تقارير

نفق "بلعا" معلم عثماني محفور في عمق جبال فلسطين

نفق بلعا شيدته الدولة العثمانية قبل نحو قرن ونصف القرن من الزمان لعبور قطار الحجاز آنذاك
نفق بلعا شيدته الدولة العثمانية قبل نحو قرن ونصف القرن من الزمان لعبور قطار الحجاز آنذاك

في الوقت الذي تدعي فيه الدول الغربية أنها أول من دشن ما يعرف بـ "مترو الأنفاق" في العصر الحديث؛ فإن نفق بلعا في مدينة طول كرم شمالي الضفة الغربية يُكذّب هذا الادعاء، حيث شيدته الدولة العثمانية قبل نحو قرن ونصف القرن من الزمان لعبور قطار الحجاز آنذاك.

كان هذا النفق أو "الخرق" والذي لا تزال آثاره موجودة حتى الآن النفق الأول في منطقة الشرق الأوسط وهو جزء من خط قطار الحجاز، وقد ربط فلسطين وبلاد الشام والحجاز.

واعتبر جهاد ياسين، مدير عام التنقيبات والمتاحف وزارة السياحة والآثار الفلسطينية النفق بأنه جزء من مشروع سكة حديد الحجاز.

وقال ياسين لـ"عربي21": "نفق بلعا عبارة عن خرق كانت تمر فيه سكة الحديد، وفي جوانبه من اليمين والشمال، يوجد وسعات يمكن أن يتوقف داخلها أي شخص إذا ما فاجأه القطار المار عبر النفق، إضافة إلى قناديل للإضاءة في حال وصل القطار ليلاً، مشيراً إلى أن هذه المنطقة كانت معمورة في فترة من الفترات".

 

      جهاد ياسين.. مدير عام التنقيبات والمتاحف وزارة السياحة والآثار الفلسطينية

وأضاف: "بني نفق بلعا في الفترة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم ما بين الفترة (1876 ـ 1909)، وتم إنجاز النفق بمشروع سكة الحديد في بداية القرن العشرين، لتسهيل سفر الحجاج من فلسطين وبلاد الشام إلى الديار الحجازية، ولتخليد هذا الإنجاز المشروع أقيم احتفال كبير في ساحة المرجة بدمشق، وحتى اليوم يرى الزائر لتلك الساحة نصباً تذكارياً لذلك".

وأوضح أن طول النفق يبلغ (800) متراً في باطن الجبل، وتكتسب قمة الجبل أهمية تاريخية وأثرية كونها عبارة عن خربة رومانية مليئة بالمعالم الأثرية القديمة، كالآبار والمُغر وأساسات بناء قائم، ومقابر جماعية.

من جهتها أكدت الباحثة في التاريخ والآثار إسلام حبوش على ان نفق بلعا يكتسب أهمية تاريخية كبيرة لدى أهالي بلعا ومدينة طول كرم من جهة، وباقي الفلسطينية من جهة أخرى.

وقالت حبوش لـ "عربي21": نفق بلعا التاريخي كان يشكل نقطة التقاء للعديد من القرى المجاورة، ويتم خلاله التعارف بين الناس، حيث يعتبر المتنفس الوحيد وقبلة الباحثين عن الهدوء والهواء النقي، ما يفسح المجال للتأمل والاسترخاء الذهني في كافة فصول السنة.

وأضافت: حينما تدخل النفق تستشعر درجة الإتقان التي بنيت بها أقواسه وزواياه، إذ شارك في تصميمه وتنفيذه عدد من المهندسين الألمان نظرا للعلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين العثمانيين وألمانيا آنذاك لتمزج أصالة الشرق وسحره بالخبرة والمهارة الغربية التي اشتهرت ووصلت إلى ما وصلت إليه من تطور".

 

 

 

وأوضحت أن نفق بلعا هو من الأماكن التاريخية التي تجتذب المواطنين والمجموعات الفلسطينية الناشطة في مجال التجوالات البيئية والسياحية، إضافة إلى السياح كونه من المعالم التي تمزج بين جمال التراث والطبيعية الخلابة في تلك المنطقة".

وأوضحت حبوش أن إنشاء السكة الحديد جاء في خضم المؤامرات الخارجية والاضطرابات الداخلية وتدهور الاقتصاد وخلوّ الخزانة في الدولة العثمانية.

وقالت: "كان للسلطان عبد الحميد حلمٌ يتمثل في ربط الحجاز وغيرها من الولايات العربية بالعاصمة إسطنبول، للحفاظ على هذه الدولة مترامية الأطراف، والتي دب فيها الضعف ووصفها الأوروبيون بالرجل المريض، فأصدر أوامره عام 1900م بإنشاء خط سكة حديد من دمشق إلى المدينة المنورة مرورا بالعديد من المدن العربية حيث كان نفق بلعا احد أطرافه".

