كتب

كيف قدم صحفي أمريكي مقاومة الخطابي للرأي العام الدولي؟

صحفي أمريكي يوثق لمقاومة الريفيين في المغرب للاستعمار الإسباني
صحفي أمريكي يوثق لمقاومة الريفيين في المغرب للاستعمار الإسباني

الكتاب: أمريكي بين الريفيين: رحلة مراسل "شيكاغو تريبيون" في شمال المغرب 1925
الكاتب: فنسنت شيين
ترجمة: محمد الداودي
الناشر: باب الحكمة تطوان المغرب
الطبعة الأولى 2022

مقدمة:

 
لا تزال الحقبة الاستعمارية عالما معتما تتكشف أسراره كل مرة بصدور كتابات، أو الإفراج عن جزء من أرشيف، أو صدور مذكرات، أو ترجمة كتابات نشرت في أوروبا أو أمريكا، ولم تحظ الأجيال الجديدة بفرصة الاطلاع عليها بسبب عائق اللغة، أو بسبب فقد الكتاب المنشور في قرن ماضي.

ولعل من أبرز الوثائق التي تقدم صورة عن مغرب الحقبة الاستعمارية تلك التي كتبها صحفيون أجانب، يقدم كل واحد منهم تفاصيل المهمة التي قام بها بالمغرب، ومشاهداته وانطباعاته، فضلا عن ملاحظاته الأنثروبولوجية عن ثقافة الشعب المغربي وتقاليده وأنماط عيشه، دون أن نغفل المعلومات السياسية التي يتم استقاؤها من اللقاءات المباشرة، مع الحكم في البلاط أو مع الوزراء أو مع الزعماء الوطنيين.

وقد ساهمت "عربي21" في الآونة الأخيرة في نشر عدد من أعمال هؤلاء الصحفيين، سواء من فرنسا (غابرييل فيري) أو أمريكا (والتر هانس).

وإذا كان ما يجمع الأعمال السابقة، أنها كتبت منذ قرن من الزمن، وتيسر نقلها للعربية في هذه السنة أو السنة التي قبلها، وأنها أيضا غطت مرحلة ما قبل الحماية (حكم السلطان المولى عبد العزيز) وجزءا يسيرا من فترة الحماية (حكم السلطان مولاي حفيظ)، وركزت على تفكيك بنية الدولة ومواقف الحكم من الأحداث، والخيارات التي تم اللجوء إليها للتخفف من الضغط الاستعماري، وقدمت في أثناء هذا العمل ملاحظاتها حول المجتمع المغربي، فإن عمل الصحفي الأمريكي فنست شيين في كتابه "أمريكي بين الريفيين" جاءت بعناصر أخرى جديدة، فالعمل ابتداء ركز على المنطقة الشمالية، أي منطقة النفوذ الاستعماري الإسباني، بدل الفرنسي، ثم إنه اتجه نحو الريف حتى يكون قريبا من حركة محمد عبد الكريم الخطابي، فيقدم للرأي العام الغربي، أو بالأحرى للنخبة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حقيقة الوضع من منظار المعايشة والمعاينة والمقابلة واللقاء المباشر مع زعيم المقاومة الريفية محمد عبد الكريم الخطابي وبعض قياداتها، وذلك في ظرفية جد حرجة، حقق فيها هذا الزعيم انتصارات كبيرة، وبدا يصوب وجهته نحو الحدود مع مناطق النفوذ الفرنسي، أي في الفترة التي علا فيها سهمه، وبدأ التفكير الجدي في تحالف إسباني فرنسي من أجل هزيمة المقاومة في الريف.

تكمن إذن أهمية هذا الكتاب، من هذه الزاوية، وأيضا من زاوية جنسية مؤلفه، فالرجل أمريكي، أي ليس معنيا بدرجة كبيرة بالدفاع عن الأطروحة الإسبانية ولا الفرنسية، وإنما هو معني بفهم الأوضاع وتحقيق سبق صحفي، يضع الرأي العام الأمريكي والأوروبي بشكل عام أمام حقيقة ما يجري.

ويزيد الأمر أهمية أن الاستعمار الإسباني، كان يمنع الصحفيين من الاقتراب من معسكر المقاومة في الريف، حتى يروج لروايته وتصير أطروحته هي المهيمنة على الرأي العام الإسباني والأوروبي، وتكتمل الصورة بطبيعة شخصية المؤلف الصحفي، الذي وإن لم يخرج عن المقاربة الكولونيالية في التعامل مع الشرق، فإنه كان يحرص على تقديم رواية أمينة لما يجري، وينقل عن زعماء المقاومة الريفية أقوالهم ومواقفهم، من غير أن يحرفها أو يزيد عليها أو ينقص.

