هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت دعوة رئيس سلطة الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، المصريين إلى وضع أموالهم في البنوك بدلا من بناء البيوت أو استثمارها في قطاع العقارات، قلقا في الأوساط الاقتصادية والشعبية، خاصة مع تلويح السيسي بوقف البناء الخاص لمدة 10 سنوات.
وقال السيسي، خلال تواجده بمدينة أسوان الجديدة (جنوبا): "هذا الاستثمار ليس في محله، بدلا من وضع الأموال في العقارات ضعوها في البنوك، ولو أنك ترغب في بناء عقار بقيمة مليوني جنيه أنصحك بوضع هذه الأموال في البنك، لأن الاستثمار في العقار فرصة ليست كبيرة".
وأضاف أن وقف البناء داخل الدولة سيكون على مراحل، ولن نسمح لأحد -باستثناء الدولة- بالبناء في مشاريع الإسكان لمدة 10 سنوات من الآن، لحين وضع آليات منضبطة بشأن التراخيص وخلافه، وفقا لموقع قناة "النيل للأخبار" المحلية.
وأوضح أن "الدولة أخذت العديد من القرارات الخاصة بوقف المخالفات والبناء العشوائي، وكان منها إعادة بناء البلاد في غضون 10 سنوات، ولن يسمح لأي شخص بالبناء طوال هذه الفترة، من أجل إعادة ضبط آليات العمل والتراخيص".
"قرارات سابقة"
حديث السيسي يأتي على الرغم مما اتخذه من قرارات بوقف البناء لمدة 6 شهور منتصف العام 2020، ما تبعه فرض الكثير من القيود على عمليات البناء في محافظات مصر طوال 2021.
وأصدر نظام السيسي قانون التصالح في مخالفات البناء الذي استنزف المصريين ماديا، إذ صدرت نسخته الأولى 8 نيسان/ أبريل 2019، ليجري آخر تعديل عليه 7 كانون الثاني/ يناير 2020.
وخلال العديد من المؤتمرات واللقاءات أمر السيسي، بإزالة المباني المخالفة، كما قام على مدار السنوات الماضية بهدم آلاف المنازل للمواطنين بدعوى مخالفتها الاشتراطات، وذلك بأوامر شخصية منه جددها آخر مرة في 27 أيلول/ سبتمبر 2021.
وأمر السيسي مرارا حكومته ووزارة الداخلية بمواجهة تعديات البناء والمخالفات، وتجهيز قوات الأمن المطلوبة لتأمين أعمال الإزالة، واعتبار هذا الملف قضية أمن قومي، وتحويل أي محاولة للبناء المخالف على الأراضي الزراعية للنيابة العسكرية، بل وهدد بنزل الجيش لكل قرية.
وفي المقابل، يواصل النظام في مصر اقتحام قطاع البناء والتشييد والسيطرة عليه والاستئثار به، وخاصة في المدن الجديدة.
وعلى مدار السنوات الـ5 الماضية يبني السيسي العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، بجانب مدينة العلمين الجديدة (شمال غرب)، التي تشهد مبانيها وشققها السكنية ارتفاعا مبالغا فيه بأسعار تلك الوحدات بما يفوق قدرات وإمكانيات أغلب المصريين.
ووسط سيطرة النظام على قطاع البناء والتشييد الذي يسهم بـ17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء؛ قفز سعر طن الإسمنت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، لنحو 1250 جنيها مقارنة بنحو 725 جنيها من الشهر ذاته لعام 2020.
كما قفز سعر طن الحديد إلى 15 ألفا و500 جنيه مقارنة بنحو 9500 جنيه العام 2020 (الدولار يساوي 15.75 جنيه).
وفي آب/ أغسطس 2021، قال وزير الإسكان عاصم الجزار إن هناك زيادة سنوية في السكان من 2 إلى 2.5 مليون نسمة سنويا، تحتاج من 500 إلى 600 ألف وحدة سكنية.
واضطر المصريون مع زيادة حاجتهم للسكن إلى البناء بالأراضي الزراعية التي زادت بشكل مطرد خلال العقد الماضي. إلا أن نظام السيسي قام بتحجيم هذا الأمر، ما دفع المصريين للتوسع الرأسي بالبناء فوق منازلهم، وهو ما عرضهم لطائلة المخالفات وهدم الكثير من المنازل ودفع غرامات بالآلاف.
