شخصا أغلبهم من قوات الأمن على يد جهاديين.
وفي 30 أيلول/سبتمبر، قاد الجيش انقلابا ثانيا أطاح بداميبا وعين النقيب الكابتن إبراهيم تراوري رئيسا انتقاليا حتى الانتخابات الرئاسية المقررة في تموز/يوليو 2024.
وأدانت "إيكواس" قيام العسكريين بانقلاب ثان على السلطة، حيث اعتبرت أنه جاء في وقت غير مناسب بعد أن أحرزت بوركينا فاسو تقدما نحو العودة إلى الحكم الدستوري عقب استيلاء الجيش على السلطة من حكومة مدنية، في مطلع 2022.
وفي ثالث الانقلابات التي شهدتها بوركينا فاسو، أعلنت مجموعة عسكرية من الحرس الرئاسي في 17 أيلول /سبتمبر 2015 استيلاءها على السلطة في البلاد والإطاحة بالرئيس المؤقت ميشال كافاندو وحل مؤسسات الدولة السياسية بما فيها الحكومة، وذلك بعد أقل من عام على سقوط نظام الرئيس بليز كومباوري نتيجة انتفاضة شعبية.
غينيا
في 5 أيلول/سبتمبر 2021، أطاح انقلاب عسكري نفذ في ظرف ساعات قليلة سقط خلالها ضحايا لا يعرف عددهم الدقيق، بالرئيس ألفا كوندي.
وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر، نُصّب قائد الانقلاب الكولونيل مامادي دومبويا رئيسا للبلاد. وعد دومبويا خلال مراسم أدائه اليمين الدستورية بـ"صيانة السيادة الوطنية بكل ولاء" و"ترسيخ المكتسبات الديمقراطية وضمان استقلال الوطن وسلامة التراب الوطني".
وكان العسكريون تعهدوا بتسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين بحلول نهاية عام 2024.
مالي: انقلابان خلال تسعة أشهر
في 18 آب/أغسطس 2020، أطاح الجيش بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتم تشكيل حكومة انتقالية في تشرين الأول/أكتوبر.
وتوفي بوبكر كيتا بمنزله في باماكو بعد أشهر قليلة من الانقلاب العسكري الذي أطاح به، وفق ما أعلنت عائلته في 16 كانون الثاني /يناير 2021.
وفي 24 مايو/أيار 2021، احتجز عسكريون رئيس الحكومة الانتقالية باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، بعدما أقدم نداو على إجراء تعديلات في بعض الوزارات التي يشغلها العسكريون. واقتيد إلى معسكر في منطقة "كاتي" قرب العاصمة.
وتم تنصيب الكولونيل أسيمي غويتا رئيسا انتقاليا في يونيو/حزيران.
وتعهد المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى المدنيين بعد الانتخابات المقررة في شباط/فبراير 2024.
ومنذ عام 2012 تمر مالي بأزمات أمنية وسياسية على إثر تمرد مسلح قادته حركات انفصالية وجهادية في شمال البلاد.
السودان
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، أقصى عسكريون بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المسؤولين المدنيين الانتقاليين الذين كان من المفترض أن يقودوا البلاد نحو الديمقراطية بعد ثلاثة عقود من سيطرة عمر البشير على الحكم.
وكانت احتجاجات واسعة اندلعت ضد نظام البشير تنديدا بتردي الوضع الاقتصادي والاستبداد، أدت إلى الإطاحة به من قبل العسكر في 11 أبريل/نيسان 2019، وإيداعه مع آخرين من أركان نظامه السجن.
وفي نيسان /أبريل 2023، اشتعل الصراع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وامتدت الاشتباكات المسلحة إلى إقليم درافور وسط مخاوف من إذكاء النعرات العرقية والإثنية.
وخلف الصراع المستمر بين الطرفين ما لا يقل عن 5 آلاف قتيل، كما تسبب بلجوء أكثر من 700,000 شخص إلى دول الجوار، فيما اضطر 195,000 جنوب سوداني للعودة إلى بلدهم. وفي السودان، نزح أكثر من 3 ملايين شخص داخليا، بمن فيهم أكثر من 187 ألف لاجئ كانوا لجأوا إلى البلاد قبل بداية الأزمة، بحسب الأمم المتحدة.
زيمبابوي
في 11 تشرين الثاني /نوفمبر 2017، أدى انقلاب عسكري على السلطة في البلاد إلى اضطرار الرئيس روبرت موغابي، أكبر زعيم في العالم حينها بعمر 93 عاما، تحت ضغط من الجيش والشارع إلى إعلان استقالته بعدما ظل في سدة الحكم لأكثر من 3 عقود.
وكان الجيش رفض وصف ما حدث في زيمبابوي آنذاك بـ "انقلاب عسكري"، مشيرا إلى أنه استولى على السلطة في هجوم يستهدف "مجرمين" محيطين بـ"موغابي". كما أكد في أول بيان له أن رئيس البلاد وأسرته لم يتعرضوا إلى أي أذى خلال التحرك العسكري.
وفي أيلول /سبتمبر 2019، توفي موغابي بعد صراع مع المرض، في أحد المستشفيات بسنغافورة.
والجدير بالذكر أن موغابي فاز بأول انتخابات تجرى في البلد الأفريقي بعد استقلاله، ليصبح بذلك أول رئيس للوزراء عام 1980. وبعد 7 سنوات تولى رئاسة البلاد عقب إلغاء منصب رئيس الحكومة.
مصر
في 3 تموز /يوليو عام 2013، أطاح الجيش في
مصر تحت قيادة وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي في ذلك الوقت، بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد محمد مرسي.
وأعلن المجلس الانقلابي بزعامة السيسي تعطيل العمل بالدستور، كما صدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة.
وكان معارضو الرئيس المنتخب، خرجوا في الذكرى الأولى لتوليه الحكم في سلسلة من المظاهرات تحت مباركة من الجيش، للمطالبة برحيل مرسي، أطلق عليها نظام السيسي الانقلابي في وقت لاحق اسم "ثورة 30 يونيو"، في محاولة لإسباغها بحلية ثورة 25 كانون الثاني /يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.
وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور إدارة شؤون البلاد آنذاك، لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وفي 2014، وصل السيسي إلى سدة الحكم عقب الإطاحة بأول تجربة ديمقراطية أدت إلى وصول رئيس مدني منتخب إلى الرئاسة في مصر.
وفي حزيران /يونيو 2019، توفي الرئيس محمد مرسي (68 عاما) خلال جلسة محاكمته إثر إصابته بنوبة قلبية.
وبعد نحو عقد من الزمان على انقلاب السيسي، تمر البلاد بأزمة اقتصادية خانقة وسط تدهور كبير على مستوى الحريات الديمقراطية والسياسية والحقوق المدنية.
والجدير بالذكر أن السيسي الذي يتجهز في الوقت الحالي لخوض الانتخابات المقبلة عام 2024، فاز بالانتخابات السابقة في عامي 2014 و2018، والتي لم تشهد سوى مرشح واحد في كل مرة أمام السيسي الذي فاز باكتساح في الأولى بنحو 97 بالمئة مقابل نحو 3 بالمئة لمنافسه، وفاز في الثانية بأكثر من 97 بالمئة أمام مرشح مغمور مؤيد له.