كتب

المدرسة التونسية للفقه لمالكي وإشعاعها على محيطها الجزائري

قصة امتدادا المذهب المالكي من تونس إلى الصحراء الجزائرية في كتاب  (عربي21)
قصة امتدادا المذهب المالكي من تونس إلى الصحراء الجزائرية في كتاب (عربي21)

الكتاب: انتشار المذهب المالكي بإقليم توات وعلاقته بالمذهب المالكي بتونس
الكاتب: عبد العزيز بن محمد جدنا علي
دار النشر: مجمع الأطرش لنشر وتوزيع الكتاب المختص
عدد الصفحات: 656 صفحة

1ـ بين يدي الكتاب

آن هذا الكتاب، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه أنجزت بالمعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة التونسية، على نفسه أن يطرق موضوعا مهملا على أهميته. فيدرس المذهب المالكي بإقليم توات الصحراوي الجزائري الذي يعرف اليوم بأدرار. فيفصّل القول في كيفية وصوله إلى الإقليم وانتشاره فيه ثم يبحث في دور علماء توات في نشره في إفريقيا ما وراء الصحراء، تلك الربوع التي عُرفت تاريخيا بالسودان الغربي وتشمل بلدان مالي والنيجر ونيجيريا والسينغال اليوم مبرزا دور المدرسة المالكية التونسية في هذا الانتشار.
 
وحتى يدرس سبب شيوع المذهب المالكي بالذّات في هذا الإقليم دون غيره من المذاهب يصل دراسته بسكّان إقليم توات من جهة أصولهم وعاداتهم الاقتصادية وطرائق عيشهم، بحثا عن رابط بين حركتهم في فضائهم الصحراوي وحركة أفكارهم. ويتعهّد بأن تكون مقاربة تحليلية أنتروبولوجية.
  
2ـ في الفقه المالكي

يستهل الباحث أثره بالتعريف بالإمام مالك وبنشأة فقهه منذ تصدّره للإفتاء بالمدينة إلى نشأة المدارس الفقهية. فيقسم تاريخ هذا الفقه إلى خمس مراحل:
 
ـ مرحلة التأصيل وهي المرحلة التي ضبطت فيها الأصول وتولاّها الإمام مالك بن أنس بنفسه. فيعرض طريقته في صياغتها بدءا بالكتاب، نصِّه فظاهرِه فمفهومه ثم السنة مقدّما المتواتر منها على المشهور ثم الآحاد. وفيها أيضا يعتمد النصّ فالظاهرَ فالمفهوم. ويعدّ عمل أهل المدينة ثالث هذه الأصول محاولا فهم المراد من هذا الأصل فيما يُعتبر الرأي رابعها. ويشتمل على القياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع.

ـ مرحلة التفريع: وهي مرحلة بناء الفروع انطلاقا من أصولها، تولاّها أتباعه في الأقاليم المختلفة. وفي هذه المرحلة ظهرت المدارس الفقهية الأربعة: المدرسة المدنية والمدرسة العراقية والمدرسة المصرية والمدرسة المغاربية. بفرعها الأول بالمغرب الأدنى (الزيتونة والقيروان) وفرعها الثاني بالمغرب الأقصى (الأندلس).

 ـ مرحلة التطبيق: وهي مرحلة البحث في الوقائع المستجدة توافقا مع الأصول والصور الفرعية، فيها ظهرت المختصرات وشروح المختصرات ونشأت مدارس متفرّعة عن الفروع.

ـ مرحلة التنقيح والبحث عن الأقوى دليلا. ويعتبر الشيح أبا الحسن اللخمي رائدها.

ـ مرحلة الجمع والاختصار وهي المرحلة الأخيرة من تاريخ هذا الفقه قبل عصر النهضة. اتجهت إلى الجمع بعد استقرار مناهج المذهب ورسوخ رؤاه.

 

مثّلت بعثة يحي بن إبراهيم الجُدالي النواة الأولى التي سينشأ عنها اتّحاد من قبائلِ لمتونة، وجدالة، وصنهاجة ومنها تنبعث الدولة المرابطية شمالِ غربِ إفريقيا، بقيادة يوسف بن تاشفين تحت راية الخلافة العباسية ثم سيمتد سلطانها إلى شبه الجزيرة الأيبيرية.

