صحافة دولية

وثائق رسمية: بريطانيا عاملت "حماس" كحركة مقاومة ضد الاحتلال

الوثائق تؤكد اعتراف بريطانيا بتأثير "حماس" في الساحة الفلسطينية- جيتي
الوثائق تؤكد اعتراف بريطانيا بتأثير "حماس" في الساحة الفلسطينية- جيتي

كشفت وثائق بريطانية، عن تعامل بريطانيا مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على أنها تنظيم مقاوم للاحتلال الإسرائيلي وإن اختلفت معه في الوسيلة.

 

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنها حصلت على وثائق تعود للعام 1993، تؤكد اعتراف بريطانيا بتأثير حماس في الساحة الفلسطينية، تُرجم إلى حوار غير مسبوق مع الحركة، ما أثار تحريضا من جانب إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات.

وأوضحت أنه في ذاك العام نشب خلاف بين إدارة التنسيق الأمني وقسم الشرق الأوسط في إدارة البحوث والتحليل في وزارة الخارجية البريطانية بشأن توصيف حماس.

ورأت الإدارة، التي كانت على اتصال أمني دائم مع الدول الأخرى بما فيها إسرائيل، أن نشاط الحركة المسلح في الانتفاضة الأولى، التي شملت الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق العرب داخل إسرائيل بين عامي 1987 و1993، يجعلها منظمة "ذات جناح إرهابي".

غير أن قسم الشرق الأوسط رأى أن نشاط حماس "يقتصر في عمومه على الهجمات على الجيش الإسرائيلي أو الأهداف شبه العسكرية في الأرض المحتلة".

وأضاف أن حماس "لم تشن أبدا عملية إرهابية دولية، ولا هجوما عبر الحدود إلى إسرائيل من الخارج".

ونصح بالانتباه إلى أن هناك "فرقا واضحا بين حماس وحزب الله"، مشيرا إلى أن الحزب الذي صنفت بريطانيا كل هياكله تنظيما إرهابيا عام 2019 "له بالطبع قدرة إرهابية وشبه عسكرية".

ورأت الإدارة أن هناك تقارير عن أن حماس "خططت لعمليات إرهابية ضد مصالح غربية".

ورد القسم قائلا إنه "لم تثبت صحة أي من هذه التقارير".

ولفت النظر إلى دور سلبي لإسرائيل ومنظمة التحرير في الترويج لهذه الصورة عن حماس.

وقال القسم إن "إسرائيل ومنظمة التحرير لديهما مصلحة في تشويه سمعة حماس، وإثارة المشكلات لمؤيديها في الداخل والخارج"، محذرا من أن الاثنتين "تبالغان بشأن العلاقات بين حماس وإيران".

وفي هذا الوقت، تصاعد دور حماس في ما بات يُعرف تاريخيا بانتفاضة الحجارة، التي كانت أحد أسباب إبرام اتفاق أوسلو1 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في البيت الأبيض في شهر سبتمبر/ أيلول عام 1993.

وبمقتضى الاتفاق، تشكلت السلطة الفلسطينية على قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية، هو أريحا، وعاد عرفات من المنفى إلى فلسطين، رئيسا لهذه السلطة في أول يوليو/ تموز عام 1994.

وبسبب دور حماس في الانتفاضة، أبعدت إسرائيل في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1992، 418 إسلاميا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة مرج الزهور، ذات المناخ القاسي في لبنان، ما أثار استنكارا دوليا.

وتُرجم هذا الاستنكار إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، أيدته بريطانيا، يدين سياسة الإبعاد الإسرائيلية التي اُعتبرت انتهاكا لالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

وطالب القرار الحكومة الإسرائيلية بأن تؤمن عودة جميع المبعدين فورا إلى الأراضي المحتلة.

الولايات المتحدة "ملجأ آمن لحماس"

بعد بضعة أسابيع، زعم الإعلام الإسرائيلي الرسمي أن حماس أصبح لها "ملجأ آمن" في الولايات المتحدة، وأن الحركة تدير عمليات في الأراضي المحتلة وإسرائيل من الأراضي الأمريكية، وكررت صحف أمريكية مؤيدة لإسرائيل الادعاء.

