لم
تستطع أي من وسائل
التواصل الاجتماعي اجتذاب النخبة كما استطاع
تويتر، فالمنصة
طبقت شهرتها الآفاق بعد استخدامها فيما عرف بالثورة الخضراء في إيران عام 2009. وكانت
تعبر عما قلّ ودلّ، فهي وسيلة تواصل لأغراض محددة ومختصرة تشبه كثيرا التلغراف في
بدايات ظهوره. وحتى بعد تمددها الواسع في أرجاء العالم بأسره حافظت منصة تويتر على
وقارها بين وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، فلا هي مغرقة في الاستعراض والشبابية
مثل تيك توك ولا هي مغرمة بالصور والتعبير البصري عن الذات كما في انستغرام، كما
أنها لا تشبع فضول محبي الاسترسال في الكتابة والتفاعل بين الأصدقاء والجمهور مثل
فيسبوك.
ربما
ساعد ضيق المساحة المخصصة للتعبير عن الفكرة تويتر في تحديد شريحة جمهورها، فليس
كل الناس قادرين على الاختصار، وحدهم المثقفون والنخبة يستطيعون هذا الأمر. وزاد
من رونقها أن جذبت الساسة والفنانون والمشاهير لتصبح متحدثا رسميا باسم الشخصيات
العامة؛ تمنح من تشاء علامتها الزرقاء وتمنعها عمن تشاء، لتحصر الدوائر والشخصيات
الرسمية وغير الرسمية بشكل واضح في ناد للنخبة. ووصلت لمرحلة وضع تعريفات دالة على
نوعية الحسابات الموثقة كي لا يغتر بها الناس في إطار مكافحتها للأخبار المزيفة،
فحساب الموقع الاخباري يختلف عن الحساب الحكومي.
اليوم بعد استحواذ الملياردير الأمريكي إيلون ماسك على المنصة ومحاولته إجراء عدة تغييرات في هوية المنصة يصبح مستقبلها على المحك، فالعلامة الزرقاء لم تصبح حكرا على المشاهير لتمييزهم عن آحاد الناس، ليصبح الأمر مقابل مبلغ مالي
ولهذا
وجدت منصة تويتر نفسها وسط المعارك السياسية الكبرى بسبب هذه الصبغة شبه الرسمية
التي طبعت منصة تويتر، سواء بقصد وتخطيط منها أو بعفوية. وكان من أبرز هذه المعارك
معركتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه بعد أن حظرت حسابه. واليوم بعد
استحواذ الملياردير الأمريكي
إيلون ماسك على المنصة ومحاولته إجراء عدة تغييرات في
هوية المنصة يصبح مستقبلها على المحك، فالعلامة الزرقاء لم تصبح حكرا على المشاهير
لتمييزهم عن آحاد الناس، ليصبح الأمر مقابل مبلغ مالي.
ويعد
استحواذ ماسك على المنصة مؤخرا وإعلانه أنها قد تشهر إفلاسها ما لم تحقق أرباحا؛ أمرا
غريبا ويعزز من الشكوك حول نوايا الرجل وأهدافه من هذه الاستحواذ، لمحاصرة الخطاب
السياسي المستقل على الإنترنت لصالح جهات ودول عديدة تتضرر من هذا الحضور بحسب ما
يتردد في وسائل
الإعلام. الرئيس الأمريكي جو بايدن دخل على الخط ولمح إلى أن
علاقات ماسك ببعض الدول أمر يستحق النظر.
تعد محاصرة المنصة بهذا الشكل أحد سلبيات النظام الليبرالي في التعامل مع وسائل الإعلام، التي تبدو نظريا حرة وغير تابعة لأحد لكن من الناحية العملية يمكن توظيف رأس المال لحصارها أو على الأقل الحد من نفوذها
ما
يهمنا في هذا المقال هو مستقبل صوت النخبة السياسية والثقافية والفنية على وسائل
التواصل الاجتماعي إذا تعرضت منصة تويتر للإغلاق، فلا أمل يبدو في الأفق. كما لم
تعلن أية منصة استهدافها هذه الشريحة من الجمهور أو هذا الجسر من التواصل بين
المشاهير والمثقفين من جهة والجمهور من جهة أخرى. كما أن المنصة كانت ولا تزال
ترمومترا سياسيا لاستطلاعات الرأي فيما يسمى ترند الهاشتاغ لمعرفة آراء الناس
وتوجهاتهم.
وتعد
محاصرة المنصة بهذا الشكل أحد سلبيات النظام الليبرالي في التعامل مع وسائل
الإعلام، التي تبدو نظريا حرة وغير تابعة لأحد لكن من الناحية العملية يمكن توظيف
رأس المال لحصارها أو على الأقل الحد من نفوذها. وهذه قضية شغلت الرأي العام
الأوروبي طويلا حول المفاضلة بين الإعلام المملوك للدولة الذي يتبنى الخطاب الرسمي
والإعلام الخاضع بشكل تام لآليات السوق والعرض والطلب. وانتهت
معظم الدول الأوروبية إلى أهمية كلا النموذجين مع محاصرة سلبيات كل منهما، فالإعلام
المدعوم من الدولة يكون ممولا مباشرة من دافعي الضرائب ويشرف عليه مجلس مستقل، أما
الإعلام التجاري فتشرف عليه هيئة رقابية. ودرجات الرقابة والإشراف هنا تختلف عن
معظم الدول العربية، فهي ليست أدوت رقابية بقدر ما تتعامل مع وسائل الإعلام كسلطة
رابعة في البلاد.
twitter.com/hanybeshr