قضايا وآراء

بين سفاح التضامن وسفاح الشام

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600

استغربت صحيفة الغارديان البريطانية بقاء الرائد أمجد يوسف على رأس عمله في المخابرات العسكرية السورية، على الرغم من مرور ستة أشهر على التحقيق الذي أجرته بشأن دوره في مجزرة التضامن، التي أودت بحياة العشرات من الأسرى والمعتقلين، معظمهم فلسطينيون.

اللافت أن الصحيفة العريقة لم تتطرق إلى بقاء سفاح الشام الحقيقي بشار حافظ الأسد على رأس عمله على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها، وما زال يرتكبها، على مدى 12 عاماً، وقد قتل خلالها وهجّر، ودمر الشام كلها فوق أهلها، ورعى ويرعى إمبراطورية مخدرات تفتك بالعالم كله. وما أمجد يوسف وغيره من الأمجدات الطائفية إلاّ مجرد مسمار في آلة القتل الجهنمية الطائفية التي أسسها حافظ الأسد، وليست وليدة الابن القاصر بشار الأسد، كما أنها ليست وليدة 12 عاماً من ربيع الشام، وإنما يمتد الإجرام الأسدي كما هو معروف إلى اليوم الأول الذي حكم فيه الأسد الأب سوريا منذ عام 1970..

عادة ما تُصاب الصحف بعقدة أن ما تنشره ينبغي أن يؤخذ به، لتنتشي بذلك، وتظهر أمام الرأي العام أنها مؤثرة فيه، وقادرة على صياغة الرأي العام وتشكيله. وقد بدأ الأمر قديماً حين كانت تحقيقات الواشنطن بوست تُحدث تحولاً تاريخياً، فأطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في السبعينيات بسبب قضية ووترغيت، وكذلك رأينا كلنا ما حدث لكشفها فضيحة سجن أبو غريب، ولكن الصحيفة نفسها فشلت فشلاً ذريعاً في القبض على قتلة الصحافي السعودي والصديق جمال خاشقجي، على الرغم من الكم الهائل من المعلومات التي كشفتها ووثقتها، عن دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عملية القتل الرهيبة والمشينة التي حصلت في القنصلية السعودية في إسطنبول.

الأسوأ من ذلك كله أن العالم كله الذي راقب متفرجاً المجزرة الرهيبة بحق السوريين وعلى مدى 12 عاماً لا يزال مستمتعاً بمناظر شواء لحوم السوريين، إن كان بآلة القتل الروسية والإيرانية والطائفية التي استجلبتها طهران، أو بافتراس حيوانات البحر للسوريين الهاربين الفارين من جحيم المحتلين الروسي والإيراني، وبطش العصابات الطائفية القرووسطية، أو بسبب حياة البؤس والجحيم التي يعيشونها تحت سنابك حكم طائفي مجرم لا مثيل له في التاريخ الحديث، وفوق هذا كله الدور القذر الذي تقوم به العصابات الطائفية الأسدية في إمبراطورية المخدرات، التي يجني الطائفيون من ورائها، كما قدرته صحيفة اللوفيغارو الفرنسية، 30 مليار دولار سنوياً، لتتحول الرياض، بفضل هذه الجهود الطائفية، إلى عاصمة للمخدرات في  الشرق الأوسط، كما تحدث تحقيق للسي إن إن الأمريكية، حيث أغرقت العصابات الطائفية عواصم وحواضر الأمة بالكبتاغون وغيره من حبوب السم الذي يسعون إلى قتل شبابنا به، استباقاً لحملات قتلهم وتدميرهم التي يستعدون ربما إليها.

والأسوأ من هذا كله أن ما نشرته مجلة الفورين بوليسي عن خلاف يدور وسط الدول الأوروبية بشأن التعامل مع العصابة الطائفية في دمشق، حيث تقوم بعض الدول الأوروبية بالتواصل على خجل مع العصابة الطائفية، لتقيم علاقات معها، وهي التي تعرف وتعلم علم اليقين ما الذي فعلته طوال سنوات بالشعب السوري وبدول الجوار، فضلاً عن استجلابها للمحتل الروسي، ودعمه في غزوه لأوكرانيا عبر توفير منصة قاعدة حميميم للطائرات الروسية التي تنافس دول أوروبا على دورها في أفريقيا، وكذلك في دورها بدعم المحتل الروسي بالمرتزقة ونقلهم للقتال إلى جانب الروس ضد الأوكرانيين. ومع هذا فإن دولاً أوربية لا تزال تعلق آمالاً على بقاء هذه العصابة الطائفية التي لفظها الشعب السوري، ولفظتها الدول المجاورة، التي سعت إلى التطبيع معها لكن تبين لها أنّ ذلك مستحيل، وقد تجلى ذلك بالفرملة الإماراتية والأردنية والسعودية، والدور العربي في منع العصابة الطائفية من حضور القمة العربية في الجزائر.

ما يتعرض له حليفا العصابة الطائفية اليوم، الروس والإيرانيون، مؤشرٌ كافٍ لكل من يسعى للاقتراب من هذه العصابة، فالروس اليوم قد كشّروا عن أنيابهم لأوروبا، ونحن نتابع ما يحصل في أوكرانيا وتهديداتهم لأوروبا، فضلاً عن تورطهم الكبير في مستنقع الحرب الأوكرانية الذي سيمنع روسيا بالتأكيد من دعم العصابة الطائفية، بسبب انشغالها في أوكرانيا.

والكل يتابع حجم الانسحابات الروسية من سوريا، وعلى رأسها الأسلحة الاستراتيجية، الأمر الذي أشار في البداية إلى ملئه من قبل الحليف الآخر الإيراني، لكن تورط الأخير في مستنقع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، ودخول هذه التظاهرات شهرها الثاني سيحدُّ كثيراً من الدعم الإيراني للعصابة الطائفية في سوريا. وقد ظهر ذلك بانسحاب بعض المليشيات الطائفية الإيرانية من مناطق سورية متفرقة، وتحديداً من البوكمال إلى إيران، ربما لأن الجيش الإيراني والحرس الثوري غير مستعد للتعامل بوحشية مع المظاهرات الإيرانية كحال المليشيات الطائفية في سوريا، التي لديها خبرة عتيدة في التعاطي مع مظاهرات السوريين، بالإضافة إلى كونهم من غير الإيرانيين، مما سيوفر لهم فرصاً عدوانية أكثر في التعاطي مع المتظاهرين الإيرانيين.

حال المنطقة كلها وحال العالم برمته إنما هو حال سيولة، ومن ثم فالعاقل والحصيف السياسي هو من يفكر ملياً قبل الانضمام إلى أي من القطبين، فضلاً عن قطب الاستبداد والإجرام كحال العصابة الطائفية الأسدية. ونحن نرى أن كل المؤشرات المنطقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية تشير إلى انهيار هذا المعسكر، وانهيار حلفائه معه، ومما يزيد من بورصة هذا الانهيار قوة الموجة الشعبية العارمة المصرة والمستمسكة بخيار ترحيل الطغاة والمستبدين، رغم الأكلاف التي دفعتها طوال أكثر من عقد من الزمان، ولا تزال مستعدة لدفعها، ومن ثم فإن العاقل هو من يقف مع قطب الشعوب ومحورها، الوحيدة الباقية، ما دامت أعمار الطغاة قصيرة.

 


التعليقات (0)