غير أن السفارة البريطانية في واشنطن نصحت، في برقية بالغة السرية، وزارة الخارجية في لندن بأن هذه "محاولة إسرائيلية واضحة لتحويل انتباه الجمهور الأمريكي" عن قضية المبعدين التي اُعتبرت المزاعم الإسرائيلية إحدى تبعاتها.

واستندت السفارة، في هذا التقييم، إلى حوار بين أحد دبلوماسييها ورونالد شيلتشير، مدير مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية.

ونقل الدبلوماسي البريطاني عن شيلتشير تأكيده أن "الإسرائيليين يحاولون، بوضوح، أن يختلقوا شيئا من لا شيء".

وكشف عن أن "هناك حوالي 20 ناشطا لحماس في الولايات المتحدة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يرصدهم".

وكان من بين الشخصيات التي تحدثت عنها ادعاءات إسرائيل والمؤيدين لها الدكتور موسى أبو مرزوق، الذي أقام في الولايات المتحدة بعد حصوله على الدكتوراه في إدارة الإنشاءات من جامعة كولورادو.

ووصفه المسؤول الأمني الأمريكي بأنه "جزء من القيادة السياسية لحماس". لكنه وصف الادعاء بأنه هو الذي يسيطر على عمليات حماس، بأنه "كلام فارغ".

وقال شيلتشير إن السلطات الأمريكية "رصدت اتصالات بـ أبو مرزوق من جانب نشطاء لحماس في الأراضي المحتلة بعد قتل حماس جنديا إسرائيليا يدعى نسيم تولدانو (ردا على اعتقال إسرائيل الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس وزعيمها) وصدور أمر بترحيل أبو مرزوق (من الولايات المتحدة)".

لكنه قال إن هدف الاتصالات "كان طلب نصيحته بشأن عرض قضية حماس على الجمهور الأمريكي".

وفي ما يبدو أنه تبادل للمعلومات، رد رئيس إدارة التنسيق الأمني في الخارجية البريطانية على برقية السفارة في واشنطن بالمعلومات المتاحة عن وجود حماس في المملكة المتحدة.

وبحسب برقية الإدارة، فإنه كان في بريطانيا حينها حوالي 100 عضو ناشط من الحركة. ويتركز نشاطهم "بين الطلبة الساخطين على الخط الأكثر اعتدالا الذي تنتهجه منظمة التحرير الفلسطينية".

وردا على ادعاءات إسرائيلية مماثلة لتلك المتعلقة بوجود حماس في الولايات المتحدة، أكدت الإدارة أنه "ليس هناك معلومات تبرهن على مزاعم إسرائيل بأن قادة حماس في المملكة المتحدة يوجهون عمليات إرهابية في الأراضي المحتلة... ولا دليل على أنهم على صلة مباشرة بأي أعمال عنف نُفذت في الأراضي المحتلة".

وأضافت أنه "يُعتقد بأن الروابط بين أعضاء حماس في المملكة المتحدة ونظرائهم في إسرائيل والأراضي المحتلة هي في الحدود الدنيا، وكذلك الروابط مع الدول الأخرى".

واستبعدت التقديرات البريطانية إمكانية تأثير إيران على الحركة لإقناعها بشن هجمات خارج الأراضي المحتلة.

وقالت إدارة التنسيق الأمني: "يعتقد الخبراء أنه رغم المحاولات المتزايدة من جانب إيران لزيادة تأثيرها على الجماعة، فإنه من غير المرجح أن تهاجم حماس أي أهداف غير إسرائيلية، أو تعمل خارج إسرائيل والأراضي المحتلة. ولو فعلوا هذا، فإنهم سوف يخاطرون بخسارة التعاطف الغربي الذي ولدته محنة الإبعاد (إبعاد إسرائيل النشطاء الفلسطينيين إلى لبنان)".

وأبلغت الأمريكيين بوضوح بأن "هذه النقاط، أرسلت، بالطبع، إلى الإسرائيليين الذين دُعوا لتقديم أدلة لإثبات ادعاءتهم. وهذا لم يحدث حتى الآن".

