هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقترب في هذه الأيام الذكرى السنوية الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا البشعة التي وقعت في عام 1982 خلال حرب لبنان الأولى، حين دخل مقاتلو الكتائب المسيحية إلى المخيمين الفلسطينيين للاجئين بتواطؤ وتسهيلات من جيش الاحتلال، ليقتلوا في النهاية المئات منهم.
مايا بوانوس الكاتبة في صحيفة معاريف، أجرت سلسلة مقابلات ترجمتها "عربي21" مع مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين، مطلعين على تفاصيل المجزرة، ومنهم الجنرال عاموس غلعاد، الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية بوزارة الحرب، الذي زعم أن "المنظمات الفلسطينية حوّلت لبنان إلى قاعدة للعمليات المسلحة ضد إسرائيل بشتى الطرق، وتنفيذ عمليات عن طريق البحر، كالهجوم على الطريق الساحلي، وإطلاق صواريخ الكاتيوشا باتجاه الجليل، ومع مرور الوقت أقاموا دولة داخل دولة".
وأضاف أن "المسيحيين الموارنة الذين اعتبروا الفلسطينيين والسوريين أعداء لهم، انضموا لإسرائيل، وقدموا أنفسهم حلفاء موثوقين، وتوهمت إسرائيل أنه بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد فستكون لبنان من خلال حكومة مسيحية ثاني دولة عربية توقع اتفاقية سلام معها، لتمهيد الطريق أمام دول أخرى في المنطقة للسلام، ما حفّز الإسرائيليين فكرة إخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان، لكن يبدو أن الحلفاء المسيحيين الجدد لم يكونوا ملائمين لهذه الخطة، لأنني عملت معهم من خلال جميع القنوات العسكرية والسياسية والاستخباراتية".
وكشف أن "إسرائيل ساعدت بشير الجميل زعيم الموارنة آنذاك، كما هو الحال في علاقاتها السرية والعلنية، ودعمها لبعض الدول بالمال والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، دون مساعدتهم جسديا من خلال جنود الجيش الإسرائيلي، حتى جاء يوم اغتيال الجميل في 14 سبتمبر 1982 من قبل أحد عناصر المخابرات السورية، كاشفا أنه كان في مكتب الجميل حين وصلته رسالة كُتب فيها: طالما أنك عشيق الإسرائيليين، فسنتسامح مع ذلك، لكن إذا حصل زواج، فسيكون هناك أرامل، أي إذا وقعت سلامًا معهم، فسنقتلك، وفي النهاية حدث ذلك".
اقرأ أيضا: تحذير إسرائيلي من تفشي ظاهرة العنف والتطرف الداخلي
المستشرق إيدي كوهين اليهودي اللبناني من مواليد بيروت، يتذكر تلك الحقبة قائلا إن "قتل الجميل كان صادمًا، لقد أحبه اليهود، علمنا أن لديه صلات بإسرائيل، ورأينا صوره مع أريئيل شارون، ولم يشتم إسرائيل، بعكس اللبنانيين الآخرين، ولم يقل عنها "العدو الصهيوني"، لكنه تحدث عن العدو السوري، وقد سمعنا أن الجيش الإسرائيلي سمح للكتائب المسيحية بقيادة إيلي حبيقة باقتحام مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، عشنا في مكان غير بعيد، ومنزلنا في الطابق الثالث، وقد رأيت الصخب والضجيج".
يقول غلعاد: "إنني لم أثق بحبيقة، لأنه متعجرف جدًا، وقاس وفاسد للغاية، وقاتل بدم بارد، وقادر على القيام بأي عمل شنيع حتى لو لم يكن لديه منطق عملي، سادي، لذلك أعتقد أنهم لم يكونوا حلفاء، بل عدوا سيئا بشكل خاص، لكن حبيقة في نفس اليوم، حتى قبل دخول مخيمات اللاجئين، وصل للتنسيق النهائي مع عاموس يارون، قائد قطاع بيروت، الذي زعم أن الحرب لم تكن سهلة، بين السوريين والفلسطينيين أعدائنا الرئيسيين، وبين المسيحيين الذين يمكن الوثوق بهم".
وأضاف يارون أن "الموارنة كانوا شركاءنا، واخترناهم، وقررت إسرائيل أنها بحاجة لمساعدتهم، لتحقيق نجاحات أكبر في المنطقة الأمنية، لكني لا أعتقد أن التعاون معهم في بيروت أثبت نفسه، ربما العكس، رغم أن وجودهم ساعدنا في القتال، والوصول لبيروت، استخدمناهم وفقًا لاحتياجاتنا، لكن الإسرائيليين الذين بنوا الأبراج على توقيع اتفاق السلام معهم أصيبوا بخيبة أمل، وحين أعربوا عن رغبتهم بدخول مخيمات اللاجئين، تركتهم ينفذون هذه المهمة، ثم ظهر أمير دروري وموشيه زيورخ ضابط مخابرات القيادة، اللذان قدما فكرة جلب الموارنة بدل الجيش الإسرائيلي بزعم "تطهير" مخيمات اللاجئين من المسلحين".
يكشف يارون أن "أمر اقتحام الكتائب المسيحية لمخيمات اللاجئين جاء من أعلى القيادة الإسرائيلية، رغم وجود معلومات استخبارية تفيد بأن المسلحين الفلسطينيين غير موجودين هناك، فالمخيمات فارغة منهم، ورغم ذلك فقد قاموا بتجميع النساء والأطفال وكبار السن، وعلى ما يبدو كان لديهم قرار مبدئي بأن يجمعوهم معًا، ويوصلوهم إلى مكان ما خارج المخيم، وبدأت تأتيني الأخبار بأن جرائم القتل بدأت تُرتكب هناك، معركة الموارنة لم تكن ضد المسلحين، بل تركزت مهمتهم في قتل النساء والأطفال".
تحاول دولة الاحتلال بين حين وآخر التنصل من مسؤوليتها التاريخية والجنائية عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وتحميل الموارنة وحدهم مسؤولية تنفيذها، رغم وجود إقرار في السطور السابقة عن صدور قرار السماح لهؤلاء باقتحام المخيمين من مستويات إسرائيلية عليا، وبالعودة لتلك القيادة العليا سنجد أسماء ثقيلة مثل رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ووزيري الحرب أريئيل شارون، والخارجية يتسحاق شامير، وقادة الموساد ناحوم أدموني، والجيش رفائيل إيتان، والقيادة الشمالية أمير دروري، والاستخبارات العسكرية يهوشاه ساغيه.. وهؤلاء لم يكن بالإمكان تجاوز قراراتهم، أو القفز عنها، ما يؤكد مسؤوليتهم عن المجزرة.