باتت
الفنانة
الفلسطينية أبرار صبّاح، حديث العديد من وسائل الإعلام التركية، خلال الأسابيع
الماضية، بعد ردها على كاريكاتير مجلة
شارلي إيبدو الفرنسية، الساخر من
الزلزال
الذي ضرب
تركيا وسوريا، والذي أثار ضجة واسعة.
وعقب نشر كاريكاتير
المجلة، قامت الفنانة الفلسطينية التي تنحدر من مدينة عكا، وتعيش في تركيا، بإجراء
تعديلات على رسم المجلة، ونشره عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي
أدى إلى تفاعل كبير لرسمها في تركيا، وقامت العديد من وسائل الإعلام المحلية،
باستضافتها للحديث عنه، بالإضافة إلى نشر مؤسسات رسمية تركية مقابلات معها.
وأجرت "عربي21"
حوارا مع الفنانة أبرار صباح تاليا نصه:
لو تقدمي لنا بطاقة
تعريفية بنفسك وتخصصك الجامعي:
اسمي أبرار صبّاح،
فلسطينية وأنحدر من مدينة عكا، خريجة قسم الصحافة والإعلام بجامعة سلجوق التركية
في قونيا، وأعمل في مجال التصميم الجرافيكي والرسم والأنيميشن.
الرسم الذي نشرته مجلة
شارلي إيبدو كيف جاءتك فكرة تغييره في ظل الضجة الواسعة والغضب الذي أحدثه بسخريته
من الزلزال؟
مجلة شارلي إيبدو
معروفة برسوماتها التي تسخر بوقاحة من العرب والمسلمين، والجميع يعرف أنها مست
سابقا بمقدساتنا كمسلمين، وسخرت من النبي صلى الله عليه وسلم، بعدة رسومات أثارت
غضبا كبيرا.
والرسم الذي نشرته
المجلة، وسخر من كارثة الزلزال بتركيا، لم يكن متوقعا أن تقوم المجلة بغير ذلك،
بسبب تاريخها، والإساءة لم تكن بحق الشعبين التركي والسوري، الذين تضرروا بفعل
الزلزال، بل كان مؤذيا إنسانيا ومستفزا لكل من له ضمير، لذلك كان من الواجب الرد
على هكذا فعل لا أخلاقي، عبر الريشة ذاتها التي رسم بها الكاريكاتير الساخر.
الإساءة التي شعرت بها
نتيجة رسم المجلة، أثارت استفزازي، وقمت بالإبقاء على جسم الرسم الأصلي والدمار، ومجرد
محو بعض الخطوط ورسمت يدا تخرج من تحت الركام تحمل العلم التركي، تعبيرا عن تحدي
الكارثة، وللحقيقة لم يكن أكثر من محاولة تنفيس لغضب داخلي من الرسم الساخر في بادئ
الأمر، لكن حجم التفاعل كان كبيرا مع الرد على السخرية، لذلك أجريت تعديلات طفيفة
ظهرت بالصورة النهاية التي يشاهدها الجميع.
هل هناك عوامل أخرى
غير الغضب من المجلة حفزتك لتعديل الكاريكاتير؟
الكارثة الإنسانية
التي وقعت كانت أكثر ما هزني، ودفعتني من أجل تقديم شيء لأسباب عديدة، أبرزها أنني أعتبر تركيا بلدي الثاني بعد فلسطين، بسبب دراستي الجامعية فيها، وامتلاكي فيها
الكثير من الأصدقاء والمعارف، وأنا حرفتي في الرسم، وقادرة على أن أوجه رسالة قوية
فيها تضامن أو دفاع عن المنكوبين، أمام السم الذي بثته المجلة الفرنسية، ربما أنا
غير قادرة على المشاركة في أعمال الإنقاذ، لكنني في المقابل قادرة بريشتي على رفع
معنويات هؤلاء الناس، مع المتضررين والدفاع
عنهم وحماية مشاعرهم.
ما الذي تعنيه العناصر
التي وضعتها في الرسم؟
الملامح الأساسية في
الرسم أبقيتها كما هي، وقمت بمحو العبارات المسيئة، وهي "لن تحتاج حتى دبابة
واحدة"، وبدلا من ذلك، هناك يد بقبضة قوية تخرج من بين ركام المنازل المدمرة،
تحمل علم البلاد، دلالة على الصمود ومواجهة الكارثة، لترسل رسالة أمل، أنه رغم ما
حصل، ستبقى المعنويات عالية ومن الألم يولد الأمل والغد الأفضل.
هل توقعت رد الفعل
الذي حدث في تركيا بعد الرد على كاريكاتير المجلة؟
أعتقد أن ما حدث توفيق
من الله.. حقيقة لم أتوقع رد الفعل بهذا الشكل، وتفاجأت كثيرا بحجم انتشار الرسم،
والإعجاب والثناء الكبير الذي تلقيته، وهناك الكثير من الأشخاص أعادوا رسم الصورة
كما فعلتها، ما يدل على القيمة الكبيرة لها، وأن الرسالة وصلت وأثرت في مشاعر الناس
وداوت جرحهم بعد السخرية منهم.
كيف نظر الأتراك لكونك فلسطينية وقمت بالرد على كاريكاتير شارلي إيبدو؟
في الحقيقة أنا كفلسطينية أحمل أكبر قضية عادلة في هذا الزمن، ومن غير المقبول أن لا أشعر بمآسي الآخرين، وخاصة في تركيا وسوريا، بعد هذا الزلزال الرهيب.
حين نشرت الرسم عبر حسابي في إنستغرام على شكل فيديو، مع أصدقائي، كجزء من التضامن، لم تمض دقائق، حتى بدأت عشرات الرسائل تنهال على حساباتي، وحتى هاتفي لم يهدأ عن الرنين مئات التعليقات من أشخاص ليسوا أصدقاء لدي.
بعض الرسائل كانت تقول، إن معنوياتنا تحسنت بعد الإحباط من دمار الزلزال، وآخرون أشادوا به كثيرا، وبعد معرفتهم أنني فلسطينية زاد إعجابهم، وأثنوا على التلاحم بين أبناء الأمة الواحدة والتاريخ الواحد، التي تتضامن مع بعضها البعض في هكذا مناسبات.
كيف يشكل الفن والرسم
تحديدا عاملا مهما في هكذا حوادث؟
عالم التصميم الفني
والرسم، يقدم قيمة كبيرة، وبشكل عام أنا أهدف لتقديم مواضيع تهم المجتمعات وأؤمن أن
الرسم قد يغني عن خطب وعبارات كثيرة، فصورة واحدة يمكن أن تغير مسار معركة، بسبب
سهولة وصول هذه الخطوط للمتابع، والصورة تعلق في أذهان الناس بسرعة كبيرة، وعلينا
أن نطرق باب هذا الفن لاستخدامه في الدفاع عن أنفسنا، وتقديم قيمنا بطريقة
احترافية تجذب الآخرين وتصنع قيمة كبيرة للحياة والمجتمعات.
ما هي نصيحتك للفنانين
في هكذا مناسبات؟
مثلما نحن بحاجة
لمعدات إنقاذ فنحن بحاجة للريشة والفنان، من أجل عرض قضايانا، والفن من الوسائل
القادرة على مخاطبة الإنسان، ونحن كشعوب في هذه المنطقة ولنا قضايا عادلة، لا
ينقصنا شيء، ولدينا طاقات وقدرات، وهناك وسائل تواصل اجتماعي، فقط المطلوب أن نعمل
باحتراف، ونستغل هذه الوسائل في المبادرة للخير، وتقديم كل قيمة إيجابية، ومحاربة
السلبيات.