التهويد الديموغرافي والمشاريع
الاستيطانية
تناولنا في المقال السابق، تطورات التهويد على الصعد الدينية والثقافية
والعمرانية في
القدس المحتلة، وما حاولت سلطات
الاحتلال فرضه بالتزامن مع مسيرة
الأعلام التهويدية وغيرها. وفي المقال الآتي نتناول مسار التهويد الديموغرافي؛ من
هدمٍ لمنازل
الفلسطينيين في القدس المحتلة، وإقرار المشاريع الاستيطاني، ما يؤشر
إلى أن الاحتلال يمضي قدماً لرفع أعداد مستوطنيه في المدينة المحتلة، في مقابل
محاولاته لخفض أعداد المقدسيين، عبر حرمانهم من السكن، ودفعهم للخروج من القدس
المحتلة.
التهويد
الديموغرافي: حرمان المقدسيين من السكن ورفع حجم البناء الاستيطاني
لا تتوقف آلة
الاحتلال التهويدية عن استهداف الوجود السكاني في القدس المحتلة، وتتلخص
استراتيجية الاحتلال في رفع أعداد المستوطنين في مقابل تقليل أعداد الفلسطينيين،
من خلال مجموعة من الاعتداءات أبرزها هدم منازلهم وحرمناهم من السكن، وعرقلة بناء
منازل جديدة لدفعهم نحو السكن خارج القدس المحتلة، في مقابل دعم الوجود الاستيطاني
عبر المشاريع الاستيطانية الضخمة داخل المدينة المحتلة وفي المستوطنات التي تحيط
بها، وتسهيل حصول المستوطنين على وحدات استيطانية، وما يتصل بذلك من إنشاء بؤر
استيطانية في قلب المدينة المحتلة، وفي سياق قراءة المشهد المقدسي، سنركز على
مسارين أساسيين، هما مسار هدم منازل المقدسيين ومسار المشاريع الاستيطانية.
مسار
هدم منازل المقدسيين ومنشآتهم
شهد النصف الأول من عام 2022 استمراراً لسياسة الاحتلال في هدم منازل
الفلسطينيين ومنشآتهم، إذ تشكل هذه السياسة محاولة لطرد الفلسطينيين من مناطقهم،
وحرمانهم من السكن، ودفعهم للخروج من القدس المحتلة، ضمن مسار التهويد
الديموغرافي، الذي تسعى من خلاله سلطات الاحتلال لأن ترسخ أغلبية استيطاني.
وحول أعداد المنشآت المهدمة في القدس المحتلة، ففي 5 تموز/ يوليو
2022 كشف تقرير صادرٌ عن مركز معلومات وادي حلوة أن سلطات الاحتلال هدمت في الأشهر
الستة الأولى من عام 2022 نحو 80 منزلاً ومنشأة فلسطينية، من بينها 37 عملية هدم
نفذها أصحابها بضغطٍ من سلطات الاحتلال، وتجنباً للغرامات الباهظة، إذ يتم تهديد أصحاب المنازل بتحميلهم تكاليف هدمها التي
تصل إلى عشرات آلاف الشواكل، ما يفاقم معاناة الفلسطيني، بين خسارة منزله، وتحميله
مبالغ طائلة لا قبل له بها.
وإلى جانب
استخدام الهدم لحرمان الفلسطيني من مكان السكن، يُعد الهدم أداة لحرمان الفلسطيني
في القدس المحتلة من مصدر الرزق، إذ تهدم سلطات الاحتلال العديد من المنشآت ذات
الطابع التجاري، ما يترك أصحاب هذه المنشآت ومن يعمل لديهم من دون مصادر للدخل.
ومن أمثلة ذلك في النصف الأول من العام، في 2 آذار/ مارس 2022 هدمت جرافات بلدية
الاحتلال محطة وقود في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، بذريعة البناء من دون
ترخيص، وأفاد صاحب المحطة أنها تعيل 30 عائلة في البلدة، وأن عملية الهدم تمت من
دون إنذار مسبق، ولم تكتف سلطات الاحتلال بالهدم، بل صادرت محتويات خزانات المحطة،
وهذا ما فاقم خسارة صاحبها.
مسار
المشاريع الاستيطانية
يأتي البناء
الاستيطاني ليكون العنصر المقابل لهدم منازل الفلسطينيين، في إطار إفساح المجال
لمزيدٍ من المستوطنين للسكن في المدينة المحتلة، وتعزيز الوجود الاستيطاني في
القدس المحتلة والمناطق المحيطة بها، ويعد البناء الاستيطاني ثابتاً رئيساً في
سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة.