في سياق تأليف الكتاب

لا يحمل سجل الصحفي "فنسنت شيين" ما يستدعي الانتباه إليه، فالرجل بدأ حياته المهنية مع جريدة "شيكاغو ديلي نيوز" ثم غادرها، وانتقل إلى نيويورك ليلتحق بجريدة "نيويورك ديلي نيوز" التي كانت وقتها عبارة عن جريدة صفراء، تنقل أخبار الإثارة الفضائح والحوادث. ثم سافر بعد الحرب العالمية الأولى (1921) إلى باريس التي كانت قبلة للمواطنين الأمريكيين، وكان قصده من الرحلة، أن يصقل موهبته الصحفية، لاسيما وأن الصحافة الأمريكية في باريس كانت وقتها في ذروة تألقها المهني.

وأمام حاجة بعض الصحف إلى مكاتب لها في باريس، التحق شيين بمكتب جريدة "شيغاغو تريبيون" الشهيرة بباريس، وقد ساعده على ذلك إتقانه لعدد من اللغات الأوروبية، وكانت أولى مهامه الصحفية في هذا المنبر الإعلامي، تغطيته لمسيرات الجماعات الفاشية في روما وصعود نجم الزعيم موسوليني سنة 1922، كما قام بتغطية مفاوضات لوزان بين القوى العظمى وتركيا، وكذلك المفاوضات التي سبقت معاهدات فرساي وجنيف. وقد اكتسب شيين خبرة مهمة بدواليب السياسة الأوروبية، وتعمقت خبرته الصحفية أكثر مع تغطيته لأحداث الرور بألمانيا بعد الاجتياج الفرنسي سنة 1923 والحركة الانفصالية هناك.

وهكذا، وبفضل هذه التجارب الثلاث النوعية في كل من إيطاليا وألمانيا ومفاوضات ما بعد الحرب العالمية الأولى، ذاع صيت شين، وأصبح يمتلك المؤهلات المهنية لخوض غمار المهام الصحفية الصعبة.

وعلى أثر هذه الخبرة، جاءت رحلته إلى المغرب الأولى، في مطلع سنة 1925، وهي الرحلة التي يشكل الكتاب مادتها، ثم جاءت رحلته الثانية من خريف نفس السنة في أثناء الإنزال الإسباني بالحسيمة والحرب على جبهة ورغة. وقد تميزت الرحلتان معا، بوحدة الوجهة (منطقة الريف) وأمضى فيهما معا حوالي ثلاثة أشهر، وهي مدة ليست بالقصيرة، وقد شهد فيها عددا من الأحداث والتطورات، ونقلها من قلب الحدث، أي من منطقة الريف. وقد حقق شيين بفضل هاتين الرحلتين نجومية كبيرة في عالم الصحافة، بحكم أنه كان يقدم سبقا صحفيا، وبحكم أنه نجح في الوصول إلى زعيم المقاومة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأجرى معه حوارا نشره في الكتاب.

 

إن عمل الصحفي الأمريكي فنست شيين في كتابه "أمريكي بين الريفيين"، جاءت بعناصر أخرى جديدة، فالعمل ابتداء ركز على المنطقة الشمالية، أي منطقة النفوذ الاستعماري الإسباني، بدل الفرنسي، ثم إنه اتجه نحو الريف حتى يكون قريبا من حركة محمد عبد الكريم الخطابي، فيقدم للرأي العام الغربي، أو بالأحرى للنخبة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حقيقة الوضع من منظار المعايشة والمعاينة والمقابلة واللقاء المباشر مع زعيم المقاومة الريفية محمد عبد الكريم الخطابي وبعض قياداتها.

 



لا يهمنا كثيرا في هذه المراجعة، تفصيل مسار حياة الرجل بعد ذلك، وتغطيته للحرب الأهلية التي نشبت في الصين بين الوطنيين والشيوعيين، ولا تغطيته أيضا لأحداث البراق في فلسطين سنة 1929، فهذا المسار في الواقع، كان تتويجا للمسار الذي قبله، خصوصا رحلتيه إلى المغرب، والنجومية التي حققها بفضل تغطيته للأحداث من قلب الريف.

