أفكَار

نزوع لافت لاستحضار النبوءات الدينية في الحروب والصراعات

علماء يدعون للتحقق من أحاديث الفتن وأشراط الساعة وآخر الزمان، مع عدم التسرع في إنزالها على الواقع
علماء يدعون للتحقق من أحاديث الفتن وأشراط الساعة وآخر الزمان، مع عدم التسرع في إنزالها على الواقع

تزدهر في أجواء الحروب سرديات الخلاص "الخوارقي"، وتنتعش روايات مخلّص آخر الزمان، وما يُنسج حولها من قصص وحكايات بين أتباع الديانات السماوية، فيكون لتلك السرديات حضور طاغٍ في فهم الأحداث السياسية الجارية، وربطها بأحداث آخر الزمان، وأحاديث الفتن وأشراط الساعة، ونهاية العالم. 
 
ووفقا للكاتب والباحث الفلسطيني، هاني طاهر، فإن "الناس في زمن الحروب سرعان ما يستحضرون النبوءات، ويميلون إليها كثيرا، فترى من يستشهد ببعض الروايات ويطبقها على الواقع، ثم تشيع بين الناس ويصدقونها، ثم يكثر تداولهم لها بشيء من المبالغات التي تزداد يوما بعد يوم".
 
واستذكر في هذا السياق ما حدث إبان غزو العراق للكويت من انتشار رواية انحسار الفرات عن جبل من ذهب، التي انتشرت كالنار في الهشيم، أخذا من الحديث النبوي "يوشك الفرات أن يَحْسِر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا" (رواه البخاري).

 

                        هاني طاهر.. كاتب وباحث فلسطيني

كما استرجع طاهر في حديثه لـ"عربي21" رواج بعض الأحاديث النبوية كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سَبوا منا.."، حينما تمدد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أرض العراق وسوريا، وهي الرواية التي تربط أحداثها بين ذلك الاقتتال ونزول عيسى عليه السلام وظهور الدجال".
 
وعن النبوءات عند المسيحيين، لفت طاهر إلى أن "بعض الذين ينتظرون نزول المسيح ونهاية العالم من المسيحيين، عندهم أطنان من نصوص الكتاب المقدس التي يخوضون في تفسيرها صباح مساء، ويتوهمون تطبيقها كلما حدثت أزمة، بل لعل بعضهم يحاول افتعالها، حتى تتحقق هذه النبوءات.. وحيثما وليت وجهك عثرت على من ينتظر تحقق نبوءاته في هذه الحرب أو تلك".

وعلق على النزوع اللافت لاستدعاء النبوءات وإنزالها على الواقع بالقول: "ستنقضي هذه الأزمة من دون أن تتحقق نبوءة أحد، فقد خلت أحداث عبر التاريخ أعظم مما نحن فيه وأخطر، ولم تخصها أي نبوءة"، متسائلا: "فلماذا يُفترض وجود نبوءات تخص هذه الحرب أو تلك؟".

وأرجع طاهر استدعاء الناس للنبوءات، وتعلقهم بها إبان الحروب والصراعات إلى "كثرة الانكسارات، فيعيش الناس على الأمل، فتخرج الحروب ما بداخلهم من أمل بانتهاء الإحباط، والغريق يتعلق بقشة، ولذلك سلبيات من أبرزها: إضاعة الوقت في التأويلات البعيدة عن الواقع، وزيادة مساحات الإحباط بعد خيبة الأمل وعدم تحقق تلك النبوءات، مهما كان تفسيرها وتبريرها، وكذلك زيادة الخلافات والتشاحن بين الناس بسبب الخلاف في تفسير تلك النبوءات وفهمها وإنزالها على الواقع".

من جهته قال الأكاديمي الأردني، المتخصص في العقيدة الإسلامية، الدكتور طارق السرحان: "مما لا شك فيه أن المجتمع انعكاس للأفراد، ولما كان الفرد يقوم بنسج آماله وطموحاته وتمنياته بالخلاص عند وقوع الخطر أو اقترابه، فإن هذا نفسه يحصل مع المجتمع كوحدة واحدة".

