كتب

لبنان.. مكونات مجتمع واقتصاد وثقافة أول جمهورية عربية

دراسات لباحثين وخبراء عن لبنان المجتمع والاقتصاد والثقافة  (عربي21)
دراسات لباحثين وخبراء عن لبنان المجتمع والاقتصاد والثقافة (عربي21)

الكتاب: لبنان: دراسات في المجتمع والاقتصاد والثقافة.
إشراف: خالد زياد.
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، الطبعة الأولى، أغسطس 2021

بصدور الدستور اللبناني، عام 1926، أصبح لبنان هو أول جمهورية في المحيط العربي، ومع نيله الاستقلال، عام 1943، كرس، لبنان، دوره كنقطة اتصال بين الشرق والغرب، لا على المستوى التجاري فحسب، بل على المستوى الثقافي أيضا، الأمر الذي جعله مقصدا للأدباء، والشعراء، والكتاب العرب، وهو ما عزز مكانة لبنان في عقل ووجدان كل عربي، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب.

يقع الكتاب محل الدراسة في 736 صفحة من القطع المتوسط، وضم تسعة فصول، كتبها أساتذة جامعيون، وخبراء وكتاب مشهود لهم. وقد أشار، المحرر، إلى أن الكتاب كان مقدرا له أن يصدر في 2020، لمناسبة مرور مئة سنة على تأسيس دولة لبنان الكبير، ولكنه تأخر بسبب الأحداث التي شهدها لبنان، ابتداءً من انتفاضة 17 أكتوبر 2019، وما تبعها من إضرابات، ومرورا بالانفجار في مرفأ بيروت، وما تبعه من أزمات صحية، ومالية، وسياسية.

بدأ الكتاب بفصل عن "ملامح الجغرافيا الطبيعية للجمهورية اللبنانية"، كتبته، د. لورنس شربل، أستاذة الجغرافيا في الجامعة اللبنانية. أوضحت، شربل، في مقدمة الفصل، أنه لن يقتصر على جيومورفولوجية "علم شكل الأرض" الأراضي اللبنانية، بل سيشمل أيضا، دراسة معطيات متعددة في المناخ، والجيولوجية، والموارد المائية، والتربة، والنبات الطبيعي، كأساس لفهم العلاقات الجغرافية؛ فدراسة الجغرافيا الطبيعية تؤمن الأساس لدراسة الخصائص الجغرافية الأخرى، الاقتصادية، والبشرية، كما أنها توفر البيانات الأساسية، التي يرتكز عليها كثير من الدراسات الهندسية.

قسمت الكاتبة، الفصل إلى سبعة عناوين أساسية هي: موقع لبنان الجغرافي، خصائصه المناخية، بنيته وتركيبه الجيولوجي، جيومورفولوجية الأراضي اللبنانية، موارده المائية، خصائص تربته، ثروته من الغابات والنباتات الطبيعية. 

جاء الفصل مليئا بالمعلومات، والخرائط، والجداول، فلم يترك أي جانب، من جوانب الجغرافيا الطبيعية، إلا وعرضها بالتفاصيل، ولكنه كان فصلا شيقا جدا لمحبي الجغرافيا، صعب ومليء بالمصطلحات غير المفهومة لكارهيها، فالعديد من المصطلحات لم يتم تبسيطها وشرحها للقارئ، كما كانت بعض الخرائط الجوية والجيولوجية صعبة القراءة، لغير المختصين.
 
أما الفصل الثاني، فكان بعنوان "ملامح الجغرافيا البشرية للجمهورية اللبنانية"، والجغرافيا البشرية هي التي تهتم بدراسة الأنماط، والعمليات التي تصوغ تعامل البشر مع البيئة. كتبت، هذا الفصل، د. كوليت أبي فاضل، الأستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وأشارت، أبي فاضل، إلى أن موضوع الجغرافيا البشرية في لبنان تتميز بوضع خاص، وتواجه إشكاليات عديدة؛ فمن الناحية الديموغرافية، لا تتطابق الإحصاءات التي تناولت أعداد السكان، بسبب عدم الدقة في الأرقام. ومن الناحية الصحية، تدنت الإصابة بالأمراض الوبائية والإعاقة، في حين أن التأمين الصحي لا يشمل جميع اللبنانيين. ومن الناحية الاقتصادية، ازدادت نسبة البطالة والإعالة رغم ازدياد عدد السكان الناشطين.

