أفكَار

هل انتهت قصة الربيع الديمقراطي في العالم العربي؟ نقاش هادئ

هناك حاجة ماسة إلى نقد أطروحة الربيع العربي، والتأسيس لوعي ديمقراطي يؤمن بضرورة التكامل بين الدولة والمجتمع
هناك حاجة ماسة إلى نقد أطروحة الربيع العربي، والتأسيس لوعي ديمقراطي يؤمن بضرورة التكامل بين الدولة والمجتمع

تعرضت صيرورة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية لضربة قوية بعد الارتدادات التي سجلت في بلدان "الربيع العربي".. فقد شهدت مصر تحولا عنيفا ودراماتيكيا، استعاد بموجبه الجيش موقعه في هرمية السلطة مستأنفا نمط الحكم الذي ساد في مصر منذ سقوط النظام الملكي واستيلاء الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر على السلطة، بحيث لم تكن فترة حكم الرئيس مرسي (رحمه الله) كأول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية سوى نبتة حائطية سرعان ما تم استئصالها لفائدة نمط الحكم السابق...

وتمر تونس التي انطلقت منها شرارة الربيع العربي بأزمة سياسية حادة يظللها مناخ من التوتر المستدام منذ 25 تموز (يوليو) الماضي بعد القرارات المثيرة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في مواجهة البرلمان وفي مواجهة القضاء والأحزاب السياسية والشخصيات المؤثرة، وهي قرارات تروم التحكم في مفاصل الدولة التونسية والتراجع عن مكتسبات ثورة يناير 2011، لفائدة ما يسميه "جمهورية جديدة" بدستور جديد.. والغريب أن الرئيس يتخذ هذه القرارات بشكل فردي استنادا إلى مراسيم تنظيمية تفتقر إلى الأساس الدستوري والقانوني، وهو ما يجعلنا أمام حالة من الحكم الفردي المطلق في غياب أي دور لباقي المؤسسات بما فيها المؤسسة القضائية التي يراد لها أن تتحول لأداة في يد الرئيس ليبطش بها ضد معارضيه من القوى السياسية الأخرى..

وتعيش ليبيا بعد ثورة فبراير 2011 في ظل مناخ من عدم الاستقرار، وانكشاف واضح أمام التدخلات الخارجية التي تخوض حروبا بالوكالة، وتعثر جميع المحاولات لبناء نظام سياسي عقلاني يحقق تطلعات الشعب في الحرية والكرامة والتنمية..

مرورا بحالة عدم الاستقرار التي تسود في السودان وعودة الجيش لإحكام قبضته على السياسة، وحالة العراق الذي يتخبط في حروب سياسية طاحنة مشحونة بروح الطائفية والصراعات المصلحية المغلفة بالاختلافات المذهبية مع استمرار حالة الفساد واستنزاف ثروات البلد في الوقت الذي يئن فيه الشعب العراقي من الفقر والبطالة والحرمان، دون الحديث عن حالة انهيار الدولة في لبنان وإغلاق قوس أي حديث عن إصلاح سياسي في سوريا..

 

العوامل الإقليمية والضوء الأخضر الدولي كان لهما الدور الحاسم في إجهاض مسار التحول الديمقراطي في بلدان الربيع العربي. لكن، إلى أي حد ستستمر المعطيات السياسية في المنطقة في حالة جمود وثبات؟

 



أمام هذا المشهد العربي البئيس، هل يمكن الحديث بالفعل عن انهيار أطروحة الربيع الديمقراطي في العالم العربي أو ما يسميه البعض "الخريف العربي" أو عن فشل مشروع التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، أو باختصار عن نهاية القصة..؟

الدارسون لتاريخ الثورات يفسرون التحولات التراجعية الجارية في بلدان ما يطلق عليه بالربيع العربي بأنها ارتدادات وانكسارات طبيعية في مسلسل التغييرات العميقة التي ستقبل عليها المنطقة. معنى ذلك، أننا نتابع حلقة من حلقات المسلسل ولسنا بصدد نهاية القصة.

نعم، هناك معطيات ذاتية دفعت في اتجاه اتساع الهوة بين الفرقاء السياسيين وعجزهم عن بلورة خريطة طريق متوافق عليها لبناء مرحلة انتقالية تمكن الجميع من العبور نحو الديموقراطية بشكل سلس وهادئ، لكن من المؤكد أن الاختراقات الإقليمية والدولية كان لها دور أساسي في "نجاح" ما يمكن تسميته بالثورة المضادة واستعادة الدولة العميقة لزمام المبادرة.

