كتاب عربي 21

عمرو حمزاوي ومحمد صلاح!

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600

يعجبني أداء اللاعب المصري محمد صلاح، أداء عجيب.. لا يملك شراسة إبراهيموفتش، ولا مهارات ميسي، ولا مثابرة رونالدو.. ولكنه يملك شيئا آخر يمكن أن نسميه "بساطة الحرفنة" باللهجة المصرية.

محمد صلاح يقوم بما يشبه المعجزات الكروية، ولكن ببساطة، تشاهده فتشعر أن كرة القدم لعبة بسيطة جدا، تكاد تتوهم أن بإمكانك أنت شخصيا أن تقوم بما يقوم به صلاح.

بعكس اللاعبين الآخرين الذين ذكرتهم، تشعر ـ أو أشعر أنا ـ أن ما يقومون به في غاية الصعوبة والتعقيد.

صلاح له لمساته الخاصة، لمسات لا يستطيع شخص سواه أن يفعلها.. هكذا أراه !

طبعا كلامي السابق هو اعتداء صريح على مجال آخر لست مؤهلا للخوض فيه، ولكن في النهاية هذا ليس تقريرا فنيا سيؤثر في سعر انتقال صلاح من نادٍ لآخر!، لذلك لا بأس أن يخوض شاعر في هذا الأمر، ونحن المصريين شعارنا في الحياة أننا (نخوض مع الخائضين)، وعشمي أن يسامحني القارئ الكريم.

***

دائما ما شعرت أن هنالك شبها ما بين محمد صلاح لاعب نادي ليفربول الإنجليزي، وبين الأستاذ الدكتور عمرو حمزاوي لاعب "نادي كارنيجي" الأمريكاني!

هو أيضا مختلف عن السياسيين المصريين، فهو لا يملك سماجة حمدين، ولا تصنع عمرو موسى، ولا تفاهة السيد البدوي، ولا بذاءة رفعت السعيد.. والخ.

هناك أوجه تشابه بين الرجلين.. في البداية لا تنكر أن طريقة تصفيف الشعر متقاربة.. هل تنكر؟ إنها الطريقة نفسها تقريبا.

كما أن للدكتور عمرو بعض اللمسات السحرية الخاصة، مثل صلاح.. أتذكر في وقت تألقه أيام انتصارات الثورة المصرية في عام 2011م كيف أعاد اعتبار المرأة المصرية للخطاب السياسي من خلال إصراره على لازمته الشهيرة (المواطنات والمواطنين.. المصريات والمصريين)، والحقيقة أن ذلك لفت نظر كثير من السياسيين إلى ضروة استحضار "التأنيث" بشكل ما.. نصف المجمتع، ونصف الأصوات!

من المشترك بينهما أيضا "المراوغة"، فقدرة عمرو على "المراوغة السياسية"، لا تقل عن قدرة صلاح على "المراوغة الكروية"، كلاهما مراوغ بارع.. (ولعل ذلك قد ظهر مؤخرا).

أما أكثر مظاهر التشابه بينهما.. فهي المهارات الدفاعية، محمد صلاح يملك مهارات دفاعية رائعة، وهو يقوم بواجباته الدفاعية في خطة المدرب بشكل ممتاز، ولكن بالطبع لا أحد يسلط الأضواء على هذا الأمر، فالتركيز كله على الأهداف، وعلى الدور الهجومي.

الدكتور حمزاوي.. أظهر مهارات دفاعية رائعة في يوليو 2013م حين وقف يدافع عن الديمقراطية، واصفا ما حدث بأنه انقلاب عسكري.. أرجوك عزيزي القارئ.. لا تنكر أنه كان في تلك اللحظة "قلب دفاع" نادي الديمقراطية !

هذه ربما تكون أوجه اتفاق بين "النجمين"، ولكن هناك خلافات كبيرة بين الرجلين، لعل الأحداث أظهرتها مؤخرا بشكل أكبر.