تناول، الفصل، ثلاث نقاط أساسية: الجغرافيا السكانية، والجغرافيا الصحية، والجغرافيا الاقتصادية. في دراستها للجغرافيا السكانية أشارت، الكاتبة، إلى حساسية الموضوع الديموغرافي اللبناني، إذ إنه يدخل ضمن إطار سياسي، وطائفي، نظرا إلى ما يتميز به لبنان من تركيبة طائفية، وانقسامات مذهبية، وسياسية. لذلك غاب التعداد الرسمي، في لبنان، منذ آخر تعداد أجري عام 1932، إبان فترة الانتداب. 

أما أبرز السمات الصحية، فهي تراجع نسبة الإعاقة، وعدم استفادة شريحة كبيرة من اللبنانيين من التأمين الصحي. ويتميز الوضع الاقتصادي بارتفاع طفيف في نسبة الناشطين، وسيطرة الرجال على سوق العمل. كما ارتفعت نسبة البطالة، من 7.9 في المئة عام 2004، إلى 11.4 في المئة، عام 2018. ص (223)

كتب الفصل الثالث "ملامح لبنان منذ أقدم العصور"، د. عبد الرؤوف سنّو، أستاذ التاريخ الحديث، وقد قسم سنّو، الفصل إلى خمسة محاور، بدأها بتاريخ لبنان منذ العصور القديمة، حين استوطن الكنعانيون، الذين جاؤوا من الجزيرة العربية، الساحل السوري ـ اللبناني ـ الفلسطيني، في منتصف القرن الرابع ق.م. وأشار، سنّو، إلى أن الإغريق أطلقوا تسمية الفينيقيين على الشعوب، الذين سكنوا الساحل السوري- اللبناني، فيما حافظ سكان الساحل الفلسطيني على تسمية "الكنعانيين".

 

موضوع الجغرافيا البشرية في لبنان تتميز بوضع خاص، وتواجه إشكاليات عديدة؛ فمن الناحية الديموغرافية، لا تتطابق الإحصاءات التي تناولت أعداد السكان، بسبب عدم الدقة في الأرقام. ومن الناحية الصحية، تدنت الإصابة بالأمراض الوبائية والإعاقة، في حين أن التأمين الصحي لا يشمل جميع اللبنانيين.

 


في المحور الثاني، لبنان في العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية، عرض، سنّو، لبدايات ظهور المدن الفينيقية، ثم انتقل لتاريخ لبنان في العهود اليونانية، والرومانية، والبيزنطية، بداية من الاحتلال اليوناني للمدن الفينيقية، عام 333ق.م، ومرورا بخضوع فينيقيا لحكم روما، عام 64 ق.م. ثم الحكم البيزنطي، عام 395، الذي كان استمرارا مباشرا للإمبراطورية الرومانية.

أما المحور الثالث، لبنان من الفتح الإسلامي إلى نهاية العهد المملوكي، فقد استعرض الكاتب فيه تاريخ لبنان منذ أن فتح العرب المسلمون مدن الساحل اللبناني بين عامي 633 و640، وحتى سيطرة المماليك على بلاد الشام وطرد الفرنج منها في عام 1291. انتقل الكاتب، بعد ذلك، إلى لبنان في العهد العثماني، حين انتزع العثمانيون بلاد الشام ومصر من أيدي المماليك في خلال عامي 1516 و1517.

في المحور الأخير، دولة لبنان الكبير- مسارات النزاع والوفاق، ناقش سنّو تداعيات ولادة لبنان الكبير عام 1920، مرورا بالميثاق الوطني والاستقلال، ثم الحرب الأهلية، ووصولا إلى اتفاق الطائف، "الذي جاء لضخ الحياة في جسد لبنان المنهك، بعدما تضعضع مجتمعه، وفقد كدولة معظم مقوماته المؤسساتية والاقتصادية جراء الحرب الأهلية" ص (286).

لم يعرض الفصل الأحداث التاريخية في لبنان منذ أقدم العصور فحسب، بل عرض لتأثير هذه الأحداث على التركيب الطائفي والنشاط التجاري للمدن اللبنانية، عبر العصور المختلفة، كما لم يغفل الآثار التي خلفها كل عصر. وكان فصلا ممتعا بحق.

كتبت، د. لورا الصياح، أستاذة الاقتصاد، الفصل الرابع، تحت عنوان "ملامح اقتصاد الجمهورية اللبنانية"، وبدأته بمقدمة عن النظام الاقتصادي اللبناني، الذي تميز بنظامه الاقتصادي الحر، خصوصا في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، حين بقي بعيدا عن سياسات تدخل الدولة في الاقتصاد، ما جعله مقصدا للأموال والاستثمارات، من دون أن تساهم هذه الأموال بتكوين حالة من النمو المستدام والتطور الاقتصادي.

