هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي"، تقريرا عن مجموعات "عرين الأسود" التي تتركز داخل البلدة القديمة في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية.
وجاء في التقرير أنه برغم الانتكاسات الأخيرة التي حدثت، إلا أن نابلس تشهد التفافا شعبيا كبيرا حول "عرين الأسود" التي اغتال الاحتلال الإسرائيلي أبرز قادتها خلال الأسابيع الماضية.
وتاليا ترجمة التقرير كاملا:
في الزقاق الذي أمام دكانه داخل البلدة القديمة في
نابلس، يعلق أحمد قنديل صور عشرات المقاتلين المحليين الذين قتلوا مؤخراً على يد
الجيش الإسرائيلي.
يقول أحمد قنديل: "أريد من الناس أن يحفظوهم وأن
يتحدثوا عنهم". ويضيف أنه يشعر بأن معنويات الناس في البلدة القديمة ارتفعت
مجدداً بعدما شهدته المنطقة مؤخراً من انتعاش في النشاط الفلسطيني المسلح، والذي
يستهدف في العادة أبراج المراقبة ونقاط التفتيش المحيطة بنابلس أو الذي يتصدى
للقوات الإسرائيلية وهي تداهم بلدته.
بإمكان المرء مشاهدة نفس الشيء يحدث في سوق الفاكهة، حيث
يمتلئ دكان أبو هيثم قمحية بالبراويز المشتملة على صور المقاتلين وشعارات المجموعة
العسكرية حديثة النشأة والتي تعرف باسم "عرين الأسود".
يقول أبو هيثم: "هذه المجموعة نظيفة. إنهم شباب
طيبون وشرفاء. نحن نعرفهم جيداً".
وما هذه المناظر التي تنتشر في كل أنحاء البلدة القديمة
إلا انعكاس للشعبية الواسعة التي تحظى بها موجة جديدة من المقاتلين المحليين،
والتي برزت بقوة منذ أول ظهور رسمي وعلني لمجموعة عرين الأسود في الثاني من سبتمبر/ أيلول.
في أحد مقاطع الفيديو يظهر بضع عشرات من الرجال
المسلحين، جميعهم يرتدون ملابس سوداء، وجميعهم ملثمون وعلى رؤوسهم قبعات سوداء،
بنادقهم مربوطة بقطع من القماش الأحمر. يتكون شعارهم من بندقيتين وقبة الصخرة في
القدس وخريطة كاملة لفلسطين التاريخية.
في أول بيان صحفي لها تقول المجموعة التي تشكلت حديثاً:
"في ضوء الثورة المشتعلة لشعبنا، في القدس، وفي غزة، وفي جنين، فإننا نعلن عن
أن الشرارة قد انطلقت من البلدة القديمة في نابلس".
يقول باسل كتانة الذي يدير مضافة داخل البلدة القديمة في
نابلس: "عندما سمعنا، نحن معشر رجال الأعمال، عن المجموعة المسلحة للمرة
الأولى انتابنا شعور بالارتياب".
ويذكر أن قطاعاً من سكان البلدة القديمة راحوا يتساءلون:
لماذا يتسكع هنا هؤلاء الشباب – وقد رأى بعض الناس في وجودهم خطراً محدقاً، إذا ما
أخذنا بالاعتبار احتمال أن يقوم الإسرائيليون بشن عمليات لاعتقالهم أو تصفيتهم؟
ويقول كتانة: "بعد مقتل جندي إسرائيلي، والحصار
الذي فرضه الإسرائيليون على نابلس، تبدلت الأوضاع بشكل كامل". وفي الحادي عشر
من أكتوبر/ تشرين الأول أطلقت مجموعة عرين الأسود النار على جندي إسرائيلي في
الضفة الغربية المحتلة وأردته قتيلاً.
فجأة، أدرك سكان البلدة القديمة في نابلس أن المجموعة
المسلحة كانت جادة. وأصبحوا داعمين لها على الرغم من الضرر الاقتصادي والأمني الذي
تكبدوه نتيجة لذلك.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال كتانة: "شعر
الناس أن هؤلاء كانوا رجال مقاومة حقيقيين".
القمع يعزز الشعبية
بعد حادثة إطلاق النار يوم الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين
الأول، فرضت إسرائيل حصاراً عسكرياً على نابلس، فتراجعت حركة المرور بشكل ملحوظ،
وغدا سوق البلدة القديمة أقل انشغالاً مما جرت عليه العادة، وأغلقت جامعة المدينة
الرئيسية، جامعة النجاح، أبوابها وتحولت إلى العمل عبر الأونلاين لمدة تزيد على
الأسبوع.
