كأن ملاعب الرياضة هي أحياؤنا الشعبية، كأنها الحارات التي تعبّر فيها الشعوب وحولها عما يجول بخاطرها وهي الأماكن التي تسمع صوت المجاميع من كل الأعمار والأجناس، هل رأيت أكثر فخرا من شاب نحيل مفعم بالحياة يلتحف بعلم بلاده في المدرجات وهو يردد بفخر نشيدها الوطني!، نعم الرياضة ليست سياسية، ولكنها أوسع مضمار إنساني للتعبير عن المشاعر الوطنية والإنسانية الفياضة.
في
قطر نقف مع أي فريق عربي ضد أي فريق آخر حتى لو كان على رأس ذلك الفريق ميسي أو رونالدو أو نيمار وهم اللاعبون المفضلون لكثير منا، في مباراة قطر أو السعودية أو المغرب تتحول المدرجات إلى كتلة بشرية عربية واحدة تشجع الفريق العربي الذي في الميدان، ونشعر مع فوز أي فريق عربي أن العدالة ممكنة وأننا يمكن أن ننتصر حتى ولو في لعبة رياضية.
في قطر استفتاء يكاد يكون فطريا على تعطش وأماني الشعوب العربية للوصول إلى أي شكل حضاري من أشكال الوحدة أو التكامل العربي بين دول و شعوب العالم العربي، ليس بالضرورة وحدة اندماجية على غرار تجاربنا السابقة ولكن وحدة تقوم على مصالح الشعوب العربية الاقتصادية والسياسية والثقافية، والاتحاد الأوروبي مثالا!
على صعيد آخر فإن
مونديال قطر صار شاهدا حيا على رفض العدوان الصهيوني على
فلسطين والأمة العربية، وصار استفتاءً شعبيًا على رفض التطبيع، رفضا للظلم الذي يقع على الفلسطينيين وبيَّن أن منطق «بروتوكولات حكماء سلام « هو منطق معزول ومرفوض شعبيا وأن التطبيع المجاني المهرول مرفوض شعبيا أيضا من كافة أبناء الوطن العربي أينما وجدوا من المحيط إلى الخليج، وأن الإيمان بإبراهيم والأنبياء – عليهم السلام – لن يكون مدخلا لقبول ظلم الصهيوني باضطهاد الفلسطينيين.
انظروا كيف يتصرف مواطنو دول الخليج ودول العالم العربية مع محطات الإعلام الإسرائيلي في المونديال وكيف تتحول محاولات التطبيع مع الجمهور إلى هتافات ضد الصهيوني، وكيف أن الخطاب السائد على مستوى الشعوب العربية هو رفض وجود دولة الاحتلال إحياء للمقولة القومية «إن صراعنا مع الصهيونية صراع وجود وليس صراع حدود» ! والأهم في هذه المقولة أن صراع الصهيونية مع العالم العربي أوسع من صراعها مع دول الجوار والحدود لكيانها ويشمل موارد الشعوب والدول العربية كافة، ومن هنا علينا أن نتنبه إلى أن الأصوات التي تروج بقبول التطبيع والدخول إلى «الديانات الإبراهيمية الجديدة» على وسائل التواصل الاجتماعي هي أصوات عالية لكنها لا تمثل شعوب العالم العربي، التي وجدت في مونديال قطر فرصة للتعبير عن ضمير ومشاعر وحقيقة موقف شعوب هذه الأمة ليس فقط من الصراع العربي الإسرائيلي، بل أيضا من محاولات إملاء تعسفية على شعوب المنطقة وثقافتها وتوجهاتها على نحو فوقي يفترض أن هذا الغرب هو المعيار والمسطرة التي تُصنف الشعوب على أساسها وهو الأمر الذي رفضته الشعوب من كافة التوجهات والآراء!
مونديال قطر طرح عدة قضايا مهمة، والواضح أن منطق العدل والحق هو الذي يحرز الأهداف، وأن الشعوب العربية هي من سيتوج في نهاية المطاف، ثق بهذا جنابك!
(
الغد الأردني)