اجتماع أمني رفيع المستوى.. ونوايا حماس


مع ذلك، لم تفارق أنشطة حماس في بريطانيا رادار الأجهزة الأمنية.

فبعد أيام، عُقد اجتماع أمني على مستوى رفيع وصف بأنه "مفيد" شاركت فيه إدارات التنسيق الأمني، والشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والبحوث والتحليل، ووزارة الدفاع، والوكالات الأمنية. واستعرضت فيه المخابرات آخر الاتصالات مع إسرائيل بشأن الحركة.

وخلص الاجتماع إلى الآتي:

• اُوضح للإسرائيليين أنه ليس هناك أي شيء يثبت المزاعم الإسرائيلية بشأن أداء مؤيدي حماس في المملكة المتحدة دورا جوهريا في دعم العنف داخل إسرائيل أو الأراضي المحتلة.

• لا يمكن، فعلا اقتفاء أثر الشخص الرئيسي الذي أعطى الإسرائيليون اسمه (باعتباره موجها لهذا الدور المزعوم).

• في يوم 25 فبراير/ شباط 1993، سيزور عضو بارز من جهاز الاستخبارات العامة الإسرائيلي (الشاباك) المملكة المتحدة لإجراء نقاشات مع جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية إم آي 5. وهذه ستكون فرصة أخرى مفيدة لتبديد مخاوف الإسرائيليين.

• هناك اتفاق عام على أن حماس لم تبد قدرة أو نية للعمل خارج إسرائيل والأراضي المحتلة، وأنها واعية بضرر مثل هذا النشاط الخارجي على السمعة التي حققتها.

• الأجهزة تميل إلى عدم إعطاء قدر كبير من الصدق للتقارير الأخيرة التي تتحدث عن تعاون بين حماس وجماعات أكثر خطورة مثل حزب الله في التخطيط لهجمات على مصالح غربية.
هل دعمت إسرائيل حركة حماس فعلا؟

في هذه الأثناء، جرى نقاش بشأن دور مزعوم لإسرائيل في دعم حماس لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية.

وقطع قسم الشرق الأوسط في إدارة التحليل والبحوث في الخارجية البريطانية، الذي يعتمد في تقاريره على مصادر مختلفة منها الأجهزة الأمنية، بأنه "ليس هناك أي شيء يثبت بالتأكيد مثل هذا الدعم".
وقال في تقرير أُرسل إلى نائب رئيس البعثة البريطانية وقنصل بريطانيا العام في تل أبيب إن "كل ما لدينا هو كلام صحافة، قال بعضه إن التشجيع الإسرائيلي في الماضي للأصوليين قد ارتد وحشا".

وأشار التقرير إلى مقال في صحيفة فاينانشيال تايمز جاء فيه أن حماس تلقت تشجيعا ضمنيا، على الأقل، من إسرائيل في السبعينيات في غزة لمواجهة تأثير منظمة التحرير الفلسطينية، وأن بعض الفلسطينيين يشتبهون في أن حماس تخدم مصلحة إسرائيل.

وعلق التقرير قائلا "لا يمكن أن تكون لديهم (الفلسطينيين) هذه الشبهة الآن".

حوار في مقر السفير


في هذا المناخ بدا، كما تكشف الوثائق، أن هناك قدرا ملحوظا من الانفتاح على حماس من جانب الدبلوماسية البريطانية، الأمر الذي أثار قيادات منظمة التحرير ومن بينهم عرفات.


ففي أوائل شهر فبراير/ شباط، استجاب السفير البريطاني في الأردن لطلب حماس لقاء وفد منها يضم إبراهيم غوشة، الذي كان حينها ممثل الحركة في الخارج، ومحمد نزال، ممثلها في الأردن. وجرى اللقاء في مقر السفير الرسمي.

وبعد أن استعرض ممثلا حماس تاريخ الحركة التي قال غوشة إنها أنشئت في الأصل قبل 1948 باسم "الإخوان المسلمون الفلسطينيون"، أكدا أن حماس "حركة تحرر تعمل على تحرير الفلسطينيين من سلطات الاحتلال"، و"لم تعمل خارج فلسطين وليس لديها خطط لتمديد أنشطتها"، و"تستهدف الجنود فقط في داخل فلسطين"، وحماس "ليست منظمة إرهابية كما تصفها الولايات المتحدة".