أشارت الصياح إلى أن أسس النظام الاقتصادي اللبناني قد بنيت قبل أن يأخذ البلد شكله الحالي، وكان للقوى الأوروبية المسيطرة آنذاك، الدور الأساسي بتكوينه، بهدف الولوج إلى بلدان الشرق الأوسط. بذلك، بدأ الاتجاه نحو اقتصاد مبني على الخدمات، خصوصا التجارة والتمويل، على حساب القطاعات الإنتاجية، ما أفقر المناطق الريفية، وأدى إلى موجة كثيفة من الهجرة نحو المدينة، كما أنه تسبب في إنشاء احتكارات في العديد من القطاعات الاستراتيجية، ما فاقم التنمية غير المتوازنة، وعدم المساواة في الدخل. وقد كانت هذه العوامل كلها من أسباب الحرب الأهلية، التي انفجرت في، إبريل/نيسان 1975. ص (299) 

سمح الاقتصاد الحر، بصيغته اللبنانية، بتعميق الاقتصاد الريعي، واشتد هذه النزعة بعد انتهاء الحرب الأهلية؛ إذ شجعت السياسة النقدية، التي اتبعتها الحكومة اللبنانية، من خلال مصرف لبنان، على تحفيز اقتصاد استهلاكي مبني على القروض المصرفية. كما شهدت البلاد طفرة عمرانية، وجرى توقيع اتفاقيات مجحفة بحق القطاعات الإنتاجية، قضى على ما بقي منها. وأكدت الصياح أن الاقتصاد اللبناني مبني على قطاعات مرتبطة بشكل وثيق بالثقة والاستقرار، اللذين هما عاملان يصعب الحفاظ عليهما في الحالة اللبنانية. فلا تمر فترة إلا وتشهد البلاد هزة سياسية، أو أمنية، داخلية أو خارجية.
 
جاء الفصل معزّزا بالتفاصيل والأرقام، كما أنه ربط الأحداث السياسية المتتالية بالمردود الاقتصادي، وبالرغم من صعوبة مادة الاقتصاد، واحتواء الفصل على الكثير من الجداول والأرقام، كان الفصل سهل الفهم على أي قارئ غير متخصص، حيث كتب بأسلوب سلس وواضح.

بدأ الفصل الخامس، "القطاع السياحي في لبنان"، الذي كتبه د. حسين شبلي، رئيس مركز البحوث والتوثيق والنشر في كلية السياحة، بالإشارة إلى تلازم اسم لبنان والسياحة، منذ منتصف القرن الماضي، حين أصبح لبنان، مقصدا للسياح من البلدان العربية، بالدرجة الأولى، وذلك نظرا لطبيعته الجغرافية الخلابة والمتنوعة، والتنوع التاريخي المدهش.
 
أشار شبلي إلى العوامل التي أسهمت في ازدهار السياحة في لبنان، فبالإضافة إلى العوامل الطبيعية، كان هناك النظام الاقتصادي الحر، فضلا عن الحرية النسبية التي توافرت لأهل البلد وضيوفه، والمناخ الثقافي الإيجابي، وسهولة استخدام اللغات، وجودة الخدمات المقدمة للزائرين.

"سمح التطور الرائع ذاك بتحويل القطاع السياحي إلى أحد أكبر مصادر الدخل الوطني، فضلا عن امتصاصه جزءا واسعا من العمالة، وتحريكه، على نحو غير مباشر عشرات القطاعات الأخرى (الزراعة، البناء، خدمات السيارات...) ص (376).

 

تميز لبنان في محيطه، بنشأة المدارس والجامعات، على أرضه، قبل الاستقلال بفترة طويلة، وذلك بفضل الإرساليات التي جاءت إليه لنشر العلم، إلى جانب رسالتها الدينية. فضلا عن الدور الذي أدته نشأة الطباعة وانتشارها في لبنان في نشر المعرفة بين أبنائه وفي محيطه.

 



رصد الكاتب تطور القطاع السياحي اللبناني، ودلل على قدم عهد السياحة في لبنان، بأن الحكومة اللبنانية أنشأت أول دائرة حكومية في عام 1924، لتهتم بشؤون الاصطياف والوافدين. وأشار إلى أن قطاع السياحة شهد تطورا متناميا، حتى إن الفترة من 1971-1974، شهدت وصول أكثر من مليون سائح سنويا إلى لبنان. لكن الأمور انقلبت كليا، في مطلع 1975، بفعل انفجار الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).