لكن، يهمنا في هذا السياق، أن نذكر جانبا من جوانب تغطيته الصحفية، الذي كان سببا في خلق متاعب كثيرة له مع الصحف الأمريكية، وهي توازن وحيادية كتابته وانتصاره لقيم العدالة والإنسانية، وعدم اكتفائه باستقاء المعطيات من جانب واحد (قادة الاستعمار)، وهو ما يبين أهمية كتابه عن الريف، ومعظم الأحداث التي عاصرها وشاهدها، فضلا عن نقله معطيات مهمة عن المقاومة الريفية وخصوصياتها ومقوماتها وعناصر قوتها.

أمريكي بين الريفيين

لم تكن الريف وأحداثها ومقاومتها تشغل الاهتمام الكبير للصحف الأمريكية، فقد كتبت فيها مقالات محدودة عن حرب الريف بين 1921 و 1924، ولم تنل هذه المنطقة اهتمام الصحفيين الأمريكيين إلا بعد دخول فرنسا هذه الحرب، وقد بدأت أولى محاولات الصحفيين الأمريكيين لتغطية أحداث الريف مع الصحفي الأمريكي شكوت ماورر، لكن مع احتدام الحرب على جبهة ورغة في صيف 1925، تضاعف عدد الكتاب الذين سافروا إلى المغرب، وقاموا بتغطية الأحداث، من بينهم هنري ويلوز وفلويد غيبنز وكلارنس سترايت وكونسانتين براون. لكن أحدا من هؤلاء لم يقدم تغطيته من قلب الحدث، بل من فاس أو الرباط أو وزان أو طنجة، معتمدين على تصريحات القادة العسكريين والسياسيين الفرنسيين، ويستثنى من ذلك ماورر وشيين ولاري روو، الذين قاموا بالسفر إلى الريف والتقوا بالقيادة الريفية.

وفي سبيل رحلته إلى الريف، سافر شين من باريس إلى مدريد سنة 1924، وذلك حتى يستقي معلومات مهمة من وجهة نظر السلطات الإسبانية، لكنه اضطر إلى تعديل رحلته، والتوجه إلى المغرب بعد أن تعذر عليه الحصول على أي معطيات بسبب عدم وجود فبريمو ريفيرا بمدريد، فاتخذ قرارا بالسفر للمغرب، رغم أنه لم يتوصل بالترخيص لذلك من جريدته "شيكاغو تريبيون"، وإنما من توصيته باتخاذ ما يراه مناسبا لعمله. فغادر مدريد، متوجها إلى سبتة، ثم طنجة، وبعدها إلى تطوان، ثم بدأ يفكر خلال مكوثه بتطوان في السفر إلى الريف، فطلب مقابلة ريفيرا ليمنحه ترخيصا بذلك، فرفض طلبه، ثم عاد شيين لطنجة، واتجه إلى منطقة الحماية الفرنسية فقصد الرباط، ثم فاس، فتازة متوجها إلى وجدة، على أمل أن يجد طريقا للدخول للريف من شرق المغرب، فلم يجد هناك القائد حدو بن حمو الذي كان يراهن عليه لتجسير رحلته إلى الريف، فاتجه إلى بلدة بورساي الجزائرية، فتمكن من الدخول إلى الريف، فبدأت أحداث كتابه "أمريكي بين الريفيين" الذي يضم في الواقع أحد عشر مقالا، أرسله إلى جريدته "شيكاغو تريبيون" للنشر، ولم تنشر منها إلا خمس مقالات، وقد نجح في هذه الرحلة في مقابلة زعيم المقاومة الريفية محمد عبد الكريم الخطابي، وشخصيات قيادية أخرى من المقاومة، وبسبب طول مكوثه في الريف وانقطاع أخباره، ساد الاعتقاد بأنه قضى حتفه في هذه المنطقة. وبسبب خلافه مع "شيكاغو تريبون"، وقرار الأخيرة طرده، فقد تمكن من نشر مقالاته الأخرى التي لم يتم نشرها في عدد من الصحف الأمريكية الأخرى.

وقد تمكن شيين من طبع كتابه الذي وثق لهذه الرحلة بأمريكا سنة 1926، وحظي هذا الكتاب باهتمام كبير من لدن الصحافة الأمريكية، واعتبر وثيقة مهمة تقدم شهادة مباشرة تستند إلى الوقائع، لا إلى حديث الإشاعات الرائجة في المقاهي والنوادي، بحيث لم تستند إلى ما كان يفعل الصحفيون الأمريكيون عادة من استقاء معلومات من مراسلات الصحافة الأوروبية أو تقارير أخرى مباشرة أو غير مباشرة، تكون في أغلب الأحيان منحازة إلى وجهة نظر القادة الاستعماريين.