العوامل الإقليمية والضوء الأخضر الدولي كان لهما الدور الحاسم في إجهاض مسار التحول الديمقراطي في بلدان الربيع العربي. لكن، إلى أي حد ستستمر المعطيات السياسية في المنطقة في حالة جمود وثبات؟

يبدو بأن المنطقة مقبلة على تحولات جديدة في الأفق المنظور، بفعل الأحداث الدولية وانعكاساتها على المنطقة، نخص بالذكر هنا الحرب الروسية الأوكرانية وارتداداتها العالمية سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وهو ما نلاحظه في الآونة الأخيرة من تضخم وارتفاع مهول لأسعار المحروقات والمواد الغذائية مما أثر وسيؤثر في القدرة الشرائية للمواطنين وسيخلق جوا من الاحتقان الاجتماعي المرشح للانفجار، خصوصا في ظل عجز الاختيارات المتبعة عن امتصاص الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية على الناس..

أو على مستوى انعكاساتها المنتظرة على النظام الدولي، فكيفما كانت نتيجة الحرب فمن المؤكد أن التحالفات الدولية والإقليمية ستشهد تغييرات ملموسة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تغير في نوعية وطبيعة المحاور القائمة وسيكشف عن خريطة سياسية جديدة ستتضح معالمها حينما تضع الحرب أوزارها، وهي تحولات لا تقل أهمية عن التحولات التي عاشها العالم بعد سقوط جدار برلين وانطلاق موجة جديدة من التحرر والانفتاح السياسي سواء على مستوى أوربا الشرقية أو على مستوى المنطقة العربية والإسلامية.

الحرب الدائرة بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فوق الأراضي الأوكرانية، هي حرب تستبطن حضورا قويا لروسيا الاتحادية داخل الساحة الدولية، وهو ما يعني بأننا أمام ملامح نظام دولي جديد يذكرنا بعودة الثنائية القطبية وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن موقع الزعامة بدون منافس الذي تربعت عليه مدة عقدين من الزمان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، خصوصا إذا نجحت روسيا في تحقيق أهدافها من هذه الحرب.

المتغير الثاني الذي سيؤثر في خريطة التوازنات السياسية القائمة هو تغير قواعد الاشتباك فوق الأراضي الفلسطينية بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، وبروز مؤشرات انهيار أوفاق أوسلو لفائدة خيار المقاومة، خصوصا مع النتائج التي أسفرت عنها معركة سيف الحق ومخرجاتها الاستراتيجية، وانكشاف الحالة الأمنية الإسرائيلية وسط العمليات الفدائية التي ينفذها الفلسطينيون في عمق الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها دولة الاحتلال..

 

الحرب الدائرة بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فوق الأراضي الأوكرانية، هي حرب تستبطن حضورا قويا لروسيا الاتحادية داخل الساحة الدولية، وهو ما يعني بأننا أمام ملامح نظام دولي جديد يذكرنا بعودة الثنائية القطبية وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن موقع الزعامة بدون منافس..

 



الدول العربية والإسلامية مدعوة للتفكير في مصالحها الحيوية والاستراتيجية، خصوصا منها الدول التي دخلت في خصام مع شعوبها وأبدت حماسا غريبا لمناهضة التحول الديموقراطي في المنطقة العربية وصلت ذروتها مع إسقاط رئيس منتخب من طرف الشعب..

لابد من إعادة ترتيب الأوراق من جديد وتدشين مسلسل من المصالحة مع الذات أولا ثم مع المحيط ثانيا..

وأول هذه المراجعات عدم النظر بعين الريبة والشك إلى الوعي الشعبي الذي انطلق في المنطقة العربية حاملا مجموعة من القيم السياسية الجديدة التي يدرك من خلالها المواطن العربي أنه مواطن كامل المواطنة له الحق في اختيار الحاكم ومحاسبته، وله نصيبه من مالية الدولة وهو متصالح مع مفاهيم التعددية السياسية والحق في تأسيس الأحزاب والتنافس على السلطة بواسطة الانتخابات وتكريس المساواة بين المرأة والرجل في الحياة العامة، خصوصا في ظل ثورة الإعلام وسرعة انتقال المعلومة وما يسمح به في مجال حرية التعبير وإبداء الرأي

كل هذه المعطيات تسمح للدولة العربية أن تتفاعل بشكل إيجابي مع التحولات السياسية التي في المنطقة وذلك من منطلق البحث عن مصالحها الحيوية بالدرجة الأولى.

