أفكَار

ماذا وراء تجدد الجدل العقدي حول الصفات الإلهية؟

آراء حول تجدد تجدد الجدل العقدي حول الصفات الإلهية بين الأشاعرة والسلفية (عربي21)
آراء حول تجدد تجدد الجدل العقدي حول الصفات الإلهية بين الأشاعرة والسلفية (عربي21)

في غمرة الصراع الديني المحتدم هذه الأيام بين السلفية والأشاعرة في كثير من الدول العربية والإسلامية، تجدد الجدل العقدي حول الصفات الإلهية، والذي يأخذ طابعا حديا، إذ يتجاوز الاختلاف فيه الخطأ والصواب، ويتعداه إلى الحق والباطل، وما يترتب عن ذلك من تكفير وتبديع وتضليل. 

وجريا على عادة المتجادلين في العقائد، فإن كل طرف من المتجادلين يدعي أنه على الحق فيما يتبناه من منهجية في فهم النصوص الواردة في الصفات الإلهية، ويدافع عنها بشراسة، وتتراوح تلك المنهجيات بين حمل الألفاظ الواردة في الصفات على ظاهرها، وإثبات معانيها من جهة اللغة، وبين تفويضها وتأويلها، وحتى يضفي كل طرف على منهجيته الحق والصواب فإنه يجادل بأنها هي الموافقة لما كان عليه الصحابة، رضي الله عنهم. 

تجدد الجدل العقدي حول الصفات الإلهية بين الأشاعرة والسلفية هل دوافعه ذاتية محضة تتمثل في اعتقاد الحق والدفاع عنه، وإبطال ما يخالفه من انحرافات وضلالات، أم ثمة أيادٍ وقوى خفية تؤجج تلك الخلافات، وتنفخ في نارها، سعيا لتحقيق مآرب خاصة بها، وتسويق أجنداتها في إدارة الشأن الديني بما يتوافق مع توجهاتها وسياسياتها؟

في تحليله لعوامل تجدد الجدل العقدي بين السلفية والأشاعرة أرجعها الباحث المغربي المتخصص في العلوم الشرعية، يونس العدلاني إلى "دافع ذاتي يظهر في أمرين اثنين: أن كل مدرسة تريد بذلك بيان أن ما تعتقده في صفات الله تعالى هو الحق، من خلال التأكيد على أنها عقيدة السلف دون غيرها من المذاهب الأخرى". 

 

           يونس العدلاني.. باحث مغربي متخصص في العلوم الشرعية

وأضاف: "بالتالي وجب على المسلمين اتباع مذهبهم في ذلك. وجرت العادة أنه بين الفينة والأخرى يتجدد ذلك الجدل والنقاش العقدي بين مدارس الفكر العقدي في الأمة الإسلامية كنوع من المراجعة الذاتية للمعتقدات السائدة، في أفق تجديدها وتقويمها وتطعيمها بما يناسب كل مدرسة حسب خصوصياتها المعرفية والفكرية". 

وعن تقييمه لذلك النوع من الجدل، قال العدلاني لـ"عربي21": "في تقديري أن هذا النوع من الجدل يشكل مظهرا صحيا في الأمة، لأنها بذلك تبقى حية ومواكبة لجل التطورات والمتغيرات العقدية والفكرية التي تقع داخلها ومن حولها، والفاعلون في الشأن العقدي واعون بهذا الأمر".
 
واستبعد "أن يكون الدافع لتجدد ذلك الجدل أيادٍ خفية لتحقيق مصالح معينة، نعم قد تقع تغذيته وتوجيهه من بعض الأجهزة والأنظمة، لكن بعثه وتجديده مستبعد، ولا يمكن أن نغفل هنا أمر الذين يسلخون الأمة من كل حراك عقدي أو فكري ينعشها ويغذيها بنسبته دوما إلى أيادٍ خفية وكأن الأمة لا مقومات لها لبعث وتجديد ذلك" على حد قوله.
 
