هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثير جدل في مصر خلال الأيام الماضية على خلفية تداول 3 مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر قيام الجيش المصري ومُسلّحين من المجموعات القبلية المُقاتلة الموالية له، بثلاث عمليات قتل خارج إطار القانون في مناطق مختلفة داخل سيناء.
هذه الوقائع الجديدة، التي وقعت كلها على الأرجح خلال عام 2022، جدّدت التساؤلات حول أبعاد ما يحدث في سيناء، ومدى نجاعة الاستراتيجية التي تنتهجها القوات المسلحة في مكافحة "الإرهاب" على مدى نحو 9 سنوات، خاصة أن الثلاثة قتلى لم يشكّلوا أي تهديد أو خطر؛ فقد كان منهم اثنان مُقيدان والثالث طفل مُصاب.
— مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان (@Sinaifhr) August 21, 2022
من جهته، قال الباحث المتخصص في الشأن الأمني والعسكري المصري وشبه جزيرة سيناء، مهند صبري، إن "مقاطع الفيديو الأخيرة لم تكن مفاجئة، لأننا اعتدنا على ظهورها من وقت لآخر، وهذا يؤكد تكرار جرائم القتل خارج إطار القانون على أيدي القوات المسلحة ومَن يعاونها من ميليشيات مدنية".
ورأى صبري، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "الواقع اليوم في سيناء مُعقد جدا ومحزن للغاية، في ظل استمرار تلك الانتهاكات والخروقات الكبرى التي ترقى في بعض الأحيان إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وأكد أن "إسرائيل شريكة للنظام المصري بشكل كامل في مسألة الأمن بسيناء؛ فهناك أدلة كثيرة تؤكد تحرك سلاح الطيران الإسرائيلي في سيناء بحرية تامة، وأنه يقوم بضرب العديد من الأهداف على الأرض، ومن الواضح أن نظام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي يعطي لإسرائيل حريات غير مسبوقة في التحرك داخل سيناء".
وفي ما يلي نص المقابلة مع "ضيف عربي21":
كيف استقبلت مقاطع الفيديو الأخيرة التي كشفت جانبا من انتهاكات الجيش في سيناء؟
كنت أتمنى القول إن مقاطع الفيديو الأخيرة كانت مفاجئة، إلا أننا اعتدنا من وقت لآخر على ظهور مثل تلك المقاطع التي تؤكد تكرار جرائم القتل خارج إطار القانون على أيدي القوات المسلحة المصرية ومَن يعاونها من ميليشيات ومسلحين من المجموعات القبلية المُقاتلة الموالية للقوات المسلحة.
للأسف هذه الجرائم الموثقة مستمرة منذ عام 2013 حينما أعلن النظام الحالي حربه على "الإرهاب" في سيناء؛ إذ لم يتم وضع أي حد لها أو مواجهتها. وبالمناسبة مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة أثبتت جديتها ومهنيتها، وفرّت لنا أدلة كثيرة على مر الأعوام الماضية بشأن الجرائم التي تحدث بشكل شبه يومي في سيناء.
في المجمل، كيف ترى واقع سيناء اليوم؟
أرى أنه واقع مُعقد جدا ومحزن للغاية. لدينا جماعات إرهابية ما زالت تعمل وتنفذ اغتيالات وجرائم بشعة ضد المدنيين وقوات الجيش والشرطة، ولدينا القوات المسلحة التي تعمل بشكل لا يحفظ مطلقا أمن الأبرياء والمدنيين العزل، ولدينا ميليشيات مُسلحة تعمل بإمرة الجيش المصري، ولكنها تعمل بلا أي نظام أو إطار قانوني واضح، ولدينا حرب مستمرة على الإرهاب بكل تفاصيلها، ومن بين هذه التفاصيل المحزنة تلك الانتهاكات والخروقات الكبيرة التي ترقى في بعض الأحيان إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ما تقييمك لنتائج العمليات العسكرية التي أطلقتها القوات المسلحة ضد الإرهاب منذ عام 2013 وحتى الآن؟
ينبغي التأكيد على أن الجماعات الإرهابية في سيناء تكبدت خسائر كبرى، ولكن على الجانب الآخر تكبد المجتمع السيناوي خسائر أكبر وأفدح؛ فكثير من المدنيين الأبرياء هناك تعرضوا للتهجير أو القتل أو الإصابة بالرصاص الطائش، خاصة أن المجتمع المحلي هناك كان يعاني أصلا قبل بداية الحرب بسنوات طويلة، وهذه الانتهاكات البشعة ضد المدنيين العزل تعكر صفوهم وتساهم في تأزم الأوضاع جدا.