نعم، هناك حاجة ماسة إلى نقد أطروحة الربيع العربي، والتأسيس لوعي ديمقراطي يؤمن بضرورة التكامل بين الدولة والمجتمع والبحث في ملاءمات محلية لقيم الحرية والديمقراطية داخل بيئتنا العربية على أرضية التوافق والتفاهم وليس على أساس منطق الغلبة والصراع، بالموازاة مع الاعتقاد الجازم بأن الشعوب التي انتفضت ضد الفساد والاستبداد حتى وإن فشلت في تحقيق تطلعاتها وانتظاراتها، فإنها تتملك اليوم مجموعة من القيم السياسية التي أصبحت راسخة في وعي الجماهير لا يمكن طمسها بالمحاولات الجارية لعسكرة الوعي الجمعي وترسيخ مقولة "ليس في الإمكان أبدع مما كان"..


التعليقات (2)
مسلم عربي
الخميس، 16-06-2022 10:37 م
بحسب القاعدة الإلهية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... ليس ما يسمى "بالديمقراطية" هي الحق و العدالة و الإنصاف الذي يرضي رب العالمين و الذي أمرنا بتحكيمه فيما بيننا و في الأرض جميعا حتى ننال الخلاص المنشود.. : ‏(و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).. هذا هو الوعي و الصواب المأمول و المطلوب و ليس غيره..‏‎ ‎
نسيت إسمي
الثلاثاء، 14-06-2022 08:39 ص
1 ـ (نعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا) فيديو يوتوب د. أسامة فوزي 2867 المناهج المدرسية الامريكية في المدارس العامة منعت تدريس الدين فغابت قيم الحلال والحرام يحاول ابو نضال في هذا المقطع ان يحلل ويفسر اسباب الحوادث الاخيرة في المدارس الامريكية رابطاً هذه الاسباب بالمناهج المدرسية التي تدرس في المدارس العامة ( وليس الخاصة ) والتي تمنع تدريس الاديان في المدارس للاطفال لأن الأديان تدعو لاحترام الروح البشرية والمجتمع الذي ينتج علماء وصناعات ادت لتطور البشرية غاب عنها تعليم مبادئ الدين الصحيح. وقد بدأ يحدث ايضا في دولنا العربية بسب اهمال منظومة القيم والحلال والحرام والدين. و من المحرامات 1 تشبه الرجال بالنساء 2 تشبه النساء بالرجال 3 تغير خلق الله 4 الشذوذ الجنسي 5 المسخ الأخلاقي 6 نشر الإلحاد ولا ننسى توسع السوشال ميديا والعاب الفيديو التي تحض على العنف والقتل والتي يقبل عليها الاطفال والشباب بشراهة...بينما التجارب الإنسانيه لدى العلماء تؤكد أن الإنسان إذا لم يحكم بضوابط يصبح وحشا حقيقيا. 2 ـ (قصة الشعر بدلا من الرسالة) الفيلم الذي "أغضب" أحمد زكي.. في عام 1990، صدر فيلم "كابوريا" من بطولة أحمد زكي وإخراج خيري بشارة، ليحقق آنذاك نجاحا كبيرا. مع ذلك، تسبب رد فعل الجمهور على الفيلم في غضب أحمد زكي، حيث شعر أن المشاهدين خرجوا من قاعات السينما دون أن يدركوا رسالة الفيلم، وبدلا من ذلك خرجوا بـ"قصة شعر" جديدة، قلدها معظم الشباب في ذلك الوقت، وأصبح اسمها المتداول هو "كابوريا". بعد أيام من صدور فيلم كابوريا، قرر الصحفي أحمد عفيفي أن يجري حوارا مع زكي، ليناقشه حول كواليسه وللاستماع إلى تعليق "النمر الأسود" على ردود فعل الشارع المصري على الفيلم. يقول عفيفي: "لحظت في بداية حديثي مع أحمد زكي أنه غاضب، وكان يدخن بشراهة، وظهرت عليه علامات القلق، وبخبرتي المهنية شعرت أن فيلم "كابوريا" هو السبب". ويضيف الصحفي المصري لموقع سكاي نيوز عربية: "كان أحمد زكي ينتظر رد فعل أقوى من الجمهور، لا يتوقف عند قصة شعر بطل القصة "حسن هدهد"، بل يصل إلى إدراك رسالة الفيلم، ليشعر المشاهد بالصراع الذي تعبر عنه القصة، التي يعيشها عديد من الشباب المصري، وأخبرني أن