 



وينتهي إلى الحكم بأن هذا المذهب يُعتبر الأنسب من بين مختلف المذاهب الفقهية لتوفيقه بين النظر والأثر ولمراعاة للواقع وللتنوّع ولانفتاحه على الآخر. وبإجمال "يمثل الاتجاه الفكري الأكثر أصالة ـ انتماء وشكلا ـ فهو ليس اتجاها تقليديا محافظا كما يصوّره البعض، وإنما هو اتجاه إيجابي ينسجم مع التطوّر الزّمني انطلاقا من التوسّع في الأخذ بالمصالح، واضعا في الاعتبار العمل الذي كان قائما في المدينة، معتبرا أنه الصّورة التطبيقية للشريعة الإسلامية".

3ـ خصائص توات، الإقليم الحاضن لهذا الفقه

انطلاقا من مقاربة حضارية تاريخية وجغرافية يحاول الباحث أن يدرس دور الفضاء الحاضن في ترسيخ الفقه المالكي في الإقليم. فقد نشر فيه عقبة ابن نافع الإسلام عند عودته من السوس بعد فتحه سنة 62. وكان سكانه من البربر أساسا ثم توافدت عليه أجناس مختلفة شكلت مزيجا بشريا يجمع بين العرب والزنوج. ولأنّ أرضه قاحلة وطبيعته عدائية و"سكانه فقراء، لا تنبت أرضهم غير التمر وقليل من الشعير" كان على أهله الترحال بحثا عن التزود بالمواد الغذائية. فجعلوا القيروان قبلتهم وكانت لهم في الآن نفسه صلات تجارية خاصّة، بشعوب جنوب الصحراء. وهذا ما جعل الإقليم همزة الوصل بين شمال إفريقيا وغربها. وكان لذلك أثره في إثراء الحياة العلمية في الإقليم. فقد كان طلبة العلم من بين الوفود التي تقبل على مدينة القيروان وعلى المذهب المالكي الذي يغلب على علمائها.
 
لقد قامت في الإقليم حركة علمية شملت المضمون تحفيظا للقرآن وتلاوة له وتفسيره وتحفيظا لموطأ مالك كما شملت أساليب التدريس. فحُرّرت الآثار العلمية الكثيرة. ويعرض الباحث خزائن الكتب ونماذج من المخطوطات الموجودة فيها التي تزيد عن 72000 مخطوط منها النادر والنفيس. فيدرج نماذج منها مما يوجد بالمكتبة الوطنية التونسية. ويذكر الباحث من بينها نوازل المغيلي والزجلاوي ومحمد التواتي. ويجد أنها امتداد للمدرسة التونسية. فقد كانت تشتمل على كثير من ملامحها. فاشتغلت خاصّة بفقه النوازل الذي يرتبط بالوقائع ويعمل على استخراج الأحكام الشرعية للحوادث الطارئة. ويلفت الأنباه إلى مادة ضخمة يمكن أن تكون موضوع تحقيق ودراسة. فهذه الكتابات ظلت إلى اليوم في بطون المجلدات.

 

المذهب المالكي يُعتبر الأنسب من بين مختلف المذاهب الفقهية لتوفيقه بين النظر والأثر ولمراعاة للواقع وللتنوّع ولانفتاحه على الآخر.

 



ولم يكتف التواتيون بالأخذ به والإسهام في نشره عند عودتهم إلى الإقليم. فقد عملوا على تأسيس مدرستهم الخاصة. فـ"أضفت عليه من روحها وطابعها الإضافة التواتية إذا صحّ التعبير، بما اختص به هذا الإقليم من خلال مدارسه القرآنية وزواياه وطرق تدريسه المنطلقة أساسا من المرجع والمنهج القيرواني الزيتوني، بما يتلاءم وطبيعة المجتمع الصحراوي". وكثيرا ما مثّل الإقليم نقطة انطلاق هذا المذهب نحو إفريقيا ما وراء الصحراء.

