من أكثر
القضايا هيمنة وإلحاحا في الواقع
الفلسطيني، منذ العام 2006، قضية
الانقسام على
الساحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، والتي تهيمن على مختلف الأصعدة والأجواء الفلسطينية،
بمساحة بحث شاسعة عن الوحدة الوطنية، وبتحولها لمرتع من المزايدات بعيداً عن الواقع
الفلسطيني وعن العقد المستعصية ذات الأثر العميق على القضية الفلسطينية، وعلى
عملية الصراع مع المشروع الصهيوني الآخذ بالتمدد على الأرض؛ عدواناً واستيطانا
وتهويدا وتطبيعا. وما تراكم في السنوات المريرة الماضية من عمر الانقسام، وعجزه عن
قراءة مدلولات الشرخ الكبير والشرذمة، وضياع مزيد الأرض بالتعلق بأهداب سراب سياسي
وبأوهام أملٍ للخروج من المأزق، ما هو إلا صورة خطيرة من صور وضع خانق يعيشه الشعب
الفلسطيني وحركته الوطنية وفصائله وسلطته ومنظمته.
لا
نعتقد بوهمٍ للحظة واحدة، أن إنهاء الانقسام الفلسطيني سيكون حلاً سحرياً لمعضلات
العمل الفلسطيني المثقل بشوائب أوسلو مع الانهيارات العربية الغارقة تغولاً
بالاستبداد، ومضافة لمعيقات عديدة شلت من قدرة قضية فلسطين ردحاً طويلاً وقوياً من
زمن الصراع. لكن مراوحة الواقع الفلسطيني في المكان عينه من الشرخ والشرذمة يخلق
عجزاً عن أداء مهام تاريخية مناطا بها نضال مضنٍ وشاق لشعب يرزح تحت
الاحتلال،
ويواجه حركة استعمارية بغياب أقل شروط الوحدة الوطنية، رغم توفر كل شروط المواجهة
التي يتردد في خوضها من احتكر القرار السياسي والأمني مع إيمانه المطلق بعدم جدوى
المواجهة وضعف مردودها.
مراوحة الواقع الفلسطيني في المكان عينه من الشرخ والشرذمة يخلق عجزاً عن أداء مهام تاريخية مناطا بها نضال مضنٍ وشاق لشعب يرزح تحت الاحتلال، ويواجه حركة استعمارية بغياب أقل شروط الوحدة الوطنية، رغم توفر كل شروط المواجهة التي يتردد في خوضها من احتكر القرار السياسي والأمني مع إيمانه المطلق بعدم جدوى المواجهة وضعف مردودها
تمكن
المشروع الصهيوني من توسيع دائرة عدوانه والاستخفاف بالضحايا وحقوقهم، بل والقفز
عنهم وعنها بتحقيقه اختراقات على الجبهات العربية بالتطبيع معه بذرائع مشوهة
للقضية والشعب الفلسطيني.
تحت ضغط
اقتراب موعد "القمة العربية" المقبلة في الجزائر، تعود حمى المواسم
للحديث عن
المصالحة الفلسطينية ووساطة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أعلن عن
احتضان بلاده اجتماعا لمنظمة التحرير الفلسطينية، قبل القمة العربية المرتقبة في تشرين
الثاني/ نوفمبر المقبل.. موسم يتكرر الحديث عنه منذ 15 عاما، أقرت فيه عدة اتفاقات
للمصالحة، وحمل اسم عواصم وأمكنة عربية شهدت حمى من التفاؤل الذي سرعان ما يزول
عند انتهاء موسم الحدث.
أسباب
الفشل والعجز بديهية استفاض في شرح تفاصيلها كل النخب الفلسطينية، بما فيها
المحسوبون على أطراف الانقسام وعلى السلطة والمنظمة والفصائل. فقبل الحديث عن
لقاءات تجمع كل مرة فتح وحماس مع مصافحات وابتسامات وتصريحات مشبعة بالتفاؤل
المفقود باليوم التالي، لا يجري الحديث والاتفاق على طرح جدي لخطوط برنامج سياسي
واضح يعلي مكانة المؤسسات الفلسطينية (المنظمة والمجلس الوطني والمركزي)، ولا
لمراجعة قوية ونقدية لمسيرة سياسية فاشلة بمواجهة إسرائيل، باعتراف من يمضي بها
رغم فشل كل رهاناته، والتمسك بالمضي قدماً بهذا النهج الكارثي الذي أتى على كل
الهياكل الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة والفصائل.