 

                      طارق سرحان.. كاتب أردني متخصص في العقيدة 


وأضاف: "وليست المشكلة في الآمال والطموحات نفسها، ولكن المشكلة أنها قد تكون أحيانا غير قائمة على أساس واقعي، ولا شيء يؤكد هذا الأمر عند الإنسان أفضل من الدين، فيقوم باستحضار واجترار نصوص تحدثت عن أحداث نهاية الزمان، ويُسقِطها على واقعه، والإشكال الآخر أن اجترار النصوص يشمل ما هو صحيح وما هو ضعيف".
 
وتابع لـ"عربي21": "بل قد يتم تداول فهم الناس لحديث ما، على أنه هو نفسه النص، وهذا ما يحصل بالضبط مع المجتمع، إذ تنتشر هذه السرديات كنوع من أنواع الطموحات للخلاص من الأوضاع القائمة. ولو نظرنا إلى الدين نفسه، فإننا نجد الدين يأمرنا بالعمل، وبذل الطاقة لتحسين الواقع بقدر الطاقة، وليس في أحاديث آخر الزمان ما يدعو إلى مجرد الاتكال".
 
ولفت السرحان إلى أن "أحاديث الفتن وآخر الزمان هي نفسها تتحدث عن أن المسلمين سيفعلون كذا، وسيقومون بكذا، فليس في تلك الأخبار ما يدعو إلى مجرد الركون والترقب السلبي والانتظار، وهذا الأمر ليس في الأوضاع الصعبة التي قد تمر بالمجتمعات فقط، بل يمتد إلى الأحداث السياسية كذلك".
 
وأردف: "من واجب العلماء والدعاة الاجتهاد في ضبط كلام الناس عن الدين، ومحاولتهم إنزال النصوص على الوقائع المعاصرة بعينها من خلال نشر الوعي بالمعاني السليمة لتلك النصوص، ومن خلال إخبار الناس بأن التقلبات السياسية والاقتصادية مهما بلغت خطورتها، فإنها من الأشياء الطبيعية في الاجتماع الإنساني، والواجب التفاعل معها بحكمة ووعي تضمن تجنيب المجتمعات أي مشكلات بقدر الطاقة".
 
وفي ذات الإطار، أوضح المدون الجزائري، الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، محمد دخان، أن "الأحداث تؤدي دورا رئيسا في جعل الناس يبحثون عن إجابات شافية لما يعترض حياتهم، خاصة في الظروف الضيقة والأزمات الشديدة، فيهرعون إلى المحلل السياسي والواعظ الديني، للبحث عن إجابات تشغل أذهانهم".

 

                               محمد دخان.. مدون جزائري
 
وأضاف في حواره مع "عربي21" ومن هذه المداخل تأتي بعض التأويلات للأحداث الراهنة بربطها بروايات دينية عن آخر الزمان متمثلة في روايات الإمام المهدي، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، أو روايات آخر الزمان.. وقد دخل على خط هذه التأويلات أطياف من السنة والشيعة".
 
ومثّل لذلك من الساحة السنية بواقعة جهيمان العتيبي الذي اقتحم الحرم المكي تحت ذريعة تحقق المهدوية في محمد بن عبد الله القحطاني.. وعند الشيعة بظهور حركة "جند السماء" بقيادة ضياء القرعاوي في الكوفة، الذين كان لهم مخطط عسكري للسيطرة على النجف الأشرف، وتصفية بعض معارضيهم الفكريين".
 
ودرءا للتأويلات الفاسدة لأحاديث الفتن وأشراط الساعة وآخر الزمان، يشدد العلماء المحققون على ضرورة التحقق من أحاديث الفتن وأشراط الساعة وآخر الزمان، مع عدم التسرع في إنزالها على الواقع، وأهمية الرجوع إلى العلماء المتخصصين في العلوم الشرعية للتحقق من ثبوتها، وصحة فهمها، والابتعاد عن حملها على تأويلات فاسدة، تفضي حال إنزالها على وقائع معينة إلى مفاسد كبيرة وخطيرة".


التعليقات (0)