في مقابلة الأمير

يضم الكتاب أحد عشر فصلا، تم التقديم لها بمقدمة مهمة تضع القارئ أمام السياق التاريخي للرحلة، أي سياق التقدم الذي حققته المقاومة الريفية والهزيمة التي لحقت الاستعمار الإسباني، وتوجس الاستعمار الفرنسي من محاولات محمد عبد الكريم الخطابي توسيع نفوذ المقاومة الريفية على حساب منطقة الحماية الفرنسية، والخيارات التي كانت أمام الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، والخيارات الضيقة التي كانت أمام الحماية الفرنسية، والهزة العنيفة التي أصابت منطقة الحماية الإسبانية، وأيضا الداخل الإسباني من جراء الهزيمة التي لحقتهم من مقاومة الريف.
 
يتناول الفصل الأول سياق الرحلة، وملابساتها التي أتينا على تفصيل جوانب مهمة منها، ويعرض في الفصل الثاني لمحنة اعتقاله وهو في طريقه إلى الريف، ويحكي في الفصل الثالث جانبا من مشاهداته لعوائد قبيلة المطالسة، ويبدأ من هذا الفصل تسجيله لأحداث الحرب بين المقاومة الريفية والاستعمار الإسباني، حتى يصل إلى الفصل الرابع، وفيه يفصل بنية المقاومة الريفية وتنظيمها الإداري والعسكري وخدماتها الاجتماعية، وتصورها للحكم وإدارة المدينة في ظل الحرب، وسر قوة المقاومة الريفية، ليخصص الفصل الخامس، وهو أهم ما في الكتاب لمقابلة أجراها مع أمير المقاومة الريفية محمد عبد الكريم الخطابي.

يقدم لهذه المقابلة بحديث مستفيض عن مسار قائد المقاومة منذ ولادته ونشأته، إلى تقلده مسؤولية المقاومة في هذه المنطقة وأسلوبه في إدارتها ومكامن قوته، ويقر في كتابه أنه لا يعرف إلا القليل عن حياة الأمير، وأن ما سجله في كتابه هو من مرويات أحد قيادات المقاومة (سيدي محمادي)، فقدم الكاتب وصفا دقيقا للمكان الذي سيجري فيه المقابلة جغرافيا وعمرانيا سكانيا (أيث قمرة)، والمنزل البسيط الذي يقيم فيه الأمير، ويقدم ملاحظات دقيقة عن جميع جوانب الحوار، بما في ذلك حركات الوجه التي كان يعبر بها الأمير لحظة تلقيه الأسئلة والإجابة عليها.

قدم الصحفي للأمير خمسة أسئلة، وفضل الأمير أن يكون الحوار باللسان الريفي على أن يتم ترجمتها إلى الانجليزية، فكان السؤال الأول عن الجامعات الإسلامية والعلاقات مع الحركات الإسلامية، والثاني عن موقفه من شروط السلام، والثالث عن موقفه من نظام الحكم النهائي في الريف (موقفه من السلطان بالمغرب)، والرابع عن موقف الريفيين من الفرنسيين، والخامس عن إمكانية السلام مع الإسبان.

جواب الأمير كان واضحا، نفى فيه وجود أي حركة إسلامية، وبين أن الحديث عن الجامعة الإسلامية، المقصود به إثارة الرعب والخوف من حكومة الريف، وأن وضعية الريف جغرافيا وسياسيا تمنعها من إقامة أي صلات منظومة مع المجتمعات الإسلامية الأخرى. 

أما عن السلام مع إسبانيا، فرأى أن ذلك مرتبط بمدى وجود إرادة لدى الطرف الإسباني، وأن حكومة الريف تتطلع للسلام، لكنها تشترط لذلك شروطا غير قابلة للاختزال، أولها إجلاء الجنود الإسبان من المغرب من الأطلسي حتى الحدود الشرقية والانسحاب إلى سبتة ومليلية أو العودة لإسبانيا، والاعتراف الواضح باستقلال الريف (بعد الإعلان عن الأراضي الواقعة بين منطقتي مليلية ومنطقتي سبتة وطنجة جزءا من الريف)، واشترط لذلك أيضا مشاركة قوى أخرى معنية في التسوية (يقصد فرنسا).