ناقش شبلي بعد ذلك مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي اللبناني، في الفترة من 2008 ـ 2018، دون تقديم سبب واضح لاختيار هذه الفترة، تحديدا، وأسهب في عرض مقومات السياحة في لبنان، ثم عاد وكرر كل هذه المقومات حين ناقش نقاط القوة والضعف في القطاع السياحي اللبناني.

بدأ الفصل السادس "التربية والتعليم والبحث العلمي في الجمهورية اللبنانية"، الذي كتبته د. عبير رياض تقي الدين، رئيس قسم الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال، بتقديم لمحة تاريخية عن التعليم في لبنان، الذي تميز في محيطه بنشأة المدارس والجامعات على أرضه قبل الاستقلال بفترة طويلة، وذلك بفضل الإرساليات التي جاءت إليه لنشر العلم، إلى جانب رسالتها الدينية. فضلا عن الدور الذي أدته نشأة الطباعة وانتشارها في لبنان في نشر المعرفة بين أبنائه وفي محيطه.

قسمت تقي الدين الفصل السادس إلى أربعة محاور: التعليم العام، التعليم المهني والتقني، التعليم العالي، البحث العلمي. ناقشت، الكاتبة، في المحور الأول، هيكلية التعليم، التي حددت عام 1995 سنوات الدراسة في لبنان باثنتي عشر سنة، ثم تحدثت عن المناهج التي تم اعتمادها في لبنان، والأهداف العامة التي حُددت لها، ثم قامت بدراسة الطلاب في لبنان، وأوردت العديد من الجداول والإحصائيات الخاصة بتوزيعهم على المدارس والمناطق وأنواع التعليم المختلفة. ثم استعرضت، نشأة التعليم العالي، في لبنان، وارتباطه بالعمل التبشيري في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم انتقلت لدراسة التعليم العالي، في الوقت الحالي بالتفاصيل، والأرقام، والبيانات، ولكن الكاتبة أغفلت أن توضح للقارئ ما هو مدلول هذه الأرقام، فما معنى أن الإناث في كلية لبنان الأهلية أعلى من الذكور، في حين أن النسبة تتساوى، في الجامعات الأخرى.

 

عرف لبنان دور النشر التي أعادت طبع التراث العربي، واستمر النشر اللبناني في النمو فعرف ازدهارا بعد نيله الاستقلال، وهي الفترة التي تأسست فيها الجمعيات الأدبية والثقافية الأهلية، وأصبحت بيروت مقصد الأدباء والكتاب والشعراء العرب.

 



أما التعليم المهني، فقد شهدت المرحلة الممتدة من الستينات حتى 1975 إقرار القوانين المنظمة له، فيما شهدت المرحلة بعد انتهاء الحرب الأهلية ظهور المؤسسات التربوية في مجال التعليم المهني، إلى جانب المدارس الرسمية والخاصة.

في المحور الخاص بالبحث العلمي، أشارت تقي الدين إلى أن لبنان يعتمد بشكل أساسي على مؤسسات التعليم العالي وعدد من مراكز البحث، كما يشكل المجلس الوطني للبحوث العلمية مصدر تمويل الدولة شبه الوحيد للبحث العلمي.

في نهاية الفصل، ناقشت الكاتبة التحديات التي يواجهها القطاع التربوي في لبنان، من ضعف البنية التحتية، ومشاكل الوضع الوظيفي لأفراد الهيئة التعليمية، فضلا عن قلة تمويل البحث العلمي، وأخيرا الوضع الذي فرضته جائحة كورونا، وهي تجربة التعليم عن بعد.

لكن ماذا عن الفصل السابع: "حالة الثقافة في لبنان القرن الحادي والعشرين"، الذي كتبه د. أنطوان أبو زيد، أستاذ التربية.

بدأ الفصل بالحديث عن أهم العوامل التي أدت إلى النهضة الفكرية، والاجتماعية، والأدبية في أوائل القرن التاسع عشر، حين ازدهرت المطابع، وظهرت الصحف، فعرف لبنان دور النشر التي أعادت طبع التراث العربي، واستمر النشر اللبناني في النمو فعرف ازدهارا بعد نيله الاستقلال، وهي الفترة التي تأسست فيها الجمعيات الأدبية والثقافية الأهلية، وأصبحت بيروت مقصد الأدباء والكتاب والشعراء العرب.

