هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتبر تل المُنطار واحدا من المواقع الاستراتيجية الحساسة التي تشرف على مدينة غزة من الناحية الشرقية وإن السيطرة عليه تعني السيطرة على المدينة التاريخية.
ولم يذكر التاريخ القديم سبب تسمية هذا التل بهذا الاسم (المُنطار) ولكنه قد يكون حمل اسم أحد المجاهدين القدامى، أو أن هذه التسمية فرضت نفسها من النطرة التي تعني (الرباط) والذي كان على مدار التاريخ هدفا لكل من سعى لاحتلال هذه المدينة.
وظل تل المُنطار الذي يعتبر جزءا من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة خط الدفاع الأول عن المدينة من أي غزو يقع عليها، ويعتبر نقطة مهمة للمرابطين المدافعين عن المدينة على مدار تاريخها القديم والحديث.
وقال الدكتور حمودة الدهدار مسؤول البلدة القديمة بغزة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية: "يقع تل المُنطار إلى الشرق من مركز مدينة غزة ويرتفع 85 متراً فوق سطح البحر الأبيض المتوسط، وتحده من الشرق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ويضم سفحه عشرات البيوت الفلسطينية القديمة، وحديثة البناء، ينهلون جميعاً من خزان مياه بُني على مساحة دونم، أعلى التل. ومساحة مسطحه تبلغ نحو 5 دونمات، بينما تصل مساحة سفوح التل من كل النواحي إلى 80 متراً".
حمودة الدهدار مسؤول البلدة القديمة بغزة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية
وأضاف الدهدار لـ "عربي21": "تميز تل المُنطار بأهميته العسكرية، كونه المكان الأعلى في غزة، والذي يظهر مساحات واسعة من القطاع، حيث عسكر عليه جنود نابليون بونابرت، وتمركز عليه الأتراك، والجيش المصري، وعدد من الجيوش العربية، وكان ارتفاعه 95 متراً فوق سطح البحر، إلى أن احتلته القوات الإسرائيلية في يونيو/حزيران عام 1967م، وقامت بتجريف نحو 10 أمتار منه بداية عام 1972، لخفض مستواه الذي كان يكشف مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وخصوصا مناطق النقب الغربي وسهول المجدل".
وتعود إحدى تسميات تل المُنطار بحسب الدهدار إلى المجاهد "علي المُنطار" وهو أحد أبرز القادة في حملة تحرير بيت المقدس والذي استشهد فوق التل وتم دفنه فوقه، مشيرا إلى أن الصوفيين كانوا يحتفلون كل سنة بموسم المُنطار، حيث يعتبر تل المُنطار مكان مقدس بالنسبة لهم.
وأشار إلى رواية أخرى حول التسمية وهو موسم "خميس المُنطار"، كان من أبرز الطقوس الروحانية التي تتم كل عام على تل المُنطار، منوها إلى أن عدد من المتصوفين كانوا يأتون من كل أنحاء فلسطين إلى تل المُنطار في ذلك اليوم (الخميس)، ويقومون بفرش التل، وأداء طقوس دينية وحلقات ذكر، يتجمع عليها كل الجيران.
وقال مسؤول البلدة القديمة في السياحة والآثار: "تاريخيا كان تل المُنطار يعتبر الدرع الحامي لغزة من الجهة الشرقية ويصعب على أي عدو اختراقه لأنه كان يكشف طريق القوافل وهو منطقة عسكرية".
وأضاف: "يبدو أن هذه الأهمية الإستراتيجية لتل المُنطار قد استغلتها الدولة العثمانية للتصدي للهجوم البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وتم اتخاذ منطقة تل المُنطار من طرف بريطانيا كنقطة لاحتلال مدينة غزة".
وأشار إلى أن رجال المقاومة في غزة في العصر الحديث يرابطوا على هذا التل وقد تعرض مرارا وتكرارا للقصف.
وقال الدهدار: "في حرب عام ٢٠١٤م قامت طائرات الاحتلال بقصف المقام والمسجد بالكامل وتحويله إلى ركام، وإخفاء كل المعالم التاريخية له، لأنه كان تاريخيا الدرع الحامي لغزة من الجهة الشرقية".