وعبر غوشة عن "تقدير" حماس للدعم البريطاني لقرار مجلس الأمن بشأن إعادة المبعدين، وعن "أمله في أن تستخدم المملكة المتحدة مكانتها الدولية لتنفيذ القرار".

ووصف حكومة المملكة المتحدة بأنها "معروفة بمساندتها للقضايا العادلة"، وطلب "خطوات" من بريطانيا لدعم الفلسطينيين.

وردا على استفسار السفير عن موقف حماس من عملية السلام مع إسرائيل، قال نزال "حماس لم تعارض السلام في حد ذاته ولكنها تعارض مرجعيات عملية السلام الحالية التي تسعى إلى التعامل مع الفلسطينيين كسكان وليس كشعب".

ورد السفير بأن بريطانيا تتفق مع حماس بشأن "وضع الأراضي المحتلة، وعدم جواز الاستحواذ على الأراضي بالقوة، وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".


غير أنه عبر عن الاختلاف معها في التالي:

• بريطانيا، والجميع، يرغبون في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنها تختلف في رؤيتها بشأن طريقة تحقيق هذه الغاية.

• في حين أن المملكة المتحدة دولة موقعة على معاهدات جنيف، فإنها لا يمكن أن تقر استخدام حماس للعنف في الأراضي المحتلة.

• ورغم أن هذا ( استخدام للمقاومة المسلحة) من حقوقها القانونية، فإن حماس ساهمت في دائرة العنف التي جعلت تسوية الصراع بالوسائل السلمية السياسية أكثر صعوبة.

• التغطية الصحفية الإيجابية التي حصل عليها الفلسطينيون في الأيام الأولى للانتفاضة مكنت السياسيين في الغرب من الاهتمام بقضية الحقوق الفلسطينية. (لكن) الاستخدام المتزايد للأسلحة النارية حد من المساحة المتاحة لهم للمناورة.

وفي تقييمها، قالت مسؤولة أمنية حضرت اللقاء، إن وفد حماس "متحدث جيد، وبدا حريصا على التأكيد على الأرضية المشتركة وليس استعداء السفير". ووضعت الزيارة في إطار "هجوم دبلوماسي من جانب حماس"، يؤكده "إعلان الوفد رغبته في لقاء السفير الأمريكي".

غير أنها قالت إن "الشعور هو أنهم جاءوا للحديث وليس للإنصات".

سخط وغضب في مكالمة هائجة.. ورد بريطاني حازم
تسرب خبر اللقاء، ومعه لقاءات أخرى مع الأمريكيين، دون ذكر مضمون الحوارات، إلى الإعلام العربي، فأثار استياء منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي لقاء مع قنصل بريطانيا العام في القدس، عبر فيصل الحسيني، رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، عن "استياء بالغ".

وقال الحسيني "من ناحية، رفض الأمريكيون أي اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومع ذلك، فإنهم مستعدون فيما يبدو للحديث إلى معارضي عملية السلام ومنافسي المعتدلين".

وفي تقرير عن اللقاء، قال القنصل إن المسؤول الفلسطيني تساءل: "هل يكون لديه (الحسيني) مبرر في إثارة هذا مع الأمريكيين؟"

ورد القنصل بأنه "لا يعرف خلفية تعاملات (حماس) مع الأمريكيين".

غير أنه صارح الحسيني بأن "وظيفة البعثات الدبلوماسية هي الاحتفاظ باتصالات مع كل الآراء في الدول التي تخدم فيها".

لكنه نبه إلى أنه "لا يجب أن ينظر إلى هذا على أن له أي أثر على وضع المُتحَاوَر معهم".

وكشف للحسيني عن لقاءات منتظمة سابقة بين البريطانيين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (أحد قادة حماس وزعيمها لاحقا) قبل إبعاده إلى مرج الزهور وغيره من المتحدثين باسم حماس في غزة. وقال "فعلنا ذلك كي نعرف كيف يفكرون وليس بسبب أننا نقرهم على مواقفهم".

