تقارير

الشاعر ناهض الريس.. أرستقراطي مناضل لأجل هوية فلسطين

ترك ناهض الريّس العيش اليسير والفراش الوثير ليقيم في قاعدة في الأغوار، في منطقة صعبة وحارة
ترك ناهض الريّس العيش اليسير والفراش الوثير ليقيم في قاعدة في الأغوار، في منطقة صعبة وحارة

في العام 2008، حين كنت رئيساً لتحرير مجلة العودة الفلسطينية، كنت مهتماً بالشخصيات الفلسطينية التي تجمع الأدب والسياسة، وطلبت من مراسلنا في غزة إجراء مقابلة مع الوزير المثقف ناهض الريس، ولم أكن أعرفه جيداً، وعندما وصلتني المادة وبعض التفاصيل التي لم ننشرها في حينه، أدركت أن هذا الرجل كنز وطني فلسطيني يستحق منا التكريم والاقتداء.

رجل كبير نظيف الكف، والده رئيس بلدية غزة، تهيأت له أسباب الدنيا، ووسائل الراحة والدِّعة، ولد في منزل كبير ومال كثير، وتوفر له الجاه العائلي والمنصب السياسي والإداري في غزة وفلسطين، كان يمكنه أن يبقى تحت الاحتلال، أو أن يعمل في مهنة معتبرة خارج الاحتلال.. لكنه فضل طريق ذات الشوكة، طريق النضال من أجل فلسطين، ولتثبيت هويته الفلسطينية، بالكفاح والفكر والسياسة والقانون والأدب والثقافة والعلم والدين، كي لا تكون فلسطين للمناضلين من دون ثقافة، أو للمثقفين من دون سلاح.

إنه الشاعر الكاتب الوزير القاضي المثقف ناهض منير الريس.

ولد ناهض الريس في مدينة غزة عام 1937، وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية في مدرسة الإمام الشافعي والثانوية بمدرسة فلسطين في غزة، ومن ثم انتقل إلى مصر عام 1954 ليتخرج من جامعة القاهرة عام 1958، حيث أتم درجة البكالوريوس في الحقوق. شارك في تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين بالقاهرة. وحين انعقد في عام 1959 أول مؤتمر عام للطلاب العرب في القاهرة، حضرته وفود من الأقطار العربية والآسيوية-الإفريقية والأوروبية والأمريكية، وانبثق عن المؤتمر الاتحاد العام للطلاب العرب، وانتخب ناهض الريس (فلسطين) نائباً للرئيس.

بعد تخرّجه عمل وكيلاً لنيابة مدينة غزة حتى عام 1965، ثم ترك عمله وتطوّع ضابطاً في جيش التحرير الفلسطيني. كان قائد فصيل في الكتيبة 319، وكان ضابطاً متميزاً، وكان في حرب 1967 قائداً لفصيل في موقع المنطار، وأبلى بلاء حسناً هو ورفاقه وجنده، وأصيب بجرح في خاصرته.

انخرط في المقاومة تحت الاحتلال، وبعدما اشتدت الملاحقات، غادر على ظهر بعير قاطعاً سيناء إلى الأردن، وهناك التحق بقواعد المقاومة في جرش ثم تولى قيادة قاعدة في الأغوار.

تركَ الريّس العيش اليسير والفراش الوثير ليقيم في قاعدة في الأغوار، في منطقة صعبة وحارة، وذلك حباً في مواصلة النضال. وبعد أحداث أيلول الأسود انتقل إلى دمشق، واستلم رئيس أركان لقوات التحرير الشعبية.

التقى الشهيد كمال عدوان وأصبح أحد قادة القطاع الغربي، وتابع مهمته بعد أن قاد القطاع القائد خليل الوزير "أبو جهاد". وكان مسؤولاً عن العمليات في قطاع غزة منذ عام 1973.

بعد عامين من عودته إلى القطاع عام 1994، انتُخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني بعد الانتخابات العامة الفلسطينية عام 1996. ومع تشكيل أول حكومة فلسطينية برئاسة أحمد قريع أُسندت له حقيبة العدل، ومن ثم عُيِّن رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في السلطة الفلسطينية.

توفي ناهض الريس بتاريخ 13-04-2010 عن عمر ناهز الـ73 عاماً، إثر صراع طويل مع المرض.

يقول صاحب "موسوعة أعلام فلسطين"، محمد عمر حمادة، عن شاعرنا الذي يعرفه معرفة شخصية: موسوعي الثقافة.. صادق ووفي، نظيف اليد واللسان، متواضع كل التواضع، قريب للقلب والروح، وطنيته صادقة كل الصدق، لا يخفض رأسه إلا لله..

حياته الأدبية

لم يكن شاعرنا رجلاً عادياً، كان صاحب مبدأ وثبات على المواقف، مخلصاً لفلسطين ومدافعاً عن ثوابتها. رغم انشغاله بالسياسة والهم النضالي، إلا أنه لم يبتعد عن الأدب والشعر، فكتب في الأدب والسياسة وقصص الأطفال والشعر، مثل "غناء إلى مدن فلسطين"، و"فلسطين في الزمن الحاسم"، وكتب بعض المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية.

حين عاد إلى غزة، كتب في جريدة أخبار فلسطين، وترجم عن الإنجليزية في هذه الأثناء كتاب "حرب العصابات" لآرنستو تشي غيفارا، ونشره على حلقات في الجريدة. كما نشرت مجلة "الآداب" البيروتية العديد من أشعاره.