4 ـ من المباحث الفقهية في إقليم توات

يجعل عبد العزيز بن محمد جدنا علي من جهود الشيخ المغيلي أنموذجا لتقديم مدرسة إقليم توات الفقهية. فالفقيه صاحب عدة مؤلفات في الفقه المالكي، ينحدر من مغيلة الكائنة بأعمال تلمسان. خرج منها ناقما على سوء الأوضاع بها وببجاية المجاورة إلى إقليم توات. وهناك اصطدم بأوضاع أسوأ نتيجة لسطوة اليهود على الحياة السياسية وتحكّمهم في الاقتصاد عبر شراء ذمم القبائل. فأفتى بالتضييق عليهم في ما عرف بنازلة اليهود التي أثارت جدلا واسعا حينها. وتحولت إلى موضوع خلافي يدرس في حواضر تلمسان وفاس وبجاية وتونس. وعاد فيه الفقهاء إلى أصل أشمل هو كيفية التعامل بين المسلمين وأهل الذّمة. فمنهم من أقرّ بناء الكنائس وعدم جواز هدم كنائس يهود توات كابن زكري التلمساني (ت 889) وزكرياء بن أبي البركات الغماري. أما العصنوني فكان يرى أن ما أنكر على أهل الذمة يستوجب تدمير الكنائس.

 

بدا واضحا أن الباحث لا يعود إلى الماضي إلاّ وهو يجعل الحاضر نصب عينيه ويتطلع إلى المستقبل. فينزّل عمله ضمن البحث في "الروابط المشتركة بين الشعبين الجزائري والتونسي.. فكل شيء يجمع بينهما ولا يفرق.

 



وتمثل هذه النازلة عينة على التشاور العلمي بين روافد المدرسة التونسية الأمّ . وفي هذا الغرض كتب محمد بن قاسم الرصاع "لا مانع لهم من شراء ما يبنونه لسكناهم إذ هم يؤدون الجزية وهم تحت ذمة المسلمين وجزيتهم في سنة المسلمين تؤخذ طوعا أو كرها... فلهم أن يتصرّفوا فيها ببناء ما يحبون". فكان موقفه مشّجعا على التعايش بين الديانات المختلفة.
 
ويعدّ المغيلي من العلماء البارزين الذين ارتحلوا إلى بلاد السودان الغربي. فقد دخل بلاد آير(النيجر حاليا) وسكن مدة في عاصمتها أغاداس. ومنها اتجه إلى مدينة كاتشينا. ثم انتقل إلى مدينة كانو فمدينة غاو. فتولىّ تدريس تعاليم الدين الإسلامي الإفتاء والقضاء وتقديم الاستشارات لحكّامها. ولم يغادرها إلاّ بعد أن ترك وراءه تلامذة يعملون على مواصلة جهده في نشر المذهب.

5ـ الطريق الصحراوية والدور غير المباشر في تأسيس الدولة المرابطية:

يعرض الباحث عبد العزيز بن محمد جدنا علي أنموذجا مهما لدور المدرسة القيروانية والطريق الصحراوية التي تمرّ عبر الإقليم في نشر المذهب المالكي. فقد حدث أن دخل يحي بن إبراهيم الجُدالي زعيم بني جدالة الصنهاجية القيروانَ عائدا من الحجّ. وأخذ يختلف والمرافقينَ له إلى مجلس الفقيه أبي عمران الفاسي شيخ المذهب المالكي بالمدينة. وعند حديث الفقيه مع أفراد الوفد لمس لديهم حاجة أكيدة لتعلّم مسائل الدين ورغبة في ذلك. وتختلف روايات المؤرخين. 

ولكن حاصل جميعها يفيد أنه لم يجد من هو قادر على مرافقتهم لخوفٍ من صعوبة الرحلة أو توحش أهلها أو عدمِ دراية بلغة البربر. فأرسل إلى الفقيه المالكي بالسّوس الأقصى (وسط المملكة المغربية اليوم) أبي محمد وجّاج بن زلو اللمطي (ت 445) وهو أحد طلبته، أنْ "ابعث معه إلى بلاده من طلبتك من تثق بدينه وورعه وسياسته ليعلّمهم القرآن وشرائع الإسلام ويفقههم في دينهم". واستجاب الفقيه فأوفد إليهم عبد الله بن ياسين أحد طلبته. فجعل من مهمته في هذا الوسط الصحراوي فرصة لنشر دعوته التي تعمل على مقاومة الانحراف في الدين وعلى مدّ نفوذ المذهب هناك عبر تكوين المبعوثين وإرسالهم إلى القبائل المجاورة و"الملثمة والسودانية".
  