فريق العمل بذل مجهودا كبيرا جدًا ليكون المنتج النهائي بهذا الشكل". كما يتابع عفيفي: "وفقا لحديثي مع زكي بعد صدور الفيلم، فإن اختيار اسم كابوريا، كان بسبب أن هذا الحيوان يستلزم لاصطياده استخدام الأضواء لجذبه إلى أداة الصيد المستخدمة، فكان الفيلم يشبه صراع حسن هدهد وأصدقائه من أجل الوصول إلى مجتمع الأثرياء بـ"انجذاب الكابوريا" للأضواء، والنتيجة النهائية هي مواجهة خطر الموت". ويوضح عفيفي أن زكي كان لديه شعور بالرضا عن أداء كل فريق عمل الفيلم، لذا كان يتمنى أن يصل الجمهور إلى المعنى الأعمق للفيلم، وعدم الالتفات إلى قشور القصة دون الوصول إلى ما ورائها، خاصةً أن جزء كبير من أحداث هذا العمل الفني مأخوذة عن قصة حقيقية لملاكم يحمل نفس الاسم". ويختتم عفيفي حواره مع سكاي نيوز عربية بمطالبة الجمهور بمشاهدة فيلم "كابوريا"، وكأنهم يشاهدوه للمرة الأولى، تاركين لأنفسهم فرصة للحكم عليه من جديد، فربما يصلوا إلى رسالته، "وهذا سيسعد زكي في قبره". 3 ـ (قصة نعيب زماننا والعيب فينا) على مر الزمان دائمًا ما تتعرض العديد من الضوابط والعادات والتقاليد إلى التبدل والتغير وتختلف طريقة التفكير ، وعند النظر قليلًا إلى الخلف سوف نجد أن طبيعة الفكر والحياة سابقًا كانت مختلفة كليًا عن ما نحن عليه الان ، وقد أبدع الكثير من الأئمة والأدباء في وصف تغير وتبدل الأشخاص عبر الزمان ولا سيما قصيدة نعيب زماننا والعيب فينا التي قد ألقاها العلامة الإمام الشافعي رحمه الله . لم يقم الإمام الشافعي بإلقاء هذا البيت الشعري العميق جُزافًا ، بل أنه أراد أن يوضح واقع أصبحنا نشهده في كافة العصور وعلى مر الأجيال ؛ حيث أن الكثير من الأشخاص بالمجتمع دائما ما يُرجعون تغير أحوال ومواقف وأخلاق الأشخاص وقطع أواصر المحبة والرحم وانتشار الكره والأنانية إلى ما هو معروف باسم (غدر الزمان) ، ونجد البعض يتفوه ببعض الأقوال ولاسيما كبار السن مثل (لقد تغير الزمن) ، (الله يرحم زمن أول) وغيرهم ، وفي حقيقة الأمر أن كل ذلك إتهام به بُهتان للزمان ، حيث أن الزمان لا يتغير بل هو كما هو بساعاته وأيامه ولياليه ؛ وإنما طبيعة ونفوس الأشخاص هي التي قد تبدلت كثيرًا ، ومن هنا جاء توصيف الإمام الشافعي لذلك قائلًا (نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا) تم تصنيف قصيدة نعيب زماننا والعيب فينا على أنها قصيدة من نوع قصائد العتاب وهي أيضًا قصيدة عمودية من (بحر الوافر) الذي يحتوي على ما يقرب من 3107 قصيدة ، وجاءت أهم أبيات هذه القصيدة كما يلي: نعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا..وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا..وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ..وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا..وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ..وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا. وفي هذه الأبيات إشارة إلى أن الزمان واحد لا يتغير بل الطبيعة البشرية هي التي تتبدل وتتغير بمرور الزمن ، ولذلك فإن الكثير من الأشخاص يقعون في خطأ كبير حينما يقوموا بسب ولعن اليوم أو الساعة أو الزمان نتيجة تعرضهم إلى حدوث أي مكروه به ، وهذا أمر غير مستحب وُمحرم في الإسلام أيضًا. 4 ـ (نعوم تشومسكي) إستراتجيات التحكم في الشعوب :1 اللوم 2 مخاطبة العاطفة 3 خلق المشكل و تقديم الحل 4 التأجيل 5 الإلهاء 6 التدرج .