ونشر منسق النشاطات الحكومية في المناطق (كوغات)، الذي
يمثل السلطة العسكرية الإسرائيلية المهيمنة على فلسطينيي الضفة الغربية، تدوينة
على "فيسبوك" جاء فيها: "من الذين تعطلت حياتهم؟ آلاف العمال الذين يرغبون في
التوجه إلى العمل... ومئات التجار الذين لم تصلهم بضائعهم. إن الإرهاب يعطل
حياتكم".
ومع اشتداد الحصار زادت شعبية المجموعة. وصار بالإمكان
سماع الأغاني الثورية تنبعث من أزقة البلدة القديمة في نابلس. وراح الشباب والصبية
يرتدون الملابس والقلائد التي تشبه ما كان يرتديه المقاتلون، والتي باتت مطلوبة
بكثرة الآن وقد صارت تباع لدى العديد من محلات الهدايا.
وغدت المواقع التي قتل فيها مقاتلو عرين الأسود مزارات
يتردد عليها الكثير من الفلسطينيين، صغاراً وكباراً. ويقول أدهم خالد، الذي كان
جالساً مع أصدقائه في البلدة القديمة: "يتعطش الناس لهذا النوع من المقاومة.
لقد أصبحت الآن قضية وطنية، بما في ذلك نابلس وقراها ومخيمات اللاجئين فيها".
بالنسبة لخالد، كان أوضح دليل على الشعبية المذهلة لعرين
الأسود هو ما جرى يوم الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول بعد منتصف الليل، حينما
طلبت المجموعة المسلحة من سكان نابلس الهتاف من فوق أسطح المنازل والنزول للتظاهر
في الشوارع.
ولم يكن سكان نابلس وحدهم من خرجوا حينها إلى الشوارع،
بل انضم إليهم استجابة للنداء آلاف الناس في كثير من مناطق الضفة الغربية.
السخط على السلطة الفلسطينية
من أجل التصدي لزيادة النشاطات العسكرية في نابلس، وجه
الجيش الإسرائيلي ضربات لكبار عناصر عرين الأسود في العديد من المناسبات في العمق
من البلدة القديمة في نابلس. ونفذت واحدة من أكبر المداهمات العسكرية في الساعات
الأولى من يوم الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، حينما قتل خمسة
فلسطينيين، بمن فيهم أحد كبار قادة عرين الأسود، وذلك داخل البلدة القديمة وفي ما
حولها.
إلا أن استقلال عرين الأسود عن التشكيلات السياسية
الفلسطينية التقليدية صعب على الإسرائيليين استهداف المجموعة. ويشتمل أعضاء
المجموعة على نشطاء من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول شهدت نابلس ما يزيد على
الأربع وعشرين ساعة من الاشتباكات بين السكان وقوات السلطة الفلسطينية، وذلك بعد
اعتقال مصعب اشتية، الشاب الذي كان نشطاً ضمن "عرين الأسود" وينتمي أيضاً إلى "حماس".
ما زال اشتية رهن الاعتقال لدى السلطة.
نتيجة لذلك، فقد خرج الشباب الغاضب إلى الشوارع، وسدوا الطرق
المؤدية إلى مركز المدينة بالإطارات المشتعلة، ورشقوا قوات السلطة الفلسطينية
بالحجارة. وندد المحتجون بالتعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وبما قالوا
إنه "تصفية المقاومة".
يقول إبراهيم رمضان، محافظ نابلس الحالي المعين من قبل
السلطة الفلسطينية: "أثناء حملته الانتخابية، قال محمود عباس إنه لا يريد
مزيداً من عسكرة الانتفاضة".
وذكر أنه التقى مع عدد من أعضاء مجموعة عرين الأسود، مرات
عديدة من أجل التوصل إلى تسوية وإقناع المقاتلين بتسليم أنفسهم للسلطة الفلسطينية.
وقال رمضان في معرض تأكيده على خصوصية حالة اشتية التي
تعتبر استثناءً نظراً لانتمائه المزعوم إلى حركة حماس: "هذه عملية سلمية. نحن
لا نعتقل أحداً باستخدام العنف. نريد أن ننقذ أولادنا، فهم لا يستطيعون مواجهة
إسرائيل بأسلحة بسيطة. وهذه حقيقة".
إلا أن ناشطاً من نابلس، فضل عدم الكشف عن هويته، خالف
الرواية التي تقدمها السلطة الفلسطينية.
وقال الناشط: "كثير من مقاتلي عرين الأسود كانوا من
قبل قد اعتقلوا على أيدي السلطة الفلسطينية". وزعم أن أصدقاء المقاتلين، بما
في ذلك أعضاء في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، تم اعتقالهم بسبب
"الاشتباه في تقاربهم مع المجموعة".