وأضاف: "بعد انتهاء الحرب تم التوافق بين وزارة السياحة والآثار وبلدية غزة تحويله إلى مزار سياحي، وتم إقامة محطة تحليه المياه نظرا لملوحة المياه في تلك المنطقة".
ومن جهتها أكدت الباحثة في التاريخ إسلام حبوش أن اسم "تل المُنطار" لم يرد ضمن الأحداث التاريخية القديمة ولا في خرائطها على وجه الخصوص، وإنما جاء اسمه على هيئة التعميم كموضع مرتفع وصف بأنه جبل يقع إلى الشرق من مدينة غزة وذلك منذ أن أنشأها العرب الكنعانيون.
وقالت حبوش لـ "عربي21":" تم التطرق لتل المُنطار في التوراة على أثر ذكرها لقصة (شمشون-Samson ) ودليلته الفلسطينية قيام (شمشون) بهدم أحد معابد مدينة غزة، حاملاً بوابة هذا المعبد إلى جبل يقع إلى الشرق من مدينة غزة الذي يشرف على مدينة الخليل".
وأضافت: "هناك من المستشرقين من يرى أن اسم (المُنطار) مشتق من كلمة (مونيتور- (Monitor الملك الخرافي لجزيرة (كريت) اليونانية، التي قدم منها بعض الفلسطينيين القدماء للبلاد، وشبيه هذا الاشتقاق ما قيل بأن (المُنطار) مشتق من لقب "المطران" نسبة لأحد المَطارنة الذي يقال بأنه كان يعيش فوق التل، وبعضهم نسبه إلى رجل دين مسيحي اسمه (منطريوس)".
وتابعت: "مع مجيء الفتح الإسلامي مع بداية القرن (الأول الهجري/السابع الميلادي)، اتخذ الخلفاء الراشدون من التلال والجبال المشرفة على المدن الفلسطينية نقاطاً للحراسة، أطلقوا عليها اسم (المُنطار) أي مكان النطرة (الرباط) من قبل المجاهدين، وهذا هو المعنى والاسم الحقيقي لتل المُنطار".
واعتبرت حبوش إضافة اسم آخرا بجانب اسم المُنطار كأن يقال: "الشيخ علي المُنطار"، فأكدت أن هذا الاسم يعود لشخصية تعود لبداية القرن (الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي)، أو الادعاء بأن رجلاً دينياً اسمه " ألمُن " قد " طار" أثناء تشييع جنازته واستقر فوق "التل" ومن هنا جاء اسمه " ألمُن طار"، فهذا محض هراء تناقله عوام الناس.
وقالت الباحثة في التاريخ: "في الحقبة الأيوبية، ابتدع صلاح الدين الأيوبي لأول مرة في تاريخ فلسطين ظاهرة (المواسم) الدينية موزعاً إياها توزيعاً جغرافياً، جاعلاً لكل مدينة رئيسة موسماً خاصاً بها يجمع أبناؤها وأبناء من حولها من القرى، حتى إذا ما فكر الفرنجة في العدوان على المدن، هب المحتفلون بالمواسم ضدهم، وتلك كانت الغاية العسكرية في فكرة صلاح الدين من هذه المواسم".
وأضافت: "في الفترة المملوكية زادت مكانة تل المُنطار في الوجدان الشعبي كمزار ديني ومسجد يؤمه المواطنون ورجال الطرق الصوفية، الذين ازدادت فرقهم كرد فعل للاحتلال الصليبي لفلسطين".
وتابعت: "أما في فترة الحكم العثماني لفلسطين فقد ازداد انتشار الطرق الصوفية في غزة وعُرفت ظاهرة (الخُمسان) الغزية احتفاء بمجموعة من أولياء الله الصالحين وأصحاب الكرامات في كل يوم خميس من خمسان شهري (مارس وأبريل) من كل عام".
وأكدت الكاتبة والصحفية سمر العرعير ابنة حي الشجاعية أن تل المُنطار لا يزال صامدا رغم كل ما مر به من ثورات وحروب ليكن شاهدا على واحدا من أهم أحياء مدينة غزة انه حي الشجاعية مسقط رأسها.