وطمأن الحسيني بالقول إنه "إذا أثار الأمر مع الأمريكيين، فإنهم سوف يوضحون له بلا شك أنه ليس هناك دافع خفي".

ونصح القنصل وزارته بأن "هناك حساسية محلية بشأن هذه المسالة، وربما يتعين علينا أن نمعن التفكير في كيفية إجراء الاتصالات المستقبلية مع تجمعات حماس خارج الأراضي المحتلة".
السنوات الأخيرة في حياة عرفات موثقةً

بعد أيام قليلة، انتقل السخط إلى قيادة منظمة التحرير، فدار حوار متوتر بين أحد قادتها والسفير البريطاني في الأردن.

أبلغ الدكتور أسعد عبد الرحمن، عضو المجلس الوطني واللجنة التنفيذية المركزية لمنظمة التحرير، السفير بأنه "تلقى اتصالا هائجا ثائرا من ياسر عرفات يوم 1 مارس/آذار معبرا عن "القلق والسخط الغاضب من اجتماعات ممثلي حماس في الأردن وعدد من السفارات الغربية خاصة في وقت ترفض فيه هذه السفارات الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية".

وقال عبد الرحمن إنه "حاول إقناع عرفات بأنه يثير جلبة من لا شيء غير أنه قبل، على مضض، أن يثير القضية مع السفارات المعنية".

ورد السفير بحزم قائلا:

• لا تقبل حكومة جلالة الملكة أن تضطر إلى تبرير حديث ممثليها إلى أي أحد. لكني أظن أنه من مصلحة عملية السلام أن يكون هناك إيضاح.

• ليس صحيحا أننا نخجل من الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية. على العكس، فإن لي ولموظفيّ اتصالات دائما مع مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية هنا، وسفير جلالة الملكة في تونس على اتصال منتظم مع عرفات نفسه.

• من الخطأ افتراض وجود غرض سياسي خفي ما وراء استقبالي ممثلي حماس.

• وظيفة البعثات الدبلوماسية الحفاظ على اتصالات مع أصحاب الرأي المختلفين. والاجتماع عُقد بطلب من ممثلي حماس المقيمين في الأردن وهم جزء من المشهد السياسي هنا. ومن الصائب الانصات إليهم.

• من المهم ألا تُفصل جماعات مثل حماس عن الأفكار التي تختلف مع أفكارهم.

• لقد بددت (في اللقاء مع وفد حماس) أي شك لديهم في التأييد البريطاني لعملية السلام، وأوضحت بجلاء أن الحكومة البريطانية لا يمكنها أن تتغاضى عن سياسة الحركة: الإرهاب والعنف أضعفا، أكثر من أي شيء آخر، القضية الفلسطينية.

وحصل عبد الرحمن من السفير على تعهد بأنه "لا ينوي لقاء حماس مرة أخرى". وبرر ذلك بأنهم "لم يملكوا كياسة إبلاغي بأنهم يرغبون في الكلام علنا عن لقائنا".

غير أنه أوضح نيته "الحفاظ على الاتصالات بأكبر مدى ممكن على مستوى أقل في إطار اتصالات بعثتنا مع نطاق واسع من الرأي الفلسطيني" في الأردن.

تساؤلات رغم الاطمئنان


أثارت نتائج لقاء حماس والسفير في الأردن، الذي جاء بموافقة رئيس إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا، نقاشا في الخارجية في لندن.
تحدث رئيس قسم الشرق الأوسط في إدارة البحوث والتحليل، عما يقال دائما عن ضرورة تحديد مفهوم الإرهاب للتفرقة بينه وبين المقاومة.

ونبه في تعليق على اللقاء إلى أن "كثرة الكلام عن تحديد مفهوم الإرهاب بدقة يؤدي إلى مجازفة بالتشويش على نوايا حماس التي تتعارض تماما مع سياسة بريطانيا".

وحذر من أنه "عندما تقول حماس إنها تعمل داخل فلسطين فقط، فإن هذا يعني أنها تعمل داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، وهذا يخالف سياسة بريطانيا لأن حماس تهدف إلى تدمير إسرائيل بالعنف".