 

صلاح لم يعتبر حديث الناس عن انتقاله من ناد لآخر مشكلة.. أما السيد حمزاوي.. فيعتبر محاولات تفسيرنا لانتقاله من قلب دفاع نادي الديمقراطية إلى حارس مرمى نادي الاستبداد ـ أثناء المباراة ـ تطاولا، واعتداء عليه.. وهذا أمر مضحك، إذ كيف يتخيل أن لا يحاول المتابعون والمراقبون تفسير هذه التصرفات الأكروباتية التي يشاهدونها!؟

 



***

أول الخلافات أن صلاح يعتبر وجوده في الخارج رصيدا له، ويعتبر وجود أي لاعب مصري خارج مصر إضافة للكرة المصرية، وللمنتخب.. أما السيد حمزاوي فقد لاحظت أنه قد بدأ يُعَيِّرُ زملاءه اللاعبين (السياسيين) بوجودهم في الخارج، ويتهمهم باتهامات عجيبة، وهي اتهامات في مخيلته هو..

هو يقول (إن التغيير من الخارج فاشل)، وكأننا نقول إننا سنغير من الخارج، والحقيقة أن هذا كلامه هو، هو يزعم، وهو يرد على نفسه.. وأحب أن أطمئن الدكتور حمزاوي، وجودنا في الخارج مؤقت، مثلما كنت أنت في الخارج لسنوات طوال، نحن لن نغير مصر من الخارج، سنغيرها من الداخل، بأيادي شعبنا العظيم الذي يعرف منزلتنا، كما يعرف منزلة محمد صلاح رغم وجوده خارج البلاد.

أنا شخصيا ولدت خارج مصر، وعشت في الخارج زمنا طويلا، لم أكن مختارا، ثم عدت إلى مصر (باختياري) لكي أساهم في التغيير، وأنا الآن للمرة الثانية خارج مصر (ولست مختارا أيضا)، وأعدك يا عمرو أنني سأعود، وسأساهم في تغيير مصر، هذا وعد عليّ.. إذا مدّ الله في عمري.

***

من أوجه الاختلاف بين الاثنين أيضا أن صلاح مركزه ثابت، فهو مذ خلقه الله مهاجم، جناح أيمن، وأحيانا يميل إلى مركز رأس الحربة، أما السيد حمزاوي فقد غير مركزه من "مدافع" عن الديمقراطية، يمرر الكرات السياسية إلى خط الهجوم على الاستبداد، إلى حارس مرمى نادي الدكتاتورية، وليس هذا أغرب ما في الموضوع، بل الغريب العجيب أنه غيّر موقعه من الفريق الأول إلى الفريق المضاد أثناء المباراة.. وهذا ما يدعونا للاستغرب !

***

من أوجه الاختلاف بينهما أن صلاح فخور بتاريخه، لا يتنكر لبداياته البسيطة، لا يعتبر لعب الكرة في الشارع عيبا، لا يتناسى أنه بدأ في أشبال نادي المقاولين العرب.. تاريخ صلاح يزيده تألقا وجمالا.. 
بعكس الدكتور عمرو، تاريخه يبديه في شكل آخر.. فهو يصرح مثلا في ديسمبر عام 2012م أن جبهة الإنقاذ تشترط تعديل الدستور قبل الحوار مع الرئاسة، بينما هو اليوم يشترط على المعارضين أن يوافقوا على دستور كتب بالدم والحديد والنار.. قبل بدأ الحوار.

في الثامن والعشرين من يناير 2013م صرّح اللاعب السياسي عمرو حمزاوي قائلا: "على مرسي إعلان قبول تعديل الدستور قبل الحوار" !

ويبالغ ويقول: "رفضنا حوار مرسي لتجاهله كيان الجبهة، وغياب الضمانات" !، أي والله قالها، نفس اللاعب، في نفس الملعب، ولكن كانت ظروف التحكيم والجمهور مختلفة !

الدكتور حمزاوي.. تاريخه يلاحقه.. فيبدو كشخص متناقض، انتهازي، وصولي.. أما صلاح فيبدو مكافحا.. عصاميا.. نموذجا للجد والاجتهاد..

***

محمد صلاح كان يرغب في ترك نادي ليفربول، وهذا من حقه، فالعلاقة مع النادي ليست علاقة قائمة على المبادئ مثلا، نادي ليفربول ليس ديانة، أو عقيدة.. إنه مجرد ناد رياضي، من حق صلاح أن ينتقل إلى أي ناد آخر، بل الطبيعي أن ينتقل كل فترة، من مصلحته كلاعب أن يثري تجربته بالانتقال بين الأندية والدول المختلفة.