"فساد وابتزاز"
واشتكى عدد من المصريين لـ"عربي21"، من فرض موظفي الإدارات المحلية مبالغ مالية ورشا يتحصلون عليها منهم مقابل إنهاء ملفات المصالحة في مخالفات المباني، بمبالغ تتراوح بين ألف و5 آلاف جنيه.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أكد عدد من المواطنين لـ"عربي21"، أن نقاط الشرطة في الريف المصري أوكلت إلى بعض أفرادها بكل قرية متابعة الرقابة على عمليات البناء أو الترميم في القرى.
وأوضحوا أن هؤلاء العناصر التابعين للشرطة قلدوا ما يفعله موظفو المحليات بالحصول على مبالغ من المواطنين مقابل عدم الإبلاغ عن مخالفات البناء.
وعن دلالات توجيه السيسي المصريين لوضع أموالهم بالبنوك بدلا من العقارات والانعكاسات الاقتصادية على قطاع المصارف، قال الخبير الاقتصادي علي عبدالعزيز: "السيسي دائما يتخذ قرارت هامة بطريقة المصطبة ولا يعترف بالدراسات والأبحاث".
وأوضح لـ"عربي21"، أن "ناتج قطاع التشييد والبناء بـ2021 وصل إلى 260 مليار جنيه، وأغلب هذا الناتج من الحكومة، ولهذا فهي تحقق مكاسب وأهداف سياسية واقتصادية خاصة بها كتوجيه المشتريين للعاصمة الإدارية مثلا وإبعادهم قدر المستطاع عن المناطق الأخري بالجمهورية".
وتابع: "ويبدو أن الطلب بالفعل زاد على العاصمة الجديدة أضعاف ما كان عليه في 2019 و2020، ولكن هناك مشاكل كثيرة ستحدث لعامة الشعب بالفعل إذا جرى وضع ما يستثمره الكثيرون في قطاع العقارات بالبنوك، ومنع المصريين من البناء".
وأردف: "لو افترضنا أن ما يقارب الـ130 مليار جنيه كانت موجهة للعمالة المتعلقة بهذا النشاط قد توقفت فإن كثيرا من مصانع الطوب والورش ستتوقف أو تخفض إنتاجها، ما يزيد من أرقام البطالة بقطاع يعمل به أكثر من 3.5 مليون عامل في رقم ليس بالقليل".
وأوضح عبدالعزيز، أنه "لو تعطل نصفهم فهي كارثة بكل المقاييس وانعكاساتها الاجتماعية خطيرة؛ ولكن هذه عادة السيسي، لا ينظر إلا لما يرضي مزاجه الشخصي وأولويات اتجاهاته الخاصة".
"متاجرة بالأموال"
وفي رده على التساؤل "هل القطاع المصرفي يعاني من أزمة سيولة وبحاجة لاستقطاب مدخرات المصريين؟"، أكد أن "مشكلة البنوك أنها تخالف ما تقوم به الحكومات في العالم، والتي تحث المواطنين على الاستثمار وليس وضع الأموال بالبنوك".
وبين أن الأفضل اقتصاديا ضخ الأموال في قطاعات اقتصادية مختلفة وليس وضعها كمدخرات في البنوك بفائدة حالية 8.25 بالمئة تمنحها البنوك المصرية.
وأشار إلى أن "البنوك المصرية لا تقوم بأعمال وإنما متاجرة بالأموال، وبالتالي قد يكون للأمر أبعاد أخرى منها زيادة السيولة في قطاع ما، أو اقتراب تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى كما حدث في 2016".
ويرى الأكاديمي المصري أن "كلام السيسي مقلق للغاية، والأفضل المحافظة على قيمة الأموال بالذهب أو الدولار أو عقار مناسب، تحسبا لأي قرارات اقتصادية صادمة خلال الشهور القادمة".
ولفت إلى أن مخاوفه من حديث السيسي تأتي "خصوصا أن زيادة الدين الخارجي كبيرة واحتياج النظام لقروض جديدة في تزايد أيضا، وتوقعات ارتفاع فائدة الفيدرالي الأمريكي باتت قريبة".
وقال عبدالعزيز، إن "منع البناء بالفعل قد يسبب أزمة كبيرة للمقبلين على الزواج ومن ادخروا أموالهم حتي يبنوا بيتا أو شقة خلال السنوات الماضية، فتوقف البناء يجعلهم مجبرين على الشراء من مشروعات الدولة أو وقف خططهم الشخصية".