وطبقا للعدلاني، وبناء على ما سبق بيانه "تظهر جدوى مثل هذه الجدالات العقدية، بل أضحى بعثها وتجديدها ضرورة وليس اختيارا، فكل أمة لا حراك فيها خاصة ما يمس أصلها كالجانب العقدي مآلها الموت أو على الأقل التخلف والتقادم، بيد أن المشكلة تكمن في غياب أرضية صالحة لذلك في بعض الأوساط المسلمة من خلال تدني مستوى المشاركين والمتداخلين في ذلك الحراك العقدي مما يحول بينه وبين تحقيق أثره في أوساط المسلمين، وهو ما يتطلب تدخل العلماء الكبار لضبط الاتباع بالنصح والإرشاد، وقصر ذلك الميدان على العلماء".

من جهته قال أستاذ العلوم الشرعية في الجامعات السعودية، الدكتور إبراهيم الحازمي: "قد كثر الجدال والخصام بين السلفية والأشاعرة والماتريدية بقوة، في السنوات الأخيرة، لكنني لم أسمع ذلك قبل 40 أو 30 سنة، فقد كان محصورا في الدراسات المنهجية التخصصية (العقيدة والمذاهب المعاصرة)، ونقاش تلك الموضوعات كان في غالبه يجري في الجامعات، وفي بعض الدروس في شروح بعض كتب العقائد".

 

               إبراهيم الحازمي.. أستاذ للعلوم الشرعية بالجامعات السعودية
 
وأردف: "لقد درست على شيوخنا الأعلام، مثل ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين والفوزان، فما رأينا هذا الجدال والتكفير والتفسيق، في شروحهم لكتب العقائد التي درسناها مثل الطحاوية والواسطية والحموية، وغيرها كثير، ثم بعد ظهور جماعة التكفير والهجرة كثر الكلام في الفرق، وكان من قبل في أكثره وغالبه بين العلماء وطلبة العلم".
 
وتابع: "وللأسف فإن مما يغذي ذلك ويؤججه تلك المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك، كالمؤتمر الذي عقد في الشيشان عام 2006، الذي حصر أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية فقط، وأخرج السلفية من مسمى أهل السنة والجماعة، بوصفهم أهل الضلال والابتداع، ورد عليهم السلفيون بأنهم هم أهل الضلال والابتداع، وتحريف الصفات وتعطيلها، وعدم العمل بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة".
 
ولفت الحازمي في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه "مع شبكات التواصل الاجتماعي بدأ النقاش والجدال يزداد في هذه الأمور، ولذلك عدة دوافع، من أبرزها: دوافع ذاتية تتمثل في أن كل طائفة تزعم أنها على الحق، ويصاحب ذلك العناد، وحفظ المكانة، والانتصار والغلبة بإظهار قوة الحجة، كما أن بعض المتدينين من الطرفين لديهم غيرة دينية لكن ينقصها العلم والدعوة بالحكمة، ما نتج عنه هدر الطاقات بالاشتغال بالتكفير والتفسيق والتبديع".
 
وواصل: "ولا يبعد وجود جهات وقوى خارجية تؤجج ذلك وتستثمره، مع وجود دوافع سياسية قديمة لإشغال المسلمين ببعضهم" مؤكدا أن "من يفرح بهذه الخصومات اليهود الغاصبون، والقوى الاستعمارية، لذلك تجدهم يدخلون في هذه الحوارات بأسماء وهمية ومستعارة لتأجيج الخلافات وإشعالها".
  
وفي إجابته عن سؤال حول جدوى الجدل العقائدي، ذكر الحازمي أن "تلك الخلافات أنهكت الأمة، وعطلت طاقتها، وصرفت المسلمين عن كليات الدين ومحاسنه، لذا فيجب على الجميع التوحد والتعاون والبعد عن الخلاف الذي يؤدي إلى الاقتتال وتكفير الناس، مع ضرورة التأكيد أن مجال تلك الخلافات ينبغي أن يبقى محصورا بين العلماء الكبار، وطلبة العلم، وعدم إقحام عامة المسلمين فيه".
 
وبنظرة تحليلية قرأ الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، محمد جلال القصاص تجدد الجدل العقائدي حول الصفات الإلهية بين السلفية والأشاعرة في سياقاته السياسية والسلطوية، والذي يأتي في إطار "ما تستخدمه السلطة من استراتيجيات متنوعة من أجل السيطرة على المجتمع، ومن ثم توجيهه حيث مصالحها، ومن هذه الأدوات: المعرفة أو الخطاب، وخاصة الخطاب الديني".

