استمر المسؤولون
المصريون طوال شهور العام الحالي يلقون بمسؤولية
التضخم
المرتفع في البلاد على العوامل الخارجية، سواء خلال العام الماضي بعد تحرك الطلب
المكبوت بسبب كورونا، أو فيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع
أسعار الحبوب
والطاقة وتأثر سلاسل الإمداد العالمي، بينما أشارت بيانات مؤشر
الغذاء العالمي
الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة لشهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلى نمو مؤشر
الغذاء العالمي بنسبة 2 في المائة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وذلك
نتيجة التغير الذي شهدته المؤشرات الفرعية الخمسة للمجموعات الغذائية، والتي شهدت
ارتفاعا بنسبة 15.5 في المائة لمنتجات الألبان، وارتفاعا بنسبة 11.1 في المائة
للحبوب، وزيادة 5.7 في المائة للحوم، بينما تراجعت خلال نفس الفترة أسعار زيوت
الطعام بنسبة 18.8 في المائة، والسكر بتراجع 8.5 في المائة.
وأشارت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء المصري الخاصة بأسعار السلع الغذائية
خلال نفس الفترة، إلى ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 23.9 في المائة، نتيجة ارتفاع
أسعار الحبوب بنسبة 49.7 في المائة، والألبان والجبن بنمو 34.5 في المائة، وزيوت
الطعام بارتفاع 34.2 في المائة، والسكر والأغذية السكرية 28.2 في المائة واللحوم
والدواجن بزيادة 17.6 في المائة.
وهكذا يتضح الفارق الكبير بين معدلات أسعار الغذاء دوليا ومعدلات ارتفاعها
محليا، بل إن الأغرب من ذلك هو ارتفاع أسعار كل من زيوت الطعام والسكر رغم انخفاض
أسعارهما عالميا. ومما يثير الدهشة أن مصر تستورد نسبة 25 في المائة فقط من استهلاكها
من السكر وتنتج محليا النسبة الأكبر، حيث تنتج 2.2 مليون طن من مجمل استهلاك 3.2
مليون طن وتستورد فقط 800 ألف طن.
يتضح الفارق الكبير بين معدلات أسعار الغذاء دوليا ومعدلات ارتفاعها محليا، بل إن الأغرب من ذلك هو ارتفاع أسعار كل من زيوت الطعام والسكر رغم انخفاض أسعارهما عالميا. ومما يثير الدهشة أن مصر تستورد نسبة 25 في المائة فقط من استهلاكها من السكر وتنتج محليا النسبة الأكبر
تراجع الجنيه المصري عامل رئيس
وهذا يشير إلى وجود عوامل محلية كانت السبب في تلك القفزات السعرية التي
تخطت الزيادات الدولية، ويعزز ذلك أيضا ما ورد في بيانات البنك الدولي حول أسعار
السلع في العالم خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالمقارنة بمتوسط الأسعار
خلال العام الماضي، حيث شهدت العديد من السلع انخفاضا خلال الشهر الماضي، منها
الكاكاو والأرز سواء التايلاندي أو الفيتنامي، والأخشاب على اختلاف أنواعها، وزيت
جوز الهند وزيت النخيل، ومن المعادن الحديد الخام والنحاس والألومنيوم والرصاص
والقصدير والزنك والذهب والفضة.
ومن العوامل الداخلية التي أثرت في ارتفاع الأسعار
انخفاض سعر صرف الجنيه
المصري، أمام الدولار الأمريكي بنسبة 53.5 في المائة ما بين الشهر الماضي ونفس
الشهر من العام الماضي، وهو ما رفع تكلفة الواردات من العديد من السلع التي تتدنى
نسب الاكتفاء الذاتي منها مثل القمح والذرة والفول وزيوت الطعام وغيرها.
كذلك القيود التي فرضها البنك المركزي على الواردات، ورغم استثنائها للعديد
من السلع الغذائية من تلك القيود إلا أن تلك القيود كان لها أثرها على الإنتاج
المحلي من العديد من أنواع الغذاء، حيث أدى نقص الزيوت لتعطل خطوط الإنتاج في عدد
من مصانع الجبن، وأدى نقص الذرة وفول الصويا للتأثير السلبي بمزارع الدواجن وإنتاج
البيض وهكذا.
كما أدى نقص العديد من السلع المستوردة مثل الملابس والسيارات وقطع غيار
السيارات، والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والأدوات المكتبية ومستلزمات
العناية بالطفل في ارتفاع أسعارها، كما قامت الحكومة برفع أسعار العديد من
المشتقات البترولية مما انعكس على أسعار النقل والمواصلات، ومن ذلك رفع أسعار
تعريفة ركوب سيارات الأجرة وسيارات النقل الذكي، أيضا الاحتكار الذي تمارسه بعض
الجهات الرسمية مثلما يحدث في مجال استيراد اللحوم.