وفي تعليقه على احتمالات وجود مؤشرات لدى السيسي على حدوث فقاعة عقارية ويسعى للحد من خسائر محتملة لما بناه من عقارات، أكد الخبير المصري أن "توقف البناء يعني بالفعل رفع أسعار الشقق الموجودة أضعاف ما كانت قبل القرار".
وضرب المثل بسعر "شقة بمحافظة كفر الشيخ بمساحة 143 مترا وارتفع سعرها من 750 ألف جنيه إلى مليون و200 ألف جنيه، والأسعار تتزايد وستزداد أكثر إذا أوقف البناء 10 سنوات وستزداد الأزمات الاجتماعية لقطاع كبير من الشعب دون إدراك رأس النظام العسكري".
"مصدر المشكلة"
وفي تعليقه، قال الخبير الاقتصادي المصري ممدوح الولي: "قبل حوالي 20 عاما قال رئيس لجنة الإسكان بمجلس الشعب ورئيس لجنة الإسكان بالحزب الوطني آنذاك المهندس محمد محمود حسن، إنه لا توجد بمصر مشكلة إسكان ولكن مشكلة نقص دخول، بحيث لا يستطيع غالبية المصريين شراء شقق رغم وجود آلاف منها مغلقة" .
وأضاف في حديث خاص بـ"عربي21": "وما زالت تلك المقولة صحيحة حتى الآن، بدليل ضعف الإقبال على بعض أطروحات شقق الإسكان الاجتماعى المبنية من قبل الحكومة، بسبب ارتفاع أسعارها بالنسبة للقدرات المالية لغالبية المقبلين على الزواج".
وأردف: "وذلك رغم حصول الدولة على أراضي البناء بدون مقابل، إضافة إلى الدعم المالي المقدم من قبل صندوق الإسكان الاجتماعي لتلك الوحدات السكنية"، وفق رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق.
وأوضح أن "هذا ما يفسر ضعف إشغال الوحدات السكنية المبنية من قبل القطاع الخاص التي أشار إليها الجنرال المصري خلال حديثه، حيث يحصل القطاع الخاص على الأراضي بقيمة مرتفعة، بجانب ارتفاع أسعار مواد البناء والعمالة، وبالتالي تكون أسعارها فوق طاقة غالبية الشباب".
أما عن منع القطاع الخاص من البناء، فيرى الولي، أنه "غير ممكن عمليا، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى حدوث 876 ألف عقد قران عام 2020، بجانب 214 ألف حالة طلاق بنفس العام، ما يعني بلوغ حجم الطلب على الشقق خلال عام أكثر من مليون شقة، بالإضافة للطلب المتراكم من سنوات ماضية".
وتابع: "في حين كان عدد الوحدات التي بنتها الدولة شاملة القطاع الحكومي والقطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام معا أقل من 85 ألف شقة بالعام المالي 2019-2020، مقابل بناء القطاع الخاص أكثر من 109 آلاف شقة بنفس العام".
وأشار إلى أن "البناء من قبل الدولة والقطاع الخاص معا يبلغ 194 ألف شقة، أي أقل من 20 بالمائة من حجم الطلب السنوي".
"لصالح من؟"
وفي تعليقه قال السياسي المصري عزب مصطفى، إن "السيسي يصر على القيام بدور المقاولون، ومن يقوم بعملية البناء في مصر".
النائب البرلماني العمالي لثلاث دورات برلمانية، أرجع في حديثه لـ"عربي21"، سبب إصرار السيسي على القيام بدور البناء وحرمان المصريين من هذا الحق، بأن "هناك ركودا في السوق العقاري المصري بسبب ارتفاع الأسعار بالنسبة للوحدات السكنية".
ولفت إلى أن "هناك قرابة الـ 80 بالمئة من المصريين فقراء لا يستطيعون شراء هذه الوحدات؛ لذلك أراد السيسي إخلاء السوق من أي منافس حتى يكون للعسكر والحكومة التابعة له اليد العليا على سوق العقار".
ويرى مصطفى، أن توجه السيسي نحو فرض قيود جديدة على البناء، سيكون "سببا في وقف حال أكثر من 12 مليون مصري يعملون في هذا القطاع، وكذلك قرابة الـ20 ألف شركة ما بين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة".
وأشار إلى أنه "من قبل ذلك أوقف التراخيص الخاصة بالبناء لمدة ستة أشهر، ما أثر على السوق العقارية في كل المستويات"، مؤكدا أن "كل هذه القرارات لا تصب في صالح المواطن المصري، ولكن تصب في صالح التخمة الحاكمة".