الكتاب: "الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع"
تأليف: د. محمد أبو رمان، حسن أبو هنية، وعبد الله الطائي
الناشر: مؤسسة فريدريش إيبرت، 2023
عدد الصفحات: 314
دراسة الظاهرة الإسلامية بمختلف مكوناتها، وتعدد تشكيلاتها، يتطلب
جهدا بحثيا متميزا، للتعرف على مقولاتها المؤسِّسة، وتحديد أصولها ومرتكزاتها
الفكرية، ومن ثم رصد نشاطاتها الدعوية والتعليمية والفكرية، وتتبع ممارساتها
ومواقفها السياسية، والوقوف على مدى انسجام مساراتها العملية مع مقولاتها المؤسسة،
وتوائمها مع أصولها الفكرية، وتحليل طريقة تعاطيها مع إكراهات الواقع وضغوطه التي
عادة ما تُحدث جدلا داخليا بين دعاة التشبث بالأصول والثوابت، وبين منظري
براغماتية التكيف مع الواقع بإكراهاته المختلفة.
في هذا الإطار، وبمنهجية بحثية موضوعية ومنضبطة، يأتي الكتاب الصادر
حديثا (2023) عن مؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب عمان، والمعنون بـ"الإسلاميون في
الأردن: الدين والدولة والمجتمع"، من تأليف الدكتور محمد أبو رمان، وحسن أبو
هنية، وعبد الله الطائي، وهو حافل بالأحداث والوقائع، ومعني بالرصد والمتابعة،
ومكتنز بتحليل مسارات الحركات والاتجاهات ومآلاتها، مسلطا الضوء على التحولات
الطارئة على البنى الفكرية لبعضها، ومبرزا في الوقت نفسه نماذج ما بعد الربيع
العربي، وما بعد الإسلام السياسي.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبين أبو رمان وأبو هنية سبق لهما تأليف
كتابهما (الحل الإسلامي في الأردن: الإسلاميون والدولة ورهانات الديمقراطية
والأمن) عام 2012 لدراسة الأحزاب والجماعات الدينية الرئيسية في الأردن (الإخوان،
السلفيون، الجهاديون، حزب التحرير)، وهو ما حملهما على اعتبار كتابهم الجديد
"بمثابة زيارة جديدة Revisiting لحقل الإسلاميين" بعد أن انضم
إليهما الباحث العراقي عبد الله الطائي".
ووفقا للمؤلفين فإن "بحثهم في هذا الكتاب لا يقتصر على تجديد
وتطوير ما حدث بعد إصدار ذلك الكتاب، والذي تعود أغلب أبحاثه ودراساته إلى مرحلة
ما قبل الربيع العربي" لافتين إلى أن عملهم البحثي في هذا الكتاب
"يتجاوز عملية رصد التحولات والتطورات والتغييرات البنيوية التي حدثت بعد تلك
الفترة، بخاصة منذ العام 2013" وأن "هنالك مراجعة شمولية لهذا الحقل على
أكثر من صعيد ومستوى" فالكتاب يتوافر على مراجعات في المنهج والفهم والأدوات
البحثية المستخدمة، مما ينعكس على مقاربة هذه الجماعات والحركات في المجال العام".
الإخوان المسلمون ما بعد الربيع العربي
احتوى الكتاب على ستة فصول، وهي: الأول: كيف نفهم الإسلام السياسي في
الأردن؟ الثاني: الإخوان المسلمون من طموحات الربيع العربي إلى التمسك بالوجود،
الثالث: أحزاب ما بعد الإسلام السياسي (خيارات التحالف والصدام مع السلطة)،
الرابع: السلفية التقليدية: التكيف مع سياسات "ما بعد الربيع العربي"،
الخامس: تحولات التيار الجهادي منذ صعود تنظيم داعش، السادس: حزب التحرير تصلب
الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية.
يرصد الكتاب حالة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي حزب
جبهة العمل الإسلامي، بعد الثورات العربية، وكيف ارتفع سقف طموحات الجماعة من
المشاركة السياسية المحدودة إلى الشراكة الاستراتيجية مع النظام، وإلى زيادة نفوذ
الحركة داخل النظام السياسي، وهو ما انعكس أيضا على مطالب الحركة نفسها وشروطها
للمشاركة في لجنة الحوار الوطني التي شكلها النظام لمحاولة امتصاص المطالب الشعبية
في التغيير بعد تتابع الانتفاضات العربية.