 

قوانين الحياة واحدة، وحتى محمد صلاح سيشطب من تاريخ أمجاد اللعبة، ولن يتعاقد معه أحد، وسيصبح شخصا بلا قيمة ـ رغم كل مواهبه ـ إذا أصرّ على إحراز الأهداف في فريقه.. لا في الفريق المنافس..

 


 
صلاح كان يرغب في ترك النادي، فهو يرغب في التغيير، ويرغب أيضا في أن يكون النجم الأوحد، أو بمعنى أدق يرغب صلاح في أن يذهب لناد كبير يتعامل معه على أنه النجم الأوحد، بحيث يتم بناء الفريق كله على أساس وجوده هو في الفريق (شكرا للمحلل الرياضي الأستاذ حذيفة زوبع الذي أفادنا بهذا التحليل).

أما السيد حمزاوي فقد ترك نادي الديمقراطية (وهو معتقد ومبدأ)، فالعلاقة بينه وبين هذا "النادي" مقدسة، ليست كعلاقة صلاح مع ليفربول.. وذهب إلى نادي الاستبداد، والغريب أنه كان في موقعه في نادي الديمقراطية نجما، وقبل أن يذهب في درجة أقل بكثير في نادي الدكتاتورية.. لقد ذهب إلى ناد آخر، لكي يخدم نجما فاشلا، في ناد لا يحقق أي بطولات، بل إنه انتقل إلى هذا النادي في وقت يوشك فيه على الانهيار، صفقة مجانية لا طائل من ورائها، يبدو أن صلاح أذكى في اختياراته في البقاء أو الانتقال بين الأندية..

***

في نهاية المقالة أحب أن أوضح أنني لا مشكلة لدي مع الدكتور حمزاوي، فلكل شخص اختياراته في الحياة، هناك من يتحمل "خشونة ملاعب السياسة"، و"الإصابات" البالغة التي تتسبب فيها لعبة التغيير السياسي، وهناك من لا يتحمل، يخاف على شعره المصفف، يخاف أن تقل مكاسبه في الحياة، يخاف على أسلوب حياته، يخاف أن يضحي دون أن يجني الثمار !

كل مشكلتي مع السيد حمزاوي هو الفارق الأخلاقي بينه وبين صلاح !

وهذا هو الفارق الأخير بين الإثنين.. صلاح لم يعتبر حديث الناس عن انتقاله من ناد لآخر مشكلة.. أما السيد حمزاوي.. فيعتبر محاولات تفسيرنا لانتقاله من قلب دفاع نادي الديمقراطية إلى حارس مرمى نادي الاستبداد ـ أثناء المباراة ـ تطاولا، واعتداء عليه.. وهذا أمر مضحك، إذ كيف يتخيل أن لا يحاول المتابعون والمراقبون تفسير هذه التصرفات الأكروباتية التي يشاهدونها!؟

ويبدو أن السبب في اختلاف رد الشخصيتين هو أن صلاح يعتبر انتقاله من ليفربول حقا طبيعيا، لا غضاضة فيه.. لا عار في الانتقال من ناد لآخر.. لن تجد مشجعا يعيّر صلاح لأنه ترك ليفربول إلى أي ناد آخر !

أما السيد حمزاوي.. فيعرف في قرارة نفسه أن ما قام به شيء مختلف تماما !

في النهاية.. قوانين الحياة واحدة، وحتى محمد صلاح سيشطب من تاريخ أمجاد اللعبة، ولن يتعاقد معه أحد، وسيصبح شخصا بلا قيمة ـ رغم كل مواهبه ـ إذا أصرّ على إحراز الأهداف في فريقه.. لا في الفريق المنافس..

أتمنى أن يتعظ السياسيون !