انتقل الكاتب بعد ذلك إلى التفصيل في واقع الثقافة ومظاهرها في لبنان، بمراحله الزمنية المختلفة، منذ عام 1850، وصولا إلى يومنا هذا، فألقى الضوء على الشعر، والمدراس الشعرية المختلفة، وأهم شعراء كل مدرسة. كما رصد القصة والرواية، ومراحل تطورها، وأشار إلى أن لبنان كان أول بلد عربي يقيم معرضا سنويا للكتاب، عام 1956. كما أفرد جزءا لوسائل النشر والإعلام والدور الذي قامت به في نشر الثقافة العربية، حيث سمحت الحرية والتعدد بأن يصبح لبنان ملجأ للأدباء والشعراء والكتاب العرب.

تطرق أبو زيد بعد ذلك للمسرح والموسيقى والسينما والرسم والنحت، وكان الفصل بمنزلة رصد دقيق لكل مظاهر الثقافة والفنون في لبنان.
 
في الفصل الثامن: "نظام الحكم في لبنان: ديمقراطية تنافس أم توافق؟ دراسة تحليلية"، أشار د. خالد قباني، وزير العدل والتربية سابقا، إلى أن الدستور اللبناني، الذي عُدل بعض نصوصه في أيلول/سبتمبر 1990، تضمن مقدمة لم تكن موجودة في الدستور الأساسي، الذي صدر في 23 أيار/مايو 1926، اشتملت على المرتكزات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع اللبناني، وسمات النظام السياسي، ولا سيما مبدأ الفصل بين السلطات، كما أكد أهمية هذه المقدمة التي تكمن في أنها وضعت الإطار العام لأحكام الدستور، من توزُّع للسلطات الدستورية، وصلاحيات كل سلطة، وتفاعلها وتوازنها وتعاونها، بما يكشف عن طبيعة النظام السياسي المعتمد المستمد من تركيبة المجتمع اللبناني المتنوع والمتعدد.

أطلق الكاتب بحثه من سؤال أساسي، هو ماذا عن النظام السياسي في لبنان؟ في أي خانة نصنفه، أفي خانة التنافس، أم في خانة التوافق؟ وما هي طبيعته، وهل هو نظام حكم برلماني أم رئاسي؟ أم أنه يستعصي على كل تصنيف؟ 

للإجابة على هذه الأسئلة، قسم القباني الدراسة إلى محورين، درس في أولها مظاهر التنافس وحدوده في النظام السياسي اللبناني، فعرض التضاد بين بعض نصوص الدستور، وبعض بنود اتفاق الطائف، في عدد من الموضوعات، كمبدأ الفصل بين السلطات، وصلاحيات الحكومة، وتداول السلطة واستقلال القضاء.

على سبيل المثال، أشار القباني إلى أن النظام اللبناني، هو نظام ديموقراطي برلماني، مع مظاهر من النظام شبه الرئاسي، وذلك طبقا لأحكام الدستور الأول الصادر في 1926، وهو برلماني، إذا اعتمدنا على النص الصريح في مقدمة الدستور المعدل عام 1995، ووفقا لاتفاق الطائف 1990.

اختص المحور الثاني بدراسة مظاهر التوافق وحدوده في النظام السياسي اللبناني، الذي يعود في مظاهره وتطبيقاته، إذا حصرنا الأمر في بعدها لزمني وتسلسله التاريخي إلى نظام القائمقاميتين لعام 1849، ونظام المتصرفية لعام 1864، ووصولا إلى الميثاق الوطني لعام 1943، وهو الميثاق الذي يشكل روح هذه النظام، وأسس تفاهم وطني يقوم على بناء دولة تضمن لكل طائفة الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام. ص (617).

كان هذا الفصل طويلا وجافا بعض الشيء؛ لاحتوائه على نصوص كثيرة من الدستور والقانون، يصعب على غير المتخصصين فهمها والربط بين بنودها بسهولة.

 

النظام اللبناني، هو نظام ديموقراطي برلماني، مع مظاهر من النظام شبه الرئاسي، وذلك طبقا لأحكام الدستور الأول الصادر في 1926، وهو برلماني، إذا اعتمدنا على النص الصريح في مقدمة الدستور المعدل عام 1995، ووفقا لاتفاق الطائف 1990.