في المراجعة التاريخية لتحديد المسار الذي أخذته العلاقة بين الدولة
وجماعة الإخوان في الأردن، منذ تأسيس الجماعة عام 1946 (أي بالتزامن مع تأسيس
المملكة)، حدد الكتاب عدة مراحل رئيسية لتلك العلاقة، المرحلة الأولى، تتمثل في
التأسيس وفيها كانت الجماعة تحظى بدعم وتأييد من الملك عبد الله الأول، واستمر
الحال كذلك خلال مرحلة الستينيات..
أما طبيعة العلاقة بين الجماعة والنظام من بداية السبعينيات إلى
منتصف الثمانينيات فكانت بمثابة المرحلة الذهبية للجماعة، إذ كانت مرحلة الصعود،
مستفيدة من سياسات ملء الفراغ والتمدد في المجتمع والعمل الخيري والنقابي.. لكن
العلاقة من (1985 ـ 1999) أخذت منحى آخر بين الطرفين فهي "بداية الأزمة
والتحول من التعايش والتواطؤ إلى الشك والاختلاف والمواجهة وانقلاب السياسات
الرسمية ضد الجماعة".
الإخوان في الأردن بالرغم من أنهم لم يرفعوا شعار (إسقاط النظام)، وأصروا على (إصلاح النظام) فقد ذهبوا نحو مقاربة جديدة أثارت حفيظة الملك، وعززت الأزمة المتبادلة عندما تضمنت مطالبهم تحجيم سلطاته وصلاحياته، وهو الأمر الذي نُظر إليه رسميا بوصفه تقويضا غير مباشر للنظام،
ووفقا للكتاب فإن المرحلة الثانية من الأزمة السياسية، بدأت مع عهد
الملك عبد الله الثاني، ومما يشير على تجذر الأزمة ونموها هو ما حصل في العام 2006
عندما حرمت الدولة الجماعة من جمعية المركز الإسلامي التي كانت تشكل مصدرا مهما من
مصادر القوة والتجنيد للجماعة.. إضافة إلى سياسات التضييق على الجماعة، وتحجيم نشاطاتها
عبر تعديل قوانين الفتوى وأنظمة المساجد، وفي مرحلة ما بعد الربيع 2011 وصلت
الأزمة إلى مرحلة متقدمة بين الطرفين.
ويلفت الكتاب إلى أن الإخوان في الأردن بالرغم من أنهم لم يرفعوا
شعار (إسقاط النظام)، وأصروا على (إصلاح النظام) فقد ذهبوا نحو مقاربة جديدة أثارت
حفيظة الملك، وعززت الأزمة المتبادلة عندما تضمنت مطالبهم تحجيم سلطاته وصلاحياته،
وهو الأمر الذي نُظر إليه رسميا بوصفه تقويضا غير مباشر للنظام، وما لبثت الأمور
أن سارت لصالح النظام مع انقلاب العسكر على الإخوان في مصر 2013، ثم الحملة
الإقليمية العربية لتجريم الجماعة ووسمها بالإرهاب والتطرف".
أما على صعيد الخطاب الإيديولوجي، فطبقا للكتاب "كان واضحا أنه
شهد تحولا جوهريا في الأعوام الأخيرة، وأصبح أكثر تسييسا وابتعادا عن اللغة
الدعوية الوعظية السابقة التي وسمت مواقف الجماعة وخطابها الأيديولوجي.. وشكلت
وثيقة الرؤية السياسية للحركة ذروة الانتقال نحو لغة ومصطلحات وأفكار جديدة أحدثت
قطيعة مع المراحل السابقة، وتم إقرارها من قبل مجلس الشورى في الجماعة..
أما فيما يتعلق بالحراك الداخلي والتنظيمي في الجماعة، والحزب، فشهدت
فترة ما بعد 2013 تطورات كبيرة أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما سمي
بالجناح المعتدل من الحركة باتجاه تأسيس تجارب جديدة (مثل جمعية الإخوان المسلمين
الجديدة، وحزبي زمزم والشراكة والإنقاذ".
ومن الاستنتاجات والخلاصات الهامة التي توصلت إليها الدراسة الإشارة
إلى أن "مصطلحات (الاعتدال) و (التطرف) و (الصقور) و (الحمائم) التي عادة ما
تستخدم في توصيف تيارات الجماعة المختلفة تتسم بالنسبية والضبابية، وقد تكون مضللة
خاصة عندما نتحدث عن مرحلة الربيع العربي".