موقع الكتروني :  www.arahman.net


التعليقات (5)
مخمد نور
الإثنين، 18-07-2022 12:33 م
سواء ان كنت انت ام عمرو حمزاوي..من وكللكم بالتغيير ومن وكللكم بالدفاع عن الدكتاتوريه..من قال لكم ان الشعب المصري قاصر علشان حضراتكم تتولوا امره وتتكللموا بالنيابه عنه...المصريين اذا عايزين تغيير هيقدروا يغيروا زي ما غيروا قبل كده..وإذا انت قلت انهم عايزين يغيروا بس مش قادرين وانا عارف انك هتقول كده فهتكون بتضحك مش على الناس لا هتكون بتضحك على نفسك لانك عارف انهم قبل كده غيروا الاصعب..ولانك عارف كمان ان الشعب اذا عايز يغير مافيش حاجه هتقدر تمنعه..كرتكم فشت وريحتكم طللعت.
The Physicist
الإثنين، 18-07-2022 09:16 ص
10\10
حمزة
الأحد، 17-07-2022 08:27 م
مقال أكثر من رائع ، وتحليل جميل جدا لشخصية حمزاوي ، وأعتقد أن أمثاله كثر في العالم العربي سواء كانوا علمانيين أو اسلاميين احترامي استاذ عبد الرحمن
محمود النجار
الأحد، 17-07-2022 01:27 م
مقالة أكثر من رائعة
الكاتب المقدام
الأحد، 17-07-2022 12:54 م
*** كاتب المقالة عبد الرحمن يوسف القرضاوي، له مكانة خاصة، ليس لكونه فقط ابن الشيخ يوسف القرضاوي أحد أهم اعلام العرب المعاصرين في علمه وصدق جهاده اطال الله في عمره، وليس لكونه كاتباُ مميزاُ صاحب فكر ورأي اكتسب مكانته باجتهاده الشخصي، ومن المؤكد ليس لكونه شاعراُ، وتلك الأخيرة بسبب تقصيرنا نحن في تتبع الحركة الشعرية المعاصرة، فالأهم من كل ذلك هو كونه إنسان صاحب مبادئ سامية دفع ثمناُ كبيراً لثباته عليها هو وأمثاله ممن كانوا وما زالوا في مقدمة صفوف الثورات العربية ضد الظلم والفساد والاستبداد والعمالة والتخلف، ونتوقع أن يكون لهم دور أكبر في الإصلاح في المستقبل القريب بإذن الله، هذا التقريظ المطول سببه هو اكتشافي مؤخراُ حساسية بعض الكتاب لأي نقد من المعلقين، رغم أن النقد دليل اهتمام بالكاتب وتقدير له ولمكانته، نأتي لقصة حمزاوي هذا، فالإشادة به وبدوره في بداية المقالة في غير محلها، ويبدوا أن الكاتب قد تأثر في تقييمه بأهمية حمزاوي هذا بعلاقة شخصية به، فالثورات ترفع لفترة قصيرة بعض الشخصيات لتضعهم في بؤرة الشهرة بالصدفة، أو غالباُ ما يكونون شخصيات مزروعة يتم تليمعها بواسطة الأذرع الإعلامية لدور يعدون له، ثم بمرور وقت قصير تنفضح، والبرادعي مثالاُ لهؤلاء، كما أن حمزاوي مثال آخر فقد انفضح مبكراُ، ومقالاته تبدوا كموضوعات الإنشاء والتعبير لتلاميذ المدارس التي لا طعم لها ولا لون، واحاديثه كلام مرصوص بلا معنى، ولا يقدم فيها أي فكرة جديدة ذات مغزى، وعموماُ فالعصابة الانقلابية الحاكمة بعد أن ضاقت دائرة المنتفعين منها بالتصفيات التي أملتها الصراعات على المغانم، وبعد أن خبت شعبيتها بين السذج والدهماء الذين تدهورت أحوالهم المعيشية، فتفتق ذهنهم عن مسرحية حوار السيسي الوطني هذا، وهو الذي دأب على التحدث لمستمعيه من قفاه، ويهتم بحشد جمهور غفير ليصفقوا ويزغردوا له لإرضاء غرورة ونرجسيته، فعملوا على حشد من بقي من مؤيديهم بالترغيب والترهيب من أجل المشاركة في تلك الملهاة لإلهاء الشعب بها لفترة اطول، ونتيجتها المؤكدة ستكون مسرحية هزلية تزيد من فضح نياتهم الخبيثة، فهم لم يستطيعوا إلا تجميع مجموعة من اراجوزات الفكر المتقلبين كحمزاوي هذا وأمثاله، فهرولة أمثال حمزاوي للحوار لم يكن مفاجأة، فتقلبه من النقيض للنقيض قد ظهر من أيام الثورة الأولى، وإن خفي دوره المرسوم على بعض حسنوا النوايا ككاتب المقال، ولا نقول السذج حتى لا نثير علينا حفيظة الكاتب.