 

               محمد جلال القصاص.. باحث مصري في العلوم السياسية
 
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فالمعرفة كأداة سلطوية للسيطرة على المجتمع وتوجيهه، لا تقل أهمية عن منظومة العقاب الظاهر (الاعتقال والتعذيب والسجن)، ومنظومة العقاب الخفي (كالتوظيف والتحكم في حركة المال)، لذا فإننا لا نستطيع أن نقرأ الساحة المعرفية، وخاصة تحت مظلة الأنظمة المستبدة، دون أن نرتاب من الدور السلطوي فيها".
 
ولفت القصاص إلى أنه في الحالة الدينية "شديد الوضوح، فمن قبل حين كان الصراع بين الدول التي ظهرت فيها ثورات في منتصف القرن العشرين (الدول التقدمية) والدول التي لم تظهر فيها ثورات (الدول الرجعية) تم الاستثمار في الحركات الإسلامية والرموز الإسلامية، وخاصة الحركات السلفية، وتم دعمهم للاهتمام بالتدين الفردي على حساب التدين المجتمعي والتدين السلطوي (الإسلام السياسي) والذي كان قد نما واشتد، وأصبح عقبة في وجه النظم الحديثة المتعثرة في تجارب التنمية".

وتابع: "والآن يراد أن ينتهي دور الجماعات الإسلامية، ويحل الأزهر مكانها، فلم يعد الخيار بين الجماعات أيها أقل تشددا، أو أكثر اعتدالا كما كان في نهاية القرن الماضي، وإنما يراد المجيء بشخصية دينية جديدة (أو خطاب ديني جديد) تزيح الجماعات ككل، وهي هنا الأزهر والصوفية، ويتم استحضار هذه الشخصية الجديدة من خلال إثارة قضايا منهجية (عقدية) وقضايا فقهية (التمذهب)".
 
وأردف: "فالتمذهب ـ مثلا ـ يراد لإزاحة منهج السلفية القائم على إيجاد حالة من التوافق بين المذاهب الأربعة، أو التوجه مباشرة للنص المؤسس (كتابا وسنة)، فالمرجعية عند السلفيين انتقائية، ولذا لم يتفقوا على مرجعية واحدة معاصرة أو سابقة، أو لم يتفقوا على الفهم من المراجع المتفق عليها بينهم كابن تيمية مثلا: ولذا تواجدوا في المشهد كله، من أقصى اليمين (تكفير الحكام والمجتمع) إلى أقصى اليسار (تكفير أقرانهم أو تبديعهم وموالاة النظم الحاكمة)، وكلهم يرفع ذات اللافتة (كتاب وسنة بفهم سلف الأمة)".
 
وأشار القصاص إلى أن "السلفية تزاح بدعوى التمذهب ثم يقدم رموز الصوفية والأشعرية بدعوى إمامة المذهب هذا أو ذاك، ثم يقال لمن يتلقى الخطاب الديني الجديد: لا بد أن تتمذهب، ثم لا بد أن تتبع رمزا معاصرا من رموز المذهب الذي اتبعته، فيجد نفسه خلف صوفي طيع للسلطة، أو بعيد عن قضايا السياسة والاجتماع".
 
وخلص في ختام حديثه إلى القول: "فهي حالة من استبدال الخطاب الديني، ذي الأهداف الخاصة والمقاوم للسلطة في بعض تجلياته (سلفيين وإخوان) بخطاب ديني آخر أكثر تبعة أو على الأقل: أقل مقاومة (الأشعرية والصوفية)، وبالتالي فإن المنطقة التي تستحق النقاش بشكل دائم هي: علاقة السلطة بالخطاب الديني". 


التعليقات (1)
د. محمّد الكحلاوي
الجمعة، 23-09-2022 10:38 م
مهمّ للغاية طرح وجهات نظر بشفافية وعمق وبموضوعية تامّة للنظر والنقاش وإبداء الرأي