وقالت العرعير لـ "عربي 21": "كان تل المُنطار ولا يزال يداعب متنفس حي الشجاعية وجنته ليعيدك هذا التل العظيم إلى هنالك والذكريات حيث الطفولة، وصعوبة الصعود عليه وهو يرتفع 90 مترا عن مستوى سطح البحر".
وأضافت: "يعد تل المُنطار متنفس للكثيرين خاصة من يقطنون حي الشجاعية، فبالقرب منه شجرة الجميز تجد الحياة تعود بك إلى الذكريات والآباء والأجداد مساء كل يوم".
وتابعت: "منذ القدم شكل تل المُنطار مزارا للوافدين إليه من كل أقطار العالم، ففي عهد العثمانيين برزت أهمية تل المُنطار فاهتموا به كمزار ومسجد وتربة وغيره فقد تم وقف مساحة من الأرض شرق غزة وأطلق عليها ارض الشيخ علي المُنطار، واستمر الحال حتى قدوم الحملة الفرنسية التي احتلت غزة".
وأوضحت العرعير أن الجيش الفرنسي احتل تل المُنطار عام 1799م، فيما تمركز إبراهيم باشا ابن محمد علي على تل المُنطار عند قدومه إلى غزة .
وقالت: "أثناء الحرب العالمية الأولى وتحديدا بتاريخ 17 ـ 4 ـ 1917م حاول الحلفاء الاستيلاء على تل المنطار وطرد القوات العثمانية المتواجدة عليه، لكن فشلت قوات الحلفاء في المرة الأولى فأرسلوا حملة ثانية للسيطرة على تل المُنطار وفشلت لكنهم نجحوا في النهاية بالاستيلاء على تل المُنطار بعد أن فقدوا 2000 جندي".
وأضافت: "بعد احتلال فلسطين اندلعت ثورات ضد الاحتلال البريطاني، واستغل الثوار موسم خميس المُنطار وأعلنوا عنه بدء العصيان والثورة على بريطانيا وخلع الشباب الطرابيش من فوق رؤوسهم واستبدلوها بالكوفية وكان تل المنطار مركزا لقيادة الثورة أثناء ثورة 1936م".
وتابعت: "أثناء حرب 1948م لجأ المتطوعون الذين شاركوا إلي جانب أبناء الشعب الفلسطيني للقتال ضد العدو الصهيوني إلى تل المنطار، وتمكنوا من مهاجمة مستوطنتي نيرون إسحاق، وبيئري انطلاقا منه، ووصلت القوات المصرية إليه خلال الحرب وتمركزت فيه".
وأوضحت الكاتبة والصحفية الفلسطينية انه بعد هزيمة العرب في حرب 48 تم توقيع اتفاقيات الهدنة، وظل تل المُنطار مركزا للمقاومة حتى بعد احتلال قطاع غزة عام 1967م ودارت معركة في منطقة المُنطار والأهالي وبعض القوات المتواجدة في هذه المنطقة واستشهد عدد من أبناء حي الشجاعية، واستمر المُنطار مركزا للمجاهدين أثناء الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م (انتفاضة الحجارة) ولا زال شاهد على عروبة المكان وعزيمة سكانه.
وقالت: "كما كان تل المُنطار يحتوي على ما يعرف بـ (الحاوز) وهو مبنى ضخم كخزان للمياه كثيرا ما كان يجد أهالي الحي ضالتهم إليه حال انقطاع المياه فترة تواجد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".
وأضافت: "تم عام 1994م بناء مبني للتلفزيون الفلسطيني على تلك التلة ووضع برج إرسال عليه وكان مقرا لإذاعة صوت فلسطين، ولكن وفى العام 2000م قصفت طائرات الاحتلال هذا المبني وخزان المياه وتم تسويتهما بالأرض".
وشددت على أن تل المُنطار ظل محطة لتوافد الرحلات المدرسية إليه لرؤية غزة من هناك، ولكن في الفترة القليلة الماضية تم فرز تلك المنطقة لإحدى العائلات كون ملكيتها تعود لها.
وطالبت الكاتب والصحفية بضرورة تسليط الإعلام الضوء على تل المُنطار وإبرازه للأجيال القادمة لأهميته التاريخية.
وأعربت عن أملها في أن يتم استغلال هذا التل الاستغلال الأمثل لعمل مرافق عامة ومزارات سياحية لأنه يحكي تاريخ وهوية غزة.