وطرح سؤالين أولهما: "هل يجب أن نتجاهل، وفق التعريفات الضيقة، تهديد حماس المدمر لدولة تربطنا بها علاقات صداقة". ثانيهما: "هل نحن واثقون من أن بعض أعضائها أو ربما جماعات منشقة عنها لن تقع تحت تأثير عمليات القتل المتطرفة للسياح في مصر؟"

غير أنه رأى أنه من "المطمئن" للبريطانيين أن حماس "لا تخطط لإرهاب دولي مثل تفجير طائرات"، وأن لدى أجهزة الأمن البريطانية اعتقادا بأن الحركة "ليس لديها القدرة أو النية للعمل خارج إسرائيل والأراضي المحتلة".

وأوصى بمزيد من "الإقبال" على منظمة التحرير الفلسطينية، أو على الأقل "الاعتراف بدورها".

إدانة لحماس وانتقاد لإسرائيل


ودافع رئيس قسم الشرق الأدني وشمال أفريقيا عن قراره السماح للسفير بلقاء وفد حماس، الذي تزامن مع قرار الولايات المتحدة وقف الاتصالات مع الحركة.

وساق المبررات الآتية:

• الاتصال بحماس ليس شيئا جديدا، نحن نبقي على الاتصال مع دائرة واسعة من الفلسطينيين.

• اللقاء لا يعني ببساطة دعما للمنظمة أو أهدافها.

• نستغل مثل هذه الاجتماعات للتأكيد على الحاجة إلى حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي.

• بالنسبة لتأثير قرار الولايات المتحدة قطع الاتصالات مع حماس: السياسة الأمريكية تخص الأمريكيين. هم ليس لديهم بالطبع اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي لنا اتصال بها على المستوى الرسمي.

• حماس منظمة غامضة. لكن، وكما يعترف الإسرائيليون، ربما يكون الدعم السياسي لها الآن في الأراضي المحتلة منذ بدء الانتفاضة يضاهي الدعم لحركة فتح.

وحرص مسؤول إدارة الشرق الأدني على "الإدانة بلا تحفظ لأعمال العنف والقتل التي تقترفها حماس".

غير أنه لم يجد تبريرا للسياسات الإسرائيلية. وقال "نتفهم حاجة الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ تدابير قوية. لكن يجب أن تكون هذه الإجراءات قانونية. فعمليات الإبعاد (للناشطين الفلسطينيين إلى خارج الأراضي المحتلة) ليست قانونية كما أنها رد غير إنساني".

وأبدى المسؤول الدبلوماسي دهشته من أن منظمة التحرير، وليست إسرائيل، هي التي احتجت على لقاء الأردن.

وقال "من المثير للاهتمام أن النقد الموجه للقاء مايرز (سفير بريطانيا في الأردن) مع حماس قد جاء من القيادة الفلسطينية في الأراضي المحتلة ومن منظمة التحرير الفلسطينية. ولم يقل الإسرائيليون، حسبما أعلم، لنا أي شيء".

وفي تفسيره للموقف الإسرائيلي، أشار إلى أن "هناك شائعات قوية عن أن حكومة الليكود بذلت أقصى ما بوسعها لتعزيز مكانة حماس، لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية".

وانتهى إلى أنه سيكون "أميل في المستقبل إلى قصر الاتصالات على مستوى أقل من السفير"، لكنه طالب بعدم قطع كل الاتصالات معها.


وبسبب طبيعة مهام وظيفته، كان مايكل أرون، رئيس الفريق المتابع لعملية السلام في إدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية، أحد أطراف النقاش.

وعبر عن رأيه قائلا:

• لا أعتقد أننا يجب أن نكون في موقف الدفاع عن هذا الأمر (لقاء حماس)

• رأينا أيضا أن السفيرين الألماني والإيطالي ومسؤولا من السفارة الأمريكية في الأردن التقوا بها.

• حماس تتمتع بتأييد قوي في الأراضي المحتلة، وخاصة في غزة. ومن الصعب قياس ذلك. ولكن بعض التقارير يشير إلى أن التأييد يرتفع إلى 40 في المئة. ومن المهم بالنسبة لنا أن نراقب تفكيرهم.