قبل الحديث عن لقاءات تجمع كل مرة فتح وحماس مع مصافحات وابتسامات وتصريحات مشبعة بالتفاؤل المفقود باليوم التالي، لا يجري الحديث والاتفاق على طرح جدي لخطوط برنامج سياسي واضح يعلي مكانة المؤسسات الفلسطينية (المنظمة والمجلس الوطني والمركزي)، ولا لمراجعة قوية ونقدية لمسيرة سياسية فاشلة بمواجهة إسرائيل
وبتمحور
الحديث والعمل باستمرار على تجريب الفشل بعيداً عن قواعد واضحة وعلمية تنقذ ما
تبقى من مشروع حركة التحرر الوطني الفلسطيني، يصبح الحيز المشترك الذي تقف عليه كل
الأطراف الفلسطينية هشاً من أجل خطوة ترتيب الأوضاع الفلسطينية، وغير قادر على
استيعاب فكرة المراجعة والتحصين لأنها تتطلب التخلي عن كثير من المكاسب التي
حققتها بعض الأطراف، بما فيها حركتا فتح وحماس، مع السلطة الفلسطينية، ودونما
الحاجة لأية تفاصيل تكسب إسرائيل وبعض النظام الرسمي العربي المتحالف معها من هذه
الهشاشة بتمرير مشاريع التصهين والتطبيع ودعم المستعمرات على الأرض الفلسطينية
المحتلة.
الإطلالة
على الواقع العربي والفلسطيني، تفترض أن تحمل أكثر الأسباب قوة ورغبة حقيقية في
انهاء التشرذم الفلسطيني، بعيداً عن مجاملات منح هذا النظام الرسمي العربي أو ذاك
رعاية موسمية لرأب الصدع، وبدلاً من الذهاب إلى الجزائر أو القاهرة وموسكو وعمان
ومكة وطهران والرباط وبيروت لبحث آفاق مصالحة فلسطينية، يُمكن الذهاب نحو البيت
الفلسطيني والشارع قبل ذلك والتحصن، به ثم الذهاب لكل الاتجاهات باستراتيجية
فلسطينية تحمل الحد الأدنى من الوحدة لاستعادة التأثير فلسطينيا وعربياً ودولياً.
استمرار هذه المعضلة، واستمراءها بهذا الشكل المهين لنضال الشعب الفلسطيني وتضحياته اليومية، يجعل من الاستيطان والتهويد والعدوان اليومي، وهي ثوابت معهودة في برنامج المؤسسة الصهيونية، لا يمكن مواجتهها بفقدان الفلسطينيين ثوابت مماثلة على الأرض وفي سياستهم، بعيداً عن لفظية الشعارات والبيانات
لكن
استمرار هذه المعضلة، واستمراءها بهذا الشكل المهين لنضال الشعب الفلسطيني
وتضحياته اليومية، يجعل من الاستيطان والتهويد والعدوان اليومي، وهي ثوابت معهودة
في برنامج المؤسسة الصهيونية، لا يمكن مواجتهها بفقدان الفلسطينيين ثوابت مماثلة
على الأرض وفي سياستهم، بعيداً عن لفظية الشعارات والبيانات، وبعيداً عن قواعد
صريحة وواضحة لمفاهيم المصالحة الذاتية والمواجهة الفعلية للسياسات العدوانية
لإسرائيل على الشعب الفلسطيني.
ستبقى
هبّات المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية موسمية ومتعثرة وفوقية ودون أثر فعلي، بغض
النظر عمن يرعاها دون شعبها، فليس من مصلحة الاستبداد العربي ولا الاحتلال
الإسرائيلي ولا كل القوى المعادية لتحرر فلسطين؛ أن تكون هناك وحدة فلسطينية تبحث
عن حرية، بينما مصلحة الاحتلال والاستبداد نقيضة لهذه الآمال. وللأسف.. هناك أطراف
عربية وفلسطينية حليفة للاستبداد والاحتلال، وتتحدث عن رعاية القضية.
twitter.com/nizar_sahli