مع تنامي
مؤشرات التقارب بين
تركيا ودولة الاحتلال، والإعلان عن زيارة الرئيس
الإسرائيلي يتسحاق
هرتسوغ إلى أنقرة في أواسط آذار/ مارس، تبحث الأوساط الإسرائيلية كيفية الاستفادة من
هذا التقارب، رغم العلاقات الإيجابية لتركيا مع إيران وحماس، لكن تل أبيب تحتاج لمعرفة
كيف يمكنها الاستفادة من هذا التطور مع أنقرة، في ضوء أن كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس
رجب طيب أردوغان قرر تسخين العلاقات الإسرائيلية التركية.
يذكر
الإسرائيليون أن تركيا أول دولة إسلامية أقامت علاقات علنية معهم عام 1949، ولكن منذ
ذلك الحين عرفت علاقتهما تقلبات عديدة، فقد انضمت إسرائيل وتركيا إلى إيران أواخر خمسينيات
القرن الماضي لإنشاء تحالف يهدف لموازنة سعي مصر لتزعم العالم العربي بقيادة عبد الناصر،
وتضمن هذا التحالف السري تبادلًا استخباراتيًا وتعاونًا أمنيًا، ولكن مع تراجع ذلك
التهديد، توترت العلاقات الإسرائيلية مع تركيا بسبب حاجتها لصوت عربي في الأمم المتحدة
بشأن النزاع القبرصي.
أما
في الثمانينيات، فقد جاءت حقبة "باردة" بشكل خاص بعد قرار إسرائيل ضم القدس
1981، وحرب لبنان الأولى 1982، والاعتماد التركي على النفط العربي.. لكن نهاية الحرب
الباردة، ومؤتمر مدريد، واتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين، هيأت الأجواء لمرحلة متجددة
لتوطيد العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
البروفيسور
إيلي فوده، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة العبرية، وعضو معهد العلاقات الخارجية-
ميتافيم، ذكر في مقال على موقع "القناة 12"، ترجمته "عربي21"
أن "تقارب تركيا تجاه تل أبيب يدفعه عوامل أهمها الوضع الاقتصادي الصعب، وارتفاع
التضخم، وتخفيض كبير لقيمة الليرة، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، ما
يضغط على أردوغان لتحقيق إنجاز على الساحة المحلية، مع العلم أن السياسة التركية السابقة
أدت الى توتر علاقاتها مع إسرائيل ومصر ودول الخليج وغيرها، فيما شكل التقارب الإسرائيلي
مع اليونان وقبرص، أعداء تركيا، وإنشاء منتدى الغاز بدونها، تحديًا كبيرًا لسياستها
في مجال الطاقة".
وأضاف
أن "البوادر الإيجابية التركية تجاه إسرائيل تتزامن مع مثيلاتها تجاه مصر، وتوقيع
اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات مع الإمارات العربية المتحدة، تمهيدا للتقارب
مع الولايات المتحدة، سياسيًا واقتصاديًا. وقد تسبب قرار الولايات المتحدة بعدم دعم
خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، عبر اليونان وقبرص، بإيجاد فرصة للعودة للخيار
التركي كنقطة انطلاق لنقل الغاز من إسرائيل، وفي هذه الحالة يمكن تطوير مثلث اقتصادي
إسرائيلي تركي إماراتي".
من الواضح
أن المحافل السياسية والأمنية الإسرائيلية تناقش كيفية الرد على الخطوات التركية، ولعل
المعضلة الأهم تجاهها تتمثل في بقاء تعاون تركيا مع إيران، وكرم ضيافتها للإخوان المسلمين،
وقيادات حماس في أراضيها، ما قد يجعل تل أبيب تعتقد أنه لا ينبغي تقديم هدايا مجانية،
بل إن عليها الاستفادة من تطورات المنطقة، وهي تدرك أنه بجانب أهمية التجارة المتبادلة
مع تركيا، وهي مستمرة بغض النظر عن التوترات السياسية، فإنها مهمة في النسيج الإقليمي
لإسرائيل، نظرًا لحجمها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي والقوة العسكرية وعضوية الناتو
وقوتها الناعمة.
لا تبدي
المحافل الإسرائيلية تفاؤلا مفرطا بالعودة مع تركيا لتلك السنوات "الدافئة"
من النشاط الدبلوماسي، والتعاون العسكري والتنسيق الأمني، مثل مرحلة التسعينيات حين
تم توقيع ست اتفاقيات عسكرية، وإرساء التدريب المشترك للقوات الجوية، بجانب التجارة
الاقتصادية التي وصلت إلى مليارات الدولارات، فضلا عن التبادلات الثقافية والأكاديمية،
وبالطبع حركة سياحية نشطة.
ويدرك الإسرائيليون أكثر من غيرهم أن أي حدث على الساحة الفلسطينية قد يعيد الأمور إلى حالها من التوتر في العلاقة مع تركيا، خاصة بسبب حساسية الرأي العام التركي تجاه
القضية الفلسطينية، كما حصل عقب كل حرب تشنها إسرائيل على غزة، وأي اقتحامات يهودية
مستفزة للمسجد الأقصى.