• لا يجب أن تحذو بريطانيا حذو القرار الأمريكي بوقف الاتصال مع حماس مؤقتا. وقال "لا أعتقد أننا يجب أن نتأثر بالأفعال الأمريكية. الأمريكيون على أي حال ليس لديهم اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية. لذلك، فإنه من الشاذ إلى حد ما أن تكون لهم اتصالات مع حماس المناوئة لعملية السلام، في ظل غياب اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية المؤيدة لعملية السلام".

جولة سرية في لندن

بموازاة ذلك، جرت نقاشات بين السفارة البريطانية في واشنطن ومسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين.

وكشفت النقاشات، كما يقول تقرير للسفير البريطاني، عن احتجاج من جانب منظمة التحرير لدى الأمريكيين بعد الكشف عن اتصالاتهم مع حماس.

وفي تقرير عن نقاشه مع مسوؤلي مكافحة الإرهاب وقسم الأردن في وزارة الخارجية الأمريكية، بعد إصدار تعليمات إلى السفارات الأمريكية بعدم مواصلة الاتصالات مع حماس، كتب السفير: "أثار فيصل الحسيني وحنان عشراوي (عضوة الوفد الفلسطيني والمتحدثة باسمه في مفاوضات مدريد) مع الأمريكيين قلقهما من اتصالات الولايات المتحدة مع حماس. وقالا، وهذا أمر يمكن تفهمه، إنه نظرا لأن الأمريكيين غير مستعدين لإجراء اتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية، فإنه من الغريب جدا أن يكون لديهم اتصالات مع حركة إرهابية تعارض عملية السلام".

وبعد احتجاج الحسيني وعشراوي، تلقت وزارة الخارجية الأمريكية أوامر من البيت الأبيض بأنه "لا يجب أن تكون هناك اتصالات بين مسؤولي السفارات الأمريكية وحماس".

وقال السفير البريطاني "يُظن أن مارتن إنديك (مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدني في الخارجية آنذاك)، وراء إصدار تلك الأوامر".

وحسب معلومات السفير، فإن الاتصالات الأمريكية مع حماس "كانت تُجرى عن طريق مسؤولين أمريكيين في السفارة الأمريكية في تل أبيب، التي تتابع غزة، والقنصلية الأمريكية العامة في القدس".

وتدخل وزير الخارجية البريطاني ليحسم النقاش داخل وزارته بشأن هذه القضية.

وقرر في برقية بالغة السرية إلى سفيره في الأردن "عدم اتباع القرار الأمريكي بإعلانه قطعا في الاتصالات مع حماس".

وقال للسفير "لك وللقدس (القنصل البريطاني العام في القدس) الاحتفاظ باتصالات على المستوى العملي. ولكن من فضلك استمر في المتابعة مع الإدارة (إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا) قبل الموافقة على رؤيتهم بنفسك".

وفي آخر عام 1993، انتقل الحوار بين حماس وبريطانيا إلى لندن، إذ التقت رئيسة إدارة البحوث والتحليل في وزارة الخارجية مع محمد نزال.

وفي تقريرها عن اللقاء، قالت المسؤولة الدبلوماسية إن نزال "كان حريصا على دحض أي فكرة عن أن حماس منظمة إرهابية وقال: نحن لسنا مثل أبو نضال"، كما أكد "الحرص على إجراء حوار مع الحكومة البريطانية من أجل طرح وجهات نظر حماس".

وخرجت جانيت من اللقاء بالنتائج التالية:

• حماس سوف تواصل حملتها على الإسرائيليين، في إطار مواصلة الانتفاضة، في الاراضي المحتلة.

• ليس لدى حماس تصور لحياة الفلسطينيين بعد التحرير.

• أقوى أوراق حماس هي قدرتها على إنفاق الأموال وفشل منظمة التحرير في تحقيق مكاسب ملموسة من سياساتها.

وفي خلاصة تقييمها، قالت: "طالما استمر هذا الوضع، فسوف تزدهر حماس، ولكن لو تغير الموقف، فإن شعبيتها سوف تخبو، إلا إذا طرحت برنامجا بديلا ذا مصداقية".

التعليقات (0)