بعد عام 1982 كتب مئات المقالات في صحف عربية شتى، منها القبس، والبيان، والحرس الوطني، وإلى الأمام، وإبداع، وأصدر سبعة كتب بينها كتابان في التحليل السياسي وأربع مجموعات شعرية، ولإيمانه بأهمية تنشئة الأطفال على أسس جديدة أصدر إحدى وعشرين أقصوصة لهم وكتب للتلفزيون مسلسلاً بعنوان "خير الدين بربروس.. أمير البحار" و ترجم عن الإنجليزية كتاب "قصة حياة فان غوخ".

مؤلفاته:

في الشعر له: عندما يزهر البرتقال (1978). أنشودة القسام وقصائد أخرى (1982). غناء إلى مدن فلسطين (1986). نظرات في هموم الوطن (1998). ممالك التاريخ. 

 

 


وفي قصص الفتيان والأطفال له: حقيبة قائد اللواء (1981). زيتونة الرامة (1981). عرس في الغابة (1987). ثوب من قوس قزح (1987). في أوقات الفراغ (1987). الدرع والمكر (1987). الفائز (1987). حسن وحسان يحبان الطيران (1987). نصف الحلم (1987). صعود الجبل (1987). اليمامة والزهرة الصفراء (1987). سباق الأرنب والبطة (1989). 

 



وله في الكتب السياسية: كلمة في الكيان الفلسطيني (1986). ماذا نأخذ بالمفاوضات؟ (1986). رجال الدولة الأحياء في الكيان الصهيوني (1986). القدس بين زيف القانون الإسرائيلي وعجز القانون الدولي. غزة في بطن الحوت (2008). عدو خارج البيت. فلسطين في الزمن الحاسم.

 



قصيدة أرض العرب

محتلة ارضي وأشعلني الغضب

وأنا الوقود لها إذا اندلع اللهب

عز السلاح ولن أذل ولن أهب


وجعلت من حجر الطريق قذيفتي

ومن المخيم غابتي وذخيرتي

وكتبت بالدم بالدم بالدم هذه أرض العرب

نصب الجنود مواقعاً فوق البيوت

وترصدوا بالموت شعباً لن يموت

الله أكبر ضقتُ ذرعاً بالسكوت

يا من رأى ظلماً كظلم عدوّنا

حل الغريب لطردنا من أرضنا

لكنه حُلمُ كبيت العنكبوت

الخوف سجن من جرأتنا انفتح

والموت باب للشهيد إلى الفرح

في الشطِ في العروبِ في دير البلح

في الأمعري وفي الدهيشة ثائرون

وجباليا وقلنديا والآخرون

قصيدة جميلة بعد عودته إلى غزة.. بعد اتفاق أوسلو بعنوان:

عَودٌ غَيرُ أحمد

أعــــودُ إلى داري وما العَـــوْدُ أحْمَد                  ولكنَّ حُبَّ الدَّار أبْقى وَأخْلَدُ

أعـــودُ وقد هَـــرَّبْتُ بيـــنَ حَقائبــي                   ضَميري فلم يَظْفَرْ بهِ المُتَرَصِّدُ

ولمْ يَنْتصِبْ لي قوْسُ نصر ولا زها                   جَبيني بإكليلٍ من الغار يُعْقدُ

وقلتُ: إذا ألقــــى بيَ البحرُ ها هنا                     فلا ضَرَّ ما قد صِدْتُ أوْ أَتصَيَّدُ

وأختِمُ عُمْراً لمْ يَشِبْهُ على المدى                       فُتُورُ هَوَىً أوْ نَكْصَةَ وتَرَدُّدُ

سِوى أَنَّني أَدْخِلْتُ فيما إخالُني                          إلى قفصٍ سَرْعانَ ما سَوْفَ يوصَدُ

وقهْقهَ صوتٌ للخديعةِ مُنْكَرٌ                            وطالَعَني غَيْمٌ على الأُفق أرْبَدُ

ومَنْ أنا في هذي الدِّيار أطارقٌ                        غريبٌ أم الطرَّاقُ مَنْ بتُّ أشهدُ؟

أم المُتَنَبِّي عادَ بعدَ تَغَرُّبٍ                               إلى حَيْثُ لم يُسْعِفْ لِسانٌ ولا يَدُ

أم الدارُ غَيْرُ الدار؟ أمْ مَسَّ جَبْهَتي                     دُوارٌ؟ أم الدنيا تَقومُ وتَقْعُدُ؟

وما بالُ حُرَّاسِ المَقامِ تَحَوَّلوا                           ضِباعاً ولَحْمُ الأرضِ نَهْبٌ مُبَرَّد؟

كَوابيسُ في عِزِّ النهار وأنْجُمٌ                            تَهاوى وصورٌ بالقيامةِ يُوعِدُ


*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (1)
نادو أحمد علي
الجمعة، 28-10-2022 10:19 م
غزة العزة معقل الأسود،ولادة معطاءة. الضمير فيها ميراث كابر عن كابر أثقل الله ميزان حسنات الشاعرين الذي كتب هذا المقال والذي كتب عنه دام القلم وصاحبه أوفياء لأوفياء فلسطين الأبية
الأكثر قراءة اليوم