تقارير

"الفالوجة" الفلسطينية.. استعارت اسمها من متصوف عراقي

ما بقي من آثار مدينة الفالوجة الفلسطينية
ما بقي من آثار مدينة الفالوجة الفلسطينية

أقيمت الفالوجة على رقعة أرض كثيرة التلال في السهل الساحلي، ويمتد وادي الفالوجة عند حدودها الشرقية والغربية، وكان الوادي عميقا ما منح القرية مزايا دفاعية، كما أنها تعتبر المركز لشبكة الطرق العامة المؤدية إلى الخليل والقدس ويافا وغزة وغيرها. 

يعتقد أن الفالوجة أقيمت في موقع كان يعرف باسم "زريق الخندق" والزريق مستمد من اللون الأزرق، وهو تسمية عامية لنبات بقلي له أزهار زرق يدعى الترمس وكان ينبت حول الموقع. 
 
وفيما بعد أصبح اسمها الفالوجة تكريما لشيخ من المتصوفين يدعى شهاب الدين الفالوجي الذي جاء إلى فلسطين من العراق في القرن الرابع عشر للميلاد وأقام قريبا من الموقع بعد أدائه فريضة الحج قاصدا القدس والمسجد الأقصى، لكنه توفي ودفن فيها، وحول ضريحه تكونت نواة القرية. 

كانت الفالوجة في عام 1569 قرية في ناحية غزة وفيها 413 نسمة. وكانت تدفع الضرائب على عدد من الغلال كالقمح ومن تربية الماعز والنحل والمواشي وكروم العنب. 

في أواخر القرن التاسع عشر كانت قرية الفالوجة محاطة بواد من جوانبها الثلاثة، وفي الثلاثينيات بدأت أحياؤها السكينة بالتوسع وامتدت لاحقا إلى الطرف الآخر من الوادي الذي أصبح يشطر القرية شطرين: شمالي وجنوبي. وقد بنيت الجسور فوق الوادي لتسهيل العبور بين شطري القرية. 

كان سكان الفالوجة من المسلمين ولهم فيها مسجد يضم ثلاثة أروقة تعلوها قباب أحدها مقام الشيخ الفالوجي، كما كانت القرية تضم عدة مقامات أخرى أقل أهمية. 
 
كان سكان الفالوجة يعملون على الأغلب في الزراعة البعلية فيزرعون الحبوب والخضروات والفاكهة. وكانت التجارة تمثل القطاع الثاني من حيث الأهمية الاقتصادية، فكانت سوق أسبوعية تقام في الفالوجة ويؤمها التجار والمشترون من جميع قرى المنطقة وبلداتها. بالإضافة إلى الزراعة والتجارة كان سكان القرية يعملون في تربية الحيوانات والدجاج وفي طحن الحبوب وفي التطريز والحياكة وفي صناعة الفخار وكان في الفالوجة مصبغة شهيرة تستقطب الزبائن من أرجاء المنطقة كافة. 

 

              صورة يعتقد أنها لعصابات الهاغاناه لدى مهاجمتها الفالوجة

وتتميز الفالوجة بسعة أراضيها الخصبة والبالغ مساحتها 38,038 دونما، وعدد سكانها الكبير الذي بلغ في حين النكبة ستة آلاف شخص. 

وتبعت الفالوجة في العصر التركي لقضاء الخليل، وفي فترة الاحتلال الإنجليزي لقضاء غزة، وهي مذكورة في المصادر المملوكية والتركية كحاضرة من حواضر فلسطين، وحول القرية وحياة الفلسطينيين. 

وفي حرب عام 1948 اشتبكت قافلة إمداد صهيونية رافقت عربات مصفحة تابعة لعصابات الهاغاناه مع السكان في معركة قتل خلالها 37 عربيا و7 يهود وجرح العشرات من العرب وثلاثة من اليهود.  

ولم يتوقف القتال هنا فقد عادت مجموعة صهيونية أخرى في اليوم ذاته إلى القرية ومعها فرقة للمتفجرات تابعة لـ"الهاغاناه" فنسفت عشرة منازل في الفالوجة بما فيها البناء الذي يضم مجلس بلدية القرية وهو مؤلف من ثلاث طبقات.  

عند نهاية تشرين الأول (أكتوبر) من نفس العام حاصرت القوات اليهودية لواء مصريا كان يخدم فيه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكان متمركزا في الفالوجة وفي قرية عراق المنشية المجاورة.  

وصمد اللواء حتى شباط (فبراير) 1949 حين سلم "جيب الفالوجة" إلى دولة الاحتلال بموجب اتفاقية الهدنة بين مصر والاحتلال، غير أن الاحتلال نقض نصوص الاتفاقية فور توقيعها تقريبا إذ أرغم السكان بالإرهاب والقوة على مغادرتها في تاريخ لا يتعدى 21 نيسان (أبريل) عام 1949.

وخلال أيام قليلة باشرت القوات الإسرائيلية في ارتكاب أعمال الضرب والسرقة ومحاولات الاغتصاب، بحسب ما شهد مراقبو الأمم المتحدة الموجودون في الموقع.

 

                    قوات الاحتلال لدى سيطرتها على الفالوجة عام 1949

وكتب المؤرخ بني موريس، يقول إن قرار العمل على طرد سكان "جيب الفالوجة" كان على الأرجح قد نال موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية دافيد بن غوريون. وفيما بعد تظاهر المسؤولون الإسرائيليون بالسخط حيال ما حدث كما أنهم خدعوا المجتمع الدولي في شأن الأعمال الإسرائيلية.  

وبذلك كانت بلدة "الفالوجة" آخر المدن والقرى الفلسطينية التي سقطت بيد العصابات الصهيونية عام 1949، بعد معركة صمود وتحد سطرها أهلها في الدفاع عنها، والإصرار على عدم الخروج منها، حيث قدم أهلها والحامية المصرية التي كانت مرابطة بالبلدة نحو 400 شهيد. 

لم يبق من القرية اليوم سوى أسس مسجدها وبعض البقايا من حيطانه. وتغطي الأنقاض المتراكمة والمبعثرة موقع المسجد ويمكن مشاهدة بئر مهجورة وبركة، وينمو في الموقع صف من شجر الكينا ونبات الصبار وشوك المسيح والزيتون. وقد أنشئت عدة أبنية حكومية إسرائيلية ومطار على الأراضي المجاورة المزروعة في معظمها. 

وأقيمت بلدة "كريات غات" الإسرائيلية على الأراضي التابعة لعراق المنشية والواقعة بينها وبين الفالوجة. وتوسعت الآن لتبلغ أراضي الفالوجة أيضا. وأنشئت مستعمرات "شاحر" و"نير حين" في عام 1955 على أراضي القرية. 

المصادر 

ـ وليد الخالدي، كي لا ننسى. مؤسسة الدراسات الفلسطينية‎. 
ـ عارف العارف، نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود. 
ـ الفالوجة.. حكاية المدينة الأخيرة في "مجلد" النكبة، المركز الفلسطيني للإعلام،17/5/2016. 
ـ عوض الرجوب، حصار الفالوجة.. عندما التحم الجيش المصري والشعب الفلسطيني، الجزيرة نت، 13/5/2019. 
ـ قرية الفالوجة، الأرشيف الرقمي الفلسطيني، جامعة بيرزيت. 


التعليقات (0)