قضايا وآراء

الخلية الخماسية ودفتر شروطها: "لا مكان لفرنجية في المعادلة"

صهيب جوهر
عربي21
في موازاة هذا المشهد الزلزالي الذي أصاب تركيا وسوريا وامتد إلى لبنان الذي ضربته هزّة قوية لامست 5 درجات، يتبدّى الزلزال السياسي الذي يضرب لبنان، بهزات ارتدادية تطال كل مفاصله، يقابله الزلزال المالي الذي ترعاه الدولة العميقة بقيادة المايسترو رياض سلامة والتي تمعن فتكاً بقوت اللبنانيين، وبرعايتها اللصوصية الناهبة لأموال المودعين، وتكديسها في خزائن طبقة الفساد، وإهدارها حقوق أصحاب الحقوق والتعامل معهم كمتسولين لمدخراتهم على أبواب المصارف.

وثمة انتظار مشترك بين لبنان والدول الخارجية للتحديات الرئاسية والمالية، فالقوى اللبنانية تنتظر ما سينطوي عليه لقاء باريس الدولي والإقليمي للبحث في الملف اللبناني، بينما قوى الخارج تعوّل على أن يتلقف اللبنانيون الورقة التي خرج منها اللقاء بعد ساعات طويلة من النقاش بين الدول الخمس (الولايات المتحدة وقطر والسعودية ومصر وفرنسا)، والمساعي الجارية لإبرام تسوية تكون متوافقة مع المسار المطلوب ودفتر الشروط التي اتفق عليها.

والأكيد أنه وبعد اجتماع باريس هناك خطوات مباشرة وتتلخص في أن يحط ببيروت وفد فرنسي- قطري يحمل معه ورقة عمل ومواصفات الرئيس ورئيس الحكومة، ما يعني تفعيل الحركة السياسية لتوفير العناصر المكملة للتسوية، بينما القوى الخارجية ستنتظر ردود الفعل الخارجية على الورقة المشتركة ليبنى على الشيء مقتضاه باجتماع سيضم وزراء الخارجية ومدراء مخابرات الدول الخمس.

وتوحي أجواء الاجتماع بأنه كان إيجابياً وتطرق إلى مختلف الملفات اللبنانية من انتخاب الرئيس، وشخصية رئيس الحكومة، وآلية تشكيلها، بالإضافة إلى برنامج عملها، والذي يجب أن يحظى بثقة المجتمع الدولي، إضافة إلى الاتفاق على خطة واضحة للإصلاح، وتعهدت قطر في الاجتماع على الوصول مع الجانب الإيراني لتوافقات على فصول تلك التسوية لوضع لبنان على سكة التعافي المالي والسياسي.

والأكيد أن هذا الاجتماع لم يكن اجتماعاً للبحث في أسماء المرشحين، على قاعدة أن هذه مهمة منوطة بالقوى المحلية ولكي لا يشكل الأمر عامل استفزاز للأطراف الداخلية وتحديداً حزب الله، والذي يتوجس من التسويات المرافقة للتحولات الإقليمية، لكن الأكيد أن المواصفات التي وُضعت لشخص الرئيس ورئيس الحكومة تعني استبعاداً مباشراً لسليمان فرنجية انطلاقاً من التالي:

أولاً: تصر القوى الخارجية وتحديداً الولايات المتحدة وقطر على أنه لا يمكن إيصال رئيس للجمهورية على تحالف مع حزب الله ونظام بشار الأسد، كي لا يُصار إلى تكرار تجارب رئاسية أدت لعزل لبنان عن محيطه.

ثانياً: فإن السعودية مصرّة على أن يكون الرئيس من خارج الاصطفافات التي أوصلت لبنان إلى هذا القعر من الأزمة، وغير مرتبط بملفات فساد وغير مشارك في حكومات مسؤولة عن السياسات الاقتصادية والمالية والخارجية، وأن يكون ببروفايل واضح المعالم من حيث القدرة على طرح الملفات الحساسة دون حسابات، وتحديداً الاستراتيجية الدفاعية والخطة الإصلاحية، ويكرس علاقات طبيعية مع الخارج. وهي لا ترى أن ذلك ممكن التحقيق في ظل رئيس للجمهورية ينضوي في الصف الذي يكنّ العداء السياسي علناً لها، ويتحالف مع إيران ضدها، خصوصاً في اليمن. وهذه المواصفات لا تنطبق على أي من المرشحين المعلنين اليوم، والمنضوين في خط 8 آذار.

وخلال التحضيرات التي سبقت، كانت هنالك أولوية حرصت عليها الدول الخمس وتتعلق بحماية لبنان من أي انهيار أمني شامل، وبالتالي، العمل على تأمين المتطلبات التي تحمي لبنان من أي انفجار أمني. ولهذه الغاية هنالك عاملان يمنعان لبنان من الانزلاق في متاهات الفوضى الأمنية: العامل الأول هو بتأمين الظروف اللازمة لحماية المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني، والتي تُرجمت بالدعم الأمريكي والقطري للجيش.

أما العامل الثاني فيتعلق بالمساعدة على تأمين الحد الأدنى من الدعم الاقتصادي للحَد من فوضى الشارع، طالما أنّ العلاج الاقتصادي الفعلي لم يحن أوانه بعد ولم تتأمن شروطه اللبنانية. ولهذا السبب تحديداً زار الموفد الفرنسي بيار دوكان لبنان، وهو العائد إلى باريس بنفس الانطباعات السابقة عن عدم قيام لبنان باستكمال الإصلاحات المطلوبة منه.

لذا فإن اللقاء الخماسي، سيكرس آليات لتأمين مساعدات اقتصادية محددة للبنان، لكن وخلال المرحلة السابقة تبدت مشاكل حيال كيفية تأمين هذه المساعدات، فالدول الأوروبية مترددة بإيجاد برامج مساعدة للبنان بسبب التطورات المتسارعة لحرب أوكرانيا. وعليه، فإن حضور قطر على الطاولة سيكون مساعداً لإيجاد اندفاعة في الاقتصاد اللبناني بجرعات متقطعة.

في نهاية المطاف فإن المسؤولين في بيروت قد لا يتجاوبون مع مسارات هذا الاجتماع، وسيكون هناك حاجة إلى وقت طويل للبحث عن جهات خارجية وداخلية في سبيل الوصول إلى أرضية مشتركة وتحديداً إيران وحزب الله، وذلك ربطاً بسياسة فصل الملفات التي يتبعها الجانب الإيراني، وخاصة أن النقاش مع إيران والحزب سيتركز على انتخاب رئيس للجمهورية واختيار شخصية رئيس الحكومة. وهذا الأمر يعتبر استراتيجيا للحزب في ظل التطورات الجارية وإعادة ترتيب التحالفات.

وبحال لم يكن التجاوب اللبناني متناسقاً مع الاندفاعة الدولية، فهذا يعني أن بعض القوى على رأسها الحزب والتيار العوني ستنتظر تغيراً في موازين القوى الخارجية لتكون التسوية على أساسها، وخاصة في اليمن والعراق والآن في سوريا بعد الزلزال المدمر وإمكانية إعادة بعض الدول علاقتها مع النظام الأسدي، ما يعني إطالة أمد الفراغ والأزمة مع ترك الأبواب مفتوحة على احتمالات خطيرة وسيئة للغاية.
التعليقات (0)