أحزاب ما بعد الإسلام السياسي..
يرصد الكتاب الكيانات الجديدة التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين، بعد
الربيع العربي، وهي ما وصفها المؤلفون بـ"أحزاب ما بعد الإسلام
السياسي"، والتي كانت بقيادة ورعاية قيادات إخوانية مرموقة، شغلت في فترات
سابقة أعلى المناصب في الجماعة، كمنصب المراقب العام للجماعة، أو مدير الدائرة
السياسية فيها، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة التي عُرفت بالتماسك
الداخلي، وانضباط جميع قياداتها وكوادرها بسياسات الجماعة، واحترامهم لقراراتها
والتقيد بها.
ويشير المؤلفون إلى أن حركات الخروج والانشقاق والفصل في أوساط جماعة
الإخوان المسلمين شهدت تطورا ملموسا وواضحا منذ العام 2013، فبدأت الأمور بالإعلان
عن مبادرة زمزم في ذلك العام، بقيادة القيادي في الجماعة الدكتور رحيل غرايبة، ثم
التأسيس لجمعية جديدة تحمل اسم الإخوان المسلمين بقيادة المراقب العام الأسبق، عبد
المجيد الذنبيات، في العام 2015، ولاحقا الإعلان عن نية تأسيس حزب الشراكة
والإنقاذ في العام 2017 لمجموعة أخرى من قيادات الجماعة، منهم سالم الفلاحات، وهو
مراقب عام سابق للجماعة أيضا.
وتتبع الكتاب مسارات تلك الهياكل والأحزاب التي انشقت وانفصلت عن
الجماعة، لا سيما حزبي زمزم والشراكة والإنقاذ والتي تراوحت بين خيارات التحالف
والصدام مع السلطة، وتوقف الباحثون مطولا في بحث وتحليل أسباب ذهابهما في مسارين
متباعدين تماما، على الرغم من كل وجوه التشابه بينهما في الأفكار (خرجا من رحم
الجناح المعتدل أو يسمى بالحمائم) وحيثيات التأسيس، وعوامل الانشقاق والانفصال عن
الجماعة، فحزب زمزم لديه علاقات قوية مع مؤسسات الدولة، واندمج مع حزب الوسط برغبة
من الحكومة، ويبتعد عن الخط الصدامي مع الحكومات..".
أحزاب ما بعد الإسلام السياسي"، التي كانت بقيادة ورعاية قيادات إخوانية مرموقة، شغلت في فترات سابقة أعلى المناصب في الجماعة، كمنصب المراقب العام للجماعة، أو مدير الدائرة السياسية فيها، هي حالة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة التي عُرفت بالتماسك الداخلي، وانضباط جميع قياداتها وكوادرها بسياسات الجماعة، واحترامهم لقراراتها والتقيد بها.
أما حزب الشراكة والإنقاذ، فذهب نحو العمل الاحتجاجي، وتقارب مع
مجموعات الحراكات الشعبية، وهو ما دفع المؤلفين للتساؤل لماذا كان هذا الاختلاف
الكبير بين مساري الحزبين؟ في الإجابة عن ذلك أورد الباحثون عدة عوامل، بدءا
بالعامل الأبرز ألا وهو " التباين في القيادات الرئيسية في الحزبين في خبراتهما
ومواقفهما" فحزب زمزم ذهب نحو خط سياسي محافظ نسبيا، يتجنب الصدام، ويحاول
تحقيق مكاسب سياسية.. بينما ساهمت تجربة الفلاحات، المراقب العام السابق، منذ
تزوير الانتخابات النيابية 2027، ثم انخراطه مع المجموعات الحراكية في الأنشطة
الاحتجاجية منذ الربيع العربي، ولدت لديه شبكة علاقات سياسية مغايرة، إضافة لأسباب
أخرى مذكورة في الكتاب".
وعن الآفاق القادمة بالنسبة للحزبين، فالائتلاف الوطني يواجه تحديات
مرتبطة بالمشاركة في الانتخابات وترتيب البيت الداخلي بعد الاندماج (بين حزبي
الوسط وزمزم)، والوصول إلى مرحلة من الاستقلالية عن الأجهزة الرسمية.. بينما يواجه
الشراكة والإنقاذ التحديين البارزين له، أولهما البقاء على قيد الحياة، وتجنب
محاولات النظام سحب ترخيص الحزب، والثاني القدرة على إدارة الاختلافات الداخلية،
بخاصة بين جناح متبق من شباب الإخوان، ممن لا ينسجمون مع الخطاب الحالي والمجموعات
والشخصيات السياسية الجديدة ذات النزوع الأكثر راديكالية في المعارضة.