ورغم أن "الحرب على الإرهاب" نجحت في توجيه ضربات موجعة للجماعات الإرهابية، ولكن في نفس الوقت هذه الضربات الموجعة تسبّبت بالنسبة للمدنيين في خسائر كبرى بعضها يستحيل علاجه.
برأيك، لماذا لم يتم القضاء على الإرهاب بشكل كامل في سيناء حتى الآن؟
هذا سؤال مُعقد، لكنه هام جدا؛ فالاستراتيجية التي انتهجتها الدولة لمحاربة الإرهاب تعد استراتيجية معيبة وغير واضحة المعالم ولم تكن بشكل علمي ومنظم على الإطلاق؛ فعلى سبيل المثال حينما أطلق الجيش "العملية الشاملة" في شباط/ فبراير 2018 قال حينها إنه بدأ عملية موسعة شاملة ستقضي على الإرهاب خلال عدة أسابيع، لكنه لم ينجح في ذلك رغم مرور أكثر من 4 سنوات.
ويمكننا القول إن الجيش المصري يمتلك قوات ثقيلة جدا ينقصها التدريب والخبرة، ويتعامل مع سيناء على اعتبار أنها ساحة حرب مفتوحة، بينما يغفل ويتجاهل الأوضاع المدنية للأهالي ومعاناتهم القاسية، وهذا أحد الأمور الهامة التي تعيق نجاح العمليات ضد الإرهاب.
ما أبعاد وقائع تجنيد الأطفال بسيناء؟
تجنيد الأطفال في أي عمل مسلح يعد جريمة بموجب القانون، والجماعات الإرهابية في سيناء كانت بإجرامها المعتاد هي أول مَن يجند الأطفال في أعمال التجسس وزرع العبوات وهكذا، ولكن للأسف الشديد رأينا مؤخرا صورا للميليشيات التابعة للجيش المصري تظهر قيامهم باستخدام الأطفال في الحرب والتسليح والمواجهات، وهذا أيضا شيء مرفوض تماما؛ فالقانون المحلي والدولي ينص بشكل صريح على تجريم كل مَن يستخدم الأطفال في الحرب.
هل عمليات إعادة المتضررين من العمليات الإرهابية إلى منازلهم في مدينة الشيخ زويد تمضي بشكل طبيعي؟
لا أستطيع القول إنها تمضي بشكل طبيعي، وعودة المواطنين لمنازلهم دليل على الاستقرار والشعور بالأمان. وما نعرفه عن أهل سيناء أنهم على استعداد للمواجهة من أجل الحفاظ على أرضهم ومنازلهم، ولكن في نفس الوقت نتساءل: أين الدولة من عودة المواطنين؟ فمن غير المعقول أن يعود المواطن إلى منزله دون أن يجد مياها أو كهرباء أو حتى حماية من قوات الشرطة والجيش المتمركزة، بل يجد نفسه في حالة عوز واحتياج. وأقول للنظام والجيش: إذا كنتم تريدون إرسال رسالة بأن الاستقرار عاد، والهدوء ساد، لا بد أن نرى المواطنين يعودون إلى شكل من الحياة الآدمية الكريمة ولو في حدها الأدنى، ولكن عودتهم وهم يحملون كل هذه الأعباء والمعاناة التي لا ذنب لهم فيها رسالة معيبة جدا أكثر منها رسالة طمأنة واستقرار.