وأضافت: "قرر السلطان أن يكون المشروع بأموال إسلامية خالصة فلم يلجأ للاقتراض، وشكل هيئة عليا من خيار رجال الدولة على مختلف تخصصاتهم، ترأّسَها عربيّ، وهو عزت باشا العابد من دمشق، حيث كان السلطان يُقرّب إليه العرب، ولما كانت الميزانية المُخصصة للمشروع من خزانة الدولة (18%) لا تكفي لإنجازه، فقد أمضى السلطان عدة إجراءات لسد النقص حتى لا يلجأ للاقتراض من الدول الأجنبية".

وأوضحت أنه شارك في تشييد السكة حوالي 5000 إلى عامل أغلبهم من الجيش العثماني وللاهتمام بصيانتها، تم افتتاح معهد لتخريج مهندسي سكة الحديد في اسطنبول.

وقالت حبوش: "وبما أن السكة تمر بأودية كثيرة تم إنشاء حوالي 2000 جسر من الحجر المنحوت، كما تم توزيع محطة على بعد كل 20 كم وأحيانا أقل لحراسة السكة وتوفير بئر أو خزان لحفظ المياه في كل محطة إذ تعبر في مناطق منعزلة موحشة لا يوجد قربها أي تجمع مدني".

وأضافت: "إن عمال السكة الذين وفدوا من جميع أنحاء العالم، عانوا كثيرا خلال عملهم في الصحراء من شدة الجوع والبرد والعمل الشاق، حتى أن بعضهم دفن على جوانب السكة".

من جهته أكد الكاتب والصحفي ليث الجعار على أن نفق بلعا التاريخي مهمش من الناحية الإعلامية ولا تسلط وسائل الإعلام الضوء عليه رغم أهميته التاريخية بالنسبة للشعب الفلسطيني كونه أول مترو أنفاق في العالم.

 

                    ليث الجعبار.. كاتب وصحفي فلسطيني

وشدد الجعار في حديث لـ "عربي21" على أن نفق بلعا من الأماكن المهمشة إعلاميا، مطالبا بتسليط الضوء عليها.

وقال: "للأسف هناك عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين لا يعرفون شيء منطقة الخرق العثماني في بلدة بلعا قضاء مدينة طولكرم، وذلك بسبب تهميشه المتواصل".

وأضاف: "أن المسؤولية تقع في ذلك على كامل المؤسسات، كالسياحة والآثار ووزارة الثقافة وكذلك التربية والتعليم والحكم المحلي لما فيها من دور كبير في توعية الشاب الفلسطيني الناشئ حول قضيته والأماكن الأثرية فيها وخلق جيل جديد يحافظ على أرضه ووطنه".

وتابع: "هناك تقصير واضح من مؤسسات السلطة والمجتمع المحلي المتخصص في قضية الآثار والأماكن الأثرية وتهميشها ما أدى لدثر تلك المعالم وتغيير حقيقتها، كعدة أماكن أثرية مثل دار الضرب في قرارة بني حسان الذي يحاول الاحتلال السيطرة عليه والأماكن الأثرية في سبسطية".
 
واستعرض الجعار أنماط وسائل الإعلام التي ينبغي على أي إعلامي تقديمها أجل تصدير قضية الآثار والأماكن الأثرية عبر وسائل الإعلام  ومنها نقل الصورة الحية من الأماكن الأثرية لتعريف الجمهور بها وخلق معرفه عن المكان، ودعوة الجمهور لزيارة المكان بالتنسيق مع البلديات والجمعيات السياحية.
وأشار الجعار إلى أن هناك ضعف كبير وواضح في وسائل الإعلام الفلسطينية لتصدير ونشر قضية الأماكن الأثرية عالمياً.

وعزا هذا الضعف بالتقصير في معرفة الكثير من الإعلاميين عن هذه الأماكن نتيجة لتهميشها المستمر والمتواصل من قبل المؤسسات المعنية بتلك الأماكن.

وقال: "يواجه الإعلاميون الفلسطينيون صعوبة في تصدير قضية تلك الأماكن بسبب العربدة الإسرائيلية المتواصلة بحق تلك الأماكن فتارةً يحاول الاحتلال طمس المعالم وأحقية العرب بها، وتارةً أخرى يسعى جاهداً لنسب تلك الأماكن له وتغيير مكونات تلك الأماكن".

وأضاف: "ومع ضعف الإعلاميين الفلسطينيين بتلك الأماكن أصلاً بسبب تهميشها من قبل المؤسسات يتمكن الاحتلال من إقناع الرأي العام العالمي بأن تلك الأماكن تعود له وتثبيت أحقية اليهود بتلك الأماكن".

وشدد الجعار على أن للاحتلال دوافع من خلال الحديث عن تهويد تلك المواقع وطمس هوية الأماكن الأثرية تتمثل في تزييف الرواية الحقيقية لتلك الأرض وطمس هويتها العربية، وخلق جيل عربي فلسطيني جديد فارغ من هويته الوطنية مسلّم بالأمر الواقع، وإقناع الرأي العام العالمي بأحقية اليهود بهذه الأرض.

 

 


التعليقات (0)