"السلفية التقليدية" والتكيف مع
"ما بعد الربيع العربي"
استطاعت "السلفية التقليدية"، كما جاء وصفها في الكتاب،
والتي يمثلها في الأردن السلفية الألبانية من تحقيق انتشار واسع منذ وجودها في
سبعينات القرن الماضي، نظرا لوضوحها وبساطتها، وادعائها تمثيل السلف الصالح، لكن
تحقيقها لذلك الانتشار والحضور اللافت في الساحة الدينية لم يكن لقوتها الذاتية
فحسب، وإنما يرجع إلى أسباب موضوعية، تتعلق بظروف وعوامل جيوسياسية دولية وإقليمية
ومحلية، أفضت إلى البحث عن حركات واتجاهات إسلامية سلمية وغير سياسية لتوظيفها في
مواجهة حركات الإسلام السياسي وتنظيمات السلفية الجهادية وفق الكتاب.
ويلفت المؤلفون إلى أن "الأجهزة الأمنية في معظم البلدان
العربية وجدت في السلفية التقليدية ضالتها المنشودة، وفي الأردن تمتعت سلفية مركز
الألباني بالدعم والرعاية ومُنحت الأفضلية والتسهيلات، لكن السلفية التقليدية لم
تكن أداة سلبية طيعة، وجماعة وظيفية خالصة بيد السلطة السياسية والأمنية للدولة،
فقد تمكنت بفضل مهادنة السلطة من التغلغل في المجتمع وتحقيق انتشار واسع
لأيديولوجيتها وثقافتها ودعوتها في المجتمع من خلال تأسيس شبكة دعوية امتدت إلى
كافة مدن ومحافظات المملكة".
ويتحدث الكتاب عن المرحلة الأولى في مسيرة السلفية التقليدية في
الأردن، والتي ارتبطت باستقرار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الأردن، بداية
ثمانينيات القرن الماضي، حتى وفاته 1999، وكانت العلاقة مع الدولة ملتبسة بسبب
إصرار الألباني على استقلالية السلفية عن الدولة، ورفض مأسسة الدعوة السلفية، أما
المرحلة الثانية فهي مرحلة ما بعد وفاة الألباني وفقدان الاستقلالية عن الدولة من
خلال مأسسة السلفية بتأسيس مركز الألباني 2001، وتمتد إلى حدود 2010".
في الأردن تمتعت سلفية مركز الألباني بالدعم والرعاية ومُنحت الأفضلية والتسهيلات، لكن السلفية التقليدية لم تكن أداة سلبية طيعة، وجماعة وظيفية خالصة بيد السلطة السياسية والأمنية للدولة
أما المرحلة الثالثة فتبدأ بعد ثورات الربيع العربي، وبدء الحراكات
الاحتجاجية في الأردن 2011، والتي شهدت فتور علاقة سلفية مركز الألباني مع الدولة
بعد أن فشلت في الحد من صعود النزعات التسييسية للسلفية ومواجهة خطابات الإسلام
السياسي والجهادي، وبلغت العلاقة حد القطيعة والاستبعاد منذ 2017، وهي حقبة اتسمت
بالشك وفقدان الثقة بين السلفية التقليدية والدولة، وتبدل الرعاية والدعم الحكومي
إلى الاتجاهات الأشعرية والصوفية.
لكن منذ بداية 2022، وهي المرحلة الرابعة وفق الكتاب، فقد شهدت
تخفيفا نسبيا في السياسات الإقصائية تجاه السلفية التقليدية لمركز الألباني في
حدها الأدنى، بعد أن أصبحت الحكومة أكثر إدراكا لخطورة التداعيات السياسية
والأمنية لتهميش السلفيين بصورة مطلقة. أما عن مستقبل السلفية التقليدية في الأردن
فهو رهن لتقلبات السياسة، ومدى قدرة السلفية على التكيف مع التحولات الجيوسياسية
الدولية، والمرونة في التعامل مع تقلبات السياسة المحلية".