إلهام برغم الانتكاسات
في الثالث من نوفمبر خففت إسرائيل جزئياً القيود
المفروضة على الحركة في نابلس، وهي الخطوة التي أعادت بعض الحياة إلى المدينة.
واتخذ القرار الإسرائيلي بعد اغتيال بعض كبار الأعضاء في "عرين الأسود" ومع ورود
أخبار إضافية تفيد بأن المقاتلين راحوا يسلمون أنفسهم إلى السلطة الفلسطينية.
سلم عضوان بارزان في عرين الأسود، هما محمود البنا ومحمد
طبنجة، نفسيهما إلى السلطة الفلسطينية وما زالا يقبعان في السجن لديها.
وكان البنا، المطلوب لدى إسرائيل، قد كتب تدوينة على
"فيسبوك" جاء فيها: "بعد التشاور مع رفاقي اتفقت مع إخواني في الأجهزة الأمنية
على تسليم أنفسنا حتى يحمونا من الاحتلال".
وبحسب ما يقوله رمضان، محافظ نابلس، فإن هذه العملية تنتهي في
العادة بالحصول لهم على عفو إسرائيلي، وتوكيل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية
بهم، وشراء ما بحوزتهم من أسلحة.
ونتيجة لذلك، فقد أصدرت مجموعة عرين الأسود، بياناً جاء فيه:
"لم تطلب مجموعة عرين الأسود من أي مسؤول أو جهة أمنية، مع كل التقدير، تسلم
أي من مقاتليها. وكل من يسلم نفسه من مقاتلينا فذلك هو قراره الشخصي واختياره هو.
وكل من يظن أن المجموعة ستنتهي فهو مخطئ".
نجم عن هذه التطورات انتشار الريبة والقلق في أرجاء
نابلس وإثارة تساؤل حول ما إذا قد تم فعلاً تفكيك مجموعة عرين الأسود أم لا. وبغض
النظر عن الحقيقة، فإن سمير عنبتاوي، المحلل السياسي الذي يتخذ من نابلس مقراً
له، يعتقد بأن نموذج عرين الأسود "أوجد مفهوماً، وليس مجرد ظاهرة".
ويقول عنبتاوي في إشارة إلى الطبيعة المستقلة للموجة
الحالية من النشاط العسكري الفلسطيني: "هؤلاء شباب من كافة التوجهات
السياسية، وهم الذين أخرجونا من مربع المفاوضات إلى مربع مقاومة الاحتلال".
ويرى نواف العامر، وهو صحفي وكاتب مقره كفر قليل جنوب
غربي نابلس، أن مساعي إسرائيل المستمرة لكبح نشطاء المجموعة سوف لن يفضي سوى إلى
تعزيز جاذبيتهم.
ويقول العامر: "قد يفضي استمرار حملة الاغتيالات
إلى جذب الجيل الجديد من الشباب وتشجيعهم على الانضمام، فقد غدت المجموعة مصدر
إلهام للجيل الجديد من الشباب، الذي لم ير سوى بنادق الاحتلال مصوبة نحو وجوههم
واعتداءات المستوطنين عليهم".
خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت مجموعة مسلحة جديدة
تدعى "كتيبة بلاطة"، مقرها مخيم بلاطة شرق نابلس، بإصدار البيانات عبر "تليغرام" حول
حوادث إطلاق نار على أهداف إسرائيلية.
لقي أحد أفراد المجموعة مصرعه يوم التاسع من نوفمبر/
تشرين الثاني أثناء مواجهة مع قوات إسرائيلية كانت تداهم نابلس. وظهرت مجموعة
أخرى صغيرة تسمى "كتيبة جابا" تتخذ من قرية جابا، شمالي نابلس، مقراً لها.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك ظهورا مستمرا للأجنحة العسكرية
التابعة للأحزاب السياسية الفلسطينية التقليدية مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي،
التي تنشط في مخيم جنين للاجئين. ولعل ما له علاقة خاصة بهذا الأمر هو كتيبة جنين،
التي تكاد تكون فرعاً للجناح العسكري للجهاد الإسلامي، كتائب القدس.
وبينما يبدو المستقبل ضبابياً، تبقى نابلس في حالة من
التوتر، مع احتمال أن تشهد الأسابيع القادمة قيام إسرائيل باغتيال أو اعتقال اثنين
على الأقل من نشطاء مجموعة عرين الأسود يتهمان بالضلوع في قتل جندي إسرائيلي – وهو
الوحيد الذي قتلته المجموعة حتى الآن.
في البلدة القديمة، سوف يراقب الناس وينتظرون، ولسوف
يكونون على أهبة الاستعداد لاتباع جيل جديد من المقاومة.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)