هكذا مثّلت بعثة يحي بن إبراهيم الجُدالي النواة الأولى التي سينشأ عنها اتّحاد من قبائلِ لمتونة، وجدالة، وصنهاجة ومنها تنبعث الدولة المرابطية شمالِ غربِ إفريقيا، بقيادة يوسف بن تاشفين تحت راية الخلافة العباسية ثم سيمتد سلطانها إلى شبه الجزيرة الأيبيرية.

6 ـ المذهب المالكي بإقليم توات وبعد؟

جاءت الدراسة ضخمة، يتجاوز عدد صفحاتها الست مائة صفحة تعمل على تسليط الضوء على امتداد  مختلف للمدرسة التونسية. ففضلا عن تأثيرها في الأندلس وفاس، مثل الوسط الصحراوي مسربا من مساربها التي قليلا ما ننتبه إليها. وهذا ما جعل الباحث ينتهي إلى أنّ الصلات العميقة بين دول المغرب قديما وحديثا تتجاوز مختلف مجالات العلم الشرعي من فقه وفتاوى وعلوم القضايا السّارية إلى ما هو ثقافي واجتماعي. ويجد في تفاعل الفقهاء في إقليم ما مع ما يقع في آخر دليلا على هذا التفاعل. ولئن كانت المدرسة التونسية صاحبة سبق وفضل فإن تأثيرها لا ينقص من جهود أبناء إقليم توات في تمثل المذهب المالكي والإضافة إليه والإسهام في نشره. ولكنّ عدم نشر آثارهم كان العائق الذي حال دون تقدير هذا الدور. فأغلب جهود علماء لا تزال محفوظة في شكل مخطوطات مهملة وهذا يعني أنّ جزءا كبيرا من المدونة الفقهية المالكية لا يزال مجهولا.

لقد بدا واضحا أن الباحث لا يعود إلى الماضي إلاّ وهو يجعل الحاضر نصب عينيه ويتطلع إلى المستقبل. فينزّل عمله ضمن البحث في "الروابط المشتركة بين الشعبين الجزائري والتونسي.. فكل شيء يجمع بينهما ولا يفرق. فالعرق الجنسي والعادات والتقاليد واللغة والعقيدة الدينية والتاريخ والحضارة والمصير المشترك كلّها واحدة عبر مراحل التاريخ ماضيا وحاضرا ومستقبلا". ومن ثمّة يدعو إلى مزيد إحكام التعاون العلمي والأكاديمي بين مؤسسات الزيتونة ومثيلاتها بالقطر الجزائري. ويدعو إلى إنشاء الهيئات المشتركة التي يعهد إليها تطوير برامج البحث العلمي. وينبه إلى ضرورة الاعتناء بتحقيق الكمّ الهائل من المخطوطات المركونة في خزائن الكتب ويعرض منها قائمة معتبرة موجودة في المكتبة الوطنية التونسية. 

لقد اهتدى الباحث إلى موضوع مهمل على أهميته. ولكن رغم ضخامة دراسته وغزارة جهده ظل عمله توثيقيا يجمع المعلومات ويعيد تبويبها دون أن يتدبرها عبر الاستقراء والتأويل. فيعيد فيها النظر ويقاربها المقاربة الأنتروبولوجية التي تدرس بناء الثقافات ووظائفها إنطلاقا من الأدلة المادية أو المقاربة الإيبستمولوجية التي تتبع المفاهيم وتطورها ووجوه ضبط ها للمصطلحات وتدقيقا لمفاهيمها ورصدا لاتجاهاتها الكبرى


التعليقات (1)
متابع
السبت، 29-01-2022 02:26 م
(( المذهب المالكي يُعتبر الأنسب من بين مختلف المذاهب الفقهية لتوفيقه بين النظر والأثر ولمراعاة للواقع وللتنوّع ولانفتاحه على الآخر. |)) لا يقول بهذا الكلام من يعرف المذاهب بل يحترم نفسه كل المذاهب سواء في المنزله و الاختلاف رحمه . الكتاب عباره عن تمجيد و دعايه مريضه لتونس ولا صله له بالفقه