تحولات التيار الجهادي منذ صعود "داعش"
تناول المؤلفون في هذا الفصل بالبحث والدراسة التحولات والتغيرات
والإيديولوجية والهيكلية والحركية التي حدثت للتيار منذ ظهور تنظيم داعش وصعوده
بعد العام 2013، ثم إعلان تنظيم الدولة الإسلامية عن إقامة الخلافة في نهاية شهر
حزيران/ يونيو 2014، وتتبع الكتاب الخلافات والانقسامات الأيديولوجية، وتشظي
التيار من قيادة موحدة وتماسك حركي إلى الانشطار التنظيمي، بين تنظيم الدولة
الإسلامية والقاعدة والتنظيمات التابعة لها، وانعكاس ذلك على التيار الجهادي في الأردن، والتي جاءت لتعزز الخلافات في
أوساط التيار بين أتباع الزرقاوي والمقدسي.
ويشير الكتاب إلى أن تلك الخلافات أدت إلى انقسامات معلنة وصريحة، بل
حرب داخلية بين أتباع المجموعتين، وقد انحاز العديد من قيادات التيار السلفي
الجهادي إلى المقدسي، وفي مقدمة هؤلاء أبو قتادة الفلسطيني، وهو أحد المنظرين
العالميين للجهادية العالمية، ومجموعة كبير من القيادات المعروفة في المحافظات
(عمان، السلط، معان، الزرقاء) وتضامن مع هذه المجموعة مجموعات أخرى، من المقربين من
التيار الجهادي، مثل د. إياد القنيبي، ود. أيمن البلوي، بينما انحاز لتنظيم داعش
عمر مهدي زيدان، ولاحقا أحد القيادات التاريخية في التيار، عبد شحادة الطحاوي"ز
يرصد الكتاب السجال الذي دار بين مؤيدي تنظيم الدولة وبين مؤيدي
تنظيم القاعدة، بعد إعلان الأول عن إقامة الخلافة وطلب البيعة للبغدادي، وعلى صعيد
الخلاف الأيديولوجي كتب أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة العديد من الرسائل، وأصدروا
الفتاوى التي تنتقد تنظيم الدولة، والتي كان من أبرزها رسالة أبو قتادة بعنوان
"ثياب الخليفة" يرد فيه على دعوى إعلان الخلافة من قبل تنظيم داعش
وإلزام الآخرين بها.. ومع أن الخلاف بين المجموعتين حول إعلان الخلافة خلاف جديد،
لكن ثمة ما يشير إلى جذور أعمق بين منهجين في التفكير والتغيير، بين أبي محمد
المقدسي المنظر التاريخي للتيار، وبين أبي مصعب الزرقاوي.. في الأفكار والرؤى
الموجهة وآليات العمل وميادينه.
من الاستنتاجات والخلاصات اللافتة في هذا الفصل تحذير الكتاب من
الركون إلى القول بأن خطر تنظيم الدولة (داعش) لم يعد قائما، سواء في صورة التهديد
الأمني والعسكري المباشر، أو التهديد غير المباشر المتمثل بالفكر الداعشي وما
ينبثق عنه، بعد انهيار دولة الخلافة، وانحسار وجود التنظيم وفقدانه للسيطرة
المكانية، فطبقا للكتاب لا ينبغي الاستسلام لهذه الخلاصة، فقد تكون خادعة، ولا يجب
التوقف عند ما يحدث على السطح؛ فالتجربة مع الجماعات الجهادية تؤكد أنها تمر
بمراحل كمون وهدوء وتراجع، لكنها تستثمر في هذه المرحلة لإعادة الهيكلة والتجنيد
والتحضير للفترة التالية..".
الفصل الأخير (السادس) من الكتاب جاء بعنوان (حزب التحرير: تصلب
الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية) وكان رصدا وتتبعا لموقف حزب التحرير من
الاحتجاجات والحراكات الشعبية التي اندلعت في العالم العربي عام 2011، من خلال
المظاهرات والاعتصامات والمسيرات وإصدار البيانات، ومدى تأثير ذلك على أيديولوجية
الحزب وطريقته المتبناة في التغيير عبر طلب النصرة، وانعكاسها على تماسكه الفكري
والتنظيمي، وموقفه من الثورة السورية، وتعرضه لانتقادات شديدة بما قيل أنه تورط في
دعم بعض الفصائل السورية عسكريا، وهو ما اعتبر خروجا عن طريقته في التفكير
والتغيير.