كيف تنظر لأزمة تسليح الأهالي في سيناء ضد الجماعات الإرهابية؟
هناك مشكلة في الفهم العام فالتسليح الذي يحدث في سيناء ليس للأهالي الذين يصل عددهم لمئات الآلاف، لأن الجيش لا يسمح بذلك، ومَن يتم تسليحهم هم أناس يتم انتقاؤهم بشكل لا نفهمه، وبمعايير لا نعرفها يحددها الجيش، وهؤلاء ميليشيا مسلحة تعمل تحت إمرة الجيش المصري وبشكل ينقصه الإطار القانوني الحاكم لهذا النوع من العمل الموازي للعمل المنظم في الجيش والشرطة. وللأسف الشديد هذا الأمر يتسبّب في مشاكل خطيرة وخروقات كبرى.
هل تسليح بعض الميليشيات المدنية في سيناء يعد أحد مظاهر فشل الجيش في مكافحة الإرهاب؟
هذا لا يدل على فشل أو نجاح، ولكنه يدل على نقص القدرة والفقر في الاستراتيجية والتكنيك العسكري. أن يشارك المجتمع في حماية أمنه وأرضه هذا شيء يُشرّف أي مواطن، ولكن أن يضطر الجيش المصري، وهو أكبر جيش في الشرق الأوسط، إلى تسليح ميليشيا مدنية كي تتعاون معه يرجع بنا لسؤال مهم هو أين النجاحات التي يتغنى بها النظام؟ ما الذي حدث لقول قائد الجيش الثاني الميداني الأسبق، اللواء أحمد وصفي، في نهاية عام 2013: "سنسلم سيناء متوضية خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع"، وغيرها من التصريحات العسكرية التي ترددت مرارا وتكرارا، بينما لا زالت سيناء تتوضأ حتى اليوم بدماء الأهالي والمدنيين هناك، ووصل بنا الأمر اليوم أن يقوم الجيش المصري بتاريخه ومعداته وعتاده بتسليح ميليشيات مدنية ترتكب خروقات هائلة ضد مدنيين عزل وتنفذ إعدامات ميدانية بدم بارد لا نراها إلا في الدول المهترئة.
هل تفاقم الأوضاع في سيناء يمكن أن ينعكس سلبا على إسرائيل؟
إسرائيل شريكة للنظام المصري بشكل كامل في مسألة الأمن في سيناء. على مر السنين الماضية رأينا أدلة تؤكد تحرك سلاح الطيران الإسرائيلي في سيناء بحرية تامة؛ إذ يقوم بضرب العديد من الأهداف على الأرض بحرية. وتوجد تقارير موثوقة جدا تفيد بأن إسرائيل تعمل وفق شراكة كاملة مع مصر بشأن الوضع الأمني في سيناء، ولا أعتقد أن إسرائيل في وضعها الحالي تقلق من الأوضاع في سيناء، لأنها شريكة رئيسية في حل هذه الأمور التي تتابعها بكل دقة. وواضح أن النظام المصري يعطي لإسرائيل حريات غير مسبوقة في التحرك داخل سيناء، وهناك تنسيق أمني وعملياتي بشكل رفيع المستوى بين الطرفين، لكن هذا لا يعني أن تلك الأمور ربما تصبح متغيرة لاحقا.
على أرض الواقع، هل الوضع في سيناء يتجه نحو الهدوء أم التوتر أكثر فأكثر؟
هذه أمور متغيرة لا يمكن التنبؤ بها. أتمنى أن يأخذ الجيش المصري النصائح والانتقادات بشكل جاد، وأن يستمع إلى مواجع ومعاناة الناس على الأرض، لأن هذه المعاناة ليست فقط معاناة مجتمعية، بل هي جزء من الحلول الأمنية؛ فحل المشاكل المجتمعية والاقتصادية في سيناء جزء أصيل من الطريق إلى حل واستقرار أمني. لذا، أتمنى أن يقوم الجيش بإصلاح استراتيجياته وتكتيكاته، وأن لا يعتبر كل مَن ينتقده عدوا له أو شخصا مأجورا وعميلا.