في الأنباء (ولا أحد يجزم بصحتها أو خطلها)
أن عبد الفتاح
البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السودانيَّين، حقق إنجازا
كبيرا يوم الأربعاء الماضي، الموافق 12 تموز/ يوليو الجاري، عندما نجح في التسلل إلى
القاهرة، دون أن يقع في قبضة حليفه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائبه السابق
في رئاسة المجلس السيادي، وقائد قوات الدعم السريع، التي ظلت تخوض حربا ضد الجيش
السوداني طوال الأشهر الثلاثة الماضية، وتكمن أهمية ذلك الإنجاز في أنه تحقق،
وعاصمة السودان ـ الخرطوم ـ التي فيها قيادة الجيش، هي بؤرة تلك الحرب، ويسيطر الدعّامة
(جنود الدعم السريع) على معظم مفاصلها ومداخلها ومخارجها.
وسواء صحت أنباء رحلة البرهان الأخيرة إلى
مصر أو لم تصح (فإحاطة تحركات البرهان بالسرية لها ما يبررها)، فقد ظل الرجل ينشد
المدد من حليفه، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك بعد أن استبان أن هزيمة
الدعم السريع لن تكون بالسهولة التي حسبها عند اشتعال الحرب في 15 نيسان/ أبريل
الماضي، عندما كان هو وكبار قيادات الجيش السوداني يعلنون أن الأمر لن يستغرق سوى
بضع ساعات، ثم تواضعوا قليلا وقالوا إن النصر سيكون في غضون أيام معدودة، ثم
استحالت الأيام إلى أسابيع ثم شهور، ولا طرف في الحرب يحرز نصرا يدعو إلى التباهي.
فور جلوسه في القصر الرئاسي على رأس مجلس
عسكري بعد سقوط حكم حزب المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير في نيسان/ أبريل من عام
2019، ارتدى البرهان البزة العسكرية وانطلق إلى مصر حيث أدى التحية العسكرية
للسيسي، الذي اتخذه البرهان مثلا أعلى للانقلاب على الحراك الشعبي الطامح لإقامة
حكم مدني، وحذا حذوه النعل بالنعل في التنكيل بالقوى المدنية، ولكن
زيارة البرهان
الأخيرة لمصر تأتي بعد أن أدرك الرجل أن حربه ضد الدعم السريع ستكون طويلة الأمد،
وأنه صار عاريا من السند الإقليمي والدولي، فمع تكاثر المبادرات لوقف الحرب، ولكون
تلك المبادرات تنظر إلى الدعم السريع كنِدٍ للجيش الوطني، صار البرهان يوزع
الاتهامات شرقا وغربا، ويرى أن أمريكا والسعودية والاتحاد الإفريقي والهيئة
الحكومية للتنمية (إيغاد وتضم السودان وأوغندا وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي وجنوب
السودان والصومال وإريتريا) جميعا منحازة بشكل أو بآخر إلى قوات الدعم السريع، إلى
جانب دولة الإمارات وروسيا والأمم المتحدة ممثلة في بعثتها في السودان..
غاية البرهان المعلنة من الحرب هي إنهاء وجود قوات الدعم السريع كجيش موازٍ للقوات المسلحة الرسمية، بينما يقول حميدتي إنه عراب الحكم المدني، ولكن أسلوب إدارتهما للحرب يشي بأن كليهما بلا بوصلة
في خندق الحرب الآخر يقبع حميدتي وجنده،
وقياسا على مقولة "بعد الكفر ذنب"، ولكون سمعتهم أصلا في الحضيض، فقد واصلوا السير على نهج التتار، يحرقون
وينهبون ويدمرون الدور والممتلكات العامة والخاصة في العاصمة السودانية وإقليمي
دارفور وكردفان، وما زالوا يرددون أنهم يصبون إلى إقامة حكم مدني ديمقراطي بعد
إزاحة البرهان وصحبه من المسرحين السياسي والعسكري، ولا يشك سوداني راشد وعاقل في
أن محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي ظل يُشبِع القوى التي تنشد الحكم المدني تنكيلا
وتقتيلا منذ سقوط حكومة عمر البشير، يؤمن فقط بالـ"دقلوقراطية" وليس
بالديمقراطية المتعارف عليها دوليا.
ما تحقق من وراء حرب السودان الحالية هو
هلاك الآلاف، وتدمير مطابع العملة، والبنك المركزي، والمتاحف، والمكتبات الجامعية،
وسجلات الأراضي والمحاكم، ومستودعات الأدوية، و75% من مستشفيات العاصمة، ومحطة
الأقمار الصناعية الرئيسية، ومباني القيادة العامة للقوات المسلحة، ومطاري الخرطوم
ومروي، ونزوح زهاء ثلاثة ملايين من سكان العاصمة إلى الأقاليم ودول الجوار، ونهب
خزائن 42 فرعا للبنوك، ودمار المباني الحكومية والخاصة ومرافق الماء والكهرباء،
ونهب محتويات آلاف الدور السكنية، و...... القائمة تطول..
غاية البرهان المعلنة من الحرب هي إنهاء
وجود قوات الدعم السريع كجيش موازٍ للقوات المسلحة الرسمية، بينما يقول حميدتي إنه
عراب الحكم المدني، ولكن أسلوب إدارتهما للحرب يشي بأن كليهما بلا بوصلة، وأن
الطموح الشخصي هو الذي حدا بكل منهما لتحريك ما تحت إمرته من قوات لمحو الطرف
الآخر من الخارطة السياسية، وطالما الحال الراهن في السودان كذلك، فليس من
المستبعد أن يسير على درب لبنان الذي دامت فيه الحرب الأهلية لـ15 سنة، واليمن
وليبيا وسوريا حيث الاحتراب الأهلي على أشدِّه منذ عام 2011.