من العوامل الداخلية التي أثرت في ارتفاع الأسعار انخفاض سعر صرف الجنيه المصري، أمام الدولار الأمريكي بنسبة 53.5 في المائة ما بين الشهر الماضي ونفس الشهر من العام الماضي، وهو ما رفع تكلفة الواردات من العديد من السلع التي تتدنى نسب الاكتفاء الذاتي منها
رفع الأسعار لتعويض الفاقد الضخم
كذلك رفع سعر الفائدة في البنوك بنسبة خمسة في المائة على ثلاث مرات مما
زاد من التكلفة على المنتجين. ومن الأسباب الرئيسة عشوائية التجارة الداخلية وتعدد
حلقات الوساطة التي تحصل كل منها على هامش ربح، وارتفاع نسب الفاقد من السلع
الغذائية والذي بلغ عام 2020 حسب بيانات جهاز الإحصاء الرسمي من الخضر 2.831 مليون
طن تمثل نسبة 25 في المائة من المتاح للاستهلاك، ومن الفاكهة 1.455 مليون طن تمثل
نسبة 16.4 في المائة من الاستهلاك، ومن الموالح 518 ألف طن تمثل نسبة 20 في المائة
من الاستهلاك، ومن الحبوب 3.860 مليون طن تمثل نسبة 8.8 في المائة من الاستهلاك،
مما يدفع المنتجين لرفع السعر لتعويض ذلك الفاقد المرتفع.
وهذا مع استمرار الجهات الحكومية في فرض المزيد من الرسوم على المواطنين، نذكر
من ذلك مما لا تذكره وسائل الإعلام؛ فرض محافظ أسوان 77 رسما خدميا في يوم واحد
خلال الشهر الماضي، على قطاعات التعليم والصحة والتموين والكهرباء والأمن والمرور
والطب البيطرى والصناعة والتليفونات والسياحة والصرافة وغيرها، بقيم مالية مختلفة
تصل إلى ألف جنيه، وذلك بخلاف ما تقوم تلك الجهات بسداده من رسوم مركزية.
كذلك الاستمرار في طبع النقود من قبل البنك المركزي مما يزيد المعروض النقدي،
بشكل يزيد عن حجم المعروض من السلع والخدمات، حيث زادت أرصدة النقد المتداول خارج
خزائن البنك المركزي، ما بين الشهر الماضي ونفس الشهر من العام السابق، بنحو 123
مليار جنيه بنمو 16.6 في المائة خلال عام.
ومع تلك الارتفاعات السعرية من الطبيعي أن يرفع مقدمو الخدمات المخلتفة
أسعارهم من سباكة وميكانيكا سيارات وسمكرة ودهان، حتى محلات قص الشعر، مع الأخذ في
الاعتبار أن البيانات الرسمية الخاصة بمعدلات التضخم التي يعلنها جهاز الإحصاء لا
تحظى بمصداقية لدى المواطنين، حيث يرون أن نسبة التضخم أعلى من ذلك، ونفس الأمر
لبيانات التضخم التي يعلنها البنك المركزي المصري حيث أنها تعتمد أساسا على بيانات
جهاز الإحصاء، فقط تستبعد منها الخضر والفاكهة والسلع التي يتم تسعيرها إداريا.
مع تلك الارتفاعات السعرية من الطبيعي أن يرفع مقدمو الخدمات المخلتفة أسعارهم من سباكة وميكانيكا سيارات وسمكرة ودهان، حتى محلات قص الشعر، مع الأخذ في الاعتبار أن البيانات الرسمية الخاصة بمعدلات التضخم التي يعلنها جهاز الإحصاء لا تحظى بمصداقية لدى المواطنين، حيث يرون أن نسبة التضخم أعلى من ذلك
انخفاض الاستهلاك من اللحوم إلى الخبز
وعندما يعلن جهاز الإحصاء أن معدل التضخم السنوي خلال الشهر الماضي بلغ
16.3 في المائة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، يتندر الكثيرون على تلك
النسبة، ويعزز ذلك بعض البيانات التفصيلية الخاصة بمعدل التضخم السنوي في المحافظات،
حين ذكرت أن نسبة التضخم السنوي بلغت 11.5 في المائة بمدن محافظة المنيا، و11.8 في
المائة بمدن محافظة الشرقية، و13 في المائة بمحافظة بورسعيد، و14 في المائة بكل من
مدن محافظات المنوفية وقنا وبني سويف، رغم تسبب مكون نقل البضائع وحده إلى محافظة
قنا الواقعة في أقصى جنوب البلاد في زيادة الأسعار فيها عن غيرها، ونفس الأمر لريف
محافظة سوهاج الواقعة في أقصى الجنوب، حين تذكر البينات البيانات الرسمية أن معدل
التضخم السنوي فيه كان 10.8 في المائة.
وهذا يعززه ما ورد في دراسة لجهاز الإحصاء نفسه عن أثر الحرب الروسية
الأوكرانية
على الأسر المصرية، جرت خلال شهر آب/ أغسطس الماضي حين ذكرت أن نسبة 36
في المائة من الأسر التي جرت عليها الدراسة، ترى أن الأسعار قد تضاعفت مقارنة بما
قبل الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أن توقيت إجراء الدراسة كان قبل تحرير سعر الصرف
خلال الشهر الماضي والذي شهد أيضا رفع معدل الفائدة بنسبة 2 في المائة.
وأشارت الدراسة إلى أن عدد الأسر التي انخفض استهلاكها من اللحوم بسبب
الأزمة الأوكرانية كانت بنسبة 94 في المائة من عدد الأسر، وبنسبة 93 في المائة مع
الطيور والأسماك، و75 في المائة مع الأرز، و69 في المائة مع البيض و59 في المائة
مع السكر، ونفس النسبة لعدد الأسر مع استخدام النقل والمواصلات، و58 في المائة مع
الملابس، و57 في المائة مع الخضر، و56 في المائة مع البقوليات والمكرونة، و53 في
المائة من عدد الأسر انخفض استهلاكها من الخبز.
twitter.com/mamdouh_alwaly