 



جاء الفصل التاسع بعنوان "السياسات الخارجية في الجمهورية اللبنانية" وكتبه د. شفيق المصري، أستاذ العلوم السياسية، وقد أوضح، المصري، في بداية الفصل، أن لبنان لم يمارس سياسة خارجية رسمية، ومباشرة قبل استقلاله عام 1943، وعليه، فقد أكد المصري، أن الفصل يتناول هذه السياسة ابتداء من تلك الفترة. قسم الكاتب الفصل إلى ثلاثة أقسام، تناول في أولها المبادئ العامة، والمفاصل الرئيسية، لسياسة لبنان الخارجية، من الاستقلال حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، أي حتى بداية الحرب الأهلية. وتتمثل، هذه المبادئ في الميثاق الوطني، والسياسة اللامحورية. وتناول القسم الثاني مسيرة هذه السياسة، مع التطورات التي واكبتها وكانت متأثرة أو مؤثرة فيها، حتى التداعيات التي أعقبت اتفاق الطائف على المستوى السياسي العام، إقليميا ودوليا. فيما تناول القسم الثالث أهم القرارات الدولية الضامنة للاستقلال والسيادة اللبنانيين (القرارات 2004/1559، 2006/1680، 2006/1701) الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. 

وبعد، فإن هذا الكتاب هو بحق كتاب موسوعي، أُعد ليكون تعريفا ومسحا شاملا لأهم القطاعات والمجالات التي تشمل التاريخ والجغرافيا والسكان والاقتصاد والتربية والسياحة والثقافة والسياسة. سوف يجد الباحثون، والمهتمون بالشأن العربي، ومحبو التاريخ والجغرافيا والفنون، مادة دسمة في هذا الكتاب الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة تتعلق بلبنان إلا وقام بدراستها ورصدها. وليت المركز العربي للأبحاث والدراسات يتصدى لإنجاز كتاب لكل دولة من دول وطننا العربي.


التعليقات (1)
نسيت إسمي
الجمعة، 20-05-2022 06:37 م
'' تاريخ السينما في لبنان '' يعود تاريخ صناعة السينما في لبنان إلى العام 1929، ففيه جرت المحاولة الأولى لتصوير فيلم سينمائي بتمويل فردي، إذ أنتج هاوٍ إيطالي يُدعى جوردانو بيدوتي فيلماً فكاهياً صامتاً عنوانه "مغامرات إلياس مبروك"، وكان يومها يصوّر بعض الأفلام الإخبارية لمصلحة شركة "باتيه ناتان" الفرنسية. ثم صوّر في العام 1931 فيلم "مغامرات أبو عبد"، الذي أنتجه رشيد علي شعبان الشهير بـ"أبي عبد الجرس"، ومثّل فيه مع ابنه وابنته، وقد حمل هذا اللقب لأنه كان يحمل جرساً صغيراً ويقف عند مدخل قاعة العرض السينمائية المعروفة في ذلك الوقت باسم "الكوزموغراف"، وينتقل بجرسه إلى ساحة الشهداء داعياً الجمهور إلى مشاهدة العروض السينمائية. تدور قصة هذا الفيلم حول رجوع أبي العبد من أفريقيا، وما يحدث معه من مغامرات، وتتخلّل الشريط مشاهد مصوّرة في ساحة الشهداء والروشة، إضافة إلى مشاهد مستعارة من أفلام أجنبية تجعل المتفرج يعتقد أن أبا العبد كان في أفريقيا، وأنه شاهد الأفاعي الكبيرة والحيوانات المفترسة. بعد هذه المحاولات، أنشئ أول ستوديو في لبنان في العام 1933، وحمل اسم "لمنار فيلم". أسّست السيدة هيرتا غرغور هذا الاستوديو بالتعاون مع شركة "قطان وحداد" التي كانت تملك عدداً من الصالات السينمائية في سوريا ولبنان، ونتجت من هذه الشراكة ولادة أول فيلم سينمائي ناطق في العام 1934، وكان عنوانه "بين هياكل بعلبك". توقف ستوديو "لمنار فيلم" سريعاً عن العمل مع بدء الحرب العالمية الثانية، إلا أن السينما اللبنانية عادت لتنطلق مجدداً في العام 1943 عندما قدّم المخرج علي العريس فيلم "بيّاعة الورد"، ثم "كوكب أميرة الصحراء" في العام 1946. " مقدمة كتاب " السينما في لبنان 1929 ـ 1979" لعبودي أبو جودة، لدى "الفرات للنشر والتوزيع".