ومن أبرز مشاريع
البناء الاستيطاني التي أقرتها سلطات الاحتلال، ففي 5 كانون الثاني/ يناير 2022
صادقت "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال، على عددٍ من
المخططات الاستيطانية، تتضمن بناء 3557 وحدة استيطانية جديدة، وإنشاء حي استيطاني
جديد يشمل 1465 وحدة استيطانية، يقع بين مستوطنتي "جفعات هماتوس"
و"هار حوما" جنوب القدس المحتلة، إلى جانب بناء نحو 2092 وحدة في
مستوطنة "التلة الفرنسية" وسط القدس المحتلة.
وفي 3 شباط/
فبراير 2022 أقرت "لجنة التنظيم والبناء" التابعة لبلدية الاحتلال، خطة
لبناء 1500 وحدة استيطانية بين مستوطنتي التلة الفرنسية والجامعة العبرية، على
مساحة 150 دونماً. وتتضمن الوحدات الاستيطانية نحو 500 غرفة سكنية للطلاب اليهود،
إضافةً إلى أبراجٍ سكنية، ومبانٍ خدمية.
ولم تكتف سلطات
الاحتلال ببناء الوحدات الاستيطانية الاعتيادية، بل تعمل على بناء أبراج ضخمة،
تشوه مشهد القدس المحتلة، وتغير طبيعة المدينة التاريخي ووجهها الحضاري. ففي 5
شباط/ فبراير 2022 كشفت وسائل إعلام عبرية، أن سلطات الاحتلال تستعد لبناء 5250
وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة. وبحسب معطيات عبرية، ستطلق وزارة
"البناء والإسكان" في حكومة الاحتلال أعمال بناء أبراجٍ سكنية قرب قرية
المالحة المهجرة، وتتضمن أعمال البناء مباني تجارية وأخرى فندقية.
وفي سياق الأبراج
كذلك، أقرت سلطات الاحتلال في 25 آذار/ مارس 2022 خطةً لبناء أبراج استيطانية في
مدخل حي الثوري، ضمن المنطقة الصناعية "تالبيوت"، ويتألف البرج من 30 طبقة.
وبحسب القائمين على المشروع سيشرف البرج على شطري المدينة المحتلة، ويضم 149 وحدة
استيطانية، إضافةً إلى مركز تجاري ومراكز خدمية.
أما على صعيد
مشاريع البنية التحتية للاستيطان، فقد شهدت السنوات الماضية تصاعداً في المشاريع
الخاصة بالبنية التحتية للاستيطان، التي تفتح المجال أمام استجلاب المزيد من
المستوطنين إلى المدينة المحتلة، وترسخ عزلهم عن الفلسطينيين وأحيائهم.
ومن أضخم هذه
المشاريع ما أقرته لجنة المال التابعة لبلدية الاحتلال في 8 شباط/ فبراير 2022، إذ
صادقت على عددٍ من مشاريع البنية التحتية في المدينة التحتية، بميزانية تقدر بنحو
مليار شيكل (نحو 310 ملايين دولار أمريكي). وبحسب المعطيات تتضمن المخططات إقامة
بنى تحتية جديدة، وشبكة طرقات، وتوسيع خط القطار الخفيف، من أجل ربط المستوطنات في
شرقي القدس بالأحياء الغربية في المدينة المحتلة.
وعلى الرغم من
ضخامة المشاريع السابقة، إلا أن شهية الاحتلال مفتوحة لمزيد من التهويد والاستيطان.
فقد كشفت صحيفة "
إسرائيل اليوم" العبرية في منتصف شهر حزيران/ يونيو، عن
مخطط لإقامة "حديقة وطنية" على مساحة تبلغ نحو مليون دونم بين القدس
المحتلة والبحر الميت.
وتهدف الخطة إلى
تغيير معالم المنطقة وتحويلها إلى وجهة للمستوطنين. وبحسب الصحفية فإن القائمين
على المشروع أنهوا وضع الخطط اللازمة، وبدأوا في البحث عن شركاء في التنفيذ. وسيضم
المشروع شبكة من المطاعم المتنقلة، إضافةً إلى مجمع فندقي ومرافق خدمية مختلفة.
وبحسب متابعين، يستهدف المشروع بادية القدس التاريخية بالكامل.