أما موقفه من نظام الحكم المستقبلي في الريف، الذي قصد منه المؤلف إثارة موقفه من سلطة الحكم بالمغرب، فقد أجاب الأمير بعدم اعترافه بسيادة وشرعية مولاي يوسف ولا لأي حاكم يمتثل لأوامر الجنرال ليوطي، واعتبر أن حكم مولاي يوسف غير شرعي بسبب تنحية أخويه (عبد العزيز وعبد الحفيظ) بطريقة غير شرعية، واعتبرهما الأمير حاكمين شرعيين، وقيد إعطاءه الشرعية للحكم بالقطع مع الاستعمار، وألا يكون رهينا له.

أما عن موقفه من العلاقة بالفرنسيين، فقد جاء جوابه دبلوماسيا، تجنب فيه إثارة أي توتر مع فرنسا، وذلك تجنبا لفتح جبهتين، ومحاولة لتحييد فرنسا في صراعه مع إسبانيا، مؤكدا أنه لن يقوم بالاعتداء على الأراضي الموجودة ضمن مناطق نفوذ الحماية الفرنسية، إلا إن جاء الاعتداء من فرنسا، وأنه لا مصلحة لديه في مهاجمة فرنسا أو فتح جبهة معها، وأنه يمد يد الصداقة لها وفق شروط وضع على ٍرأسها تسوية المشاكل على الحدود عبر تسيمها بشكل دائم.

هذا، وقد كان من أجوبة الأمير أيضا الموقف من السلام مع إسبانيا، فطرح إمكانية أن تطلب مدريد هدنة وتدعو لمؤتمر لتثبت شروط السلام، محذرا إسبانيا بأن له ما يكفي من العتاد والذخيرة لخوض معركة طويلة معها، إن أرادت الاستمرار في الحرب، ومذكرا بانتصاراته عليها وهزائم الجيش الإسباني المتتالية.

ملاحظات على الكتاب

أهم ما يلاحظ على الكتاب، هو الجهد البحثي الضخم الذي قام به المترجم، وذلك بالبحث عن المقالات الإحدى عشرة في الصحف الأمريكية، بحكم أن جريدة "شيكاغو تريبيون" لم تنشر إلا خمس مقالات، ناهيك عن جهود أخرى في التوثيق ومقابلة الروايات والمقالات، والتأكد من بعض الأحداث وجغرافية بعض المناطق، إذ سجل بهذا الخصوص أخطاء كثيرة ارتكبها المؤلف، فقام بتصحيحها.

وإلى جانب هذه الملاحظة المتعلقة بالعمل البحثي العام الذي قام به المترجم، نسجل أيضا ثلاث ملاحظات أساسية أشار إلى بعضها المترجم أيضا في مقدمة ترجمته، أولها أن صفة التوازن والحياد ونقل الوقائع حول الريف من وجهة نظر المقاومة، لم تكن تعني بالضرورة انسلاخ الكاتب من الرؤية الكولونيالية، التي تنظر إلى المجتمعات الشرقية باعتبارها مجتمعات متخلفة، وأن الدول الاستعمارية جاءت بوظيفة تمدينية.

الملاحظة الثانية، وتتعلق ببعض الاصطلاحات التي استعملها، التي تثير كثيرا من الالتباس، منها استعمال مصطلح "إسلام" للتعبير به عن المجتمعات الشرقية على غرار ما تفلعه الدراسات الاستشراقية والكولونيالية، واستعمال مصطلح "سلطان" في حق الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، وهو الاصطلاح الذي لم يوصف به حتى من قبل أتباعه.

الملاحظة الثالثة، وتتعلق بتوصيفات لحكومة الريف، رسخت فكرة قيام جمهورية ريفية في المغرب، ومحاولة ترسيخ القناعة بوجود كيانين سياسيين في المغرب، واحد تقوده جمهورية الريف في المنطقة الشمالية (منطقة الاستعمار الإسباني)، وأخرى تخضع للحماية الفرنسية ويوجد بها حكم مركزي تابع ينفذ تعليمات الجنرال ليوطي.

والواقع أن هذا التوصيف، الذي لم تؤكده الوقائع التاريخية، بل أكدت عكسه، بما في ذلك علاقة الأمير بالعرش، يزكي في الجوهر السياسة الاستعمارية، التي أرادت أن تخلق بؤر التوتر بين الريف والمركز حتى تكسر أي إرادة لالتقاء المقاومة في المنطقتين، ولكي تجسر إمكانية اللقاء بين الاستعمارين، مع تلافي مقاومتهما في آن واحد عبر تنسيق بين المقاومة في الشمال والمقاومة في الجنوب.


التعليقات (0)