هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في كتابة هزيمة هتلر عام 2007، تنبأ السياسي الإسرائيلي رئيس الكنيست السابق افراهام بورغ، بزوال إسرائيل، حيث كان يصفها بانها «غيتو صهيوني يحمل أسباب زواله في ذاته»، وقد أثبت الواقع هذه النظرية ففي حين أَغفلت عقلية الغتيو الآخر الفلسطيني على الأرض، أثبت الواقع ان هذا الآخر بذاته كفيل بتهديد وجود تلك الدولة وانهيارها، كما تمثَّلها العقل الصهيوني بمساعدة الدول الاستعمارية الغربية.
التفوق الديمغرافي الفلسطيني ليس عدديا فقط إنه تفوق بالنضال أيضا، فحيث كانت إسرائيل معتقدة ان فلسطينيي الداخل انتهى أمرهم؛ انطلقت الانتفاضة الاولى من جهتهم، وكان نضال الحركة الإسلامية في الداخل دفاعا عن القدس نوعيا، وظل حتى الفلسطيني الجالس في الكنيست شوكة فلسطينية تعري ديمقراطيتهم المزيفة، أما الضفة وغزة، فإنها في حالة نضال يومي يجعل من حلم خلق مستعمرة دولية وادعة على حساب الفلسطيني وهما دوليا بل رهان سياسي بائس.
وكما قال المرحوم المسيري المتخصص بالحركة الصهيونية، في حروب التحرير أنت قد لا تهزم المحتل ولكن أنت تنهكه، وهكذا فعل الفيتنامي مع المحتل الأميركي، وأيضا الأفغاني مع الروسي، وهكذا يفعل وسيفعل الفلسطيني مع الصهيوني.
النضال الفلسطيني التاريخي لا يهدف لحل القضية الفلسطينية، قضيته ليست مسألة أرض أو مقدسات بالمعنى الضيق فقط، إنها قضية حضارية تعنى برفض الاحتلال، ورفض الخضوع، والتوق للحرية وتقرير المصير، وهذه لا ينفع معها لا الحنكة الكنسجرية ولا فهلوة الواقعيين والإبراهيميين الجدد، والمشكلة الآن ليست مع الفلسطيني. سواء زالت السلطة أم بقيت، الفلسطيني موجود قبل السلطة وبعدها، وقد تكيف مع النضال اليومي ضد الاحتلال والفصل العنصري، والحديث عن فلسطيني زهقان يائس جاهز ليترحل الى الحدود؛ سفه سياسي لا يسعفه الواقع ولا طبيعة الصراع.
إذا كانت مقالات الشرابي وعامي الأخيرة، بالونات اختبار على الساحة الأردنية، فإنني كمواطن أردني أرد على هذه البالونات بالتالي:
لا تخلطوا بين مركزية القضية الفلسطينية عند القيادة والشعب الأردني، وبين حرصهما وتمسكهما بالأردن أرضا وشعبا ودستورا، إن وقوف الأردنيين قيادة وشعبا مع القضية الفلسطينية هي أيضا صمود وطني دفاعا عن الأردن وأرضه وهويته وشعبه ودستوره.
إن الوضع الاقتصادي الأردني لن يكون مبررا لبيع الأردن، والرهان على ذلك هو خطأ تاريخي خسر مع الفلسطينيين تحت الاحتلال، وخسر وسيخسر مع الأردنيين حتى تحت الحصار.
أوهام أن في الأردن قوما جاهزين للتعاون وقبول أي تحول في هوية ودستور وشعب الأردن، وهم يصنعه هواة تحليل سياسي ساذج في غرف مغلقة. الأردن وشعبه بوعيهم الوطني – وان تكالبت عليهم التحديات الداخلية – واعون لهذا الخطر، ووعيهم سابق لكل المنطقة، ونضال الأردنيين ضد وعد بلفور بدأ منذ العشرينيات.
الإبراهيمية الجديدة والصراع مع ايران بغض النظر عن موقفنا منه لن يغير مركزية القضية الفلسطينية، وقد تتوهم القيادات الصهيونية انها نجحت في تعديل مركزية القضية الفلسطينية، ولكنه تعديل في رؤوسهم وليس في المنطقة ولا عند الشعوب، والعصر اليوم عصر الشعوب التي صارت في مقدمة المشهد مع تطور وسائل الاتصال!
الأزمة عندهم وليست عندنا، فكل محاولات حل القضية على حساب الأردن رفضت، ومشروع الدولتين أفشلته إسرائيل، ومشروع الدولة الواحدة بأغلبية فلسطينية قد يصبح واقعا لن تدفعه كل مليارات المساعدات الأميركية، ومشاريع الإبراهيميات هرطقة ومراهقة سياسية لن تفضي لشيء، وإسرائيل أمام أزمة حقيقة، ولهذا فان الخيار الأردني بحلته الجديدة هو أن الحل مع الأردن وليس على حساب الأردن، وأن الأردن وحده القادر على إخراج الجميع من الأزمة، وأن أي حل على حساب ديمغرافية او جغرافية الأردن وبال على إسرائيل نفسها قبل الأردن أو فلسطين، لهذا فإن على الإبراهيميين الجدد اعادة التفكير بزاوية الحل، وذلك بردع إسرائيل المتهورة عن ممارسة الفصل العنصري ووقف الاحتلال والانسحاب من المستوطنات وتسليمها لأصحاب الأرض، عندها وبعد تحرير الارض وقيام الدولة الفلسطينية يمكن للأردن ان يقدم للمجتمع الدولي نموذجا لوحدة قائمة على احترام حقوق الأردنيين والفلسطينيين معا.
نعم الحل مع الأردن وليس على حساب الأردن، فالشعوب قد تكون موضوعا للدراسات السياسية والأكاديمية ومقالات وبالونات الاختبار، ولكن الشعبين الأردني والفلسطيني قدما وسيقدمان دليلا عمليا على أن الشعوب وحدها من يحدد نتائج تلك الدراسات، ويكتب الفصل الأخير في التاريخ. فاهم عليّ جنابك؟